السبت، 11 شوال 1445هـ| 2024/04/20م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 الصبر طريق النصر

 

يقول الله تعالى في كتابه العزيز: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾، والعبادة تقتضي الإيمان به والانصياع لأوامره والعمل بأحكامه جل وعلا. وهذا الكون بكل ما فيه مخلوق لله. وأعمالنا وأقوالنا وحياتنا يجب أن تكون ترجمةً صحيحة لمعنى الاستخلاف في الأرض. ومنذ أنزل الله تعالى آدم وزوجه الأرض وهو يتعرض لابتلاءات وأحداث ومصائب متنوعة. وكذلك كانت أساليب مواجهتها متنوعة.

 

والحمد لله على نعمة الإسلام. فالمسلم الحقّ يمتثل لأمر الله تعالى، ويصبر على كل ما يحل به. فكلنا نحتاج إلى تعلّم الصبر حتى نستطيع العيش باطمئنان. فالإنسان غير الصابر يكون دائم الجزع والفزع من الأحداث والمصائب، بينما الإنسان الصابر يتلقّاها دون جزع أو رهبة مبالغ فيها. وقد ابتلى الله عز وجل جميع أنبيائه ورسله ليختبر صبرهم.

 

وهناك آيات وأحاديث كثيرة تحث على الصبر وتبين أجر الصابرين. قال تعالى في سورة آل عمران: ﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ﴾ وأي أجر ومنزلة وكرامة أفضل من أن يحبه الله عز وجل، وأي أمر أفضل من رحمته التي بشره بها، فعاقبة الصبر في الدنيا والآخرة خير. فكما ورد في صحيح مسلم عن الرسول ﷺ قال: «عجَباً لأمرِ المؤمنِ إِنَّ أمْرَه كُلَّهُ لهُ خَيرٌ وليسَ ذلكَ لأحَدٍ إلا للمُؤْمنِ إِنْ أصَابتهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فكانتْ خَيراً لهُ وإنْ أصَابتهُ ضَرَّاءُ صَبرَ فكانتْ خَيراً لهُ». فإن الإيمان الصادق بالله تعالى وأننا عبيده يزيد من الصبر ويثبت القلب، ويعطي يقيناً أن الفرج سيأتي بعد ما يحصل من ابتلاءات، فبعد كلّ عُسر يُسر.

 

والصبر أنواع: الصبر على الطاعات، والصبر عن المحرّمات، والصبر على الابتلاءات.

 

ونحن نعيش ابتلاء جائحة كورونا وتوابعها، فعلينا بالصبر. ووجودنا في بيوتنا فرصة لنا للتأمل الصحيح والرجوع إلى معاني الإسلام الحقيقية وتجسيدها فعليا. ومن لا يعرف كيف يصبر فليتصبّر، قال رسول الله ﷺ: «مَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ».. وقال أيضا: «مَنْ يَتَحَرَّ الْخَيْرَ يُعْطَهُ، وَمَنْ يَتَّقِ الشَّرَّ يُوقَهُ»، فمن تعاطى أسباب الصبر رزقه الله إياه، ومن تعاطى أسباب الوهن، والجزع، والخذلان، أصيب بها.. فمن يصابر نفسه فترة من الزمان، يجد أنه أصبح بعد ذلك من النفوس الصابرة، بل الراضية إن شاء الله، موقناً بأن الفرج سيأتي بعد الصبر، وأن الألم والتعب سيزولان ويبقى الأجر.. وبما أننا في رمضان المبارك ألا يذهب عطشنا وجوعنا مع أول رشفة ماء ولقمة طعام، وهكذا الصبر نرى حلاوته ونستشعرها بعد أن يأتي فرج الله ونأخذ أجرنا عليه.

 

وهي فرصة لنا أيضا للتدبر في معنى الصبر الحقيقي الذي قرنه عز وجل بالأنبياء والمجاهدين حيث قال: ﴿كَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ﴾، وكذلك قرنه مع المحسنين والمتّقين حيث قال: ﴿إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾.. وكذلك قرنه بالصلاة فأمرنا أن نستعين بالصبر والصلاة إن أهمّنا أمر أو ألمّت بنا مصيبة. وفي الصبر شحذ للهمة وإعطاء لطاقة قوية في مقاومة النفس والغير والابتلاءات.

 

وما أحوجنا كحملة دعوة إلى هذا الصبر الصادق القوي! فحمل الدعوة يعني ضرب العقائد والأفكار والعادات المألوفة لدى الناس، لوضع الفكر الصحيح مكانها. يعني أن لا تخاف في الله لومة لائم ولا بطش ظالم وبالتالي التعرض للأذى والعذاب وما يجب حياله من التحلي بالصبر والتحمّل، وانتظار الفرج والنصر من رب العالمين. وكلما أخلص حامل الدعوة في عمله اشتد عليه البلاء والعذاب وبالتالي احتاج لمزيد من صبر وتحمّل، فالأنبياء والرسل أولاً، وحَملَة الدعوة المخلصون الصادقون النشطون ثانياً، ويأتي سائر المسلمين بعد ذلك حسب الصدق والإخلاص في سلّم البلاء والعذاب والصبر عليهما وتحمّلهما، فعن سعد بن أبي وقاص قال: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءً؟ قَالَ: «الْأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الصَّالِحُونَ ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ مِنْ النَّاسِ، يُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ؛ فَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ صَلَابَةٌ زِيدَ فِي بَلَائِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ خُفِّفَ عَنْهُ، وَمَا يَزَالُ الْبَلَاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَمْشِيَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ لَيْسَ عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ».

 

فالصبر أن تقول الحق وتفعل الحق وتتحمل الأذى الناتج عن ذلك دون أن تنحرف أو تضعف أو تلين. ولنا في رسول الله ﷺ وأولي العزم من الرسل، وفي الصحابة والتابعين والمجاهدين والمجاهرين بالحق على مدى التاريخ حتى وقتنا الحاضر أسوة حسنة.

 

وكذلك نحتاج الصبر والثبات حين قيام دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة بإذن الله.. فهي لن تُقدم لنا على طبق من ذهب، بل تحتاج تضحيات كثيرة. ولن يكون الوضع سهلأ أبدا بعد قيامها، فالمتربصون بها كثيرون، وأعداء وجودها أكثر لأنها ستحرمهم من سرقة ثروات بلاد المسلمين وأراضيها وسكانها. وستكون قوة كبرى بإذن الله تحمي البلاد والعباد داخلها وخارجها.. فستكون التحديات كبيرة تتطلب منا قوة الإيمان والتوكل على الله والعزيمة والصبر والثبات.. نسأل الله أن نكون من شهودها وجنودها.

 

 

كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

مسلمة الشامي (أم صهيب)

 

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع