Logo
طباعة

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

Al Raya sahafa

 

2019-07-31

 

جريدة الراية:

الأردن إلى أين؟

الجزء الثالث عشر

 

 

هل يوجد في الأردن صراع سياسي بين بريطانيا وأمريكا؟ وما هي درجة وقوة هذا الصراع إن وجد؟ وكيف نفهم الأحداث الداخلية في الساحة الأردنية والحصار الاقتصادي الخارجي وتوتر العلاقات مع بعض دول الإقليم؟ وهل ضعفت العلاقة والتوأمة مع كيان يهود؟... وكثير من الأسئلة محل البحث والتساؤل، فنقول وبالله التوفيق:

 

ورد في كتاب مفاهيم سياسية لحزب التحرير:

 

"لا يخرج الصراع الدولي منذ فجر التاريخ وحتى قيام الساعة عن أحد دافعين: إما حب السيادة والفخر، وإما الركض وراء المنافع المادية...

 

وبزوال الدولة الإسلامية، وزوال الدولة السوفياتية، صار الدافع الذي يسيطر على العالم كله، هو الركض وراء المنافع المادية، وسيظل كذلك حتى تعود الدولة الإسلامية إلى الوجود كدولة كبرى تؤثر في الصراع الدولي، ويعود معها دافع حب السيادة للمبدأ ونشره.

 

وأخطر دوافع الصراع بين الدول هو دافع الاستعمار بجميع أشكاله، فإنه هو الذي سبَّبَ الحروب الصغيرة، وهو الذي سبَّبَ الحربين العالميتين، وهو الذي سبَّب حروب الخليج، وحروب أفريقيا، وهو الذي سبب حرب أفغانستان والعراق، وهو الذي ما زال يُسبِّب القلاقل والأزمات في العالم.

 

والتنافس والتشاحن والتصارع الموجود اليوم، بين أمريكا، وبريطانيا، وفرنسا، وروسيا، الظاهر منها والخفي، حول قضايا العراق، وأفغانستان، والشرق الأوسط، وغيرها من القضايا الدولية، إنما هو من أجل الاستعمار، ومن أجل السيطرة على المنافع والموارد؛ لذلك فإن الاستعمار هو الذي يتحكم في الصراع الدولي الآن، بما يتضمنه من نـزاع على الموارد، وصراع على النفوذ، وتنافس على السيطرة بكافة أشكالها وأنواعها." انتهى.

 

والصراع محل البحث هنا هو صراع بين مستعمر قديم وآخر جديد، والصراع ينظر إليه من زوايا عدة؛ من خلال قوته وظهوره وقوة وضوحه كما هو الحال الآن بين روسيا وأمريكا في إقليم روسيا الإقليمي وفي العلاقة مع الصين مثلا، وإن أخذت الجانب الاقتصادي إلا أنه استباق لنفوذ صيني أقوى إقليميا أو ربما تطلع دولي وصراع خفي دقيق جدا يحتاج إلى إمعان نظر ودقة وهو يخفى على كثير من الناس، حتى إن بعضهم يتهم قائله بقلة الوعي والإدراك لديه، فضعف الصراع أو خفاؤه لا يعني قطعا عدم وجوده ومن ينفيه لا يدرك حقيقة الصراع الموجود بين الدول لدقته وخفائه على كثير من الناس لأنه يحتاج إلى وعي وإدراك كبير.

 

والصراع يأخذ أشكالا عدة وحالات متعددة وأساليب متعددة وجديدة؛ فقد يكون قويا يتجلى فيه العنف العسكري والمادي بأبشع صوره كما حدث في أفغانستان بين الاتحاد السوفيتي وأمريكا وكما هو الحال في ليبيا واليمن بين بريطانيا وأمريكا، وقد يكون سياسيا كما كان بين بريطانيا وأمريكا في بعض الأماكن منها العلاقة مع أوروبا والاتحاد الأوروبي، ويأخذ أشكالا عقابية اقتصادية للشركات الأوروبية، أو اقتصاديا كما هو في الحروب التجارية، أو قانونيا كما في الصراع بين القوى الكبرى على إقرار قانون أو تمرير أمر معين سواء في مؤسسات دولية كمظان للقانون الدولي محل الخلافات القانونية سواء أكانت منظمات دولية سياسية أو اقتصادية.

