Logo
طباعة
  •   الموافق  
  • كٌن أول من يعلق!

بسم الله الرحمن الرحيم

  

سلسلة أجوبة العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة أمير حزب التحرير

على أسئلة رواد صفحته على الفيسبوك "فكري"

 جواب سؤال

تعريف العقيدة الإسلامية والمتكلمين

 إلى Ibn Mansoor

السؤال:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بارك الله لك يا شيخنا الكريم، تقبل الله أعمالك وجزاك الله بحسن ثواب في الدنيا والآخرة

عندي سؤالان. عذرا في عبئي عليك بسؤالَيْ هذين.

 

1- جاء في الشخصية الإسلامية الجزء الأول في باب العقيدة الإسلامية كما يلي:

 العقيدة الإسلامية هي الإيمان باللّه وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقضاء والقدر خيرهما وشرهما من الله تعالى.

وقد جاء في آخر بابه:

 

وأما مسألة الإيمان بالقضاء والقدر بهذا الاسم وبمسماها الذي جرى الخلاف في مفهومه فلم يرد بها نص قطعي. إلا أن الإيمان بمسماها من العقيدة فهي مما يجب الإيمان به.

ومن المعلوم أنّ أدلة العقيدة هي دليل عقلي ودليل نقلي.

 

وقد جاء في هذا الباب: "أما القضاء والقدر فدليله عقلي" وقد فهمتُ مما درستُ في ثقافتنا أنه لا يكون الشيء من العقيدة إلا وهو قطعي. وقد فهمتُ من ثقافتنا ما هو القضاء والقدر وقد فهمت أنه دليل قطعي وعقلي. ولكن قد أنشأ هذا سؤالا عن الجماعات الذين كانوا يقولون في حرية الإرادة وجبريتها. فكيف نرى على من يقولون بهما؟ ورغم أنهم كانوا مضطربين في عقيدة القضاء والقدر، لا يوجد أحد من العلماء بينهم يقولون بكفر بعضهم بعضا.

 

يرجى إيضاح كيف نرى عليهم لأنّ الإيمان بالقضاء والقدر هو من العقيدة ويجب الإيمان بها.

 

2- وقد جاء في الشخصية الإسلامية الجزء الأول صفحة 68 (لقد كانت نظرة المعتزلة إلى عدل الله نظرة تنزية له عن الظلم... فهم قاسوا الغائب على الشاهد، قاسوا الله تعالى على الإنسان... فقد ألزموا الله تعالى لقوانين هذا العالم تماما كما فريق من فلاسفة اليونان". وقال الشيخ تقي الدين نبهاني رحمه الله إنه من أخطاء المعتزلة أن قاسوا الغائب غير المحسوس على الشاهد المحسوس. بعد أن قال رحمه الله هذا في هذا الباب، يبين معنى "الهدى والضلال" في الباب التالي على أن الله خلق الهدى والضلال وأن العبد يباشر الهداية والضلال، وتابع بقرائن لهما أي شرعية وعقلية ويبين القرينة العقلية (أما القرينة العقلية فإن الله تعالى يحاسب الناس فيثيب المهتدي ويعذب الضال... فإذا جعل معنى نسبة الهداية والإضلال إلى الله مباشرته لها فإن عقابه للكافر والمنافق والعاصي يكون ظلما، وتعالى الله عن ذلك علوا كبيراً)

 

بدا لي أن هذا القول يتناقض مع ما سبق قوله عن الأخطاء المعتزلة في قياسهم عدل الله غير المحسوس على عدل الإنسان. فكيف نحس بعدل الله عقليا بدون دليل شرعي، ثم نقول إنه يكون ظلما عقابه للكافر والمنافق والعاصي؟

 

أخوك أبو زيد

 

الجواب:

 

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

أولاً: إن العقيدة الإسلامية التي كانت معروفة في عهد رسول الله ﷺ والخلفاء الراشدين هي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره من الله سبحانه وتعالى كما جاء في الآية الكريمة ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً بَعِيداً﴾ وكذلك يضاف لهذه الخمسة (القدر بمعنى علم الله والكتابة في اللوح المحفوظ...) وكل هذا كان معروفاً في عهد رسول الله ﷺ كما بيناه في كتبنا وأجتزئ منها عن القدر بهذا المعنى:

 

1- من كتاب الله سبحانه: قوله تعالى ﴿وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ وقوله تعالى ﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ وذلك بمعنى علم الله والكتابة في اللوح المحفوظ...

