Logo
طباعة

بسم الله الرحمن الرحيم

 

نظرية الأرض المسطحة!!


الهدف منها وبيان مناقضتها للعقل

 


يخرج علينا هذه الأيام بعض من شباب المسلمين الذين تستهويهم فيديوهات اليوتيوب لبعض من يمضغون الكلام مضغا دون تذوقه وإدراك مراميه مع قلة علم هؤلاء الذين يتكلمون في هذه الفيديوهات سواء على مستوى العلوم التجريبية أو العلوم الشرعية، بل هم أحداث أسنان وسفهاء أحلام ومنتفعون، همّهم تقليد الفلسفات والمخالفة لذات المخالفة، وما يوقع الكثير من المسلمين في أحابيل هؤلاء هو أن المسلمين في عدائهم مع الغرب قد كرهوا كل شيء متعلق به، فيأتي هؤلاء أصحاب نظرية الأرض المسطحة ليستغلوا ذلك الكُره للغرب الذي لا يزال يحتل بلاد المسلمين ويهيمن على العالم في شتى المجالات، وحيث إن هؤلاء يعمّمون نظرية المؤامرة حتى في العلوم التجريبية والعلوم العقلية، ليقولوا لنا إن الغرب يتآمر ويخفي حقائق علمية عن طبيعة الأرض مثلا وطبيعة الفضاء وطبيعة الكون أو أن الغرب يفهم تلك الحقائق في ظل مبدئه الرأسمالي وهو فصل الدين عن الحياة، فيأتي هؤلاء مستغلين كذب الغرب في بعض الأمور العلمية في ظل الحرب الباردة وحرب التسليح والتصنيع والمعلومات بين الدول العظمى فيه ليشككوا بكل شيء توصل إليه الغرب حتى ولو كان ما توصل إليه يقوم الدليل اليقيني العقلي الحسي على صدقه، والبعض من هؤلاء أصحاب هذه النظرية يستغل بعض الآيات من القرآن الكريم أو بعض الأحاديث ليسند رأيه الذي يقول به فيتعسف في تفسير الآيات أو الأحاديث ويلوي أعناق النصوص لتوافق هواه، لا حبا في الإسلام ولا انتصارا لآيات الله في كتابه ولكنه الخبث والحقد على دين الله، وهذا الملاحظ في أكثريتهم، ولو تأملت حالهم لوجدت أن أكثرية من يقولون بهذه النظريات هم غير مسلمين أو هم مسلمون مثيرون للشبهات ولهم آراء شاذة قد تخرجهم من دائرة الإسلام ولهم مواقف خسيسة تجعلهم محل شبهة وعمالة، فالهدف الذي يخفيه هؤلاء المتنطعون إنما هو في الأخير ضرب وتمييع طريقة التفكير الصحيحة ومخالفة الفطرة حتى يصل المرء الذي يقول بقولهم إلى حال تجده فيها ليس له أية قواعد أو مسلمات ينطلق منها للحكم على الواقع فيصل إلى الشك والريبة في كل شيء ولو كان الحس يقطع بصدقه، هكذا يصبح في دائرة اللاأدرية، فهو لا يدري ولا يجزم بشيء وكل شيء عنده سيان وجودا وعدما! والهدف الآخر من أغراض هؤلاء الذين يقولون بهذه الأقوال هو جعل الدين في معارضة مع العقل، فهم يستدلون بآيات قرآنية تؤيد نظرياتهم ويحاولون تفسيرها بتعسفات منحرفة فينخدع بعض المسلمين بهم ويظن أن القرآن أولى بالاتباع في تفسيره لهذه الحقائق والأخبار عنها مع أنها ليست من قبيل المغيبات التي لا مجال للعقل فيها، بل هي قضايا مدركة ومحسوسة أو محسوس أثرها، وهكذا يجعلون الدين معارضا للعقل لا للعلم الغربي فقط، وهنا تكون الكارثة بأن يستفيق من يتبعهم وقد وقع في كرهه للدين إذا ما انكشفت الحقائق خلاف ما كان يعتقد وبالتالي فما أسهل الإلحاد عليه أو رمي الدين بالتخلف.


