Logo
طباعة
الكلمة الخامسة  لبنان  التصدّي للأجندات الدّوليّة والوطنيّة لمناهضة قوانين الأسرة الإسلاميّة

بسم الله الرحمن الرحيم

 

كلمات المؤتمر النسائي العالمي الذي عقد في تونس بعنوان:
"الأسرة: التحدّيات والمعالجات الإسلامية"

يوم السبت 18 صفر 1440هـ الموافق م2018/10/27

 

الكلمة الخامسة

لبنان

التصدّي للأجندات الدّوليّة والوطنيّة لمناهضة قوانين الأسرة الإسلاميّة

 


أحييكن بتحية الإسلام، فالسلام عليكن ورحمة الله وبركاته،


قال الله تعالى في كتابه الكريم وبعد بسم الله الرحمن الرحيم ﴿وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ﴾ [البقرة: 120]


أخواتي الكريمات:


إنّ ما يسمى بقضية المرأة، هي من القضايا التي يعتمدها الغرب في نشر حضارته ومفاهيمه خاصة في العالم الإسلامي، فوضعوا الأهداف ورسموا الخطط، وحددوا الوسائل، ورصدوا الأموال الطائلة في سبيل فرض نموذجها الديمقراطي الغربي العلماني، والذي ينصبّ على القضاء على الأسرة المسلمة المتماسكة، بهدف خلخلة أركان المجتمع في البلاد الإسلامية وتفتيت الروابط الأسرية والعائلية. وما يتبعه من انتشارٍ للمفاهيم الغربية بكل ما فيها من انحدار في القيم والأخلاق والسلوك كما هي الحال في المجتمعات الغربية، فينهدم المجتمع في بلاد المسلمين وهذا ما يسعون إليه.


وبعد أن كان الغرب يتعمد إلباس مفاهيم الكفر ثوباً إسلامياً لسهولة استساغتها من قبل المسلمين لدسّها في الحياة الإسلامية على أنها من الإسلام، أصبح في الآونة الأخيرة يُظهر حقده الدفين بعلانية وعنجهية ليعلن حربه الشعواء دون مواربة أو تزييف ضد أحكام الدين الإسلامي، فركّز على عناوين مهمة وخطيرة تمهد لتحقيق نصره على أحكام الإسلام، مثل تجديد الدين وتطوير الخطاب الديني وتعديل الأحكام الشرعية لتتوافق حسب زعمهم مع العصرنة والحداثة، وخاصة تلك التي تتعلق بالأسرة المسلمة من خلال تصويب سهامهم السامة نحو المرأة المسلمة ودورها الأصلي وعفتها، لتيقنهم من أهمية دورها في حياة الأسرة والمجتمع. ولتنفيذ خططهم الرامية لضرب الإسلام والقضاء عليه في نفوس المسلمين، كان لا بدّ للوصول للمرأة وإخراجها عن دورها الأساسي من كونها أماً وربة بيت ومنجبة للرجال، التقية الواعية العارفة لدينها وغاية وجودها وصانعة للأبطال.


وتبعا لذلك فقد تبنت أمريكا وما يسمى "بالأمم المتحدة بجمعياتها" هذا الأمر بكل وسائله: فقد عقدت عدة اتفاقيات وإعلانات دولية مثل (الاتفاقية الخاصة بالحقوق السياسية للمرأة عام 1952) و(إعلان طهران لحقوق المرأة عام 1968م ) و(الإعلان الخاص بالقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة "سيداو" عام 1979م)، وكذلك عقد سلسلة من المؤتمرات الدولية الخاصة بالمرأة من أجل تكريس الاتفاقيات والعمل على تنفيذها وتحقيقها، فكان المؤتمر الأول عام 1975 المسمى (عام المرأة الدولي) والذي عُقد في مكسيكو سيتي داعياً إلى المساواة والتنمية والسلم. ثم مؤتمر كوبنهاجن للمرأة عام 1980م، ومؤتمر نيروبي عام 1985م، ومؤتمر السكان والتنمية الذي عُقد في القاهرة عام 1994م والذي دعا في تقريره إلى إمكانية الحصول على خدمات الصحة الجنسية والتناسلية بما فيها تحديد النسل. ثم مؤتمر بكين عام 1995، ومؤتمر هولندا عام 1999م حيث أباحوا فيهما الشذوذ والإجهاض الآمن وممارسة الزنا تحت مسمى الحرية الجنسية للمراهقين والمراهقات!!