 

أما بالنسبة للشرق الأوسط والأردن بشكل خاص فقد ورد في كتاب مفاهيم سياسية لحزب التحرير:

 

"ومهما يكن من أمر، فإن السياسة الأمريكية قد نشطت في الشرق الأوسط بعد مؤتمر الدبلوماسيين المذكور، (سبق بحثه) فقامت أمريكا بمحاولة جريئة لإيجاد الصلح بين الدول العربية و(إسرائيل)، ولإخراج إنجلترا من الأردن والعراق، فقد اتصلت الدبلوماسية الأمريكية مع الملك عبد الله وفاوضته في عقد صفقة معه، خلاصتها أن يترك الملك عبد الله إنجلترا ويسير مع أمريكا، وإن أمريكا تطلق يده في أن يضم إليه العراق والحجاز، وينشئ دولة من الأردن والعراق والحجاز، ويضم إليها سوريا ولبنان، مقابل أن يعقد صلحاً مع (إسرائيل)، وأن أمريكا تعطيه القروض والمساعدات اللازمة لإنعاش هذه الدولة الجديدة اقتصادياً، فوافق الملك عبد الله على ذلك، ثم أخذ يعمل لتحقيق هذا المشروع. فذهب إلى العراق، وهناك اجتمع بعبد الإله ونوري السعيد، وفاتحهم في الموضوع، وطلب منهم السير معه، فما كان منهم إلا أن اتصلوا بالسفير البريطاني في بغداد، وأطلعوه على مشاريع الملك عبد الله، فمنعهم الإنجليز من السير معه؛ ولذلك لم يقبلوا ما قاله ولم يردوه، وتركوا الأمر مائعاً، فرجع إلى الأردن، وأرسل لرياض الصلح ليسير معه ويعاونه في المشروع، فقبل رياض الصلح ذلك، والظاهر أنه كان تحول مع الأمريكيين، فبادر الإنجليز بقتل رياض الصلح في عمان، وهو في طريقه إلى المطار ليرجع إلى بيروت، ثم بعد أسبوع واحد قُتِل الملك عبد الله في القدس في المسجد الأقصى، نتيجة لمؤامرة مكشوفة دبرها كلوب لقتله، وحذره السفير الأمريكي صراحة من المؤامرات، ومن السفر، قبل يوم واحد من قتله، وبذلك مات هذا المشروع."...

 

"هذه نماذج عن الصراع الإنجلوأمريكي في سوريا، وهو أبرز مظاهر الصراع. وأما في باقي الدول العربية، فإن الأردن ظل تحت سيطرة الإنجليز؛ لأن الشعب ثلثاه فلسطينيون، يعيش الكثير منهم على بطاقة هيئة الأمم، ومعاشات أبنائهم الذين يعملون خارج الأردن، وثلثه من بدو شرق الأردن يعيش الكثير منهم على معاشات أبنائه في الجيش؛ ولذلك لم تجد أمريكا في الشعب في الأردن التربة الخصبة التي وجدتها في سوريا، فلم يحصل في الأردن أي عمل سياسي يظهر فيه الصراع الدولي، اللهم إلا المظاهرات التي حصلت ضد بغداد، ومحاولة الانقلاب المفتعلة من الملك حسين سنة 1957م، التي افتعلها ليطرد بها بعض عملاء عبد الناصر من البلاد. ومن هنا لا يعتبر الأردن أنه قد حصلت فيه أعمال سـياسـية هامة تتعلق بالصراع، وإن كان من أعظم الأمكنة التي يجري عليها الصراع بين أمريكا وإنجلترا، لما فيه من الثروة المذهلة في باطن الأرض وتحت المياه." انتهى.

 

وهنا ندقق تحت عبارة (فلم يحصل في الأردن أي عمل سياسي يظهر فيه الصراع الدولي)، ولعل الجملة تتحدث عن واقع قديم وليس جديدا ولكن يبدو تغيير الواقع يحتاج أدلة جديدة أو تغييرا في المقدمات والمرتكزات، فمثلا عدم حدوث صراع دولي في الأردن برغم جدية أمريكا آنذاك لدرجة وصلت القتل من الطرف الآخر ارتكز على أمور داخلية تتعلق بالأردن قوة لنفوذ المعسكر القديم أولا ولبعض مساعدة دول الإقليم، لا بل كان الأردن هو المطبخ وله الدور والقيادة في ظل قوة عملاء الطرف الآخر وجدية الصراع بعيدا عن ضعف أو قوة المعسكر القديم لأن قوته كانت تكمن بعملائه، ومن أسباب عدم وجود بنية أرضية سياسية للصراع وإدارته الوضع الديمغرافي الداخلي، وقوة أدوات المستعمر القديم، والعلاقة مع يهود والتوأمة وقوة وكثرة أدوات المستعمر القديم حول الأردن وإن كانت أهم نقطة فيه قوة وتماسك الوضع الداخلي...

 

... يتبع

 

بقلم: الأستاذ المعتصم بالله (أبو دجانة)

 

المصدر: جريدة الراية

 

Template Design © Joomla Templates | GavickPro. All rights reserved.