الطريقة الصحيحة لغربلة ما أنتجه الغرب


صحيح أن أهداف الدول الكبرى الغربية هي أهداف استعمارية وهيمنة على العالم ولو عن طريق الخداع والتضليل والكذب ليرهب بها الدول الضعيفة وليهيمن عليها أو ليجعل الأذهان تعظم منتجاته وتجعله الشخصية التي يحتذى بها فيسير خلفه المنبهرون والمضبوعون في تقليد أعمى، مروجين لكل منتجاته سواء المتعلقة بالثقافة والحضارة أو المتعلقة بالعلم والمدنية، لكن الطريقة الصحيحة لغربلة منتجات الغرب هذه إنما تكون في معرفة ما يتعلق بالثقافة والحضارة التي هي متعلقة بوجهة النظر في الحياة، حيث إن هذه الأفكار والنظريات يجب محاربتها وعدم الأخذ بها فهي خاصة به ومنبثقة عن الأيديولوجية أو الدين الذي يعتنقه، وهي لا شك أفكار وأنظمة ونظريات وثقافة وحضارة كفر لا يجوز أخذها ولا الدعوة إليها.


أما غربلة ما أنتجه الغرب من علوم تجريبية وأشياء مدنية ونظريات حول واقع ما والحكم عليه فهذا إنما يتم بحسب الطريقة العقلية أي طريقة التفكير الصحيحة التي هي خاصة بالإنسان كإنسان، وبها فضله الله على سائر المخلوقات، ومع أن العلوم التجريبية والنظريات حول حقيقة واقع ما وماهيته، والتفسيرات حول كيفية وقوع الظواهر وما الأسباب المنتجة لها إنما تبحث في أشياء محسوسة وملموسة وليس في مغيبات عن الحس، فكانت هذه العلوم إن صحت هي علوم عامة لجميع البشر فهي ليست متعلقة بوجهة النظر في الحياة أي ليست متعلقة بدين من الأديان، وبالتالي ليست مؤثرة في سلوك الإنسان بحيث توجه سلوكه.


والطريقة العقلية هي الحكم الذي يرجع إليه في ذلك كله وهي طريقة مباشرة خلافا للطريقة العلمية أو المنطقية غير المباشرة، مع أننا نعتبرها أساليب من أساليب التفكير، لكن يجب أن تكون الطريقة العقلية محصورة بالتفكير في ما هو واقع مادي محسوس يقع عليه الحس أو واقع له أثر محسوس، ولا يصح أن تتجاوز حدود العقل، (حيث العملية العقلية: هي عملية يتم فيها نقل الحس بالواقع إلى الدماغ الصالح للربط مع وجود معلومات سابقة تفسر ذلك الواقع)، فالعملية العقلية أو العقل لا يستطيع إدراك ما غاب عنه من المغيبات التي هي وراء العقل كذات الله سبحانه وتعالى وصفاته والملائكة والجن وغير ذلك، فالعقل حكمه على وجود الواقع المحسوس وعلى صفاته وماهيته هو حكم قطعي إذا صدق الإحساس وصح الربط بالمعلومات السابقة الصحيحة، أما حكمه على الشيء الذي له أثر محسوس فقط ولا يمكن إدراك واقعه فهو حكم قطعي أيضا، إلا أن الحكم على الشيء من خلال أثره المحسوس إنما يكون حكما على وجود المؤثر وليس حكما على صفاته وماهيته، فنحن من خلال هذه الواقع المحسوس وهو الكون والإنسان والحياة أدركنا وجود الخالق المدبر سبحانه باعتبار أن هذه الأشياء المحسوسة هي أثر للخالق المدبر سبحانه وتعالى، فأثر الشيء جزء من وجوده قطعا ووجود مخلوق يدل على وجود خالق لهذا المخلوق قطعا، وهذه القواعد من البديهيات التي لا تحتاج إلى إثبات، وقد كان الحكم على هذه الأشياء - الكون والإنسان والحياة - أنها محتاجة ومحدودة وعاجزة وناقصة، هو حكم قطعي، وما صفته وواقعه أنه كذلك هو مخلوق قطعا خلقه الله سبحانه وتعالى.


