Logo
طباعة
  •   الموافق  
  • 1 تعليق

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مؤتمر مكة المكرمة

 

 

عقد في مكة المكرمة مؤتمر علمي يوم الأحد 19 آذار/مارس 2017 والذي نظمته رابطة العالم الإسلامي بعنوان "الاتجاهات الفكرية بين حرية التعبير ومحكمات الشريعة".

 

وقد قال الأمين العام للرابطة د. محمد العيسى إن المؤتمر يهدف إلى تعزيز سلامة المنهج الشرعي، ومحاربة أشكال الغلو والتطرف كافة، ترسيخا لقيم الوسطية والاعتدال في الإسلام. (الجزيرة 19 آذار/مارس 2017).

 

منذ أن شرع الغرب حربه على الإسلام تحت شعار (محاربة الإرهاب) لم يتوان في بذل كل الأساليب والوسائل القذرة لتغريب الفكر الإسلامي الصحيح عن أذهان المسلمين واستبدال أفكار الحرية والوسطية والاعتدال به. ﴿وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا﴾. حيث ذكرت وكيلة وزارة الخارجية الأمريكية للشئون العالمية بولا دوبريانسكي: "يجب أن نفكر خارج الإطار التقليدي ونوظف وسائل خلاقة للنهوض بالحرية الدينية، وهنا أفكر في تمويل علماء مسلمين، أو أئمة، أو أصوات أخرى للمسلمين". وكذلك وضح مسئول بوزارة الخارجية الأمريكية هذه المسألة بقوله: "إننا نريد ضم مزيد من علماء المسلمين إلى برامج التبادل الثقافي والأكاديمي التي تمولها أمريكا… والهدف هو دعم أصوات التسامح في الدول الأخرى".

 

إن أمريكا تريد تغيير المنطقة وتذويب المسلمين في القيم الرأسمالية، فهي تعلم أن القوى الإسلامية هي المسيطرة على الشارع، وبالتالي لا يمكن القيام بأي تغيير يحظى بالمصداقيّة والاستمرارية إلا إذا تمّ الحصول على ختم الإسلاميين عليه من أجل شرعنته، وبناءً على ذلك فأمريكا تحاول استغلال من تدعوهم "بالمعتدلين" من أجل تمرير مخطّطاتها. وفي شهادته أمام الكونغرس، قال وزير الأمن الداخلي الأمريكي، جون كيلي: "السعودية لديها قوة شرطة فاعلة وجهاز استخبارات يمكننا العمل معه، إذا أدرجنا دولة مثل السعودية على القائمة، خاصة وأن لديها استخبارات جيدة جدا وشرطتها تقوم بعمل جيد جداً، عندها قد يخرج البعض ليقول إن المسألة متعلقة بالديانة". (سكاي نيوز 9 شباط/فبراير 2017) فالسعودية لم تكن في صف مناوئ للحرب على (الإرهاب) وعرضت المساعدة في أكثر من محفل وعلى أكثر من صعيد، بل وكانت الداعية لتشكيل التحالف الإسلامي ضد (الإرهاب)، الذي يعتبر مكملا للتحالف الدولي الذي أطلقته أمريكا. (سكاي نيوز 9 شباط/فبراير 2017) لذلك من الطبيعي أن تقوم مثل هذه المؤتمرات في مكة المكرمة حتى توهم الجميع أنها تصب في مصلحة الإسلام والمسلمين.

 

لكن المدقق لنشأة وأنشطة رابطة العالم الإسلامي يلاحظ بشكل واضح أن هذه المنظمة منافية للإسلام بكل المعاني ولا تحمل إلا الاسم للخداع وكذلك الشعار الخادع. فكونها مُرَاقَبة تحت هيئة الأمم المتحدة لدليل واضح على أنها لا تستطيع أن تخرج عن الإطار المرسوم لها. فبالرغم من أن ميثاقها يصرح أنها تقوم بتبليغ رسالة الإسلام ونشرها في جميع أنحاء العالم "وأنه لا سلام للعالم إلا بتطبيق القواعد التي أرساها الإسلام"، نلاحظ أنها تؤكد أنها لا تريد "إفساداً لأمر أحد ولا سيطرة ولا هيمنة على أحد" (موقع رابطة العالم الإسلامي). والواضح وضوح الشمس من استقراء أبحاث هذا المؤتمر أنه يتوافق تماما مع الخطة المرسومة لها من أعدائها، مثل غيرها من المؤتمرات السابقة التي عقدتها طوال هذه العقود والتي لم تأت بخير واحد للمسلمين بل كان ضررها أكبر ونفعها شبه معدوم. فعلى سبيل المثال لا الحصر، طُرح في أبحاث الجلسة الثانية فكرة الحرية بكل أبعادها وأنها ليست متناقضة مع الشريعة الإسلامية وكان الطرح بنفس منظور الفكر الرأسمالي ولكن بحُلَّة إسلامية. فقد قاموا بتعريف الحرية في الإسلام على أنها "في إطار ترك الإنسان يفعل ما يريد ويترك ما لا يريد مختاراً دون إكراه، ولكن ليس له ذلك بإطلاق، وإنما هو مقيد بألا يضر بالغير، أو يترتب على تصرفه إفساد، وأن يراعي تحقيق مصلحة شرعية أو دفع مفسدة عنه أو عن الغير أو عن مجتمعه. فالحرية في الإسلام مقيدة فيما يجلب نفعاً أو يدفع ضراً، فلا حرية مطلقة بتصرف لا يحاسب عليه أو لِنَقُل: هي حرية موجهة بإرشاد الشارع الحكيم الذي يعلم ما يصلح العبد وما يضره". (حرية الرأي والتعبير في الشريعة الإسلامية التأصيل والضوابط الشيخ عجيل جاسم النشمي صفحة 21 و22) فعجباً لهذا التعريف المتناقض النابع من النظام الرأسمالي، ألا يسألون أنفسهم كيف تكون الحرية مقيدة؟!

