الخميس، 18 رمضان 1445هـ| 2024/03/28م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

أين وصلت الثورة في ذكراها الخامسة؟

 

 

 

 

قبل سنوات خمس انطلق من هنا شرَرُ الثورة وانبعث وهجُها في الآفاق ليسير عبر بلاد المسلمين الراسفة في أغلال الكفر والبغي والذل والهوان، ثم استحال الشرر إلى لهب وشواظٍ من نار ليقول للحكام المجرمين الذي استلبوا إرادة الأمة بالقهر والبطش والإذلال، كفاكم استهانة بالأمة، كفاكم استعبادا لها لصالح أسيادكم الكفرة المستعمرين، دعوها تملك إرادتها وتسير في تحقيق وعد الله ليرتفع شأنها بإقامة دين ربها من جديد. ولقد كان أهل هذه البلاد - بحمد الله - أول من أشعل الثورة ليفرّ حاكمهم مذعورا مدحورا، ومضت هذه  الثورة المباركة لتقول للظالمين شاهت الوجوه، فارحلوا عنا بنظمكم البالية وأفكاركم الفاسدة، ودعواتكم الكاسدة، وسحركم الزائف، وقد هرب بن علي ليتنفس الناس الصعداء ويأملوا بحياة السعداء، تحت ظل حكم الشريعة الهادية التي أنزلها الله تعالى لتصلح بها حياتنا وتنتظم بها علاقاتنا، وتبنى عليها دولتنا، وتكتمل بها عزتنا، أملا أن تمضي حياة الناس وفق كلمة الله، وتستقيم علاقاتهم وفق شريعته، فننال بذلك رضا ربنا جل في علاه.

 

 

ودخلت حياة الناس في طور تشكل جديد، حيث شعروا بأنهم أحرار وأن إرادتهم باتت طليقة بعد أن أثقلتها سنيُّ القهر والسجون والشجون، وتوقعوا بعد هرب حاكمهم أن زمن هؤلاء الحكام قد ولّى بلا رجعة وتهيأوا للغد الذي أشرقت شمسه وأسفر ضوؤها، وظنوا أنهم تحرروا وانعتقوا من قيد الذل الثقيل وأن ساعة قيام الدين في حياتهم قد أزِفَت، واكتسحت الشعارات الإسلامية كل ميدان يطالب رافعوها بدولة القرآن، ثم وصل رافعوها ولم تصل معهم الراية ولا القرآن، بل كان شرط وصولهم أن تكون الدولة بلا دين! فحرفت الثورة عن صراط الهداية ومسك بخطامها الدولة العميقة، ولم يسلم من بأسها المهادن ولا طالبُ السلامة ولا من لبس ثوب "الاعتدال" فأعطت الثورة نقيض مقتضاها، ولفظت أشخاصا وأشكالا وثبتت نظما وأوضاعا، وكان فوز الشعار الإسلامي (خير) وسيلة لتجسيد أحكام الكفر وأوضاعه في بلاد المسلمين بإلباسها الشرعية وكسوتها بمسحةٍ روحية، وكان هذا الفوز خير جسر يعبر عليه أعمدة العلمانية ليعودوا من جديد من نافذة التوافق ليفرضوا ما قام الناس لسحقه، ويعيدوا ما ثار الناس حنقا عليه، فعادت البلاد عبر هذه الأقنية إلى تبعية للغرب مقننة بدستور جديد سُلّمت بموجبه الدولة للأجنبي، وجعلت له صلاحية قيادتنا بفكره وسياستنا بنظامه، بل وأحلت له ثرواتنا، فهو الذي يشرف على اقتصادنا ويتحكم بمفاصله ويملك مفاتيحه ومغاليقه من خلال الأوامر المباشرة والسياسات الضاغطة وتنفيذ تعليمات صندوق النقد والبنك الدوليين، والشركات الأجنبية الاحتكارية، ويشرفون على مجالس الأمة بتحديد معاييرها ودساتيرها، وعلى أمننا فيعبثون به ويتحكمون بأجهزته بل يتولون إدارة الأمن في البلاد عمليا، وكل من لا يقبل بهذا فهو خارج على الشرعية، أو في طريقه إلى ذلك، وصارت أصابع الغرب ظاهرة في افتعال أعمال إرهابية تلصق بالإسلام نفسه!! ليكون من يدعو إلى الإسلام متهما بها!! وصار مجلس البرلمان يُخفض ضرائب الخمور "الرفيعة" ثم يوقف المداولة لأجل الصلاة!!. وبذلك وصلت الثورة إلى إنتاج نظام بن علي من جديد بلباس قشيب ونفَس جديد ومسوح دين يقدم الديمقراطية على أمر الله ممن يظهرون الخشوع له.

