Logo
طباعة
  •   الموافق  
  • كٌن أول من يعلق!

بسم الله الرحمن الرحيم

 

جواب سؤال
حقيقة الاستفتاء البريطاني على مشروع البريكست!

 

السؤال: صوَّت البرلمان البريطاني في 16/1/2019 على الثقة بحكومة ماي ففازت ولم تسقط: (تفادت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي الأربعاء الهزيمة في مجلس العموم إثر فشل مذكرة حجب الثقة عن حكومتها التي قدمتها المعارضة العمالية حيث فازت بالثقة بأغلبية 325 صوتاً مقابل 306 أصوات... وتبين من نتيجة التصويت الأربعاء أن المئة نائب تقريباً من حزب المحافظين الذين كانوا صوتوا الثلاثاء ضد الاتفاق حول البريكست عادوا الأربعاء وصوتوا ضد حجب الثقة عن الحكومة... فرانس برس 16/1/2019) فكيف نفهم هذا؟ نحو مئة من حزب ماي يصوتون ضد مشروعها البريكست فيرجحون كفة المعارضين فيفشل مشروع ماي بأغلبية 432 ضد 202... ثم يعود هؤلاء المئة فيصوتون ضد خصوم ماي فيرجحون فوز ماي بالثقة وكأن الأمر توزيع أدوار! ثم ما تفسير الموافقة السابقة في 2016 على بريكست والآن قبل تنفيذه بنحو شهرين يتم رفضه؟! وجزاك الله خيراً.


الجواب: إن بريطانيا ماهرة في الخبث والدهاء، وفي المناورة والمماطلة لتحقيق أهدافها... وحتى يتبين الجواب نستعرض الأمور التالية:


أولاً: نعيد عليكم بعض ما ذكرناه في إصدارنا المؤرخ 5/7/2016 بعد استفتاء 23/6/2016 أي قبل نحو سنتين ونصف حيث كنا نتوقع ما حدث في استفتاء بريطانيا الحالي 15/1/2019، فقد جاء في إصدارنا المشار إليه:
[1- جرى استفتاء في بريطانيا يوم 23/6/2016 حول البقاء في الاتحاد الأوروبي أو الخروج منه، فكانت النتيجة حوالي 52% نحو الخروج، فعلى إثر ذلك أعلن رئيس الوزراء البريطاني كاميرون استقالته على أن تبقى حكومته مدة ثلاثة أشهر... وقد كان كاميرون في حملته الانتخابية قد وعد في حال نجاحه بانتخابات 2015 بأنه سيقوم بإجراء هذا الاستفتاء جرياً على عادة بريطانيا في التلويح بالاستفتاء لتحقيق امتيازات خاصة، وذلك بإخافة الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء الأخرى من الفوضى السياسية والاقتصادية التي يوجدها قرار الاستفتاء بخروج بريطانيا من الاتحاد!


2- إن سياسة بريطانيا بالتهديد بالاستفتاء لتحقيق مكاسب من الاتحاد ليست جديدة بل هي منذ السنوات الأولى لدخول بريطانيا في مكونات الاتحاد، فبريطانيا قد أصبحت عضواً في المجموعة الاقتصادية الأوروبية منذ كانون الثاني 1973، وكان احتفاظها بعملتها "الجنيه الإسترليني" وبقاؤها خارج منطقة "الشنغن" شعارين للوضع الخاص الذي ظلت بريطانيا تتمتع به رغم عضويتها في الاتحاد الأوروبي، وكانت تستخدم فكرة "الاستفتاء" على بقائها في الاتحاد كوسيلة لابتزاز الدول الأوروبية، لتحقيق مزيد من الخصوصية لبريطانيا داخل الاتحاد، فقد أجرت استفتاءً سنة 1975 لتحسين شروط بقائها في الاتحاد، والذي صوت البريطانيون فيه لصالح البقاء في المجموعة الاقتصادية الأوروبية... وهكذا فإن الاستفتاءات البريطانية لتحقيق أغراضها سياسة متبعة في مثل هذه الحالات حتى لو كانت أغراضاً خبيثة! وقد سار حزب المحافظين بدهاء في استفتاء 2016، فأدار رجال الحزب حملتي البقاء في الاتحاد والخروج منه في آن!!...


