الثلاثاء، 09 رمضان 1445هـ| 2024/03/19م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

Al Raya sahafa

 

2019-05-15

 

جريدة الراية:

التوظيف السياسي ونزعات الإقصاء والتمييز

من أقصى الغرب إلى سريلانكا في الشرق لمصلحة من؟!

 

بدأ في سريلانكا تنفيذ حظر ارتداء أغطية الوجه في الأماكن العامة، في أعقاب سلسلة هجمات انتحارية خلال عيد الفصح، قتل فيها 250 شخصا على الأقل بحسب ما قاله مكتب الرئيس مايثريبالا سيريسينا، ويمنع القرار ارتداء أي غطاء للوجه "يحول دون تحديد هوية الشخص" لضمان الأمن الوطني، ويقول مؤيدو الحظر إنه أمر حيوي للأمن العام، وإنه يشجع على اندماج (الأقليات) العرقية والدينية. (لندن 2019/4/30 بى بى سي).

 

في سريلانكا يشكل المسلمون نسبة 10% من مجموع السكان البالغ نحو 22 مليوناً. السنهاليون الذين يشكلون غالبية السكان رغم عدم تضررهم كبوذيين أصبحوا يشيرون بأصابع الاتهام إلى المسلمين، ويحملونهم مسؤولية الهجمات، ولا شك أن مسلمي سريلانكا هم المتضرر الأكبر على المدى البعيد، لما قد يترتب عليه من كراهية وإقصاء وتمييز، ووضع السلطات الأمنية لهم تحت المجهر، وكانوا فيما مضى عرضة للتمييز والعنف، صحيح تضرر النصارى من الهجمات الدامية لكن المخطط هو لإلحاق ضرر أكبر وأوسع بالمسلمين، وهذه الهجمات تحمل في طياتها تشويه صورة الإسلام والمسلمين ليسهل بعد ذلك منع المسلمين من حقوقهم المشروعة، كما هو الحال في منع النقاب.

 

في القرن الواحد والعشرين وبعد سيطرة العلمانية على العالم، لم تعد مساحات الكراهية للآخر حكراً على بعض التيارات اليمينية في الغرب بعد أن أصبحت مجال تجاذب سياسي وقانوني بشأن الحريات الدينية، وأسس العلمانية المتأرجحة لتتحول إلى جدال مجتمعي واسع لا تخلو تفاصيله من التوظيف السياسي ونزعات الإقصاء والتمييز في كل العالم، حتى وصلت من أقصى الغرب إلى سريلانكا في الشرق، وكانت البداية بعد نهاية الحرب الباردة حيث صنع الغرب لنفسه عدواً وهمياً، وعمل وفق استراتيجيته لتصوير الإسلام على شاكلة التهديد الذي يتربص به، ولكي يكتمل المشهد أطلق مصطلحات عدة لتتواءم مع هذه الفكرة مثل الإسلام الراديكالي، والإسلام المعتدل، وصولا إلى مصطلح (الإرهاب)، وأصبح بالإمكان توظيف هذه المصطلحات لضرب الإسلام. ووفقا لهذا السيناريو المضلل والخبيث وجد الغرب في زي المسلمة الشرعي تجسيداً حيا واختزالاً للإسلام بكل مقوماته التشريعية والتاريخية، وحتى الثقافية، باعتباره رمزا إسلاميا له دلالاته المعنوية التي تجعل الغرب بتعري نسائه مؤاخذا ومتحسسا من امرأة اختارت بحرية أن ترتدي ما تشاء!

إنهم لم يحاربوا سوى الإسلام في لباس المسلمة، لأن دول العالم أجمع يختلف لباس نسائها بعضهن عن بعض، فلماذا تُركت جميع نساء أهل تلك الأديان والطوائف والمذاهب، ليلبسن ما شئن إلا النساء المسلمات فإنه يضيَّق عليهن وتوضع السياسات لإرغامهن على ما يسمى بالاندماج في ثقافة لا يؤمنّ بها؟! بعد أحداث 9/11 فإن المسلمين الذين يعيشون في الغرب قد واجهوا هجوماً ضد الهوية الإسلامية، وسياسة صريحةً للاندماج، تنادي المسلمين لاعتناق قيم العلمانية، وترك مفاهيم الإسلام. هذا النداء مصمم لإيجاد إسلام جديد، يجعل الفرد المسلم في مجتمعاتهم يكتفي بالإسلام عقيدةً، ولكن يفصل هذه العقيدة عن الحياة، ويتبنى بدلاً من ذلك المفاهيم العلمانية عن الحياة. وهذا ما صرح به جاك سترو قائلاً (نريد المسلمين البريطانيين ونظراءَهم من الأوروبيين الآخرين أن يصبحوا أكثر وأكثر اندماجاً في طراز معيشتنا الديمقراطية، وستظهر مع مرور الوقت الضرورة الملحة للإسلام الأوروبي)، وكانت فرنسا أول بلد أوروبي يمنع ارتداء النقاب في الأماكن العامة في عام 2011م، وفي سنة 2013 قدم المجلس الأعلى للاندماج في فرنسا مقترحا يقضي بمنع الخمار في الجامعات والذي عكس توجها نحو توسيع سياقات الحظر التي شملت المدارس وأجهزة العمل الحكومي منذ عام 2010. لم يكن هذا القانون تعبيرا عن نزعة يمينية متطرفة تجاه الخمار بقدر ما مثل استمرارا لموجة من العدائية المفرطة تجاه هذا الرمز الذي أصبح يختزل التهديد الإسلامي للقيم الأوروبية، ثم أقرت المنع المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في تموز/يوليو 2014م.

