Logo
طباعة

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مفهوم الرزق

 

يُعتَبر الرِّزق من أكثر المواضيع الحسّاسة في حياة النّاس كافّةً، فما من إنسان على وجه الأرض مهما كانت عقيدتُه إلا وقضيةُ الرزق تشغل بالَه في الليل والنهار لأن الإنسان دائما في ترقب وتوجس لرزق يومه، وعلى هذا الأساس جاءت هذه المحاولة المتواضعة للبحث في هذه المسألة.

 

الرزق هو العطاء والهبة، فرَزَق معناها أعطى، ويكون الرزق حلالاً ويكون حراماً؛ فالمال الذي يحصل عليه الأجير يقال عنه رزق والمال الذي يحصل عليه المقامر يقال عنه رزق لأنه مال أعطاه الله لكل منهما حين باشرا حالة من الحالات التي يحصل فيها الرزق. إلا أن المال إذا كان مأذوناً له في تملكه فهو حلال حكماً، وما كان منه غير مأذون له في تملكه فهو حرام حكماً. إلا أن جميع ذلك يطلق عليه رزق. ولا يقال إن الحرام ليس برزق لأنه لا يصح تملكه وإن الله لا يرزق الحرام وإنما يرزق الحلال فكل مخلوق لا بد أن يصل إليه رزقه المقدَّر له مؤمنا كان أو كافرا عاقلا كان أم غير عاقل، قال الله تعالى: ﴿وَكَأَيِّن مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [العنكبوت: 60] فإن حقيقة أرزاق الكفار وأهل المعاصي تكمن في أن الله تعالى قد ضمن الرزق لكل مخلوقاته مؤمنهم وكافرهم، ولذلك لما دعا إبراهيم عليه السلام ربه أن يرزق المؤمنين من أهل مكة من الثمرات أخبره الله تعالى أنه لن يجعل رزقه خاصا بالمؤمنين بل سيرزق المؤمنين والكافرين، قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ [البقرة: 126] ولذلك لما دعا إبراهيم عليه السلام ربه أن يرزق من آمن من ذريته من أهل البيت بيّن الله تعالى له أنه يرزق الكافرين أيضاً فيحصل الكافر على رزقه في الدنيا كما يحصل المؤمن على رزقه، فالله سبحانه وتعالى يرزق الخلق أجمعين بدون استثناء ما دامت فيهم حياة.

 

ولذلك فإن الحقيقة التي يجب على المسلم أن يُسلِّم بها هي أن الرزق من الله وليس من الإنسان وهو الذي خَلَقَ الخَلْقَ وتولَّى أرزاقهم وأن على الإنسان أن يلجأ في طلب الرزق إليه سبحانه فتقر نفسه وتهدأ ولا ينشغل بتحصيل رزقه عن عبادة الله. فالله تعالى يقول: ﴿وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ﴾ [المائدة: 88] ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ﴾ [الروم: 40] ويقول تعالى: ﴿أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ﴾ [يس: 47] ويقول تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ﴾ [ال عمران: 37] ويقول تعالى: ﴿اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ﴾ [العنكبوت: 60] ويقول تعالى: ﴿يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [الاسراء: 30] ويقول تعالى: ﴿فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ﴾ [العنكبوت: 17] ويقول تعالى: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا﴾ [هود: 6] ﴿إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ﴾ [الذاريات: 58].

 

وقد غلب على الناس الظن بأنهم هم الذين يرزقون أنفسهم ويعتبرون الأوضاع التي يحوزون فيها الثروة أسباباً للرزق، فإنهم يرون أن كل شخص يباشر عمَلاً سيكسب منه مالاً بالفعل، والحقيقة أن هذه مجرد حالات حصل فيها الرزق وليست أسباباً للرزق، فلو كانت أسباباً لما تخلفت مطلقاً، فقد تحصل هذه الحالات ولا يأتي الرزق وقد يحصل الرزق دون حصولها؛ فقد يخرج الإنسان إلى عمله ولا يحصل على مال، والحوادث التي يحصل فيها الرزق دون سبب ظاهر أكثر من أن تحصى، فالميراث لا يحصله الوارث بكدّه ولا باختياره فهو يحصل للعبد بغير سعي ولا اكتساب منه مما يدل على أن الأوضاع التي يحصل فيها الرزق عادة هي حالات للرزق وليست أسباباً له، فليس الرزق كما يظنُّ النَّاس بأنَّهُ ما يأتي بطريق العمل أو الاستثمار أو نحو ذلك.

 

إلا أن الله أمر عباده بالقيام بأعمال جعل فيهم القدرة على الاختيار بأن يباشروا فيها الحالات التي يأتي فيها الرزق، فيجب على المرء أن يسعى ويكدَّ لتحصيل رزقه ولا ينبغي له الركون للراحة بدعوى أنّ رزقه مقسومٌ ومحتوم، حيث إنّ الله أمر عباده بالسعي والعمل وجعل ذلك باباً من أبواب عبادته بل يجب عليه أن يكون متوكلاً لا متواكلاً، وقد حثّ الله سبحانه عباده على السعي لطلب الرزق فقال سبحانه: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾ [الملك: 15]

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

فارس الفارس

عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية العراق

 

وسائط

Template Design © Joomla Templates | GavickPro. All rights reserved.