3- إن إنعام النظر في سياسة حزب المحافظين الحاكم الذي يقوده كاميرون في موضوع الاستفتاء المذكور يدل على أن كاميرون كان يتوقع أن تكون النتائج غير حاسمة كأن تكون متساوية فتكون بين أخذ ورد لتكون مجالاً للإعادة أو تتخذ هذه النتائج غير الحاسمة مجالاً للتفاوض من جديد مع الاتحاد، ولهذا كان حزب المحافظين نفسه يدير حملة البقاء في الاتحاد وحملة الخروج منه... ولم تكن أي من الحملتين جادة فعلاً في البقاء أو الخروج بقدر ما كانتا جادتين في أن يكون الاستفتاء طريقاً إلى تحقيق تنازلات إضافية من الاتحاد... ولذلك فإنه من المتوقع أن تماطل بريطانيا بقوة في تنفيذ الخروج في فترة قريبة بل قد تطول إلى سنوات، هذا إذا خرجت وهي ماهرة في الخبث والخداع... وما ظهر وبان من تصريحات... وما تناقلته وسائل الإعلام من تعليقات... كل ذلك يُرجِّح هذه المماطلة في تنفيذ الاستفتاء بل أكثر من ذلك مثل اللف والدوران حول الاستفتاء نفسه... (30 من رمضان 1437هـ - 05/07/2016م ) انتهى الاقتباس من إصدارنا المذكور].


ثانياً: وما يحدث الآن يكاد ينطق بما ذكرناه من قبل من حيث "لعبة الاستفتاءات" والمماطلة واللف والدوران لتحقيق المصالح البريطانية حتى وإن كانت شريرة ويتأكد ذلك بتدبر الأمور التالية:
1- كانت ماي قد تلقت هزيمة كبيرة في مجلس العموم، بعد أن (رُفض اتفاق الخروج الذي توصلت إليه مع الاتحاد الأوروبي بأغلبية كبيرة، في أكبر هزيمة برلمانية تتلقاها حكومة في تاريخ البلاد... وصوت الأربعاء 432 نائبا برفض الاتفاق، مقابل موافقة 202 فقط عليه... بي بي سي 16/1/2019)، ويعني هذا عدم تطبيق الاتفاق الذي كان يعد لخروج بريطانيا من الكتلة الأوروبية في 29 آذار/مارس المقبل... ولم تتبع مناقشات الخروج خطوط حزب المحافظين الحاكم التقليدية، بل صوت حوالي 118 من المحافظين في البرلمان ضد اتفاق رئيسة الوزراء، وانضموا إلى أحزاب المعارضة. (وهذه أكبر خسارة في البرلمان البريطاني منذ عام 1924... وتعد النتيجة أسوأ هزيمة برلمانية لحكومة بريطانية في العصر الحديث... سي إن إن بالعربية 15/1/2019).


2- أعلن زعيم حزب العمال المعارض البريطاني كوربين، بعد رفض البرلمان صفقة خروج المملكة من الاتحاد الأوروبي، أنه طرح موضوع حجب الثقة عن حكومة تيريزا ماي للمناقشة... وقال كوربين: "لقد فقدت هذه الحكومة ثقة المجلس... أحيطكم علما، أيها السيد رئيس مجلس العموم، بأنني طرحت موضوع حجب الثقة للمناقشة... ويسرني أن هذا المقترح سيناقش يوم الغد"... آر تي عربي في 15/1/2019)، ولكن نتيجة التصويت كانت لصالح ماي لأن نواب حزب المحافظين الـ"118" عادوا للتصويت مع حزب المحافظين ضد المعارضة فحالوا دون حجب الثقة عن ماي وهكذا (تفادت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي الأربعاء "16/1/2019" الهزيمة في مجلس العموم إثر فشل مذكرة حجب الثقة عن حكومتها التي قدمتها المعارضة العمالية، غداة هزيمتها بشأن اتفاق بريكست... إلا أن حكومتها فازت بالثقة بأغلبية 325 صوتاً مقابل 306 أصوات، ما أدى إلى تفادي إجراء انتخابات عامة جديدة. وهي المرة الأولى التي تطرح الثقة بحكومة داخل مجلس العموم منذ 26 عاما... كما دعت زعماء المعارضة للقائها لإجراء محادثات حول بريكست على الفور وابتداءً من الأربعاء... وتبين من نتيجة تصويت الأربعاء أن المئة نائب تقريبا من حزب المحافظين الذين كانوا صوتوا الثلاثاء ضد الاتفاق حول البريكست، عادوا الأربعاء وصوتوا ضدّ حجب الثقة عن الحكومة. شبكة وكالة فرانس برس في 16/1/2019) وبهذا فإن أمامها فرصة حتى الاثنين "21/1/2019" (لتعرض "خطة بديلة"، كما أن أمامها عددا من الخيارات، مثل التعهد بالعودة للتفاوض في بروكسل، أو طلب تأجيل موعد بريكست، والمقرر سلفاً في 29 آذار/مارس المقبل، أو الخروج بدون اتفاق! وقال رئيس المفوضية الأوروبية: "أدعو بريطانيا إلى توضيح نواياها في أسرع وقت ممكن. لم يعد هناك الكثير من الوقت"... موقع الأنباء في 17/1/2019)