نظرية الأرض المسطحة وضربها للعقل وللقاعدة العقلية (أثر الشيء جزء من وجوده)


معلوم أن الشيء المستوي السطح له حواف ونهايات ينتهي إليها الشيء قطعا ولا يماري في ذلك إلا سفيه أو مختل عقليا، ومعلوم أن الشيء الكروي أو المستدير ليس له حواف، وإذا انطلقت من نقطة على سطحه بخط مستقيم فإنك ستعود لتلك النقطة حتما، والواقع المحسوس أن مليارات البشر لم يحسوا بأن هناك حواف للأرض رغم تطور وسائل النقل والمواصلات والاتصالات حتى الذين يزعمون أن الأرض مسطحة لم يقل أحد منهم أو جمع منهم يفيد التواتر أنهم شاهدوا أو رأوا حواف الأرض، بل لم يستطيعوا أن يعطوا صورة واحدة لما يزعمون مع أنهم يعتمدون صورة للأرض ليست حقيقية ولم يصعد أحد منهم لتصوير الأرض، فهم لا يعترفون بوجود أقمار اصطناعية ولا مكوكات فضائية! فكيف رسموا خريطتهم التي يزعمون من خلالها أن الأرض مسطحة؟! هم اعتمدوا على خريطة للأرض عبر إسقاط معين وهي ليست صورة حقيقية للأرض، إن كانوا فعلا قد صعدوا لتلك المسافة ليستطيعوا التقاط صورتهم للأرض المسطحة وحولها الجليد بشكل دائري فعبر ماذا انطلقوا وكيف تم التصوير؟! ولماذا لا يكون لديهم فيديوهات مصورة؟!


إلا أن المشاهد المحسوس يقول إن مليارات من البشر لم يجدوا هذه الجبال الجليدية ولا حواف الأرض مما يدل قطعا بأن شكل الأرض هو شكل كروي فلا يوجد شيء ليس له حواف يسمى غير ذلك.


علاوة على أن أثر الشيء جزء من وجوده، فظهور أعالي السفن قبل أسفلها هو أثر لانحناء الأرض فهو أثر للانحناء، وظهور أعالي السفن في البحار ليس خيالا ولا خداعا بصريا ولا سحرا فكل الناس تلاحظ ذلك سواء بالأعين أو بالكاميرات أو حين التصويب بالأسلحة أثناء المعارك البحرية فلا يمكن إصابة أسفل السفينة - الذي هو ظاهر منها لكنه يغيب كلما ابتعدت - بسلاح يعمل فوق سطح الماء ويسير بخط مستقيم ومن الممكن إصابة أعلاها المتاح للرؤية، ثم لماذا تختفي السفن العملاقة في البحار كلما ابتعدت عن أعيننا حتى إننا لا نستطيع مشاهدتها عبر المناظير، وهذا يدل على أن الأمر ليس متعلقا بالرؤية والإبصار بل بطبيعة الأرض وشكلها.


إلا أن تهافت أقوال أصحاب نظرية الأرض المسطحة تتكشف حينما نسألهم عن حواف الأرض فيقولون إن الأرض غير محدودة ولا يمكن قطعها طولا ولا عرضا فهناك جبال وبحار وجليد، والبعض منهم يذهب للقول إنها تحيط بها سبعة أبحر وسبعة أرضين ممدودة لا نهاية لها، وهكذا يذهبون من هذه الهرطقات ثم يذهبون للآيات التي قد توحي بما يقولون ليؤيدوا بها كلامهم، مع أن الآيات ليس ذلك موضوعها ولا ذلك تفسيرها القطعي، والأرض وشكلها وطبيعتها ليست من المسائل الغيبية بل هي واقع محسوس مهما كبرت والعقل فيها هو الفيصل ولا يمكن أن يتناقض الحكم العقلي القطعي مع الآيات القرآنية في الأمور الحسية ويجب تفسير الآيات القرآنية بما ينسجم مع الحكم العقلي القطعي الحسي خاصة أنها آيات متشابهات وليست آيات قطعية في دلالتها على ما يقولون، أما في المسائل الغيبية وآيات الأحكام فالعقل لا يجوز له أن يكون هو الحكم والفيصل فيها بل الآيات هي الحكم والفيصل والعقل دوره أن يفهم حقائقها التي تقررها والأحكام المستفادة منها كما تدل عليها النصوص الشرعية مستعينا باللغة العربية والمعارف الشرعية سواء وافق فهمه العقل هنا أو لم يوافقه.