 

وبكل جرأة ذُكر في البحث نفسه أن الإسلام أكد على حرية التعبير وذلك عندما "يتمتع المجتمع، رجالاً ونساءً بالحرية في التعبير عن آرائهم ومواقفهم حيث يقول تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ﴾ [التوبة: 71]، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المجتمع لا يقتصر على الأمور الدينية والعبادات والعقائد فحسب بل كل النشاط الإنساني في التفكير والنقد والمعارضة والتقييم في شؤون السياسة والثقافة والاقتصاد". (حرية الرأي والتعبير في الشريعة الإسلامية التأصيل والضوابط الشيخ عجيل جاسم النشمي ص 30 و31). شتان بين حرية الرأي والتعبير وبين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فالأول فكر وضعي من صنع البشر والثاني تشريع إلهي من رب البشر.

 

 ولحماية دولتهم الكرتونية وكراسي أسيادهم المعوجة وضعوا ضوابط لحرية الرأي منها "تحقيق المصالح الكبرى للأمة كالأمن والطاعة بالمعروف والبيعة، ودفع المفاسد العظمى كالفرقة والفتنة والقتال، ونحو ذلك؛ مما يحفظ للأمة والبلاد أمنها وعزتها ولُحْمتها وعدم المنازعة لولاة الأمور والخروج عليهم". (حرية الرأي والتعبير عنه من منظور عقدي د. ناصر بن عبد الكريم العقل صفحة 24). ففي منظورهم حرية الرأي مقصورة بين الأفراد، أما ولاة الأمور فهذا خط أحمر لا يمكن تجاوزه ولا يجوز محاسبتهم بل على الجميع الالتزام بطاعتهم حتى وإن لم يطبقوا شرع الله!

 

كان الأحرى بهؤلاء العلماء أن يقولوا الحق ويقفوا عنده ويكتفوا بما وضحه الإسلام لا أن يستوردوا هذه المصطلحات الغربية ويرغموا المسلمين ويعملوا على إقناعهم أن هذه الحريات متأصلة في القرآن الكريم وواضحة في حياة النبي e والقرآن والسنة من هذه الافتراءات براء. وكان عليهم أن يرجعوا للمفهوم الصحيح ويقفوا عند حد القرآن الكريم والسنة المطهرة ويفهموا كل نص شرعي وكل حادثة بالطريقة الصحيحة وأن لا يؤولوا هذه الأدلة لكي تتوافق مع فكرة الحريات. فلا يوجد في الإسلام شيء اسمه حرية العقيدة، ولا حرية الرأي ولا حرية التملك ولا الحرية الشخصية. وكل ما ورد في الإسلام هو الحرية المناقضة للرق أي استعباد الإنسان للإنسان، أما عبودية الإنسان للخالق فهي من أساسيات الإسلام. فالمسلم عبدٌ لله يتبع أوامر الله ويجتنب نواهيه ولذلك قال الفقهاء: الأصل في الأفعال - كل أفعاله المتعلقة بجميع النواحي - التقيد بالحكم الشرعي. ومن هنا كانت الدعوة إلى الحريات علاوة على كونها منافية لواقع الإنسان ومؤدية إلى شقائه - تحت ظل النظام الرأسمالي - فإنها أيضا حرام ولذا حرمت الدعوة لها والمناداة بها.

 

وفي السياق نفسه انتشرت مصطلحات وعبارات أخرى مثل (التطرف والإرهاب والغلو والاعتدال والوسطية) التي يقوم أبواق الغرب بشرحها للأمة بالمنظور الغربي، فعلى المسلمين ألا ينخدعوا بهذه المصطلحات الجوفاء بل عليهم أن يفهموا كل مصطلح بشكل صحيح. ويجب عليهم الحذر من اتباع هؤلاء أو دعم مثل هذه المؤتمرات التي لم تقم بخطوة واحدة لنصرة الإسلام والمسلمين ولم تعمل على تحرير الأمة من دياجير الظلام إلا بعقد مزيد من المؤتمرات والندوات التي لا تسمن ولا تغني من جوع لإيهام الناس بأنها تقوم بعمل مُجدٍ، بينما الأعداء يعتدون على البلاد الإسلامية ويهينون أهلها ويعملون على هدم ثقتها بشرع بارئها.

 

واستنادا إلى كل ذلك يجب على أبناء الحرمين وعلى المسلمين في أرجاء المعمورة إدراك حجم هذه المخططات التي تحاك ضد إسلامهم ونهضتهم، وتوعيتهم على الأفكار المدنسة ومحاربتها بأفكار الإسلام القويمة والعمل مع العاملين لاستئناف الحياة الإسلامية في ظل الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة.

 

كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

نورة القحطاني بلاد الحرمين الشريفين

 

 

Template Design © Joomla Templates | GavickPro. All rights reserved.