بسم الله الرحمن الرحيم

(سلسلة أجوبة العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة أمير حزب التحرير على أسئلة رواد صفحته على الفيسبوك)
جواب سؤال: المرأة في حديث «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله..»
إلى Khilafa Islamia

السؤال:

السلام عليكم: في حديث عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، إمام عادل وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله. ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه» متفق عليه.

لماذا لم تذكر المرأة في هذه المواضع - خص الذكور فيهـا - أي ذكر الرجال خاصـة في جميع الأحوال ولم تذكر المرأة؟

أرجو الإفادة الشاملة وبارك الله فيكم وأيدكم بنصره


الجواب:

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

قبل إجابتك عن الحديث الشريف، ولماذا لم تذكر المرأة، فإني أذكر لك ما يلي:

1- هناك أسلوب عند العرب اسمه أسلوب "التغليب"، أي أن يكون الخطاب بصيغة المذكر وتدخل فيه صيغة المؤنث بالتغليب، كقوله سبحانه ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ فتدخل فيه المؤمنات.

ومثل ما أخرجه البخاري عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَيُّمَا رَجُلٍ أَعْتَقَ امْرَأً مُسْلِمًا، اسْتَنْقَذَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْهُ مِنَ النَّارِ». فهو ينطبق على المرأة كذلك بأسلوب التغليب، أي (أَيُّمَا امرأة أَعْتَقَت امْرَأً مُسْلِمًا...).

ومثل حديث النسائي في زكاة الإبل... عن أبي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ: «أَيُّمَا رَجُلٍ كَانَتْ لَهُ إِبِلٌ لَا يُعْطِي حَقَّهَا فِي نَجْدَتِهَا وَرِسْلِهَا»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا نَجْدَتُهَا وَرِسْلُهَا؟ قَالَ: «فِي عُسْرِهَا وَيُسْرِهَا، فَإِنَّهَا تَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَغَذِّ مَا كَانَتْ وَأَسْمَنِهِ وَآشَرِهِ، يُبْطَحُ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ فَتَطَؤُهُ بِأَخْفَافِهَا، إِذَا جَاءَتْ أُخْرَاهَا أُعِيدَتْ عَلَيْهِ أُولَاهَا فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ فَيَرَى سَبِيلَهُ...» فهو ينطبق على المرأة بأسلوب التغليب إذا لم تزكِّ ما تملكه من الإبل.

• وكما ترى فإن لفظ المذكر أو الرجل ينطبق بأسلوب التغليب على لفظ المؤنث أو المرأة في الحالة العامة.


2- لكن أسلوب "التغليب" هذا لا يُعمل به إذا عُطِّل بنص:

فمثلاً قوله تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ﴾ فالخطاب هنا بصيغة المذكر، ولكن لا يستعمل التغليب هنا فلا يقال إن هذا يشمل النساء بأسلوب التغليب بلفظ "كتب عليكن القتال"، لأن هذا معطل بنصوص أخرى تجعل الجهاد فرضاً على الرجال، فقد أخرج ابن ماجه عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أم المؤمنين رضي الله عنها، قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلَى النِّسَاءِ جِهَادٌ؟ قَالَ: «نَعَمْ، عَلَيْهِنَّ جِهَادٌ، لَا قِتَالَ فِيهِ: الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ». أي أن الجهاد بمعناه القتالي ليس فرضاً على المرأة.

ومثلاً: قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾، أي أنه يحرم على الرجل الاستمرار في البيع وقت الأذان إلى الجمعة، وهنا لا يعمل أسلوب التغليب أي لا يحرم على المرأة البيع وقت الأذان، لأن الجمعة ليست فرضاً على النساء لقوله صلى الله عليه وسلمفيما أخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «الْجُمُعَةُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فِي جَمَاعَةٍ إِلَّا أَرْبَعَةٌ: عَبْدٌ مَمْلُوكٌ، أَوِ امْرَأَةٌ، أَوْ صَبِيٌّ، أَوْ مَرِيضٌ»، وقال الحاكم: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، ووافقه الذهبي.


3- وبناء عليه، نفهم الحديث على النحو التالي:

نص الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: الإِمَامُ العَادِلُ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المَسَاجِدِ، وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ، أَخْفَى حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ».