 

2- ومن أحاديث رسول الله ﷺ: أخرج مسلم في صحيحه بالإضافة إلى الأمور الخمسة السابقة، وذلك عن عبد الله بن عمر بن الخطاب قال: (حَدَّثَنِي أَبِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رسول الله ﷺ ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ لَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ وَلَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ وَقَالَ يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنْ الْإِسْلَامِ... قَالَ فَأَخْبِرْنِي عَنْ الْإِيمَانِ قَالَ «أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ قَالَ صَدَقْتَ... ثُمَّ قَالَ لِي يَا عُمَرُ أَتَدْرِي مَنْ السَّائِلُ قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ».

 

والقدر هنا هو علم الله سبحانه وتعالى والكتابة باللوح المحفوظ وليس بالمعنى الاصطلاحي في كلمة القضاء والقدر، فلم يُعرف هذا الاسم (اصطلاح القضاء والقدر بمعنى خلق الأفعال والقيام بها وخلق خواص الأشياء وتولدها عن الأفعال... كما وضحناه في كتبنا)، لم يُعرف في عصر الرسول ﷺ أو الصحابة رضوان الله عليهم وإنما اشتهر في عصر التابعين وصارت هذه المسألة تُعرف وتُبحث منذ ذلك الحين والذي جعلها موضوع بحثهم هم المتكلمون.

 

أما أن أدلة العقيدة هي أدلة قطعية فهذا صحيح عند جميع المسلمين ومنكرها كافر، ولكن هذا لا ينطبق على موضوع (القضاء والقدر) بالمعنى الاصطلاحي الذي تُرجِم عن الفلسفة اليونانية، فهو موضوع اختُلِف في معناه:

 

* فمن فهمه فهماً صحيحاً وأقام الأدلة القطعية عليه يؤمن به كما بيناه في كتبنا وآمنا به وجعلناه في أبحاث العقيدة...

 

* ومن اختلط عليه فهمه كالمعتزلة والجبرية فخلطوا بين خلق الفعل وبين القيام به والثواب والعقاب... فقال المعتزلة الإنسان يخلق أفعاله بإرادته لينال الثواب والعقاب عليها، وقال الجبرية بل الله يخلق أفعال الإنسان وعليه فالإنسان مجبر عليها وهو كالريشة في الفضاء، فهؤلاء وأولئك قد خلطوا بين القيام بالفعل وبين خلق الفعل الذي هو من صفات الله سبحانه فهو خالق كل شيء، هؤلاء وأولئك أخطأوا الفهم للمسألة فجاءوا بآراء خاطئة فلا نقول إنهم كفروا بل هم مسلمون أخطأوا في هذه المسألة.

 

والخلاصة لا يقال عن الجبرية ولا المعتزلة الذين اختلفوا في فهم (القضاء والقدر بمعناه الاصطلاحي) لا يقال بأنهم كفار، وإنما نقول إن رأيهم خطأ، فنحن نرى أن رأينا هو القطعي ومن ثم نؤمن بالقضاء والقدر كما وضحناه في كتبنا، ومن يفهمه على غير الفهم الذي ذكرناه فنقول إنه أخطأ ولا نقول إنه كفر...