الجاذبية الأرضية والأقمار الاصطناعية


إلا أن نظرية الأرض المسطحة أيضا تتعارض مع العقل في كثير من تفصيلاتها فهي تقرر أنه لا وجود للجاذبية الأرضية ولا وجود للأقمار الاصطناعية، مع أن هذه الأشياء لها أثر محسوس وإن كنا نحن لا نشاهدها، وهنا تتجلى الحقيقة بأنهم إنما يريدون ضرب قاعدة عقلية يقوم عليها الإيمان بوجود الخالق المدبر سبحانه، فالجاذبية وجودها في الأرض قطعي عرفنا ذلك من خلال تأثير الأرض على الأشياء وأنها مهما ابتعدت عنها ضمن نطاق الجاذبية الأرضية الكافي لجذبها فإنها تعود إليها وتسقط فيها، والأقمار الاصطناعية لها أثر موجود؛ إذ إن الإنسان يوجه هوائي الاستقبال التلفزيوني إلى اتجاه معين بدقة شديدة إلى السماء وإذا انحرف الهوائي قليلا انقطع الاستقبال التلفزيوني، علاوة على آلاف الأقمار الاصطناعية وآلاف الترددات للمحطات العالمية وآلاف الشركات المصنعة وملايين العاملين في هذه المجالات، ومن ينفي وجود الأقمار الاصطناعية فهو سينفي وجود كثير من الأشعة والموجات بحجة أنه لا يراها مع أنه يحس بأثرها قطعا، فما الذي يجعل هؤلاء يكابرون الحس إلا أهداف خبيثة تنتهي إلى اللاأدرية والإلحاد، ولو سألت أحد المسلمين من المهووسين بهذه الأقوال ما هو الدليل القطعي العقلي على وجود الله سبحانه وتعالى فكيف سيجيبك وطريقة التفكير لديه مضروبة إذ هو ما دام يقول بتلك الهرطقات ولا يؤمن إلا بالمحسوسات مباشرة فهو قطعا لن يستطيع أن يثبت بالدليل العقلي وجود الخالق المدبر الذي يؤمن به ولا يعدو إيمانه بالله مجرد التسليم الذي لن يستمر طويلا ولن يثبت ما دام العقل قد فسدت طريقة تفكيره بحيث صار لا يؤمن إلا بوجود المحسوسات مباشرة فقط ولا يتعداه إلى الإيمان القطعي بوجود ما هو محسوس أثره قطعا.


في الأخير لا بد من غربلة ما أتانا من الغرب وعدم التسليم له في كل شيء، لكن لا بد أن يكون ذلك وفق منهجية صحيحة لا تناقض العقل ولا تخرج عن طريقة التفكير الفطرية السليمة التي نطق بها ذلك الأعرابي في الزمن الغابر بقوله (البعرة تدل على البعير وأثر القدم يدل على المسير، فسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج ألا تدل على اللطيف الخبير؟).


والمسلمون قد وضعوا كثيرا من القواعد والأصول لعلوم شتى لكيفية تمييز الصحيح من السقيم سواء في الحديث أو التفسير أو الفقه أو اللغة أو العقيدة وغير ذلك، ورحم الله الشيخ العلامة تقي الدين النبهاني الذي بين لنا تعريف العقل وكيفية التفكير وأساليبه مفرّقاً بين الطريقة العقلية التي توصل إلى نتائج قطعية وبين الطريقة العلمية التي لا تؤمن إلا بما يخضع للتجربة والملاحظة، كما فرق أيضا بين الطريقة المنطقية التي لا تستند إلى الحس وعاب عليها كونها تعطي نتائج خاطئة في قضايا غير حسية غير مدركة بالعقل وليست في حدوده.