إن هذا الحديث ينطبق بأسلوب التغليب على المرأة بالنسبة لخمسة من السبعة التي لم تعطَّل بنصوص أخرى، فينطبق على شابة نشأت في عبادة ربها... وعلى امرأتين تحابتا في الله... وامرأة طلبها رجل... وامرأة تصدقت... وامرأة ذكرت الله خالية ففاضت عيناها...

ولكن هذا الأسلوب لا ينطبق على الإمام العادل، ورجل معلق قلبه في المساجد لأنهما معطلان بنص:

أما «الإِمَامُ العَادِلُ» فهنا أسلوب "التغليب" لا يعمل لأن المرأة لا تتولى الحكم كما قال صلى الله عليه وسلم في حديث البخاري عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، قَالَ: لَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ أَهْلَ فَارِسَ، قَدْ مَلَّكُوا عَلَيْهِمْ بِنْتَ كِسْرَى، قَالَ: «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً»، فولاية الأمر، أي الحكم لا يجوز من المرأة، وأما غير الحكم كالقضاء وانتخاب الخليفة وأن تنتخب وتنتخب في مجلس الأمة، وغيرها من الوظائف المشروعة التي ليست من الحكم فجائزة لها... وهذا يعني أن كلمة "الإمام العادل" لا تشملها، ومع ذلك فهناك بعض المفسرين من تأول "الإمام العادل" بمعنى الراعي العادل، فطبَّقها على المرأة وفق نص الحديث الذي أخرجه البخاري عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا...». ولكن الأرجح أن التغليب هنا لا يعمل حيث إن كلمة "الإمام العادل" راجحة في الحاكم، فلا تطبق على المرأة.

وأما «وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المَسَاجِدِ» فمعطلة بالنص الذي يفيد أن صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد وذلك لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أخرجه أحمد في مسنده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُوَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ عَمَّتِهِ أُمِّ حُمَيْدٍ امْرَأَةِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ، أَنَّهَا جَاءَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُحِبُّ الصَّلَاةَ مَعَكَ، قَالَ: «قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكِ تُحِبِّينَ الصَّلَاةَ مَعِي، وَصَلَاتُكِ فِي بَيْتِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلَاتِكِ فِي حُجْرَتِكِ، وَصَلَاتُكِ فِي حُجْرَتِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلَاتِكِ فِي دَارِكِ، وَصَلَاتُكِ فِي دَارِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلَاتِكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ، وَصَلَاتُكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلَاتِكِ فِي مَسْجِدِي».

وهكذا فخمسة من السبعة في الحديث تنطبق على المرأة بأسلوب التغليب، وأما الإمام العادل والتعلق بالمساجد، فلا تنطبق لأنهما معطلان بنص ومن ثم لا يعمل هنا أسلوب "التغليب".

ولكمال الفائدة، فإني أذكر لك ما جاء في تفسير فتح الباري لابن حجر لحديث البخاري المذكور، وبخاصة خاتمة تفسير الحديث، وهذا نصها:

(...ذِكْرُ الرِّجَالِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لَا مَفْهُومَ لَهُ بَلْ يَشْتَرِكُ النِّسَاءُ مَعَهُمْ فِيمَا ذُكِرَ إِلَّا إِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْإِمَامِ الْعَادِلِ الْإِمَامَةَ الْعُظْمَى وَإِلَّا فَيُمْكِنُ دُخُولُ الْمَرْأَةِ حَيْثُ تَكُونُ ذَاتَ عِيَالٍ فَتَعْدِلُ فِيهِمْ، وَتَخْرُجُ خَصْلَةُ مُلَازَمَةِ الْمَسْجِدِ لِأَنَّ صَلَاةَ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنَ الْمَسْجِدِ وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَالْمُشَارَكَةُ حَاصِلَةٌ...) انتهى

وعليه فحديث السبعة ينطبق كذلك على المرأة إلا بالنسبة للإمام العادل، والمعلق قلبه في المساجد، فلا ينطبق على المرأة، لأن أسلوب التغليب في هاتين الحالتين معطل بنص.


أخوكم عطاء بن خليل أبو الرشتة

رابط الجواب من صفحة المكتب الإعلامي المركزي

رابط الجواب من صفحة الأمير على الفيسبوك

رابط الجواب من صفحة الأمير على غوغل بلس

8 من جمادى الأولى 1435هـ

2014-03-09م