3- وهكذا تبدو لعبة الاستفتاءات البريطانية واضحة جلية فبدلاً من حجب الثقة عن ماي في استفتاء 16/1/2019 لأن مشروعها في البريكست قد سقط في استفتاء 15/1/2019، بدلاً من ذلك فازت ماي بالثقة مع أن سقوط مشروع ماي وفوزها بالثقة أمران متناقضان! ولكن إذا عرف السبب لا نقول بطل العجب بل زاد العجب!! فقد صوت 118 من حزب ماي ضد مشروع ماي فرجَّحوا كفة المعارضة فسقط مشروع ماي! ولكن هؤلاء الـ118 من حزب ماي عادوا فصوتوا ضد المعارضة أي ضدّ حجب الثقة عن ماي وهكذا فازت ماي بالثقة ولم تسقط بسقوط مشروعها!


4- ومن تدبُّر ما سبق يتبين أن المقصود من استفتاء 2016 كان لإيجاد مبرر لبريطانيا لتحسين شروط العلاقة الجديدة مع الاتحاد الأوروبي، ولهذا سمحت ماي إلى ذلك العدد (118) من حزبها للتصويت ضدها مع المعارضة وذلك لترجيح كفة المعارضة فتفشل مشروع ماي للبريكست! ولو أرادت أن يبقى استفتاء 2016 ثابتاً لما سمحت لهذه الأعداد من حزبها أن تصوت ضدها... ولكن عند حجب الثقة جعلت تلك الأعداد أن تصوت ضد المعارضة حتى لا تسقط ماي! وذلك من أجل أن تستمر ماي بابتزاز الاتحاد الأوروبي بالحصول على امتيازات وتحقيق مصالح ووضع شروط لعلاقة جديدة مع أوروبا... فبريطانيا لا تستطيع الانفكاك النهائي من أوروبا ولا البقاء فيها بالقوانين الحالية للاتحاد، فالخروج النهائي يُحدث أثراً بالغاً في تماسك شعوب بريطانيا نفسها، وبخاصة شعب اسكتلندا وكذلك أيرلندا الشمالية... ولذلك هي تريد البقاء ولكن بشروطها، أو إذا لم يكن مجال إلا الخروج فيكون ببقاء امتيازات تحصل عليها على حساب الاتحاد!


5- بدوره، حث الاتحاد الأوروبي المملكة المتحدة على ("توضيح نواياها" بشأن خطط خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي "في أقرب وقت ممكن..." وأضاف محذراً من خطر الخروج غير المنظم مع هذا التصويت". سي إن إن بالعربية في 15/1/2019) انتهى، وقد سبق أن ذكرنا في إصدارنا المشار إليه بعد استفتاء 2016 [ويبدو أن الاتحاد الأوروبي أصبح يدرك ألاعيب بريطانيا، فهي تريد إبرام اتفاق غير رسمي لحماية مصالحها على أساس النموذج النرويجي والسويدي قبل اللجوء إلى العمل بالمادة "50" من معاهدة لشبونة لبدء إجراءات الانفصال. ولكن على عكس النرويج والسويد، فإن بريطانيا تريد الوصول إلى السوق الأوروبية وتعارض حرية تنقل الأشخاص، التي هي قضية رئيسية بين الناخبين البريطانيين، وقد استبعدت ميركل ذلك بشكل قاطع، كما أن حرية تنقل الأشخاص هي واحدة من الحريات التي يقدسها الاتحاد الأوروبي، إلى جانب حرية تبادل السلع والخدمات ورأس المال. ويدرك الاتحاد الأوروبي الدهاء البريطاني، فلم يرفض هذه الفكرة فحسب، بل وحظر أيضاً أية محادثات سرية بين أي من الدول الأعضاء الـ 27 وبريطانيا، فقال رئيس المفوضية الأوروبية (جان كلود يونكر): "دعوني أكون واضحاً جداً، لا يمكن إجراء محاولات سرية مع الحكومة البريطانية"، وقد جعل الأمر واضحاً جداً لجميع موظفي المفوضية واللجان، فقال: "لا يُسمح بعقد مفاوضات سرية... لا يُسمح بعقد مفاوضات سرية" (Evening standard، 28/06/2016)... وقد وجهت المستشارة الألمانية ميركل رسالة واضحة إلى لندن قائلة: "إن بريطانيا لا يمكنها بعد استفتاء الخروج انتقاء الاحتفاظ بامتيازاتها وفي الوقت نفسه التخلي عن كل واجباتها"... د ب أ، 28/6/2016] انتهى.