 

في آب/أغسطس 2018 الدنمارك تتبع نهج فرنسا نفسه فأصبح "أي شخص يرتدي غطاء يخفي وجهه في الأماكن العامة" يغرم 1000 كرونه (أي ما يعادل 157 دولارا أمريكيا)، وتضاعف قيمة الغرامة 10 مرات لمن تكرر المخالفة، وأقر مجلس الشيوخ في هولندا قانونا في حزيران/يونيو 2018 يحظر فيه ارتداء النقاب في المباني العامة، مثل المدارس والمستشفيات والمواصلات العامة. ويمنع في ألمانيا ارتداء النقاب خلال قيادة السيارة. ووافق مجلس النواب في البرلمان الألماني على منع جزئي لذلك على القضاة وموظفي الحكومة والجنود، ويقضي القانون بكشف أي امرأة، ترتدي النقاب، لوجهها إذا تطلبت الضرورة تحديد شخصيتها. وفي تشرين الأول/أكتوبر 2017 أقرت النمسا حظرا على النقاب في الأماكن العامة، مثل المحاكم والمدارس. وكانت بلجيكا قد منعت في تموز/يوليو 2011 ارتداء النقاب. ويحظر القانون ارتداء أي غطاء يحول دون تحديد الشخصية في الأماكن العامة، مثل الشوارع أو مرائب السيارات. كما أقرت النرويج قانونا في حزيران/يونيو 2018 يمنع ارتداء النقاب في المؤسسات التعليمية. ووافق البرلمان البلغاري في 2016 على تغريم أي امرأة تغطي وجهها في الأماكن العامة، وحرمانها من الإعانات الإنسانية. وتوجد في لوكسمبورغ قيود في بعض الأماكن العامة، مثل المستشفيات، والمحاكم، والبنايات العامة. ومنعت بعض الدول الأوروبية ارتداء النقاب في بعض المدن أو الأقاليم فيها، ومن بين تلك الدول إيطاليا، حيث فرض المنع فيها حزب رابطة الشمال المعادي للمهاجرين في عام 2010م. وأعلنت مدينة برشلونة الإسبانية منع ارتداء النقاب في 2010، في بعض الأماكن العامة، مثل المكاتب البلدية، والأسواق العامة، والمكتبات.كما يحظر ذلك في الأماكن العامة في بعض أقاليم سويسرا.

 

وفي عام 2015 قامت بعض البلدان الأفريقية بمنع ارتداء النقاب في الأماكن العامة، ومنها تشاد، والغابون، والإقليم الشمالي في الكاميرون، ومنطقة ديفا في نيجيريا، وجمهورية الكونغو على خلفية تفجيرات انتحارية، كما حظر ذلك في الجزائر على مسؤولات الحكومة في أماكن العمل، بدءا من تشرين الأول/أكتوبر 2018، كما يمنع ارتداءه إقليم شينجيانغ الصيني في الأماكن العامة.

 

أجمع كل هؤلاء بالمكر والتضليل والاستخدام السياسي على منع المرأة المسلمة من أن ترتدي ما تعتقد أنه عبودية لله، وهم جميعا يشاركون في مخطط قذر لجعل المرأة في العالم مقيدة ومسيطراً عليها باقتصاد محكومٍ من مجتمع رأسمالي، لكي تصبح مصدر كسب وربح آخر للدخل الإجمالي للدولة. فالحرية الشخصية الممنوحة للمرأة تخدم في المقام الأول حرية الملايين من الرجال الذين يروجون لمظهر معين للمرأة يُنتج من خلال صناعة الصور الإباحية: في أمريكا 8 مليارات دولار سنوياً، وفي بريطانيا نسبة تقدر بـ 5 ملايين دولار من مبيعات المجلات الإباحية وحدها.

 

نعم، فقد أجمع العالم على تجريم وتحريم زي المسلمة وأوجد بديلاً جعلها مستعبدة حبيسةَ وضعيةٍ، صممها ذوو المصالح والنفوذ، حتى إنهم حددوا لها الجمال المثالي، ومحافظتها على مظهرها، كله محكوم بخدمة دفع السوق الاقتصادية. فكل جانب من جوانب مظهر المرأة مسير من صناعة الأزياء والتجميل، ومواسم الأزياء تجبرها على الوصول لمظهر معين. مظهر في الحقيقة صُمِّم لها من آخرين، فهي بهذه الحرية المدعاة مستعبدة حتى في جمالها ويتم التحكم في رغبتها الدائمة في الوصول إلى هذا "المظهر" وابتزازها فيما تنفقه على أن تظهر "فاتنة"، وتكسب صناعة التجميل من وراء ذلك: في بريطانيا سنوياً 8.9 مليار باوند، وفي أمريكا يتضاعف دخل هذه الصناعة 10% كل سنة.

 

هذه هي (حرية) المرأة التي تجعلها تظهر وتلبس كما تشاء، وتركض وراء تخفيض وزنها 20% أقل مما يتناسب مع طولها، وتملك البشرة الصافية، والشعر الجذاب، وآخر موضة من الأزياء في اللباس، وهي في الحقيقة ليست (حرية) كما تزعم بقدر ما هي عبودية لصناعة التجميل ودور الأزياء، وسلعة يتلاعب بها الذي ظنت نفسها متحررة منه، فتمتهن أنوثتها لزيادة الدخل، وتظهرها الإعلانات بشكل مبتذل كأي موديل جامد موضوعٍ في محلات البيع والشراء!!

 

 

بقلم: الأستاذة غادة عبد الجبار (أم أواب) – الخرطوم

 

المصدر: جريدة الراية

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع