Logo
طباعة

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

سلسلة أجوبة العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة أمير حزب التحرير

على أسئلة رواد صفحته على الفيسبوك "فقهي"

 

جواب سؤال

الصلاة التي لم يؤدها المسلم هي دين في عنقه لا بد من قضائه

إلى Mohammad Alhajj

 

السؤال:

 

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

تحيه طيبه وبعد:

 

اطلعت على صفحتكم في وقت قريب وساعدني في ذلك صديق من شباب حزب التحرير وقد أعجبتني استنارتكم في الطرح وقوه الحجة وبخاصة أجوبة الأسئلة الفقهية، وإني لأسال الله العلي القدير أن يطيل في عمركم لعمل الخير وأن يزيدك بسطة في العلم وأن يرشدني إلى الطريق الذي يرضي الله ورسوله.

 

أرجو أن تجيبني على سؤال وهو:

 

إني التزمت بالصلاة بعد سن المحاسبة بسنوات ولله الحمد والشكر، والسؤال هو: هل يجب علي قضاء ما فاتني من صلاه أم يغفر الله لي دون قضاء؟

ولك الشكر.

 

الجواب:

 

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،

 

في البداية فإني أحمد الله سبحانه على أن هداك إلى الخير فالتزمت بالصلاة وأصبحت تحرص على أدائها، وإني أسأل الله سبحانه لك العون والثبات...

أما بالنسبة للصلاة التي لم تؤدها من قبل منذ أن بلغت وأصبحت مكلفاً شرعاً، فحيث إنك مسلم فإن هذه الصلاة التي لم تؤدها هي دين في عنقك لا بد من قضائه، ولذلك عليك أن تحسب المدة الزمنية منذ بلوغك إلى الوقت الذي أصبحت فيه ملتزما بأداء الصلاة، ولنقل مثلاً إن هذه المدة كانت ثلاث سنوات، فإن عليك أن تقضي الصلاة عن ثلاث سنوات: خمس صلوات في اليوم وهي الصلوات المفروضة، وأما سننها فلا يجب عليك قضاؤها...

 

ويمكن تنظيم ذلك وتسهيله بأن تصلي كل يوم بعد الصلاة المفروضة صلاة مثلها قضاء عما فاتك من صلاة، وإن أردت أن تصلي مرة أخرى قضاءً فكله خير، وذلك إلى أن تقضي السنوات المحسوبة... وإني أسأل الله سبحانه وتعالى أن يعينك على قضاء تلك الصلوات التي فاتتك وأن يزيدك حرصاً على أداء الصلاة في وقتها...

 

ولبيان الأدلة الشرعية حول هذا الأمر فإني أنقل لك بعض ما جاء عنه في كتاب أحكام الصلاة (علي راغب):

 

[تأخير الصلاة عن وقتها عن تعمد دون عذر شرعي حرام قطعاً بنص القرآن قال تعالى: ﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ﴾ وقال تعالى: ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاَةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً﴾. وهذا ثابت أيضاً بمفهوم الحديث المتواتر الذي بينت فيه المواقيت. وقد جعل الله لكل صلاة فرض وقتاً محدود الطرفين يدخل في حين محدود ويبطل في وقت محدود. وقال عليه الصلاة والسلام: «مَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ فَكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ». وقال ﷺ في شأن تأخير الصلاة عن وقتها: «لَيْسَ التَّفْرِيطُ فِي النَّوْمِ إِنَّمَا التَّفْرِيطُ فِي الْيَقَظَةِ»...

 

ومن فاتته صلاة فرض قضاها سواء أفاتته بعذر أو بغير عذر. لأن مجرد قضاء الصلاة ثابت بالحديث الصحيح. فقد روي في الصحيحين عن عمران بن حصين قال: كُنَّا فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ، وَإِنَّا أَسْرَيْنَا حَتَّى كُنَّا فِي آخِرِ اللَّيْلِ وَقَعْنَا وَقْعَةً وَلَا وَقْعَةَ أَحْلَى عِنْدَ الْمُسَافِرِ مِنْهَا، فَمَا أَيْقَظَنَا إِلَّا حَرُّ الشَّمْسِ... فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ ﷺ شَكَوْا إِلَيْهِ الَّذِي أَصَابَهُمْ فَقَالَ: «لَا ضَيْرَ أَوْ لَا يَضِيرُ ارْتَحِلُوا، فَارْتَحَلُوا فَسَارَ غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ نَزَلَ فَدَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ نَادَى بِالصَّلَاةِ فَصَلَّى بِالنَّاسِ». ولما روي عن جابر رضي الله عنه «أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ جَاءَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ بَعْدَمَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ فَجَعَلَ يَسُبُّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كِدْتُ أُصَلِّي الْعَصْرَ حَتَّى كَادَتْ الشَّمْسُ تَغْرُبُ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: وَاللَّهِ مَا صَلَّيْتُهَا، فَقُمْنَا إِلَى بُطْحَانَ فَتَوَضَّأَ لِلصَّلَاةِ وَتَوَضَّأْنَا لَهَا فَصَلَّى الْعَصْرَ بَعْدَمَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ صَلَّى بَعْدَهَا الْمَغْرِبَ». ولما روي عن أبي سعيد قال: «حُبِسْنَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ عَنْ الصَّلَاةِ حَتَّى كَانَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ بِهَوِيٍّ مِنْ اللَّيْلِ حَتَّى كُفِينَا، وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً﴾. قَالَ: فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِلَالًا، فَأَقَامَ صَلَاةَ الظُّهْرِ فَصَلَّاهَا وَأَحْسَنَ صَلَاتَهَا كَمَا كَانَ يُصَلِّيهَا فِي وَقْتِهَا، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْعَصْرَ فَصَلَّاهَا وَأَحْسَنَ صَلَاتَهَا كَمَا كَانَ يُصَلِّيهَا فِي وَقْتِهَا، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْمَغْرِبَ فَصَلَّاهَا كَذَلِكَ»، ولما روي عنه ﷺ أنه لما سألته الجارية الخثعمية وقالت: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أَبِي أَدْرَكَتْهُ فَرِيضَةُ الْحَجِّ شَيْخاً زَمِناً لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَحُجَّ، إِنْ حَجَجْتُ عَنْهُ أَيَنْفَعُهُ ذَلِكَ؟ فَقَالَ لَهَا: «أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيكِ دَيْنٌ فَقَضَيْتِهِ أَكَانَ يَنْفَعُهُ ذَلِكَ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: فَدَيْنُ اللهِ أَحَقُّ بِالْقَضَاءِ».

