جواب سؤال

أحداث السويداء

السؤال:

(أفاد موقع "أكسيوس" بإجراء اجتماع رفيع المستوى في باريس بين وزير التخطيط الاستراتيجي الإسرائيلي رون ديرمر، ووزير الخارجية أسعد الشيباني، بوساطة المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا توماس باراك. 25/7/2025)، وكانت الأيام القليلة الماضية منذ 12/7/2025 قد شهدت تسارعا في الاضطرابات في محافظة السويداء بجنوب سوريا، والتي تقطنها غالبية من الدروز. وقد أعلن كيان يهود تدخله في شأنهم بجانب مواصلة عدوانه وهجماته في سوريا، فقام وضرب محيط القصر الرئاسي، وضرب وزارة الدفاع ورئاسة الأركان بدمشق... والسؤال هو: ما حقيقة ما يجري في السويداء من أحداث؟ وماذا يخطط كيان يهود لمنطقة السويداء وجنوب سوريا عموماً، وهل تدعمه أمريكا في تخطيطه؟ وما علاقة كل هذا بما يذكر عن محادثات التطبيع بين النظام السوري وكيان يهود وخاصة ما حدث من لقاءات في أذربيجان؟ واللقاءات المشار إليها في باريس؟ وجزاكم الله خيرا.

الجواب:

حتى يتضح الجواب على التساؤلات أعلاه نستعرض الأمور التالية:

1- بالنسبة للدروز، فيقدر عددهم في سوريا بنحو 700 ألف، يقطنون في مناطق بجنوب سوريا وخاصة في محافظة السويداء. ويقطن قسم منهم في لبنان ويقدر عددهم بنحو 250 ألفا، وهناك قسم منهم، ويقدر عددهم بنحو 140 ألفا، يقطنون في شمال فلسطين وفي هضبة الجولان، وقد منح كيان يهود القاطنين في المناطق المحتلة جنسيته، فانخرط قسم منهم في صفوف جيشه.. ومن ثم يتخذهم كيان يهود ذريعة للتدخل في سوريا. وقد أثارهم منذ نهاية شهر شباط الماضي في جرمانا وصحنايا قرب العاصمة دمشق.. وفي أحداث السويداء الأخيرة التي اندلعت منذ 12/7/2025 أعلن كيان يهود بصورة واضحة أنه يدعم الدروز ويعمل على استغلالهم حيث قامت عصابات من الدروز بأعمال عنف ضد المسلمين من البدو القاطنين في محافظة السويداء فقتلت المئات منهم. فأعلن رئيس وزراء كيان يهود نتنياهو في خطاب بثته وسائل التلفزة اليهودية وغيرها يوم 17/7/2025 قائلا: (لقد وضعنا سياسة واضحة، نزع السلاح من المنطقة الواقعة جنوب دمشق، من مرتفعات الجولان إلى منطقة جبل الدروز، وهذا أول خط. وأما الخط الثاني فهو حماية الدروز في منطقة جبل الدروز). وقام وزير حرب كيان يهود يسرائيل كاتس بإرسال تهديدات لسوريا على منصة إكس يوم 16/7/2025 قائلا (إن الإشارات إلى دمشق انتهت، والآن ستأتي الضربات الموجعة.. سيواصل الجيش العمل بقوة في السويداء لتدمير القوات التي هاجمت الدروز حتى انسحابها الكامل). وقال الناطق باسم جيش يهود على منصة إكس: (إن الجيش يواصل ضرب أهداف عسكرية للنظام السوري. وهاجم قبل قليل مقر رئاسة الأركان السورية في منطقة دمشق). وفي اليوم نفسه أعلنت إذاعة جيش كيان يهود (أنه هاجم نحو 160 هدفا في سوريا منذ الليلة الماضية، معظمها في السويداء "ضد قوات الأمن السورية والبدو"، وبعضها في العاصمة دمشق..). وقد أعلن عن ضرب القصر الرئاسي ووزارة الدفاع بجانب هيئة الأركان في دمشق.

2- وهكذا يعلن كيان يهود بكل وضوح عن أهدافه وسياسته وأنه يستغل الدروز لتنفيذ هذه السياسة تجاه سوريا جاعلا أن أمرهم يهمه ولا يهم النظام السوري وكأنه يقتطع هذه المنطقة من سوريا ضمنيا ويصبح المهيمن عليها. علما أنه ما انفك عن شن الهجمات في سوريا على عهد نظام بشار أسد، ولكنه لم يتخذ الدروز ذريعة لذلك، وإنما اتخذ الوجود الإيراني وأشياعه ذريعة لذلك. فضرب مراكز عسكرية كثيرة للنظام وكذلك لإيران التي كانت تناصر النظام مع مليشياتها، وضرب قنصليتها بدمشق وقتل العديد من القادة العسكريين الإيرانيين. وفي اليوم الذي فر فيه بشار أسد في 8/12/2024 شن كيان يهود غارات كثيفة على مدى أيام متتالية وضرب مئات المواقع العسكرية السورية، وعندما لم يتلق ردا ولا مقاومة، طمع وواصل اعتداءاته حتى زحف واحتل أراضي سورية جديدة، فوصل إلى نحو 25 كيلومتراً من العاصمة دمشق واحتل جبل الشيخ ونقض تفاهمات عام 1974 المتعلقة بفض الاشتباك ووقف إطلاق النار. فكيان يهود يريد أن يؤمن جنوب سوريا منطقة آمنة عازلة منزوعة السلاح لعباً بورقة الأقليات وخاصة الدروز.

3- عقب هذه الأحداث ألقى الرئيس السوري أحمد الشرع خطابا بثه التلفزيون السوري وأجهزة التلفزة العربية الأخرى صبيحة يوم 17/7/2025 قال فيه: ("كنا بين خيار الحرب مع إسرائيل أو فسح المجال لشيوخ الدروز للاتفاق فاخترنا حماية الوطن". وقال: "إن إسرائيل سعت لتقويض وقف إطلاق النار "في السويداء" لولا وساطة أمريكية وعربية وتركية").. وألقى خطابا ثانيا يوم 19/7/2025 ونقلته وكالة الأنباء السورية وبث عبر أجهزة التلفزة قال فيه: ("إن الدولة السورية تمكنت من تهدئة الأوضاع رغم صعوبة الوضع، لكن التدخل الإسرائيلي دفع البلاد إلى مرحلة خطيرة تهدد استقرارها نتيجة القصف السافر للجنوب والمؤسسات الحكومية في دمشق، وعلى أثر هذه الأحداث تدخلت الوساطات الأمريكية والعربية بمحاولة إلى تهدئة الأوضاع"). فهو يعول على تدخل الدول الأخرى وعلى رأسها أمريكا التي ترعى كيان يهود وتدعمه، وذلك ليجعل لها عليه سبيلاً!

4- ثم تصاعدت الأحداث وبدأت تتضح علاقة اليهود بحكمت الهجري حيث أحكم قبضته على الناحية الداخلية في السويداء، فتحت عناوين "رص الصفوف داخل الطائفة ومواساة أهالي الشهداء" أخذ يقضي على الأصوات غير المؤيدة له مثل أصوات الجربوع والبلعوس والحناوي، وإذا كان فصيل حكمت الهجري هو الأكبر في السويداء ويهيمن على الفصائل الأخرى فإن أصوات المعارضين مثل الجربوع والبلعوس قد غدت أصواتاً خجولة في مطالبتها بالاستمرار داخل الدولة السورية، بل وليس لها وزن في الميدان، فحكمت الهجري هو من يشعل المواجهات، وهو من يتنصل من الاتفاقيات المعقودة مع دمشق، وتياره هو المهيمن على السويداء، ويصدر بياناته باسم القيادة الروحية للطائفة الدرزية دونما اعتبار لمرجعيات الجربوع والحناوي، وواضح بأنه على اتصال بشكل مباشر مع كيان يهود، وكان قد أرسل عشرات الزائرين الدروز إلى الكيان. وأصدر حكمت الهجري بياناً باسم الرئاسة الروحية للدروز قال فيه: ("نناشد العالم الحر، وكل القوى الفاعلة فيه، ونتوجّه بندائنا إلى فخامة الرئيس (الأمريكي) دونالد ترامب، ودولة رئيس الوزراء (الإسرائيلي) بنيامين نتنياهو، وولي العهد (السعودي) الأمير محمد بن سلمان، وجلالة الملك (الأردني) عبد الله الثاني، وكل من يملك صوتا وتأثيرا في هذا العالم... أنقذوا السويداء".. وكالة الأناضول، 17/7/2025) وفتح كيان يهود بوابات حدوده للدروز من داخل الكيان للالتحاق بالقتال داخل سوريا.. فقد نقلت أر تي، 19/7/2025 أن حوالي 2000 شخص من أبناء الطائفة الدرزية بينهم جنود يخدمون في جيش يهود أعلنوا خلال يوم واحد عن نيتهم الانضمام للقتال في سوريا.