ما الذي يترك لأهل الاختصاص في الحكم على الأشياء


إن الذي يترك لأهل الاختصاص في الحكم على الأشياء إنما هو في ماهيتها ومم تتكون إن كانت تحتاج إلى الاستقصاء والنظر، أما في الحكم على وجود الشيء المحسوس مباشرة فكل من يحس بالواقع فهو معني بالحكم على وجوده إذ وجوده قطعي عند كل صاحب عقل وفكر، وكذلك الحكم على وجود الشيء من خلال أثره المحسوس فلا يقال فيه نرجع فيه لأصحاب الاختصاص بل إن أثر الشيء جزء من وجود المؤثر المسبب لوجود ذلك الأثر، وهذه من البديهيات ولا تحتاج إلى تخصصات ولا إلى أهل الاختصاص حتى يقال دعوا هذه الأمور لأهل الاختصاص يجيبون عليها.


الصعود إلى السماء


مهما تكن حقيقة ما تقوله وكالة ناسا أو غيرها بخصوص رحلات الفضاء والهبوط على سطح القمر وهل وقع ذلك بالفعل أم لا، إلا أن المشاهد المحسوس أن الصواريخ تنطلق أمام أعيننا إلى السماء لآلاف الكيلومترات وكلما زاد وقود الصاروخ زادت كمية الدفع والمسافات التي يقطعها، وبالتالي فالفكرة ليست مستحيلة عقلا مهما اختلفت تفسيرات عمل الصاروخ وطبيعة السماء وأنها منقسمة إلى غلاف جوي ثم فضاء ليس فيه هواء، فاختلاف التفسيرات لا يعني عدم إمكانية الفكرة واستحالتها، والأصل بقاء ما كان على ما كان عليه حتى يأتي الدليل القطعي بخلافه، فنحن في الأرض وعلى مسافات آلاف الكيلومترات نحس بوجود الهواء والجاذبية ونحس بانطلاق الصواريخ والمركبات إلى جو السماء، ولا نستطيع الجزم بتغير طبيعة الجو المحيط بالأرض ولا الجزم بوجود فراغ خالٍ من الهواء إلا إذا ارتفعنا مسافة كافية وأحسسنا بذلك أو نقل إلينا جماعة أحسوا بذلك بحيث هذا الجمع يكون جمعا يفيد التواتر دون تواطؤ على الكذب والتضليل، لكن الأقمار الاصطناعية موجودة قطعا ولها أثر حسي وهي توضع في مدارات بعيدة عن الأرض، وصعود الفضاء قد أصبح ممكنا عبر آلات ومسابر مخصصة لذلك، وهناك صراع دولي حتى على الفضاء مهما اختلفنا في توصيف طبيعته، فغزو الفضاء قد تم بالفعل ولا مكان للتشكيك اليوم بما يحصل وإن كان البعض يشكك بصور لوكالة ناسا في زمن معين آنذاك خاصة التشكيك بحقيقة صعود الأمريكان لسطح القمر في الستينات وسواء أكانوا صادقين في ذلك حينها أم كاذبين فلا يقتضي ذلك نفي فكرة صعود الفضاء وبالتالي نفي كل ما تعلق بها.


وفي الأخير أقول لمن يشكك في ما توصل إليه العلم من قوانين ونظريات: شكك كما تشاء لكن ليكن لديك منهج واضح لا يخرج عن طريقة التفكير الصحيحة ولا عن حكم العقل القطعي، وعليك أن تفرق بين الحكم على وجود شيء ما له واقع محسوس أو وجود أثر محسوس لشيء ما دال قطعا على وجوده، وبين التفسيرات التي تقال لكيفية وجود ذلك الشيء وحدوثه، فلا تتلهى وتنشغل بمعرفة التفسيرات والتعارضات التي تقال فيها وتجعل منها عقبة بحيث تجعلك تنفي حدوثها أو وجودها فيعود الفرع على الأصل بالإبطال كحال من قالوا بالمصالح والمفاسد في الفقه وجعلوها حاكمة على النصوص الشرعية فأبطلوا الأحكام وعطلوها! ولتعلم أخي المسلم أن طريقة التفكير الصحيحة المنتجة هي أغلى ما تمتلكه أنت كإنسان فلا تعبث بها فتعش في حيرة وتجحد نعمة الله عليك وتشقَ بتفكيرك غير السوي.


