Logo
طباعة

كيف يحاول النظام التركي أن يغطي الشمس بغربال

بسم الله الرحمن الرحيم

منذ نشأة حزب التحرير في القدس سنة 1953، أي منذ حوالي 56 سنة، عرّف الحزب نفسه بأنه حزب سياسي مبدؤه الإسلام يعمل لاستئناف الحياة الإسلامية من طريق إقامة الدولة الإسلامية الجامعة للأمة الإسلامية، وكان جزء من تعريفه لنفسه أنه لا يتوسل الأعمال المادية، ولاسيما المسلحة منها، لتحقيق غايته. وقد أثبت تاريخ الحزب فعلياً أنه لا يتوسل الأعمال المسلحة، إذ لم تُسجّل أية حادثة عنف قام به الحزب منذ نشأته وحتى يومنا هذا. وهذه حقيقة يعرفها جميع الذين يعرفون الحزب ويتابعون نشاطه على امتداد العالم الإسلامي، من إندونيسيا وبنغلادش وتركستان الشرقية شرقاً إلى بلاد المغرب غرباً، بل إلى بلاد الغرب التي شهدت وجوداً ونشاطاً بارزين للحزب.

وعلى الرغم من ذلك تعرض الحزب منذ نشأته لألوان الاضطهاد والتنكيل والملاحقة من قبل الأنظمة في معظم البلاد التي عمل فيها، عربية كانت أو غير عربية. وهذا دأب الأنظمة القمعية التي لا تطيق أي وجود حقيقي لمشروع سياسي يخالفها، ولاسيما حين يكون هذا المشروع إسلامياً صرفاً.

ولقد تحمل شباب الحزب في العقود الماضية صفوف التنكيل بلا كلل أو ملل. إلا أن الأشد إيلاماً في حملات التنكيل تلك أنها كانت ترتكب بحق هؤلاء الناشطين دون أن يحس بهم أحد، نتيجة الطوق الإعلامي الذي كانت الأنظمة بارعة في إحكامه، فكانت تسجن وتقمع وتظلم دون أن تشعر بأي حرج أو اضطرار إلى تبرير فعالها هذه.

إلا أن العقد الأخير شهد تحولات أربكت العديد من هذه الأنظمة، فقد شهد هذا العقد انفلات الآلة الإعلامية من أيديها إلى حد ما، كما شهد توسعاً جغرافياً لحزب التحرير وتضاعفاً في أنشطته ونفاذاً إعلامياً لم يكن يتمتع به في الماضي. فأضحى الرأي العام أكثر انتباهاً للحزب وأفكاره وأنشطته، وبالتالي أكثر انتباهاً لحملات الاعتقال والقمع التي تمارسها الأنظمة بحقه، كل ذلك والجميع يعرف حق المعرفة أن الحزب يقتصر عمله على الجانب الفكري والسياسي والإعلامي دونما تورط في أي عمل مادي أو مسلح. الأمر الذي بدأ يحرج بعض الأنظمة التي تولي قدراً ولو قليلاً من الأهمية للرأي العام. فلم تجد هذه الأنظمة بداً من تبرير حملاتها هذه ولو من طريق التزوير والكذب والافتراء، فكان أن عمد بعضها إلى الزعم بأن الحزب تورط في أعمال (إرهابية) أو أن أعضاء منه ضبطوا وهم يحضرون لأعمال إرهابية. وكان آخر هذه الفصول ما فعله النظام التركي حين برر حملته الأخيرة على شباب حزب التحرير في طول البلاد وعرضها أثناء تحضيرهم لمؤتمر في الذكرى 88 لهدم الخلافة بأنهم كانوا يحضرون لأعمال تفجير واسعة، بل ذهبوا أكثر من ذلك بأن اخترعوا للناطق الرسمي للحزب في تركيا تهمة التجسس والعمالة، الأمر الذي بدا "تضخيماً لعيار" التهمة، بعد أن عجزت أحكام السجن السابقة بحقه -والتي أدت إلى مكوثه في السجون سنوات- عن ثنيه عن متابعة طريقه مع الحزب ناطقاً رسمياً وصاحب مواقف جريئة قلّ نظيرها.

إلا أن مشكلة النظام التركي مع الرأي العام وهو يشاهد هذه الاعتقالات التعسفية لم تُحلّ -ولن تُحلَّ- بهذه الأساليب المنخفضة. إذ لن تغير هذه الأخبار المختلقة من قناعة رسخت على مدى أكثر من نصف قرن من الزمان لدى كل من يعرف حزب التحرير -وهو اليوم أغلبية الرأي العام التركي- بأن الامتناع عن الأعمال المسلحة جزء ثابت من منهجه. وبالتالي فإن مفعول هذه الشائعات التي يطلقها النظام التركي من شأنها أن ترتد عكسياً عليه إذ تثبت تورطه بالكذب والتلفيق، بينما الحزب لا يصاب بضرر يذكر. إذ يكفي دليلاً على هذا الكذب المؤتمرات والفعاليات التي أقامها الحزب في أنحاء العالم بالتزامن مع موعد المؤتمر المقرر في "إسلام بول"، من إندونيسيا شرقاً -حيث مؤتمر الحزب لعلماء المسلمين الذي حضره الآلاف منهم- إلى سائر العالم الإسلامي بما في ذلك لبنان. إذ عُقدت وتمت بكل انضباط وهدوء دون أن تشهد حادثة عنف صغيرة. فما شأن مؤتمر تركيا تفتقت عبقرية النظام التركي وأجهزته الأمنية والإعلامية عن أنه مناسبة لعمل إرهابي دامٍ؟!

إحدى الخلاصات المؤكدة في هذا الحدث هي أن ألد أعداء النظام العالمي الذي انتظمت فيه دول العالم الإسلامي هو المشروع الحضاري الإسلامي الذي يقدم بديلاً حضارياً للحضارة الغربية المهيمنة على العالم، كما يقدم بديلاً عن النظام الدولي والعولمة الاقتصادية الرأسمالية. ولا غرابة بالتالي أن يكون ورثة مصطفى كمال -المسمى أتاتورك- الذي هدم دولة الخلافة ألد أعداء هذا المشروع. ولكن من حق كل عاقل أن يسأل نفسه: هل لنظامٍ دولي أو محلي مهما كانت قوته المادية أن يقف في وجه عقيدة هذه الأمة وتاريخها وحضارتها وثقافتها وشعورها... وقدَرها؟!

 

أحمد القصص
رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في لبنان

Template Design © Joomla Templates | GavickPro. All rights reserved.