Logo
طباعة
  •   الموافق  
  • 1 تعليق
الميزان - ميزان الفكر والنفس والسلوك - الحلقة الثلاثون

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الميزان

 

ميزان الفكر والنفس والسلوك

 

الحلقة الثلاثون

 

 

وأخبرنا سبحانه أن هناك موانعَ للنصر، تمنَعُ تَنَزُّلَه، أو تحجِبهُ بعد نزوله، منها الركون إلى الظالمين، فقال سبحانه: (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسّكم النارُ وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تُنْصَرون) هود-113.

 

ومنها الاغترار بكثرة العدد أو كثرة العُدّة، فقال سبحانه: (ويوم حنينٍ إذْ أعجبتكم كثرتُكم فلم تغنِ عنكم شيئاً) سورة التوبة.

 

ومنها المعصية، كمعصية الرسول صلى الله عليه وسلم، كما حصل مع المسلمين في غزوة أحد، فبعدما انتصر المسلمون على الكفار خالفَ الرماةُ الذين على الجبل أمْرَ الرسولِ صلى الله عليه وسلم، فحُجِبَ النصرُ عن المسلمين، وتحوّل إلى هزيمة، وصفها الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم بالقَرْح.

 

ومنها تفضيل الحياة الدنيا على الآخرة، فقال سبحانه وتعالى عن بني إسرائيل: (أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فلا يخفف عنهم العذابُ ولا هم ينصرون).

 

وواقع الإنسان مع النصر أنه بين حالتين، إمّا أن يكون قوياً بذاته مستغنياً عن غيره فينتصر بذاته، وإمّا أن يكون له فئةٌ تنصره. والحقيقة في هذا الواقع أنْ ليسَ هناك مخلوقٌ قويٌ بذاته ومستغنٍ بذاته، لأن كل مخلوقٍ محتاجٌ وعاجزٌ وناقصٌ وضعيفٌ ومحدودٌ، وهذه صفاتٌ تُفقِدُ المخلوقَ القدرةَ على الانتصار، فمحدودية المخلوق تشمل فيه كل شيء، محدود في علمه، وقدرته، وقوته، وتدبيره، وتخطيطه، وتفكيره، فلا يدري من أين يُوْتَى، ولا كيفَ يُوْتَى.

 

ومع إدراك حقيقة أن النصر من عند الله وحده ندرك أنْ ليس هناك أحدٌ له فئةٌ ينصرونه من دون الله، فمن شاء سبحانه له أن ينتصر انتصر، بفئة أو بغير فئة، بفئة قليلة أو كثيرة، وهذا ما أخبرنا الله سبحانه وتعالى به، فقال سبحانه: (إن ينصرْكم الله فلا غالبَ لكم، وإنْ يخذُلْكم فمنْ ذا الذي ينصرُكم من بعده؟)، وكذلك أخبرنا سبحانه عن صاحب الجنتين في سورة الكهف: (ولم تكنْ له فئةٌ ينصرونه من دون الله وما كان منتصراً)، وأخبرنا سبحانه وتعالى عن قارون: (فخسفنا به وبدارِه الأرضَ، فما كان له من فئةٍ ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين) سورة القصص-81.

 

وكذلك أخبرنا الله سبحانه عن أولئك الذين يدعون غير الله تعالى، فقال سبحانه: (واتخذوا من دون الله آلهةً لعلهم يُنصَرون، لا يستطيعون نصرَهم وهم لهم جندٌ مُحضَرونَ) يس-74. وقال سبحانه: (والذين تدعون من دونه لا يستطيعون نصركم ولا أنفسَهم يَنصُرون) سورة الأعراف-197.

 

ولقد أراد الله سبحانه وتعالى للمؤمنين الخير كله، وهو وحده الذي يعلم الخير، فها هو سبحانه يخاطب المسلمين في بدر بقوله سبحانه: (وإذْ يعدُكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم، وتودّونَ أن غيرَ ذاتِ الشوكةِ تكونُ لكم، ويريدُ الله أن يُحِقَّ الحقَّ بكلماتِه ويقطعَ دابرَ الكافرينَ، ليحقَ الحقَّ ويبطلَ الباطل ولو كره المجرمون) سورة الأنفال، فقد كان بعض المسلمين يودّون السيطرةَ على قافلة قريش، والاستيلاء على ما فيها، لكنّ الله تعالى أراد لهم الخير، والخير هنا في النصر والغلبة وإعلاء كلمة الله، وليس في غير ذلك، حتى إن الله تعالى عبّرَ عن القافلةِ بقوله: (غير ذات الشوكة) وفي هذا التعبير من العتاب والتعليم للمسلمين ما فيه.

 

وخلاصة مفهوم النصر أن النصر من عند الله ينصر من يشاء، وأنه سبحانه ينصر رسله وعباده المتقين الصابرين المتوكلين عليه، الذين يسألونه النصر، ويعملون له حق العمل ويطيعون الله ورسوله.

 

وكذلك يتضمن المفهوم ألا نستعين بغير الله تعالى، ولا نسألَ غيره، ولا نركنَ إلى غيره، ولا نعتمد على غيره من الناس مهما بلغت قوتهم، بل نوقن أن الله تعالى هو الأقوى والأعلم والأقدر، وهو البالغُ أمرِه سبحانه، وأنه إذا أراد أمراً فإنما يقول له كن فيكون.

 

 

كتبها للإذاعة وأعدها: خليفة محمد - الأردن

 

 

وسائط

Template Design © Joomla Templates | GavickPro. All rights reserved.