كما انبثق عن هذه المؤتمرات الدولية مؤتمرات إقليمية تُناقش في كل منها مواضيع خاصة بالمرأة مثل: المرأة والإعلام، المرأة والتعليم، المرأة والأسرة، المرأة والتنمية، وتمكين المرأة الاقتصادي، وغيرها من المواضيع الرامية إلى تضليل المرأة التي هي جزء بل أساس وطيد في تكامل الأسرة وتماسكها. ولا ننسى المنظمات المختلفة مثل اليونيسيف واليونسكو واليونيفيم الذين ركزوا على مفهوم "الجندر" الذي هو دعوة صريحة إلى المثلية الجنسية بالمساواة المطلقة بين الرجل والمرأة وإلغاء كل الفوارق الخَلقية بينهما حتى البيولوجية منها، منكرين قوله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى﴾، وكذلك مفهوم الزواج المبكر، ممزوجا بالثقافة الإنجابية مما أدى إلى ارتفاع نسبة العنوسة وانتشار الفاحشة والرذيلة...


وطبعا كل هذه المنظمات والجمعيات والمؤتمرات أنفق عليها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة العفو الدولية بسخاء ليس حبا وكرما، بل يظهر السبب في الآية الكريمة: ﴿مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ﴾.


ولو نظرنا أخواتي إلى حال المرأة في بلاد من يدّعون حمل شعلة التحرير لها في عالمنا الإسلامي لرأينا الحالة المزرية التي وصلت إليها المرأة في نظامهم العلماني الديمقراطي، ويظهر ذلك في إحصائيات موثقة لا يتسع المقام هنا لذكرها، وأقتصر على بعض الأمثلة في أمريكا فقط باعتبارها قمة ما يُسمى بالحضارة الغربية حيث 74% من العجائز الفقراء والذين لا مأوى لهم هم من النساء، 85% يعشن وحيدات دون أي معين أو مساعد!! ومن 1980 إلى 1990 كان في أمريكا ما يقارب مليون امرأة يعملن في البغاء. ووفقاً للعمل الدولية يُستخدم ما لا يقل عن 100,000 طفل كبغايا كل عام كجزء من الصناعة الأمريكية للاتجار بالجنس والبالغ 9,8 مليار دولار.


ووفقاً لتقرير على CNN في تشرين الثاني/نوفمبر 2017، بلغ إجمالي عدد الأطفال الذين ولدوا ما مجموعه 249,078 طفلاً رضيعاً للفتيات البالغات من العمر 15 إلى 19 سنة، فها هم لا يهاجمون العلاقات غير الشرعية لهذه الفئة العمرية التي يعتبرونها صغيرة على الزواج المبكر في العالم الإسلامي في بلادهم - رغم ما ينتج عنه من مواليد لقطاء وأمهات عزباوات صغيرات - بينما نراه يتصدر جدول أعمال المنظمات النسوية في بلداننا الإسلامية!!


وبلغت نسبة الأسر بلا زواج 48% عام 2000، ونسبة الآباء الذين لم يتزوجوا 35% والأمهات 42%. مليون من القاصرات في أمريكا يحملن دون زواج و400 ألف منهن يقمن بعملية إجهاض. وأكثر من 50% من الذكور ومليون ونصف مليون امرأة قد مارسوا الشذوذ الجنسي. وهذا غيض من فيض من نتائج ديمقراطيتهم وحرياتهم، حياة الفوضى والانحلال الاجتماعي الذي يعيشونه ويريدون تصديره لنا بكل الوسائل...


فهل هكذا أخواتي الكريمات يكون الارتقاء بالمرأة وبأسرتها؟ أم أن الهدف من وراء هذه المشاريع والاتفاقيات النفاذ إلى حياة المسلمين الاجتماعية وتدمير الأسرة المسلمة بإفساد نساء المسلمين وبالتالي إفساد الجيل المسلم بأكمله؟!!


