Logo
طباعة

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

الطب في السودان في ظل انعدام الرعاية

 

قبل الحديث عن الطب والتطبيب في السودان لا بد من الحديث عن البيئة وأثرها في صحة الإنسان في السودان. ففي بداية كل خريف، وبالذات في النصف الثاني منه تتزاحم أمراض كثيرة عندنا في السودان حتى ظن البعض أن موسم الخريف مربوط بالأوبئة، والأمراض! بينما الخريف معروف بأنه موسم ملؤه الخير والبركة، قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ﴾، وقال تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكاً فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ﴾ وقال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً * لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَاماً وَأَنَاسِيَّ كَثِيراً﴾، وغيرها من الآيات التي تخبرنا بعطاء الخريف الذي لا ينضب، فلو أن شخصا عبر ومر بالسهول والجبال والصحاري قبل مجيء الخريف يراها سوداء مظلمة متهشمة، وجرداء قاحلة، ولكن الأماكن نفسها لو مررت بها بعد مجيء الخريف، ترى العجب؛ فالخضرة والنضرة والورود والرياحين تدخل في النفس المسرّة، تكاد تكون جنة الله في الأرض، ﴿وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ﴾ فضلا عن عطائه سبحانه وخيره، الذي يعود على الإنسان والحيوان.

 

ولكن بعد مجيء الخريف في القرى والحضر، ولسوء رعاية الشؤون الذي امتازت به الحكومات التي تعاقبت على حكم السودان، منذ خروج الاستعمار إلى يومنا هذا، قرابة السبعة عقود، هناك مجاري المياه لم يجر لها تعديل ولا صيانة، حتى تهشمت وتكسرت، وجرفتها المياه، في وقت تمتلك فيه الدولة الجرافات والجرارات وجيوشاً من العمال فتركت المجاري تنهار وصارت عبارة عن غابات من الأشجار والشوك، وخشاش الأرض، فحالت دون مياه المطر وسيره إلى الأنهار والحفائر، فضلاً عن تراكم الأوساخ التي صارت كالجبال الراسيات في شوارع المدن، بل في العاصمة القومية بمدنها العريقة، فإذا دخلت أسواقها وبالذات أسواق الخضرة والفواكه، واللحوم والأسماك، أو مررت بمجمعات المطاعم الكبيرة فترى العجب! ترى تراكمات من الأوساخ التي مكثت الشهور الطويلة في مكانها فتجد ما يسوؤك قذارة وعفانة ونتانة، وأعجب من ذلك وأقبح وأقذر، هذه البرك من المياه الراكدة، التي خالطت النجاسات من مخلفات الإنسان، والمعروفة بمياه الصرف الصحي، خالطت مياه الشرب، والغريب في المسألة أن هذا العبث لا يحدث في بلاد الواق الواق، وإنما في الخرطوم، أمام أعين المسؤولين وموظفي الدولة في العاصمة، بل في أرقى أحياء العاصمة!

 

هذه الأوساخ والبيئة الفاسدة مع مجيء الخريف، وانخفاض درجات الحرارة شكلت ملاذاً آمناً لتولد جيوش من البعوض والخنافس والديدان والجنادب والضفادع والفئران والعقارب والحيات والذباب، وتحولت أيام الخريف بدل النضرة والخضرة والجمال، إلى عهود بني إسرائيل عندما خالفوا أمر نبي الله موسى عليه السلام، فأرسل الله عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم، فهم استحقوا عذاب الله بكفرهم! أما نحن فلسكوتنا على هؤلاء الحكام الفسقة استحققنا العيش في هذه الأوضاع المتردية.

