بسم الله الرحمن الرحيم

الفرق بين القيمة والثمن

السؤال الثالث: ما جاء في النظام الاقتصادي حول القيمة والثمن ليس واضحاً، وبخاصة موضوع تسجيل المهر بالقيمة والثمن. نرجو توضيح ذلك بشيء من التفصيل وبارك الله فيكم وبكم؟

الجواب:
القيمة يا أخي هي مقدار المنفعة الموجودة في داخل السلعة وهي ثابتة في كل زمان ومكان، فمنفعة الإبريق تقدر في ذاته بالمواد المصنوع منها، ملاءمته لنقل الماء به، لاستعماله في الشرب، في الوضوء .. وهذه استعمالات لا تنفك عنه اليوم أو غداً، غلا سعره أو رخص. فإذا قدرته بقيمة سلعة أخرى يجب أن تكون المنفعة في السلعة الأخرى تساوي منفعة الإبريق حين التقدير، فإذا قدرت قيمة الإبريق بقيمة الكرسي، فإن الواجب أن تكون المنفعة الذاتية للإبريق تساوي المنفعة الذاتية للكرسي، من حيث المواد المكونة له، الاستعمال له، ..الخ وهذا التقدير بالقيمة لا يختلف من زمان إلى زمان أو من مكان إلى مكان فإذا كانت منفعة الإبريق للإنسان كإنسان تساوي منفعة نصف كرسي فإن هذه القيمة تبقى هي هي في كل وقت لأنها مقدرة بالمكونات المادية للسلعة واستعمالاته وهي ثابتة فيها مهما ارتفع السعر أو قل.

فلو ارتفع سعر الإبريق لا يعني أن مكوناته زادت أو استعمالاته زادت، فقيمته ثابتة مع أن سعره زاد أو نقص. وهكذا الخزانة، فمكوناتها ثابتة واستعمالاتها كذلك سواء ارتفع سعرها أو نقص.

وكذلك لو قدرت قيمة الخزانة بقيمة سلعة أخرى مثلاً بالذهب فوجدت أن المنفعة للخزانة تساوي ضعف منفعة قطعة ذهبية، فهذه القيمة تبقى ثابتةً لأنها قدِّرت بمكونات مادة الخزانة ومكونات مادة الذهب وانتفاع الإنسان بالخزانة وانتفاعه بالذهب، فالقيمة هي حسب مكونات السلعة الذاتية وانتفاع الإنسان بها. لذلك تبقى قيمة الخزانة تساوي نصف قيمة القطعة الذهبية مهما زاد أو نقص سعر الخزانة أو سعر القطعة الذهبية لأن القيمة تتوقف على المكونات الداخلية للسلعة وانتفاع الإنسان بالسلعة من حيث الاستعمال.

وأما تقدير السلعة بالثمن فهو ليس بالضرورة أن يتساوى مع مكونات السلعة الذاتية ونفعها للإنسان كإنسان بل يتحكم فيها العرض والطلب.

والملاحظة المهمة في الموضوع أن تقدير السلعة بالثمن لا ينظر إلى المنفعة الذاتية في السلعة بل قد تقدر ثمن القمح بالنقد الورقي، بغض النظر عن منفعة المادة الذاتية للقمح التي هي كبيرة، منفعة المادة الذاتية للورقة النقدية التي هي تقريباً لا شيء يذكر سوى نوع الورقة والرسوم التي عليها والناحية الفنية في إخراجها، لأن الثمن متعلق بالعرض والطلب، فقد يبيع فاسق كيساً من القمح ليشتري به قارورة خمر، مع البون الشاسع بين منفعة المادة الذاتية لكيس القمح ومنفعة المادة الذاتية للقارورة.

أما عند تقدير القيمة فتقدر بمنفعة متساوية في الطرفين لذلك لا تقول قيمة كيس قمح تساوي عشرين ديناراً ورقياً لأن المنفعة الذاتية في مادة القمح في الكيس، تساوي آلاف المنفعة الذاتية في مادة العشرين ورقةً.

فالقيمة تقدر بالمنفعة الذاتية في السلعة لذلك تقدر قيمة كيس القمح بكذا دينار ذهبي أو بكذا سلعة فيها نفع متساوٍ.

وهكذا ففي حين تقدر الثمن بأية سلعة مهما كان في مادتها من نفع، فإنك لا تقدر قيمة السلعة إلا بمادةلها نفع ذاتي في مادتها مثل الأولى.

وأظنك الآن قد وصلت للجواب في موضوع الخزانة تلقائياً.
فلعلك ظننت ما ورد في الكتاب (فلو تزوج رجل امراةً وجعل من مهرها خزانةً معينةً موصوفةً وذكر أن قيمتها خمسون دينار ..) ظننت أن الخمسين ديناراً هي نقد ورقي، إنها ليست كذلك لأن القيمة لا تتغير في منفعة مادتها، فالدنانير هنا هي هي دنانير ذهبية.

وفي هذه الحالة فإن لها عليه خزانةً قيمتها خمسون ديناراً ذهبياً في كل زمان ومكان، فإذا هلكت الخزانة فلها خمسون ديناراً ذهبياً. فإن ذَكَر خزانة قيمتها خمسون ديناراً أردنياً مثلاً فيكون لفظ القيمة هنا لغو والمقصود الثمن.

وللعلم فإنَّ هذه التفرقة ليست موضحةً في كتب الفقهاء كما هي عندنا، وكثيراً ما تستعمل القيمة بمعنى الثمن.

والذي أبرزها في أبحاثنا هو (مسخ) القيم عند الرأسماليين وجعلها اعتبارية ترتفع وتهبط وفق الجشع والبطش والاستغلال، فأبرزنا هذا الأمر ووضحناه تماماً. لذلك لو ذكر في عقد زواج خزانة قيمتها كذا ووصلت للقضاء يجب سؤال الأطراف ذات العلاقة إن كانوا يدركون هذا المعنى أو يقصدون به الثمن، فالجهل في هذه الحالة يعذر لأنه يجهل مثله على كثير من الناس، فإذا سمعوا (قيمة السلعة عشرون ديناراً) ظنوا أن ثمنها عشرون. وأظن الآن أن الفرق بين الحالتين واضح:

1 - إذا سجل قيمتها خمسون ديناراً (أي نقد له نفع ذاتي، ذهب ولا يصح أن يسجل ديناراً ورقياً ..)، فالوفاء بهذا هو وفق نص العقد: إعادة الخزانة التي اغتصبها وفق الحديث «على اليد ما أخذت حتى تؤديه» رواه ابن ماجه وأحمد والدارمي والحديث «وإذا أخذ أحدكم عصا أخيه فليرْدُدْها عليه» رواه أحمد، فإذا هلكت دفع قيمتها وهي خمسون ديناراً ذهبياً. ولا غير، لأن القيمة لا تتغير مع الزمن أو المكان أو العرض أو الطلب .. وليست القمية ثمناً حتى يشتري خزانةً بهذا الثمن.

2 - إذا سجل ثمنها خمسون ديناراً (وهو هنا يصح أن يسجل ورقاً، ذهباً، أو ... لأن الأثمان لا علاقة لها بالنفع الذاتي في مادة النقد)، فالوفاء بهذا هو وفق نص العقد:
إعادة الخزانة التي اغتصبها وفق الأحاديث السابقة، فإذا هلكت دفع الثمن المسجل، أو اشترى خزانةً بهذا الثمن.
هكذا يكون قد وفَّى بنص العقد.

وأما سؤالك الذي تفرع عنه وهو قولك: (لو افترضنا أن الزوج جعل لها جزءاً من مهرها مصاغاً أو حلياً بدل الخزانة وسجل القيمة خمسين ديناراً ...)، في هذه الحالة يا أخي لا يصح تسجيل القيمة بالورق فهو إما أن يسجل في العقد: المهر مصاغ قيمته خمسون ديناراً ذهباً، وفي هذه الحالة يعيد لها المصاغ فإن هلك أعاد لها خمسين ديناراً ذهباً، لأن القيمة ثابتة حيث تقدر بالمنفعة الموجودة في مادة السلعة للإنسان كإنسان.

وإما أن يسجل مصاغاً ثمنه خمسون ديناراً ويصح له أن يسجل خمسين ديناراً ورقاً أو ذهباً أو ما شاء.

وفي هذه الحالة يعيد لها المصاغ، فإن لم يكن، اشترى لها مصاغاً بخمسين ديناراً وهو الثمن المسجل، أو يدفع لها الخمسين ديناراً المسجلةثمناً. فإذا كانت الدولة قد خفضت نقدها الورقي بنسبة أعلنتها بعد العقد، فإن هذه النسبة تؤخذ في الحسبان عند الاقتضاء.

في 27/10/2006م