أظن أن الإجابة واضحة، وللأسف تحقق لهم جزء كبير من أهدافهم وخططهم!! فالمتتبع لأحوال الحياة الاجتماعية في بلاد العالم الإسلامي لا يخفى عليه ما تمر به الأسرة المسلمة من أحوال سيئة بالغة الخطورة، ومن اضطراب وقلق يكاد يلفها من كل جانب من جوانبها...


نعم هذا هو الحال من تحالف واجتماع، وهذا ما عليه الأسرة اليوم من انقسام وضياع، جراء التعديلات القانونية والتدابير السياسية التي طالت حياتنا الأسرية بكل جوانبها ابتداء بالزواج وهو الميثاق الغليظ، وانتهاء بتحديد النسل. ففي مصر أكد الرئيس السيسي في تاريخ 30/9/2017 بضرورة الحفاظ على البنات القاصرات من ظاهرة الزواج مما أدى إلى مسارعة مجلس الشعب بتشريع قانون لحظر الزواج قبل سن 18 سنة، كما دعت منظمة العدل والتنمية - وهي منظمة أهلية تعمل وفقاً لمبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وتشريعات حقوق الإنسان الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة - إلى إصدار تشريعات صارمة لرفع سن الزواج للذكور والإناث إلى 20 عاماً بالإضافة إلى إصدار قانون لتجريم الزواج المبكر وتجريم زواج القاصرات أو الزواج العرفي، ولمواجهة ما يسمونه خطر الزيادة السكانية في مصر وزيادة معدل المواليد اقترحت هذه المنظمة الأهلية إصدار قانون وتشريع يمنع الأسرة من إنجاب أكثر من طفلين لمدة 10 سنوات مع عدم حصول الطفل الثالث على الدعم أو مجانية التعليم. بينما الشرع حثّ على الزواج للتكاثر والتناسل وزيادة النوع البشري لقول رسول الله e «تَنَاكَحُوا تَكَاثَرُوا تَنَاسَلُوا فَإِنِّي مُبَاهٍ بِكُمُ الأُمَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».


أما في تونس فقد عمدت وزارة المرأة والأسرة إلى رفع التحفظات على اتفاقية سيداو المخالفة لكثير من الأحكام الشرعية المعلومة في الدين بالضرورة. فأصدرت قانونا يبيح للمسلمة الزواج من غير المسلم بينما الشرع يحرم هذا الزواج في نص واضح وصريح لقوله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ﴾ حتى أحكام النفقة لم تسلم منهم فأصدر القضاء حكماً استثنائياً يلزم أمّاً بالتكفل بنفقة أبنائها بعد طلاقها من زوجها كمساهمة منها في الإنفاق على أبنائها الذين في حضانة طليقها!! بينما الشرع لم يوجب على المرأة النفقة حتى لو كانت قادرة عليها، وأوجبها على وليها من الرجال، وتلك النفقة حق للمرأة على الرجل لا منّة، تأخذها عزيزة كريمة، قال تعالى: ﴿لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا﴾ [الطلاق: 7] وقال سبحانه: ﴿وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾. هذا بالإضافة إلى منع تعدد الزوجات وإعطاء القانون الحق للمرأة في تطليق الزوج بدون سبب معتبر شرعاً...


أما في السودان فتعتبر قضايا النفقة من أكثر القضايا انتشاراً في المحاكم السودانية إذ يصل عددها إلى 70 قضية نفقة في اليوم وذلك لافتقار قانون الأحوال الشخصية السوداني لسنة 1991 والقائم على غير أساس الإسلام، على مواد ملزمة تيسر تحصيل النفقة من الزوج وبالتالي معاناة حقيقية تعيشها المطلقة مع أولادها.


وفي الأردن تم إيجاد المجلس الأعلى للسكان والهدف منه الحدّ من التوالد والتناسل بتحديد النسل والعقم وذلك بحجة تحسين الأوضاع الاقتصادية للسكان وربط الفقر والبطالة بالنمو الأسري، في حين إنه صدر تقرير رسمي عام 2004 يشير إلى أن نسبة الإنجابية بلغت عام 1976 (7,4) بينما وصلت مؤخرا إلى (2,1) والبطالة والفقر وعجز الموازنة السنوية في ازدياد، وما الحراك الشعبي والنقابي الذي حصل مؤخراً إلا خير دليل على خطأ ربطهم زيادة معدل الولادات بتأزم الوضع الاقتصادي, وذلك لتضليل الرأي العام وحرف بوصلته عن محاسبة الدولة لأنها هي من أنتجت هذا الواقع المزري بسبب تطبيق الرؤية الاقتصادية الرأسمالية في بلاد المسلمين!!