 

ولا ينصلح هذا الأمر إلا مع وجود راع يرعى شؤون الأمة، فوجود الحشران يعني فساد البيئة ودونكم تداعيات فيروس كورونا الذي راحت ضحيته مئات الآلاف من الأنفس لتخبط الحكام العشوائي، وتعاملهم السيئ مع الواقع، ونحن في السودان نعاني من سلبيات هذه الحشرات والكائنات كلها، ولكن الذباب والبعوض أكثر هذه الكائنات ضرراً وخطراً على حياة الناس، وإن كان كل واحد من هذه الكائنات لها دوره وخطره في إفساد البيئة. غير أن الذباب يعمل بالنهار ليعكر صفو حياة الناس، وهو سريع النقل للأمراض والفيروسات وبالذات وسط الفقراء الذين إذا وجدوا الطعام لا يجدون الكساء، حتى الناموسية في الحد الأدنى لا يستطيع الفقير أن يمتلكها. والغريب أن هذه الأمراض ليست وليدة اللحظة حتى نعذرهم، وإنما هي قديمة قدم الحياة، فهي قتلت الآباء والأجداد والآن أحاطت بالأبناء من كل جهة، وإن كانت هناك أمراض جديدة خطيرة وفتاكة.

 

أما الطب في السودان فهو كالمُنبتّ الذي لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى، فلا هو ترك الناس وشأنهم ليتعالجوا بالدواء التقليدي وخبرات العشّابين، وأهل البصيرة، الذين ورثوا هذه الخبرات كابراً عن كابر، فهؤلاء يملكون علاجاً فعالاً؛ كالعسل والحجامة والأعشاب... فالطب في السودان ما ترك الناس وشأنهم بل حجبوه من الإعلام، وعمدوا أن لا يدرجوه مع العلم الأكاديمي حتى مات الكثير من هؤلاء ودفنت معهم خبراتهم، ولا حتى تقدم أكاديميا ليلحق بالركب، ويصل العالم بالحداثة وبالطفرة التكنولوجية في الطب الحديث، وبهذا حق للطب في السودان أن يوصف بالمنبتّ وهو أكثر ما فعله للرعية أن جعل منهم حقل تجارب، ومورداً لجباية المال، فعلى سبيل المثال دخول المريض إلى المشفى الحكومي عليه بمبلغ من المال يدفعه للمقابلة ثم تتوالى الفواتير. ويواصل المريض في دفع الثمن حتى خروجه، أما الزوار الذين جاءوا لعيادة المريض، والذي أمر به ديننا الحنيف، فهو أيضاً يدفع، ثم يفاجأ بحملة رجال الشرطة تطرد الزوار خارج حوش المشفى إلى الشارع من غير مراعاة لحرمة فعلتهم!

 

أعرفتم كيف يتفنن الطب في السودان في أكل المال الحرام؟! وبهذا نكون لمسنا القارئ بأن الطب في السودان أكثر خدمة يقدمها للرعية هي الإذلال والإهانة، ونهب ماله، لذلك فنحن نشحذ همم أبناء المسلمين ونبين لهم كرامة الإنسان، وأنه لا كرامة في ظل النظام الرأسمالي الذي يتشدق بالإنسانية، فلم يبق للبشرية إلا الإسلام الذي علمنا الرفق بالحيوان، فكيف بالإنسان؟! جاء وفد رفيع المستوى إلى إحدى مستشفيات دولة الخلافة فزار المشفى ودخل جناح النفسانيين (المجانين) فرأوا عناية فائقة، فاندهشوا من هذه العناية، فسألهم أحد أطباء المسلمين ماذا يصنع بالمجانين في بلادهم؟ فقالوا بالحرف الواحد إنه لا وجود للمجانين عندهم لأن الدولة تجمع المجانين وتسكب عليهم الوقود ثم تحرقهم بالنار!! وتكرر ذلك مع كبار السن في القرن الحادي والعشرين مع تداعيات كورونا، فالبشرية لا تنعم ولا يمكن أن يعيش الناس بصحة وعافية ومجتمع معافى، إلا بالإسلام الذي تطبقه دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، وهو كائن قريباً، بإذن الله.

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

الأستاذ علي سوار – ولاية السودان

 

 

وسائط

Template Design © Joomla Templates | GavickPro. All rights reserved.