 

 

أيها الإخوة... أيها السائرون تحت لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم،

 

 

لا زالت المعركة في بداياتها والكفر يتحوصل في أغلفة الإسلام ويلبس لبوسه خدعة للمسلمين، وكثير ممن في قلوبهم مرض من المسلمين يلبسون لباس الكفر يبتغون رضا الكافرين، ويسعون في تثبيت الأوضاع التي أرادوها باعتبارها أوضاعا صحيحة، مصداقا لقول مليكنا جلت قدرته: ﴿فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ﴾ [المائدة: 52] والأمر بين أيديكم بيّن واضح تواجهون بقوة إيمانكم صلف الفريق الأول وخديعته وضعف الفريق الثاني وطريقته، تحملون صبغة الله التي ارتضاها لمن اجتباهم واصطفاهم من رسله وأوليائه، وتسعون في إقامة دينه كما أمر ربكم، حتى تُحلّ كل العقد وتنتهي كل المعضلات باستقامة الناس على أمر ربهم واتباعهم لكتاب الله وسنة الهادي محمد صلى الله تعالى عليه وآله وسلم.

 

 

فالطريق أمامكم واضح بينٌ تَجَلّى لكل ذي بصر، هو طريقٌ جَدَد بين كفر يريد نبذ الإسلام أو صياغةَ "إسلام" يوافق قواعده. و"إسلام" يريد طمأنة الكفر بأنه يستوعبه ويوافقه ويرافقه ولا يناقضه! للطريق الأول دعاة وأجناد، وللطريق الثاني جذور وأوتاد، بين هذا وذاك صراط الله المستقيم ودينه القويم، لا يقبل أن يصب في قوالب الكفار، ولا يرضى بالذل والصغار، ولا يقبل تطويع الدين لمرضاة السلاطين، ولا تحريف الآيات لتشريع الموبقات، ولا يقبل أن يجعل للضلالات دلائل من الآيات، إنه الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، صراط يُحرّم الغلو في الدين والإفراط، ويُجرّم الميوعة والتفريط... إنه صراط الخلافة التي تحكم الناس بأمر الله وتُطوّعهم لطاعته، إنها الخلافة التي يحاربها الظالمون ويستحيي من ذكرها المضبوعون الخائفون والمنافقون، إنها الخلافة التي أظلّ زمانُها واحتشد فرسانها، خلافة تستحضر منهاج النبوة طريقا، خلافة يعز فيها المسلمون وينعم بالعدل فيها مسلم الناس وكافرهم، تحمل همّ المسلمين وتقيم فيهم الدين وتنشر النور للعالمين، لا يتجرأ عليها أوباما ولا بوتين، ولا تطمع دول العالم الظالمة بنوال خيراتها واستعباد شعوبها ولا ترويض حكامها وتحديد ميدانها ورسم مجالها... إنها دولة الإسلام التي سيأذن الله ببزوغ نورها عما قريب، وبسط سلطانها على بلاد المسلمين رغما عن الكفار والمنافقين، وكل عمل لا يتقصدها ضياع، وكل جهد لا يسلك المسارب إليها ضلال، وكل ابتغاء للنجاة بغيرها إمعان في الهلاك، فهلا سرتم إليها وركبتم مطايا الشوق إلى عزة الدين ورفع راية المسلمين، ألا تتركون الديمقراطية الزائفة والعلمانية الكالحة وتسيرون في طريق الجنة والرضوان فتفوزوا بعز الدنيا والآخرة.

 

 

 

﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ

 

التاريخ الهجري :6 من ربيع الاول 1437هـ
التاريخ الميلادي : الخميس, 17 كانون الأول/ديسمبر 2015م

حزب التحرير
ولاية تونس

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع