Logo
طباعة

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مائة عام بدون خلافة، فهل آن الأوان لإعادتها ووضع دستورها موضع التطبيق

 


في ستينات القرن الماضي بدأ مسلسل تغيير وجوه الاستعمار - بعد أن تعرض لحملة عالمية ضده قادها الاتحاد السوفيتي آنذاك بعد الحرب العالمية الثانية - فبدأ مسلسل الاستقلالات المزعوم، فكان أن خرج الاستعمار بجيوشه العسكرية من بلادنا وبقي بنفوذه السياسي من خلال عملاء مخلصين له، زينوا للناس أنهم مُخَلّصوهم من الاستعمار اللعين. ومع هذه الاستقلالات الزائفة بدأت تلك الدول بوضع (أعلام الاستقلال) والأناشيد الوطنية، ومن ثم تم وضع دساتير للبلاد. وبدأت تلك (الدول المستقلة) تلتفت شرقا وغربا تستجدي دستورا (للوطن)، ولم تلتفت لما تملكه الأمة من تراث تشريعي وفقهي عملي لا تمتلكه أية أمة من الأمم، فقد كانت المدونة الفقهية للإمام مالك أكبر غنيمة حصل عليها نابليون عندما احتل الفرنسيون مصر، فقام بإرسالها إلى فرنسا مباشرة.


سنة 1963م قام حزب التحرير بوضع دستور كامل متكامل لدولة الخلافة التي يسعى لإقامتها، أراد حزب التحرير بوضعه لهذا الدستور في هذا الوقت أن يقول لهؤلاء الحكام العملاء وللمضبوعين بالغرب وبثقافته وقوانينه ودساتيره، لا تُتعبوا أنفسكم بالتسول على عتبات الغرب الكافر، وفتشوا في تراثكم التشريعي الغني فسوف تجدون منظومة تشريعية متكاملة، ليس فيها أي شيء غير إسلامي ولا متأثرة بأي شيء غير إسلامي. فقام الحزب بإخراج مشروع دستور دولة الخلافة، مشروعا متناسقا، غير مسبوق، بارع الصياغة متكامل الأركان، مناديا الأمة الإسلامية أن تعمل معه على وضعه موضع التطبيق، وأن تصرخ في وجه هؤلاء المضبوعين الذين تسولوا دستورا لبلادهم من الشرق والغرب وسموا أنفسهم لجنة تأسيسية، لتقول لهم الأمة: تأسيسية لماذا؟! هل نحن أمة وليدة اليوم ليس لها نظام تريد أن تؤسس لنفسها مكانا تحت الشمس فتستعين بغيرها؟ بلى؛ إننا أمة عريقة في التاريخ حملت مشاعل الخير للبشرية طوال قرون ناهزت العشرة قرون، ولدينا اليوم كما بالأمس ما نقدمه للعالم لنخرجه من حالة التخبط والضياع والقهر، فالإسلام دين عظيم جاء رحمة للعالمين، قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاك إِلَّا رَحْمَة لِلْعَالَمِينَ﴾.


بعد ثورات الربيع العربي وسقوط بن علي ومبارك وغيرهما، ظن البعض أن النظام قد سقط، وبدأ الحديث عن وضع دستور جديد للبلاد، وتم تشكيل لجان تأسيسية. لكن للأسف لم تختلف تلك اللجان كثيرا عن سابقاتها، فقد جمعت بين اليساري والعلماني والإسلامي لوضع ما أسموه بدستور توافقي، والسؤال كان: توافقي بين ماذا وماذا؟! توافقي بين أصحاب المصالح، أم توافقي بين الشرق والغرب، أم توافقي بين الكفر والإيمان؟! وبدأ الجدل حينها من جديد حول المادة التي تتحدث عن أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، التي تم إقرارها في أغلب الدساتير عندنا ذرا للرماد في العيون.


إن الأمة لا ترضى إلا أن يكون الإسلام هو المصدر الوحيد للتشريع، بل أكثر من ذلك لا ترضى إلا أن تكون العقيدة الإسلامية هي أساس الدولة، بحيث لا يتأتى وجود أي شيء في كيانها أو جهازها أو محاسبتها أو كل ما يتعلق بها، إلا بجعل العقيدة الإسلامية أساسا له. وهي في الوقت نفسه أساس الدستور والقوانين الشرعية بحيث لا يسمح بوجود شيء مما له علاقة بأي منهما إلا إذا كان منبثقا عن العقيدة الإسلامية، وتلك الجمل هي ما صدر به حزب التحرير دستور دولة الخلافة المرتقبة في مادته الأولى.


لم تختلف تلك اللجان الدستورية بعد الثورات عما سبقها من لجان الظلم التي قنّنت الظلم دستورا، فهم لا يريدون للأمة دستورا منبثقا من عقيدتها يرضي ربها، بل يريدون إرضاء الغرب عدو الأمة الأول، وأقل ما يقال عنهم إنهم ظالمون ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾. إن دساتير تلك النظم - ما كان منها قبل الثورات أو بعدها - ما هي إلا دساتير زائفة غير متناسقة من كل وادٍ عصا، هي دساتير مستوردة من عند الغرب الكافر الذي يعيش أزمة اقتصادية وقيميّة خانقة من جراء نظامه الرأسمالي العفن الذي انبهروا به فصم أعينهم وآذانهم.


إن الأمة بمجموعها لا تقبل حكما غير حكم الإسلام، إيمانا وعملا، ولا تريد دولة غير دولة الإسلام، دولة الخلافة الموعودة على منهاج النبوة، وإن دساتيرهم الوضعية التي بها يتلاعبون سيكون مصيرها في واد سحيق عندما تقوم دولة الإسلام من جديد. فقد اكتوت الأمة ظلما وقهرا وفقرا وتخلفا وتضييقا وملاحقة، ولن يعيد للأمة الأمن والأمان إلا دولة الخلافة على منهاج النبوة ودستورها الذي يحفظ كرامة الإنسان ويؤمن له العيش الكريم.


والأمة ليست مخيرة بين دستور إسلامي أو غيره، بل الواجب هو أن يكون دستورنا دستورا إسلاميا فقط، فالإسلام هو عقيدة هذه الأمة، وهو يعبر عن ثقافتها وحضارتها وتراثها الفقهي والتشريعي، والأمة تحيا به كل يوم، وتسمع أحكامه ومواده في كل مكان - لا في قاعات المحاكم (المظالم) فحسب كالقوانين الوضعية - بل هي تراه حيّاً في كل مفصل من مفاصل حياتها، وتسمع به على المنابر وفي المدارس والجامعات وفي المنتديات، فهو في حلها وترحالها حاضر بكل قوة، فكيف نأتي بعد كل هذا في محاكمنا بقوانين وضعية جامدة لا حياة فيها مقطوعة عن وجدان الأمة؟!


والأمة ترضى أحكام الإسلام بل وتسلّم بها تسليما، ولا تتحايل عليها للهروب من تطبيقها، ومثال ذلك أن المسلم يدفع زكاة ماله عن رضا وحُبّ وتسليم، بينما تراه يتحايل في الوقت نفسه على دفع ضرائب مفروضة عليه بقوانين ظالمة جائرة، قال تعالى: ﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾.


وأخيرا نقول للمضبوعين بالحضارة الغربية: لا تفتروا على الله الكذب، وتقولوا إن الإسلام لا يملك نظاما للحكم، وأنه يمكننا أن نبني نظاما جمهوريا ديمقراطيا مدنيا برلمانيا أو رئاسيا أو مختلطا، ونكون في الوقت نفسه ملتزمين بجعل مبادئ الشريعة المصدر الرئيسي للتشريع، فهذه تنقض تلك، وما هو إلا نظام واحد أُمرنا أن نُحكَمَ ونَحكُمَ به، وهو نظام الخلافة الإسلامية الذي أسس بنيانه رسول الله ﷺ، وسار عليه الخلفاء الراشدون من بعده، والذي يجب علينا العمل بكل ما أوتينا من قوة لجعله نظاما حاكما لنا؛ خلافة على منهاج النبوة، يرضى عنها ربنا ويُلَمّ بها شَعثُنا وتُحفَظ بها أعراضُنا، وأموالُنا وثرواتُنا، نكون فيها سِلماً لأولياء الله، حرباً على أعدائه، ويومئذٍ نضع الدستور الإسلامي موضع التطبيق، فيفرح المؤمنون بنصر الله.


#أقيموا_الخلافة
#ReturnTheKhilafah
#YenidenHilafet
#خلافت_کو_قائم_کرو

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
حامد عبد العزيز

 

وسائط

Template Design © Joomla Templates | GavickPro. All rights reserved.