6- ومع ذلك لا تعبأ بريطانيا بمعرفة الاتحاد الأوروبي نوايا بريطانيا بل تستمر في لعبة الاستفتاءات الأخيرة 15/1، 16/1/2019 فيُلغى استفتاء 2016 المتعلق بمشروع البريكست ولكن لا تُحجب الثقة عن ماي صاحبة المشروع، بل يُجدد لها الثقة لتبدأ بمشروع جديد وخطة بديلة! وخاصة لمعالجة قضية أيرلندا سواء أكان في البقاء أم الخروج وهكذا كان، فقد نقلت وسائل الإعلام عن خطط ماي في هذا السبيل:


أ- كشفت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، للبرلمان، اليوم الاثنين 21/1/2019 (خطتها "البديلة"، بعدما رفض النواب الاتفاق الذي توصّلت إليه مع الاتحاد الأوروبي، بشأن "بريكست" وستغادر بريطانيا الاتحاد الأوروبي، في 29 آذار/مارس، بدون اتفاق، إذا لم يتمكّن النواب من تأجيل تاريخ الانسحاب، أو التوصّل إلى خطة بديلة ترضي المفوضية الأوروبية كذلك... وبعد تحديد ماي لخططها بشأن طريقة المضي قدماً، سيطرح النواب سلسلة تعديلات، ليتم التصويت عليها، في 29 كانون الثاني/يناير الحالي... ومن النقاط الأكثر خلافية في الاتفاق الذي رفضه البرلمان، بند "شبكة الأمان"؛ وهو ضمان قانوني باستمرار حرية الحركة على الحدود مع أيرلندا، في حال لم تتمكّن بريطانيا من الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي على معاهدة طويلة الأمد للتجارة الحرة، وذكرت صحيفة "صنداي تايمز"، أنّ ماي ستقترح التوصل إلى ترتيبات منفصلة مع دبلن... موقع مصراوي نقلاً عن (أ ف ب) في 21/1/2019) انتهى


ب- وذكرت صحيفة تلغراف نقلاً عن مصادر دبلوماسية بالاتحاد الأوروبي لم تسمها، (إنّ مطالب ماي لا تزال تراوح بين وضع إطار زمني ملزم قانوناً فيما يتعلّق بالحدود الأيرلندية وهو ما يعطي لبريطانيا حق الانسحاب من جانب واحد، أو الالتزام بإبرام اتفاق تجاري قبل عام 2021 بما يحول دون دخول الترتيبات الخاصة بقضية حدود أيرلندا حيِّز التنفيذ... أخبار ليبيا في 21/1/2019) انتهى


ج- وأعلنت ماي الاثنين 21/1/2019 (أنها تنوي العودة إلى بروكسل للبحث في تعديلات على الاتفاق الذي توصلت إليه مع القادة الأوروبيين الشهر الماضي، بشأن مسألة "شبكة الأمان"، التي يفترض أن تجنب العودة إلى إقامة حدود فعلية بين الأيرلنديتين بعد بريكست. وقالت ماي "سأواصل اللقاءات مع زملائي هذا الأسبوع - بينهم المسؤولون في الحزب الوحدوي الديمقراطي في أيرلندا الشمالية - لنرى كيف يمكننا الالتزام بواجباتنا"، بينها تجنب عودة الحدود، "بطريقة تؤمِّن الحصول على أكبر دعم ممكن" في مجلس العموم. وتابعت "سأعرض خُلاصات هذه المباحثات على الاتحاد الأوروبي". وتراقب دول الاتحاد الأوروبي الـ 27 الأخرى عن كثب الخطوة المقبلة التي ستتخذها ماي... فرانس 24/ أ ف ب في 21/1/2019) انتهى