ثانياً: أما سؤالك عن العدل والظلم:

 

إن المعتزلة حكّموا العقل في أفعال الله سبحانه بقياس أفعال الله على أفعال الإنسان وهذا خطأ محض لأن ذات الله سبحانه وأفعاله غير خاضعة للحس وإنما يوقَف بشأنها وفق النصوص الشرعية من كتاب الله سبحانه وسنة رسوله ﷺ، ولذلك فإننا لما بحثنا هذه المسألة أقمنا الأدلة الشرعية أولاً على أفعال الله سبحانه وبعد ذلك ذكرنا من الأدلة العقلية ما يوافقها أي أن الأصل في الإثبات أو النفي هو ما أورده الشرع ثم إن وُجدت أدلة عقلية عن بعض الجوانب فلا مانع من ذكرها لموافقتها للدليل الشرعي...

 

وعليه فقد قلنا عند بحث هذه المسألة في الهدى والضلال من الشخصية الجزء الأول:

 

(إلا أنه قد وردت آيات تدل على نسبة الهداية والضلال إلى الله تعالى، فيفهم منها أن الهداية والضلال ليسا من العبد وإنما من الله تعالى، ووردت آيات أخرى تدل على نسبة الهداية والضلال والإضلال إلى العبد، فيفُهم منها أن الهداية والضلال من العبد. وهذه الآيات وتلك لا بد أن تُفهم فهماً تشريعياً، بمعنى أن يُدرك واقعها التشريعي الذي شُرعت له، وحينئذ يظهر أن نسبة الهداية والضلال إلى الله لها مدلول غير مدلول نسبة الهداية والضلال إلى العبد، وأن كلاً منهما مسلط على جهة تختلف عن الجهة التي يسلط عليها الآخر، وبذلك يبرز المعنى التشريعي أتم بروز. نعم إن الآيات التي تنسب الضلال والهداية إلى الله صريحة في أنه هو الذي يهدي وهو الذي يضل قال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِىٓ إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ﴾...

 

وقال: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِى مَن يَشَآءُ﴾. فمنطوق هذه الآيات فيه دلالة واضحة على أن الذي يفعل الهداية والإضلال هو الله تعالى وليس العبد، وهذا يعني أن العبد لا يهتدي من نفسه وإنما إذا هداه الله اهتدى، وإذا أضله ضل. ولكن هذا المنطوق قد جاءت قرائن تصرف معناه عن جعل مباشرة الهداية والضلال من الله إلى معنى آخر، هو جعل خلق الهداية وخلق الضلال من الله، وأن المباشر للهداية والضلال والإضلال هو العبد. أما هذه القرائن فشرعية وعقلية.

 

أما الشرعية فقد جـاءت آيات كثيرة تنسب الهداية والضلال والإضلال إلى العبد. قال تعـالى: ﴿مَّنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا﴾ وقال: ﴿لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾ وقال: ﴿فَمَنِ اهْتَدَىٰ فَلِنَفْسِهِ﴾، وقال: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ * كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ﴾ وقال: ﴿وَيُرِيدُ الشَّيْطَٰانُ أَن يُضِلَّهُمْ﴾.

 

 فمنطوق هذه الآيات فيه دلالة واضحة على أن الإنسان هو الذي يفعل الهداية والضلال فيضل نفسه ويضل غيره وأن الشيطان يضل أيضاً، فقد جاءت نسبة الهداية والضلال إلى الإنسان وإلى الشيطان، وأن الإنسان يهتدي من نفسه ويضل من نفسه.

