في الثامن والعشرين من رجب سنة 1342هـ، الموافق للثالث من آذار/ مارس سنة 1924م، هدم الكفار المستعمرون دولة المسلمين، وأُلغي نظام الخلافة؛ التي هي رئاسة عامة للمسلمين جميعاً في الدنيا لإقامة أحكام الشرع، وحمل الإسلام إلى العالم.
وبفقد الخلافة فقدت الأمة الاسلامية كيانها التنفيذي؛ الذي يجسّد كونها أمة إسلامية واحدة من دون الناس، تعيش عيشاً إسلامياً مميزاً، يتملكها الإحساس بمسئوليتها عن الناس؛ كل الناس، لإخراجهم من ظلمات الكفر إلى نور الإسلام، فأصبحت ترضى بأن تقوم حياتها على غير عقيدة الإسلام؛ فتُحكم بأحكام الكفر في كل أنظمتها وتشريعاتها، وتُحتل بلادها على مرأى ومسمع منها مثل فلسطين، كشمير، الشيشان، العراق، أفغانستان ... بل إنها تسكت على باطل تجزئة بلادها على أساس قومي أو وطني أو طائفي، وعلى سلخٍ لبلاد المسلمين عن سلطانهم؛ كما في تيمور الشرقية وجنوب السودان، ورضيت الأمة بسلطان الكفار ونفوذهم على بلادها وتدخلهم في كل تفصيلات حياتها، وقعدت عن قضيتها الأساسية؛ وهي حمل الإسلام إلى العالم بالدعوة والجهاد، فتخبطت وتخبط العالم معها.
أيها المسلمون:
إن هذه الحالة التي وصلنا إليها إنما هي من كسب أيدينا، فهذه العقيدة العقلية؛ عقيدة الإسلام العظيم التي نعتنق، فقدت ارتباطها بأنظمة حياتنا وتشريعاتنا، فغاضت منها الحيوية، وصارت يف نفوسنا عقيدةً جامدة، بل يتعامل معها كثيرون كأنها عقيدةٌ ميتة لا تحركهم ضد الطغيان، وأصبحنا لا نقيم وزناً للأحكام الشرعية، ولا نلاحظها حتى مجرد ملاحظة في أفعالنا وأقوالنا، مع أن التقيد بالأحكام الشرعية هو أساس الحياة، وهو ثمرة الإيمان، يقول الله تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا}، ويقول تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا}، كما وفقدت هذه العقيدة عندنا الارتباط بوصفنا أمة إسلامية تربطها رابطة واحدة هي الاخوة الإسلامية، {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}. وتمزّقت أمتنا، بل تباغضت وتدابرت وتشاحنت، وفقدت هذه العقيدة في نفوسنا تصوّر اليوم الآخر، طالما فقدت الشوق إلى الجنة والحنين إلى نعيم الآخرة والخوف من جهنم، ولم يعد المثل الأعلى في حياتنا نوال رضوان الله، بل إرضاء من بيدهم تحقيق رغباتنا المادية، فوصلنا إلى ما وصلنا إليه!
أيها المسلمون:
إنه لا مخرج لنا إلا بالعيش بنظام الإسلام الذي تطبقه دولة الخلافة الراشدة الثانية التي بشّر بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: (..... ثم تكون خلافة على منهاج النبوة)، والتي ينطق بقرب انبثاق فجرها فساد واقع العالم، ودبيب أحاسيس النهضة في الأمة الاسلامية؛ وتململها تطلعاً للحكم بالإسلام. وذلك يقتضي منا بعث الحياة في العقيدة الاسلامية في نفوسنا حتى تعيدنا خلقاً جديداً كصحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، الذين بايعوه بيعة العقبة الثانية رضي الله عنهم أجمعين، فتنطق قلوبنا قبل ألسنتنا لندرك عن وعي تام أن أفكار الإسلام وأحكامه هي أساس وجودنا، وأن إخلاصنا لها يجب أن يعلو كل إخلاص، وولاءنا لها يجب أن يفوق كل ولاء، ليصبح الله ورسوله أحب إلينا مما سواهما، فيتحقق جمع الأمة بوصفها أمة إسلامية واحدة، وتقوم دولة الخلافة الراشدة الثانية فتقلب حياتنا لتستقيم على الهدى {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ}.
أيها المسلمون:
إننا في حزب التحرير- ولاية السودان، ندعوكم لتجددوا ثقتكم بالله، ثم بأنفسكم وقدراتكم، فتتلبسوا بالعمل الجاد لاستئناف الحياة الاسلامية بإقامة الخلافة الراشدة الثانية، فكونوا كما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثابتاً كالطود الأشم، يجابه الباطل هو وأصحابه دون حَيْدٍ قيد شعرة عن مبدأ الإسلام العظيم، وهو يقول: (فوالله لا أزال أجاهدهم على الذي بعثني الله به حتى يظهرني الله أو تنفرد هذه السالفة)،كناية عن الموت.
ولتعلموا أن خلاصكم في اتّباع دينكم، فحرروا أنفسكم بعبادتكم لله وحده، تُحرروا أمتكم وبلادكم، وتُنقذوا البشرية مما تعاني من ويلات وفساد، فهلا استجبتم لربكم، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ}.
|