د- (وكشفت ماي عن بعض التغيرات في موقفها بشأن "بريكست"، حيث تعهدت رئيسة الوزراء بإبداء "مزيد من المرونة" في المباحثات مع البرلمان، وتلبية مطالب حزب العمال المعارض بشأن ضمان حقوق العمال البريطانيين وتبديد كل المخاوف بشأن عودة الإجراءات الجمركية الصارمة على الحدود بين أيرلندا الشمالية وجمهورية أيرلندا... هذا، ومن المقرر أن تقدم تيريزا ماي للبرلمان البريطاني خطة جديدة بشأن شروط انسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، وذلك بعد أن رفض البرلمان يوم 15 كانون الثاني/يناير الجاري الخطة الأولى المتفق عليها بين حكومة ماي وبروكسل، ومن المقرر أن يصوت البرلمان البريطاني على الخطة الجديدة في29 كانون الثاني/يناير الجاري. آر تي عربي 21/1/2019).


7- والخلاصة هي أن بريطانيا ليس عندها التزام بأي اتفاق بل تُغيِّر وتبدل بلعبة الاستفتاءات وهي ماهرة في دهائها وخبثها في هذه المسألة لتحقيق مصالحها الشريرة، فبالأمس أقر الاستفتاء البريطاني مشروع البريكست واليوم أقر الاستفتاء البريطاني إسقاط مشروع البريكست! وذلك لابتزاز الاتحاد الأوروبي بتحقيق تعديلات على المشروع على حساب الاتحاد... ومع أن الغرب الرأسمالي كله لا قيم ثابتة لديه لكن بريطانيا بتاريخها الاستعماري القديم قد أكسبها خبثاً ودهاءً أكثر من غيرها... إن بريطانيا لا تريد الانفكاك النهائي من الاتحاد بل تريد صيغة أخرى لا هي بالخروج ولا هي بالبقاء! أي أن تخرج من الاتحاد وفي الوقت نفسه تبقى فيه! فتستمر في الاستفادة من العلاقات الاتحادية دون أن تلتزم بقوانين الاتحاد بل فقط بما هو في صالحها، وكما ذكرنا سابقاً فقد وجهت المستشارة الألمانية ميركل بعد الاستفتاء الأول وظهور المماطلة البريطانية رسالة واضحة إلى لندن قائلة: (إن بريطانيا لا يمكنها بعد استفتاء الخروج انتقاء الاحتفاظ بامتيازاتها وفي الوقت نفسه التخلي عن كل واجباتها... د ب أ 28/6/2016). إن الاتحاد الأوروبي يمكنه جعل بريطانيا تذوق وبال أمرها إذا بقي مُصراً على مشروع البريكست الأول دون تعديل أيٍّ من بنوده فإما أن تقبله بريطانيا وتنفذه أو تخرج من الاتحاد... فهو إن فعل ذلك تكون بريطانيا قد وقعت في شرّ أعمالها، أما إن قبلت تعديلات بريطانيا فستركب بريطانيا ظهره دون أن تنزل عنه حتى توقعه هو في شرِّ غفلته!


إن هذا شأن الأمم التي تتبنى علمانية الدولة والمبدأ الرأسمالي فهم يحفرون حُفَراً لبعضهم بعضاً فيهوي فريق منها أو كل الفرقاء إلى مكان سحيق داخلها، فهم ليست لهم قيم تردعهم أو مروءة تمنعهم، بل بأسهم بينهم شديد كأشياعهم من الأمم الأخرى الذين لا يلتزمون بشرع الله: {بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ}. فلا يصلح شأن هذا العالم وينتهي شقاؤه الذي يلفه من سمت رأسه إلى أخمص قدميه إلا إذا حُكِّم شرع الله بإقامة الخلافة الراشدة، فهي لا تنشر العدل والخير في جنباتها فحسب، بل كذلك يصل أثر هذا العدل والخير ربوع العالم بإذن الله {وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ}.

 

التاسع عشر من جمادى الأولى 1440هـ
2019/1/25م

 


Template Design © Joomla Templates | GavickPro. All rights reserved.