أما في تركيا فقد اعتبر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في كلمة ألقاها خلال مشاركته في فعالية نظمتها وزارة الأسرة بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، أنه من الضروري تحديث أحكام الإسلام مشيراً إلى أنه لا يمكن تطبيق الإسلام بأحكام صدرت قبل 14 و15 قرناً، وتطبيق الإسلام يختلف بحسب المكان والزمان والظروف وهنا يكمن جمال الإسلام حسب رأيه!! وهذا ما عكسته قوانين الزواج في البلاد والتي تجري في محاكم مدنية بالإضافة إلى إلغاء تعدد الزوجات بشكل رسمي منذ عام 1926. بينما الشرع أجاز تعدد الزوجات لقوله تعالى ﴿فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ﴾.


إذن أخواتي.. اجتمعت إملاءات المنظمات الغربية مع عمالة الحكومات والأنظمة، وانضباع العديد بالحركات والجمعيات النسوية التي ما وجدت إلا للإفساد.. فكانت النتيجة برامج ومشاريع تنادي بتحرير المرأة ومساواتها مع الرجل، بالإضافة إلى تعديلات قانونية تعمل على اجتثاث ما بقي من الإسلام في العلاقات الأسرية، بل تشويه القوانين الربانية في نظر المسلمين جميعاً. حيث بدأت هذه الأنظمة العميلة بتحقيق ما انتهت إليه الاتفاقيات الدولية وأشغلوا المرأة المسلمة بقضايا أوهموها أنها مفصلية وجوهرية لرفع الظلم عنها بعد أن أوهموها بأن هذا الظلم الواقع عليها آتٍ من أحكام الإسلام. فسنوا القوانين التي تهاجم حدود الله ليصبح الزنا مباحا، وحرّفوا أحكام الله في الطلاق والميراث وتعدد الزوجات والاختلاط، وتغيير الزواج الشرعي إلى زواج مدني، وأباحوا زواج المسلمة بكافر، وللمسلم أن يتزوج أخته بالرضاع، بالإضافة إلى التلاعب بعدة الطلاق الشرعية، وتجريم الزواج المبكر ومحاربته باعتباره انتهاكاً لحقوق الإنسان يعاقب عليه القانون، وأيضاً تشجيع المرأة الحامل على الإجهاض وتناول حبوب منع الحمل، انتهاء باتخاذ إجراءات لتنفيذ سياسة تحديد النسل لخفض نسبة النمو المرتفعة في الولادات والتي باتت تؤرق الغرب بشكل فظيع. بالإضافة إلى غياب المودة والرحمة والسكينة بين الزوجين، وطاعة الأبناء لأهلهم، وصلة الرحم بين العائلة الواحدة، هذا بالإضافة إلى النتائج السلبية لهذه الأحوال السيئة من طلاق وتمزيق للأسرة الواحدة وتشتت أفرادها وغيرها من المشاكل كاجتياح الاختلاط حياة المسلمين، وامتلاء بيوت العجزة والمسنين بكبار السن، وانتشار النساء الكاسيات العاريات المتبرجات... الخ. أي باختصار، إن المتتبع لأحوال الأسرة المسلمة يرى أن الفساد قد عمَّ وطمَّ، وظهر بشكل جليّ علني، إذ أصبحت العائلة الواحدة خليطاً من أفكار إسلامية وأخرى غربية، وفي أكثر الأحيان تكون الغلبة لأفكار الكفر بغياب المربية الأم، بينما تنزوي أفكار الإسلام ومفاهيمه في زاوية الغربة عن أفرادها. قال تعالى: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾.