 

فمنطوق هذه الآيات فيه دلالة واضحة على أن الإنسان هو الذي يفعل الهداية والضلال فيضل نفسه ويضل غيره وأن الشيطان يضل أيضاً، فقد جاءت نسبة الهداية والضلال إلى الإنسان وإلى الشيطان، وأن الإنسان يهتدي من نفسه ويضل من نفسه. فهذا قرينة على أن نسبة الهداية والإضلال إلى الله ليست نسبة مباشرَة بل هي نسبة خلق. فإنك إذا وضعت الآيات مع بعضها وفهمتها فهماً تشريعياً يتبين لك انصراف كل منها إلى جهة غير الجهة التي للأخرى، فالآية تقول: ﴿قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ﴾ والآية الأخرى تقول: ﴿فَمَنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ﴾ فالأولى تدل على أن الله هو الذي هدى، والثانية تدل على أن الإنسان هو الذي اهتدى. وهداية الله في الآية الأولى هي خلق للهداية في نفس الإنسان، أي إيجاد قابلية الهداية، والآية الثانية تدل على أن الإنسان هو الذي باشر ما خلقه الله من قابلية الهداية فاهتدى، ولذلك يقول في آية أخرى: ﴿وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ﴾ أي طريق الخير وطريق الشر، أي جعلنا فيه قابلية الهداية وتركنا له أن يباشر الاهتداء بنفسه. فهذه الآيات التي تنسب الهداية والإضلال إلى الإنسان قرينة شرعية دالة على صرف مباشرة الهداية عن الله إلى العبد.

 

أما القرينة العقلية فإن الله تعالى يحاسب الناس فيثيب المهتدي ويعذب الضال ورتب الحساب على أعمال الإنسان، قال تعالى: ﴿مَّنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ﴾ وقال: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ﴾ وقـال: ﴿وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْماً وَلَا هَضْماً﴾ وقال: ﴿مَن يَعْمَلْ سُوٓءاً يُجْزَ بِهِ﴾ وقال تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَات وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا﴾.

 

فإذا جعل معنى نسبة الهداية والإضلال إلى الله مباشرته لها فإن عقابه للكافر والمنافق والعاصي يكون ظلماً، وتعالى الله عن ذلك علواً كبيراً. فوجب أن يصرف معناها على غير المباشرة وهو خلق الهداية من العدم والتوفيق إليها فيكون الذي يباشر الهداية والإضلال هو العبد ولذلك يحاسب عليها.

 

هذا من ناحية الآيات التي فيها نسبة الهداية والإضلال إلى الله. أما من ناحية الآيات التي تقترن فيها الهداية والإضلال بالمشيئة: ﴿يُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ﴾ فإن معنى المشيئة هنا هو الإرادة، ومعنى هذه الآيات هو أنه لا يهتدي أحد جبراً عن الله ولا يضل أحد جبراً عنه، بل يهتدي من يهتدي بإرادة الله وبمشيئته ويضل من يضل بإرادته ومشيئته...]

 

في حين إن المعتزلة قد حكّموا العقل كدليل أساس في المسألة وهذا ما ذكرناه في الكتاب نفسه:

 

[وقد كانت نظرة المعتزلة إلى عدل الله نظرة تنـزيه له عن الظلم. ووقفوا أمام مسألة المثوبة والعقوبة الموقف الذي يتفق مع تنـزيه الله ومع عدل الله. فرأوا أن عدل الله لا يكون له معنى إلا بتقرير حرية الإرادة في الإنسان، وأنه يخلق أعمال نفسه وأن في إمكانه أن يفعل الشيء أو لا يفعل. فإذا فعل بإرادته أو ترك بإرادته، كانت مثوبته أو عقوبته معقولة وعادلة. أما إن كان الله يخلق الإنسان ويضطره إلى العمل على نحو خاص، فيضطر المطيع إلى الطاعة والعاصي إلى العصيان، ثم يُعاقِب هذا ويثيب ذلك فليس من العدالة في شيء. فهم قاسوا الغائب على الشاهد، قاسوا الله تعالى على الإنسان، وأخضعوا الله تعالى لقوانين هذا العالم تماماً كما فعل فريق من فلاسفة اليونان. فقد ألزموا الله بالعدل كما يتصوره الإنسان، فأصل البحث هو الثواب والعقاب من الله على فعل العبد، وهذا هو موضوع البحث الذي أُطلق عليه اسم (القضاء والقدر) أو (الجبر والاختيار) أو (حرية الإرادة)... ويقـولـون بأن الله لو كان مُريـداً لكفر الكافر، ومعاصي العاصي ما نهاه عن الكفر والعصيان، وكيف يُتَصَور أن يريد الله من أبي لهب أن يكفر ثم يأمره بالإيمان، وينهاه عن الكفر؟ ولو فعل هذا أحد من الخلق لكان سـفيهاً، تعـالى الله عن ذلك علواً كبيراً. ولو كان كفر الكافر وعصـيان العاصي مُراداً من الله تعـالى ما اسـتحقا عقوبة...