 

فهذه الأحاديث كلها صريحة بقضاء الصلاة مما يدل على أن قضاء الصلاة واجب ولا كفارة لترك الصلاة إلا قضاؤها سواء أكان تركها لعذر أو لغير عذر لأن الأحاديث صريحة. ولا يقال إن هذه الأحاديث كلها مقيدة بحوادث معينة وهي النوم والنسيان والقتال وعدم الاستطاعة، وهذه كلها أعذار شرعية لا إثم بترك الصلاة فيها في تأخيرها عن وقتها فيكون القضاء خاصاً بها ولا يشمل غيرها بخلاف العمد فلم يأت نص بجواز قضائه. لا يقال ذلك، لأن هذه الحوادث لم ترد فيها صفة النوم والنسيان والقتال على شكل قيد فيها، وإنما جاءت وصفاً لواقعة حدثت دون أن يفهم منها صفة القيدية بهذه الحادثة. أرأيت في حديث جابر كيف جعل عمر بن الخطاب يسب كفار قريش وقال يا رسول الله ما كدت أصلي العصر حتى كادت الشمس تغرب فقال له النبي: «وَاللَّهِ مَا صَلَّيْتُهَا» ثم قام فتوضأ فصلى. أين الصفة المقيدة في هذه الحادثة التي تدل على أنها خاصة بها؟ وقل مثل ذلك في باقي الحوادث فلا يوجد في اللفظ ما يدل على أنه مقيد بها وأنه لا يجوز في غيرها، بل كل واحد من هذه الأحاديث التي حدثت في واقعة معينة جاءت على سبيل التنصيص على واقع لا على سبيل التنصيص على قيد، ولا يظهر فيها السبب المخصص لقضاء الصلاة فيها وحدها كما يتبين من قراءة الأحاديث. وأما الأحاديث التي ورد فيها الفعل مؤدياً معنى الوصف وهو قوله: «مَنْ نَامَ»، «أَوْ نَسِيَهَا» إذا رقد: «أَوْ غَفِلَ»، «مَنْ نَسِيَ» فإنها كلها يعتبر فيها الوصف قيداً ويعتبر فيها مفهوم المخالفة لأنها صفة، ومفهوم المخالفة في الصفة معتبر. ولأنه إذا لم يعتبر ذكرها قيداً كان ذكرها بهذا الوصف عبثاً وهو منزه عنه الحديث. لكن مفهوم المخالفة لهذه النصوص يعطل العمل به نصوص أخرى. وإذا ورد نص يدل منطوقه على عكس مفهوم نص آخر يعطل المفهوم، ويؤخذ المنطوق لأن دلالته على المعنى أقوى من دلالة المفهوم... وهذه الأحاديث معطل مفهومها بالأحاديث الواردة في قضاء الفوائت في غيرها وهو القتال. وفي حديث قضاء الحج الذي جاء فيه قوله: «فَدَيْنُ اللهِ أَحَقُّ بِالْقَضَاءِ» بلفظ العموم الشامل لكل دين لله، والصلاة دين لله فتدخل تحت عموم كلمة "دَيْنُ اللهِ" لأنه اسم جنس مضاف فهو من صيغ العموم قطعاً. والمتعمد للترك قد خوطب بالصلاة كما خوطب كل مسلم ووجب عليه تأديتها فصارت دينا عليه. والدين لا يسقط إلا بأدائه فكذلك الصلاة لا تسقط بفوات وقتها إلا بقضائها، وعليه إثم تركها في وقتها.] انتهى النقل من كتاب أحكام الصلاة.

 

آمل أن يكون في هذا الكفاية، والله أعلم وأحكم.

 

أخوكم عطاء بن خليل أبو الرشتة

 

23 رمضان 1442هـ

الموافق 2021/05/05م

 

رابط الجواب من صفحة الأمير (حفظه الله) على الفيسبوك

رابط الجواب من صفحة الأمير (حفظه الله) ويب

 

 

Template Design © Joomla Templates | GavickPro. All rights reserved.