إن على المسلم اليوم أن ينظر إلى العالم اليوم نظرة صحيحة واعية فهو يجب عليه أن يدرك الموقف الدولي والمشاكل والأزمات الدولية، ويعمل لأن يأخذ بأسباب القوة فيأخذ العلوم التجريبية ويتصور العالم وخريطته تصورا تجعله يقدر مواقع الدول ومدى قوتها ومدى قربها أو بعدها عن بلاد المسلمين، فلا يأتين من يشككه اليوم بحدود الدول لبعضها البعض، فأمريكا مثلا تقع على حدودها الصين وكوريا الشمالية ولا يفصلهما إلا بحر ومن يسير في البحر بخط مستقيم من أمريكا باتجاه الصين فسيصل إلى الصين، وهي لقرب اليابان منها وتهديدها لمصالحها خاضت الحرب العالمية الثانية ضدها فهل سيشكك بكيفية حصول تلك الحرب من حيث موقعها، وما الخارطة التي سيعتمد عليها إن كان يرى أن الأرض مسطحة وأن أمريكا في جهة واليابان أو كوريا الشمالية في جهة أخرى ليست من حدودها، وعلى ماذا سيعتمد في الملاحة جوا وبحرا وبرا وهو ليس لديه تصور للعالم بشكل عملي؟!


وكيف لمن يرى الشمس تشرق وتغرب بخط مستقيم ومن جهات محددة أن يغالط نفسه ويغالط الإحساس فيتصور أنها تدور في مسار دائري فوق قرص تخيله أنه أرض مسطحة كما يزعم، مع أن العالم كله يقول إنها تشرق من المشرق وتغرب من المغرب، ولم يشاهدها أحد أنها تشرق من الشمال أو الجنوب، والذي يلزم من قول من يقول إن الشمس والقمر يدوران فوق الأرض المسطحة لا حولها، ويتصورون الدوران أنه بشكل دائري فوق الأرض لا حولها، كما أنهم لا جهات عندهم حتماً ولا شمال ولا جنوب ولا أقطاب للأرض، فالقطب الشمالي للأرض في مركز القرص المسطح الذي يتصورونه للأرض والقطب الجنوبي هو الثلج المحيط بالأرض المسطحة فلا شرق ولا غرب؟! عدا عن عدم تفسيراتهم العملية الصحيحة للخسوف والكسوف والليل والنهار والفصول السنوية وغير ذلك، وإن فسروها فتفسيراتهم متهافتة تجعلك تحمد الله على ما أعطاك من نعمة العقل والتفكير!!


ليس الهدف من هذه المقالة هو الرد على الكثير من تلك الهرطقات والمعارضات التفسيرية لأصحاب هذه المقالات والنظريات المتهافتة، لكني أسال الله أن أكون قد وفقت في بيان طريقة الاستدلال المناقضة للعقل والحس عند هؤلاء، وكشف الأهداف من هذه الأقوال المتهافتة التي يخفيها من يقفون خلفها أيا كانوا، إذ النتيجة حتما هي ضرب وتشويش التفكير الصحيح الفطري الذي يوصل إلى الإيمان بالله الخالق المدبر سبحانه وتعالى، كل ذلك ليسهل الكفر به سبحانه وتعالى ثم يحتقر دينه في النفوس كونه يناقض العقل مع أنه دين يقوم على أساس العقل في الإيمان بوجود الله وفي الإيمان بأن القران كلام الله وأن محمدا رسول الله e، وهو في كثير من آيات القران ينادينا ويلفت انتباهنا للتفكير في المحسوسات من حولنا ليختم بقوله سبحانه وتعالى ﴿أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ ﴿أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ﴾.


ملاحظة مهمة: سيخرج علينا من يقول أنا لا أجزم أن الأرض كروية ولا أجزم أنها مسطحة! فهو لا يدري عنها وكأنها من المغيبات! وهذا هو الشك والحيرة اللذان يوصلان إلى اللاأدرية (بقوله لا أدري) والإلحاد، نعوذ بالله من ذلك، ومع أن هذه المسألة ليست مسألة إيمان أو كفر لكنها مسألة متعلقة بطريقة التفكير التي هي أساس الإيمان بالخالق المدبر وإذا هدمت هذه الطريقة ضل الإنسان وهوى.

 


كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
عبد المؤمن الزيلعي
رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية اليمن

 

Template Design © Joomla Templates | GavickPro. All rights reserved.