 

وأما مسألة خلق الأفعال، فقد قال المعتزلة إن أفعال العباد مخلوقة لهم ومن عملهم هم لا من عمل الله، ففي قدرتهم أن يفعلوها وأن يتركوها من غير دخل لقدرة الله... وخلصوا من ذلك كله إلى الرأي الذي اعتنقوه في مسألة خلق الأفعال، وهو أن الإنسان يخلق أفعال نفسه وأنه قادر على أن يفعل الشيء وقادر على أن لا يفعله. وجرياً وراء منهج المتكلمين في البحث في بحث المسألة وما يتفرع عنها، تفرَّع لديهم عن مسألة خلق الأفعال مسألة التولد. فإن المعتزلة لما قرروا أن أفعال الإنسان مخلوقة له تفرَّع عن ذلك سؤال وهو: ما الرأي في الأعمال التي تتولد عن عمله؟ أهي كذلك من خلقه؟ أم من خلق الله؟ وذلك كالألم الذي يحسه المضروب. والطعم الذي يحصل للشيء من فعل الإنسان، والقطع الذي يحصل من السكين، واللذة والصحة والشهوة، والحرارة، والبرودة، والرطوبة واليبوسة، والجبن والشجاعة، والجوع، والشبع، وغير ذلك، فإنهم قالوا إنها كلها من فعل الإنسان لأن الإنسان هو الذي أحدثها حين فعل الفعل، فهي متولدة من فعل الإنسان، فهي مخلوقة له...]

 

وعليه فرأي المعتزلة قائم على تحكيم العقل في أفعال الله سبحانه مع أنهم لا يدركون حقيقة هذه الأفعال فقد يتراءى لهم غير حقيقتها وكما جاء في الكتاب نفسه أنهم [لم يفطنوا إلى أن عدل الله لا يصح أن يقاس على عدل الإنسان ولا يجوز إخضاع الله لقوانين هذا العالم وهو الذي خلق العالم، وهو الذي يُديره حسب هذه القوانين التي جعلها له. وإذا كنا نرى أن الإنسان إذا ضاق نظره يفهم العدل فهماً ضيقاً ويحكم على الأشياء حكماً معيناً فإذا اتسع نظره تغيرت نظرته إلى العدل وتغير حكمه فكيف نقيس رب العالمين الذي يحيط علمه بكل شيء فنعطي عدله المعنى الذي نراه نحن للعدل؟]

 

وعليه فالعقل لا يستطيع أن يحكم على أفعال الله سبحانه، فأفعال الله سبحانه هي خارج نطاق قدرة العقل وحكمه فلا يصح إعطاء العقل مستقلاً عن الشرع صلاحية الحكم على أفعال الله سبحانه.

 

وهذا ما ذكرناه في كتبنا فقد أقمنا الأدلة الشرعية على أفعال الله سبحانه ثم ذكرنا ما يوافقها من الأدلة العقلية...

 

آمل أن يكون في هذا التوضيح كفاية، والله أعلم وأحكم.

 

أخوكم عطاء بن خليل أبو الرشتة

 

08 جمادى الأولى 1443هـ

الموافق 2021/12/12م

 

رابط الجواب من صفحة الأمير (حفظه الله) على الفيسبوك
رابط الجواب من صفحة الأمير (حفظه الله) ويب

 

 

Template Design © Joomla Templates | GavickPro. All rights reserved.