Logo
طباعة

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

مفاوضات من أجل سد النهضة أم من أجل مجرد التفاوض؟!

 

بينما تهدد إثيوبيا وترفض كل المقترحات المصرية بشأن سد النهضة، لا تزال مصر تراهن على المفاوضات والعملية السلمية وكأن المفاوضات من أجل مجرد التفاوض! حيث قال نائب رئيس الأركان الإثيوبي بيرهانو جولا، في مقابلة مع صحيفة (أديس زمن) الأمهرية يوم السبت الماضي 13 حزيران/يونيو: )إن بلاده ستدافع عن مصالحها حتى النهاية في سد النهضة(. وأضاف: (إن مصر لا تعرف أن الشعب الإثيوبي شعب بطولي لا يخاف من الموت من أجل بلاده، ويعلم المصريون وبقية العالم جيدا كيف يمكننا إدارة الحرب كلما حان وقتها).

 

لقد خاض النظام المصري مفاوضات فنية مع النظام الإثيوبي منذ 9 سنوات دون جدوى، والذي يبدو للمراقب أن إثيوبيا ما زالت تراهن على الوقت كعادتها منذ سنوات، فقد خاضت مفاوضات طويلة وعبثية مع مصر، بينما العمل في بناء السد جارٍ على قدم وساق، لتقطع الوقت من خلال التسويف والمماطلة لتصل إلى ما تريده، حيث سيصبح السد أمرا واقعا، فقد أعلن مسؤولون إثيوبيون بارزون أن بلادهم سوف تبدأ في ملء سد النهضة في تموز/يوليو المقبل، بغض النظر عن التوصل إلى اتفاق مع مصر من عدمه. فإذا كانت إثيوبيا كما تزعم في تصريحات مسؤوليها الأخيرة بأن سلطاتها مطلقة في إدارة وتشغيل وملء سد النهضة باعتباره في أرض إثيوبية، وتم تشييده بأموال وطنية خالصة وأن لأديس أبابا سيادة مطلقة على نهر النيل الأزرق الذي يجري في إقليمها، فلماذا خاضت كل تلك المفاوضات من البداية؟!

 

بمجرد التوقيع على إعلان الخرطوم في 2015/3/23م، استطاعت إثيوبيا أن تجر النظام المصري إلى مربعها لتدور المفاوضات تحت رحمة إثيوبيا، التي استطاعت من خلال إعلان المبادئ هذا انتزاع اعتراف مصري سوداني بأحقيتها في بناء السد، كما تمكنت من خلاله على الحصول على التمويل المالي الدولي الكافي والذي تجاوز الخمسة مليارات دولار. ولولا أن إثيوبيا تدرك تماما هشاشة النظام المصري وضعفه وعدم امتلاكه لأوراق ضغط حقيقية على إثيوبيا، لما استمرت في تلك السياسة المستفزة التي تهدد مصر بالجفاف والعطش. لقد لجأ النظام المصري إلى الولايات المتحدة علها تستطيع انتزاع التزام تعاقدي إثيوبي، يضمن ولو حدّا أدنى من احتياجات مصر المائية، وبعد أن وقعت مصر بالأحرف الأولى على اتفاقية واشنطن في شباط/فبراير الماضي كشفت إثيوبيا عن موقفها الحقيقي الرافض أي التزام أو اتفاق يقيدها بأي درجة، ولم يعد أمام كل الأطراف سوى الاعتراف بذلك، وترتيب الأوراق وفقا لهذا الوضع.

 

وبعد فشل أمريكا في الضغط على إثيوبيا، تقدمت مصر رسميا في 6 أيار/مايو الماضي، بخطاب لمجلس الأمن الدولي، لبحث تطورات سد النهضة الإثيوبي. والسؤال الذي كان يجب أن يطرح حينها: منذ متى يمكن التعويل على مجلس الأمن كهيئة دولية في حل القضايا والبت في وضع نهاية للأزمات؟ لا سيما مع ما شهده أداؤه حيال صراعات وقضايا دولية لم يتمكن من تحقيق أي نجاح يذكر فيها، وبالتالي ما كان من الممكن الحكم على دور مجلس الأمن الدولي في أزمة سد النهضة بعيدا عن مجمل أدائه في الأزمات الأخرى التي فشل فشلا ذريعا في تحقيق أي تقدم فيها، ولهذا تأكد عجزه وسقطت مصداقيته. والغريب أن النظام يدرك ذلك تماما، ولكن يبدو أن الهدف من إرسال ذلك الخطاب إلى مجلس الأمن مجرد الضغط على إثيوبيا لإعادتها مرة ثانية للمفاوضات وكأن النظام لم يمل من تلك المفاوضات العبثية!!

 

وهذا ما حصل فقد بدأت قبل نحو أسبوع بين القاهرة والخرطوم وأديس أبابا اجتماعات ثلاثية، عبر تقنية الفيديو كونفرانس بشأن السد دون الوصول إلى نتائج مبشرة بشأن المفاوضات الفنية المتعثرة قبل أشهر. وقد اتهم وزير الخارجية الإثيوبي غيدو أندارغاشو الأربعاء 17 حزيران/يونيو، مصر بعرقلة المفاوضات الثلاثية بشأن سد النهضة، مما يعني تعثراً جديداً للمفاوضات، والتي من المتوقع أن تنتهي إلى لا شيء سوى الخزي والعار الذي يتسربل به النظام الحالي، والذي يحاول إعلاميوه إلقاء المسؤولية على ثورة 25 يناير وتبرئة السيسي وزبانيته منها.

 

يبدو أن النظام المصري ما زال يعتقد أن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد لن يحنث بقسمه الذي ردده خلف السيسي في القاهرة في مشهد هزلي لم يسبق له مثيل في تاريخ الدبلوماسية السياسية في العالم، أو أن السيسي ما زال مصرا على ما قاله سابقا بأنه لم يضيعنا سابقا حتى يضيعنا اليوم، وما زالت تتردد نغمة الثقة في إثيوبيا وفي نوازعها الخيرية وأنها لا يمكن أن تضر بمصر. فهل يمكن أن يدار ملف خطير كهذا الملف بتلك الكيفية الساذجة؟! فما تكاد تنتهي مفاوضات على لا شيء حتى تبدأ مفاوضات جديدة.

 

لقد استغلت إثيوبيا الوقت وما زالت لتحقق المزيد من أهدافها، كما أن النظام لا يعنيه ما يسميه بـ(الأمن القومي) من قريب أو بعيد، وهدفه الرئيس تكريس سلطته والمتاجرة بقضايا الأمة الكبرى، ومنها قضية المياه، ومثل ذلك يُقال بشأن حكام السودان سواء المخلوع البشير أو البرهان أو حمدوك أو حميدتي، فكلهم في الخيانة والتفريط في مقدرات الأمة سواء، وفي النهاية فإن أهل مصر والسودان هم الخاسر الأكبر، إن لم يعزموا أمرهم للتخلص من تلك الأنظمة الطاغوتية، ليقيموا دولة الإسلام دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة التي تطبق الإسلام وتحفظ أمن الرعية ومنه أمنهم المائي، وتنسي إثيوبيا ومن هم خلفها وساوس الشيطان.

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

حامد عبد العزيز

 

وسائط

Template Design © Joomla Templates | GavickPro. All rights reserved.