Logo
طباعة
الميزان - ميزان الفكر والنفس والسلوك - الحلقة الحادية والثلاثون

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الميزان

 

ميزان الفكر والنفس والسلوك

 

الحلقة الحادية والثلاثون

 

 

مفاهيم تحدد وجهة النظر في الحياة

 

أولاً: مفهوم السعادة

 

يسعى الإنسان في حياته لتحقيق السعادة، التي تعني أكبر قدر ممكن من الرضا والطمأنينة، ويظن الإنسان العاديّ المجردُ من نظام الله تعالى أنه يحقق السعادة بتحقيق أكبر قدر ممكن من المال، وإشباع أكبر قدر ممكن من الشهوات، وللأسف فإن كثيراً من الناس يسيرون في هذا الطريق سنوات وسنوات يكدّون ويتعبون لتحقيق ذلك، وفي النهاية يجدون أنهم قد ضلّوا الطريق، ولم يحققوا ما يريدون، فما سبب ذلك؟ وما المفهوم الصحيح للسعادة؟

 

أما سبب ذلك فمتعلق بأمرين مرتبطين بالدوافع الغريزية عند الإنسان، وهما:

 

أولهما: غريزة التدين، وأسئلة العقدة الكبرى النابعةُ منها، وهي كما ذكرنا من قبل: من أين جئتُ؟ ولماذا؟ وإلى أينَ؟ فإن أجاب الإنسان عنها بعقله إجابة صحيحة تقنع عقله وتطمئن فطرته يكون قد وضع قدمه في طريق السعادةـ وإن جعل الجواب أساساً لفكره ونفسيته وسلوكه فإنه بذلك يحقق الرضا الدائمي، لأنه ضمن بإجابة أسئلة العقدة الكبرى ألا يثورَ عليه سؤال (وماذا بعد؟) لإن إشباعه دوافعه السلوكية سار ضمن إجابة الأسئلة الكبرى، وارتبط إشباعه بما قبل الحياة الدنيا وهو الله تعالى، موقناً بأنه خلقه ووضع فيه الخواصّ التي يستخدمها، وارتبط إشباعه بالمفهوم عن الحياة الدنيا فسيّرَ إشباعَه بحسب الحكم الشرعين، وارتبط إشباعُه بما بعد الحياة الدنيا، وهو اليوم الآخر، فهو بتسييره إشباعه بحسب أوامر الله تعالى ونواهيه حقق الفوز في الآخرة، فبذلك يتحقق الرضا، ويرتاح من سؤال (وماذا بعد؟) والرضا هنا يكون دائمياً، وليس رضاً مؤقتاً لمجرد الإشباع، بل إنه رضا دائمي لكون الإشباع بحسب أمر الله تعالى ونهيه.

 

أما إذا لم يُجِب الإنسانُ عن أسئلة العقدة الكبرى إجابة تقنع عقله وتقرّ ما في فطرته من عجز ونقص واحتياج ومحدودية، فإنه يسير في طريق الشقاء، ولا يحسّ بالسعادة مهما فعل، وذلك أن أسئلة العقدة الكبرى تقضّ مضجعه باستمرار، ويظهر أثرها مع كل عمل وكل إشباع، والسبب هو عدم ارتباط عمله بالغاية من وجوده في هذه الحياة الدنيا، والتي هي إجابة أسئلة العقدة الكبرى، إذ إن الإنسان بعد أن يشبع أي دافع يثور عليه دون أن يسير الإشباع بحسب أمر الله تعالى ونهيه فإنه يثور لديه سؤال (وماذا بعد؟)، والأمثلة على ذلك كثيرة، فليلاحظ الإنسان على نفسه أنه إن كان جائعاً مثلاً واشتهى طعاماً معيناً، وسعى إلى تحصيله، فإنه بعد أن يأكل منه ويشبع، ويرضى عن هذا الشبع، فإنه بمجرد تغير الواقع، وبمجرد التفكير بغيره يزول أثر ذلك الإشباع، وينشأ لديه سؤال (وماذا بعد؟)، ولكن الناسَ يُمَنُّونَ أنفسهم بالإشباع القادم، وهكذا كما وصف سبحانه وتعالى الكفار في سورة الحجر: (ذرْهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأملُ فسوفَ يعلمون)، وعليه فإن من لا يجب عن أسئلة العقدة الكبرى فإنه يبقى يتعب ويكدّ ويشقى ليحصل الرضا الدائمي فلا يصل إليه، وهو يظنّ أنه يصل إليه بمجرد الإشباع، علماً أن مجرد الإشباع لا يعني إلا الإشباع فقط أي الإسكات المؤقت للدافع، مع تحقيق بعض الرضا الجزئي أثناء الإشباع، ولكن بعد انتهاء الإشباع يبدأ الشقاء، وقد رأينا الشقاء في أتباع الحضارة الغربية التي صوّرت السعادة  بأنه المتع والشهوات، فرأيناهم بعد تحصيل ما سعوا إليه ينتحرون، لأنهم فقدوا الغاية الحقيقية من وجودهم، وعندما يرى أحدهم أنه قد حقق كل ما يريد يدرك انتهاء الغاية من وجوده، فيسعى إلى إنهاء حياته بيده، بناء على فكرة الحرية الشنيعة التي أوردت الناس موارد الهلاك، فيزداد شقاء على شقاء، كل ذلك لعدم إدراكه الغاية الحقيقية من وجوده، وتصوّرها تصوّراً خاطئاً أدى به إلى الشقاء.

 

أما الأمل، فإن الأمل الحقيقي إنما هو في الباقيات الصالحات، يقول الله سبحانه وتعالى عن الأمل الحقيقي: (المال والبنون زينة الحياة الدنيا، والباقيات الصالحات خيرٌ  عند ربك ثواباً وخيرٌ أملاً). سورة الكهف، فالأمل الحقيقي للإنسان هو الأعمال الصالحة الباقية له بعد موته، يفوز بها في الآخرة، وينجو بها من عذاب الآخرة.

 

 

كتبها للإذاعة وأعدها: خليفة محمد - الأردن

 

 

وسائط

Template Design © Joomla Templates | GavickPro. All rights reserved.