5- وتجدر الإشارة إلى أن حكومة دمشق قد جعلت نفسها الحلقة الأضعف في المسلسل المحيط بالسويداء والجنوب السوري، ففضلاً عن تهاونها وتخاذلها مع كل ما يقوم به كيان يهود من ضربات عسكرية ضدها وضد سلاحها ويدخل جنوبي سوريا ويقتل ويعتقل وكأنه لا توجد دولة، وكل هذا الغياب لردات فعل الدولة هو بناءً على نصائح أردوغان الذي أعلن دعمه لطلب الرئيس الأمريكي بالتحاق دمشق بالاتفاقات الإبراهيمية (الشرق الأوسط، 6/7/2025) وقد رعى أردوغان اتصالات حكومة الشرع مع كيان يهود في أذربيجان.. وهكذا صارت حكومة أحمد الشرع حلقة واهية للغاية في أزمة السويداء. فقد تدخلت لفض الاشتباكات في المنطقة وانسحبت منها بذلٍّ تحت وقع القصف من كيان يهود الذي طال هيئة أركان الجيش وشارف على قصر الرئاسة، ثم تدخلت أمريكا ووساطة سميت عربية وتركية لتعود قوات الأمن، وهذه المرة من وزارة الداخلية وليس الجيش، أي بأسلحة خفيفة، ثم يتبين بأن هذه القوات الحكومية لم تدخل السويداء، بل كانت وظيفتها منع العشائر العربية من استمرار هجومها على السويداء، أي أنها وقفت عند أطراف المحافظة ولم تدخلها، بل إن كيان يهود قد طالبها بذلك، أي بمنع العشائر من الهجوم على السويداء. وفي كل اتفاق كان المتمرد حكمت الهجري هو من ينقض الاتفاق ويطالب بشروط جديدة لتضطر الحكومة لصياغة اتفاق جديد آخر يعتبر الأخير منه هو الرابع في فترة أسبوع. وقامت حكومة أحمد الشرع عبر مفاوضات بإخراج مسلحي العشائر من داخل السويداء دون أن تدخلها، ثم قامت بتهجير العشائر القاطنة في السويداء إلى خارجها، فقامت بنقل وتهجير مئات العائلات المسلمة من السويداء إلى مراكز إيواء في درعا، وهو أمر يقوم به حكمت الهجري أيضاً، (إذ تجددت الاشتباكات، الجمعة، إثر قيام مجموعة تابعة لحكمت الهجري، أحد زعماء الدروز، بتهجير عدد من أبناء عشائر البدو من السنة وارتكاب انتهاكات بحقهم. وكالة الأناضول، 21/7/2025). فالحكومة السورية الجديدة قد برهنت عملياً بأنها تقبل بحكم سوريا وفق ما تمليه أمريكا، وأن يرسم لها الطريق سفير أمريكا في تركيا ومبعوثها لسوريا توم باراك!