أخواتي الكريمات:


إن ما ذكرناه يعزز ما نحاول تبيانه أنه من المستغرب بل ومن المستهجن أن نفهم أن هذه المؤتمرات والاتفاقيات والتي في ظاهرها تدخل ضمن مشاريع التنمية وتمكين المرأة بينما فعليا هي ضمن محاولات الغرب الحثيثة لحرف المرأة المسلمة عن مسارها الذي رسمه لها خالق الكون والإنسان والحياة، وليوغلوا بإفساد الأسرة المسلمة المترابطة والقائمة على أحكام ربها. إذ لم يعد يخفى على كل متمعن في مواد وبنود تلك الاتفاقيات الدولية أنها وُضعت وسُنّت فقط لاجتثاث أحكام الإسلام من حياة المسلمين وخاصة فيما يتعلق بنظام حياتهم الاجتماعي وهو الذي بقي إلى حد ما يحتفظ ببعض أحكام الدين الحنيف. وللتأكيد فقد نصت المادة 2 من اتفاقية سيداو على "إبطال القوانين والأعراف دون استثناء لتلك التي تقوم على أساس ديني واستبدالها بقوانين دولية". وأيضاً المادة 4 من الإعلان العالمي بشأن القضاء على العنف ضد المرأة سنة 1993 أنه "ينبغي للدول أن تُدين العنف ضد المرأة، فلا تتذرع بأي عرف أو تقليد أو اعتبارات دينية بالتنصل من التزامها بالقضاء عليه، وينبغي لها أن تتبع بكل الوسائل الممكنة ودون تأخير سياسة تهدف إلى القضاء على العنف ضد المرأة".


وهكذا نرى أخواتي الكريمات كيف يتم تصوير أن كل ما تطمح إليه المرأة من أمن وأمان ورفع للظلم عنها، لا يمكن تحقيقه إلّا بإزالة عقبة الدين، إشارة منهم إلى الدين الإسلامي وذلك لأنه لا يوجد دين ينظم حياة البشرية جمعاء إلا الدين الإسلامي. وبالتالي هم يسعون إلى استبدال الاتفاقيات الدولية وبنودها بالأحكام الشرعية التي تدّعي اهتمامها بالمرأة وشؤون حياتها وأسرتها.


نخلص من هذا كله إلى القول بأن كل المبادرات التي تُطرح اليوم والمؤتمرات التي عُقدت وستعقد، ما هي إلا مناورات غربية صليبية للتعمية والمغالطة، ومصيرها الفشل إن شاء الله ما دام هناك عقول وقلوب وعيون ساهرة متبصرة وواعية. حيث إنه يجب القضاء على مثل هذه الحضارة وعلى شرورها، لأنها لم تسبب إلّا الشقاء والعنت للبشرية جمعاء وليس للمرأة فقط، فهم في الجانب الروحي ضائعون، وفي الجانب الأخلاقي غاية في الانحطاط، وفي الحياة الاجتماعية كل التفكك والانهيار، فلا أسر ولا عائلات ولا أنساب، وغير ذلك من الآثار السلبية لهذه الحضارة على أصحابها، والتي ذكرنا جزءا بسيطا منها إذ لا مجال لذكرها كلها والوقوف عليها...


فلنعمل على أن لا يستمروا في هذا التدمير سواء على أيديهم أو أيدي دعاة التغريب والتخريب. وهذا يكون إذا بقيت الأمة الإسلامية متمسكة بثوابتها الإيمانية وبخطوطها الحمراء، فنحن مسلمون، ووجب أن تكون زاوية النظر للأمور صغيرها وكبيرها من زاوية العقيدة الإسلامية فقط، لنرى ماذا أمرنا الإسلام وبين لنا من أحكام فنتبعها ونعمل بها.. فهم يعملون بكل جهد للحيلولة دون النهضة الصحيحة التي لن تكون إلا على يد جيل واعٍ لدينه مدركٍ أنه لن يتحقق الخير والعزة والازدهار إلا بدولة إسلامية تحكم بشرع الله وأحكامه...


وعلينا نحن كنساء مسلمات بأن نحارب أي دعوة علمانية بثوب إسلامي وأي مقررات دولية تعبث في جميع شؤون حياتنا، وعلينا أن نزن هذه الدعوات الزائفة والمنظمات المفسدة التي تتبناها بميزان الشرع والدين الحنيف لكي لا ننزلق وأسرنا في المنزلقات الخطيرة. قال تعالى ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا﴾ وقال سبحانه: ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى﴾..


والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 


رنا مصطفى
عضو المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

 

-----

 

لزيارة صفحة المؤتمر اضغط هنا

 

 

Template Design © Joomla Templates | GavickPro. All rights reserved.