6- وبتدبر الأحداث في سوريا يتبين أن أمريكا تديرها بخطة لم تبدأ اليوم وإن تصاعدت بعد مجيء ترامب فقد (دعا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو - خلال لقائهما في البيت الأبيض - إلى "حل مشاكله" مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، "والتصرف بعقلانية". وتحدث ترامب - في تصريحاته للصحفيين خلال لقائه نتنياهو - عن علاقته الجيدة مع الرئيس التركي، قائلاً: "لدي علاقة رائعة مع رجل اسمه أردوغان، وأنا أحبه وهو يحبني، وهذا ما يغضب وسائل الإعلام".. وأوضح أنه أخبر نتنياهو بأنه "يحب أردوغان"، وإذا كانت لديه مشاكل معه فعليه حلها"، مؤكدا أن "على الإسرائيليين التصرف بعقلانية لحل أي مشكلة مع تركيا".. الجزيرة 8/4/2025) ثم (التقى ترامب الأربعاء بالرياض الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع في أول اجتماع من نوعه منذ 25 عاما، غداة إعلانه قرار رفع العقوبات عن دمشق التي رحبت بالخطوة واعتبرتها "نقطة تحول محورية". وقال متحدث باسم البيت الأبيض إن ترامب دعا الرئيس السوري إلى التوقيع على اتفاقيات أبراهام مع إسرائيل. فرانس 24، 14/5/2025)، وبهذا الاجتماع ورفع العقوبات عن سوريا، وطلبه من نتنياهو تنسيق أعماله في سوريا مع تركيا فإن الرئيس ترامب وإدارته يعملان للهيمنة على سوريا.

7- وبهذا يتضح بأن الخطة الأمريكية في سوريا تنبني على قاعدة رئيسية وهي استبدال عميل بعميل، ولأجل ذلك أعطت تركيا الضوء الأخضر لهدم نظام بشار وبناء نظام جديد تابع لها، ورغم كل التصريحات المتهاونة من رئيس سوريا الجديد أحمد الشرع والتي تشير إلى قبوله بهذا الاستبدال، ومن ذلك التخلي عن تحكيم الإسلام والتخلي عن محاسبة أتباع بشار واستبدال المصالحة الوطنية بذلك، وقد وصل به المطاف إلى فتح مفاوضات مع كيان يهود من وراء ستار.. ثم في أذربيجان بتاريخ 12/7/2025 من فوق ستار، وبعد ذلك كانت لقاءات باريس: (أفاد موقع "أكسيوس" بإجراء اجتماع رفيع المستوى في باريس بين وزير التخطيط الاستراتيجي الإسرائيلي رون ديرمر، ووزير الخارجية أسعد الشيباني، بوساطة المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا توماس باراك. وتأتي هذه المفاوضات، التي استمرت نحو أربع ساعات، كأول لقاء من نوعه بين البلدين منذ ربع قرن، وتركزت على تخفيف التوترات في جنوب سوريا وفرض الأمن ووقف إطلاق النار.. وكشف المرصد السوري لحقوق الإنسان عن اتفاق تم التوصل إليه بين سوريا "وإسرائيل"، بوساطة أمريكية، يتضمن سبعة بنود رئيسية تتعلق بوقف إطلاق النار جنوب البلاد، لا سيما في محافظة السويداء التي تشهد تصعيداً خطيراً منذ 12 يوليو الجاري.. ووفقاً للمرصد، فإن الاتفاق نص على نقل ملف السويداء بالكامل إلى الإدارة الأمريكية.. كما ينص الاتفاق على تشكيل مجالس محلية من أبناء السويداء لتولي تقديم الخدمات، وتشكيل لجنة توثيق انتهاكات ترفع تقاريرها مباشرة للطرف الأمريكي، إضافة إلى نزع السلاح من محافظتي درعا والقنيطرة، وتشكيل لجان أمنية محلية هناك دون السماح بامتلاك أسلحة ثقيلة.. أكسيوس-عين ليبيا، 25/7/2025).. كل هذا يؤكد أن أمريكا تريد أن يكون جنوب سوريا منطقة عازلة وآمنة لكيان يهود، وأنها راضية عن اعتداءاته المتكررة حتى يخضع النظام لهذا الوضع من أجل التطبيع.. وأن ما حدث من لقاءات في أذربيجان وباريس هي خطوات متلاحقة في هذا المسار.. وحسب تسريبات إعلامية فإن من أبرز ما يجري التفاوض عليه: إنشاء منطقة أمنية عازلة جنوب سوريا لحساب كيان يهود، كما هو موجود في سيناء بين مصر وكيان يهود حسب اتفاقية السلام التي عقدها النظام المصري عام 1979 والتي ما زالت سارية تمنع أهل مصر من أن يتحركوا لنصرة إخوانهم في غزة الذين يتعرضون للإبادة الجماعية.