Logo
طباعة
مذبحة النهود في السودان  جريمة شنيعة أخرى ناجمة عن حرب أخرى مستوحاة من الرأسمالية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مذبحة النهود في السودان

جريمة شنيعة أخرى ناجمة عن حرب أخرى مستوحاة من الرأسمالية

(مترجم)

 

 

الخبر:

 

في 3 أيار/مايو، أفادت اللجنة الوطنية السودانية لحقوق الإنسان بمقتل ما لا يقلّ عن 300 مدني، بينهم 21 طفلاً و13 امرأة، في هجوم شنته قوات الدعم السريع على مدينة النهود بولاية غرب كردفان. كما أفادت التقارير بأنّ مقاتلي قوات الدعم السريع نهبوا الإمدادات الطبية والأسواق المحلية وممتلكات السكان ومستشفى النهود، بالإضافة إلى تدمير المرافق العامة. وكانت المدينة تؤوي نازحين فارين من الأبيض وأم كدادة والخرطوم والفاشر. وكانت المدينة في السابق تحت سيطرة القوات المسلحة السودانية، إلا أن قوات الدعم السريع أعلنت يوم الجمعة 2 أيار/مايو سيطرتها الكاملة على النهود بعد قتال مع القوات الحكومية.

 

التعليق:

 

مجزرة النهود ليست سوى واحدة من مجازر كثيرة راح ضحيتها مدنيون أبرياء في السودان نتيجة هذه الحرب العبثية بين القوات المسلحة السودانية بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة والحاكم الفعلي للسودان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، نائب البرهان السابق في مجلس السيادة. في الأسابيع الثلاثة الماضية وحدها، أودى القتال في منطقة شمال دارفور بحياة ما لا يقلّ عن 542 شخصاً، لكن من المرجح أن يكون عدد القتلى الفعلي أعلى، وفقاً لمفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، الذي صرّح بأن "الرعب الذي يتكشف في السودان لا حدود له". قُتل عشرات الآلاف من المدنيين في هذا الصّراع الذي دخل عامه الثالث، وتشير بعض التقديرات إلى أنّ عدد القتلى يصل إلى 150 ألفاً (وفقاً للمجلس النرويجي للاجئين والمبعوث الأمريكي السابق للسودان)، مع ارتكاب فظائع مروعة من كلا الجانبين، بما في ذلك عمليات إعدام بدم بارد وتعذيب واغتصاب جماعي وجرائم جنسية أخرى ضدّ النساء والفتيات. يعاني السودان أيضاً من أكبر أزمة إنسانية على مستوى العالم، حيث نزح أكثر من أربعة عشر مليوناً، ما أدى إلى أكبر أزمة نزوح في العالم. ويواجه نصف سكانه البالغ عددهم 50 مليوناً الجوع، حيث أكدّ برنامج الغذاء العالمي وجود مجاعة في 10 مواقع، بما في ذلك مخيم زمزم الذي يضمّ 400 ألف نازح، وحذر من أنها قد تنتشر أكثر، ما يعرض الملايين لخطر الموت جوعاً. وتؤدي مخاطر الأمن الغذائي المتدهورة إلى "أكبر أزمة جوع في العالم"، حيث يستخدم كلا الجانبين الجوع كسلاح حرب من خلال منع دخول الغذاء إلى المناطق التي يسيطر عليها الطرف الآخر.

 

لا ينبغي أن ننخدع بالاعتقاد بأنّ الصراع الحالي هو مجرد صراع على السلطة بين فصيلين عسكريين وقادتهما المتعطشين للسلطة الذين يتقاتلون للسيطرة على البلاد. لقد أصبح السودان رقعة شطرنج تتنافس فيها حكومات إقليمية ودولية مختلفة على النفوذ داخل الدولة، على أمل الاستفادة من الموارد الهائلة التي تتمتع بها الأرض، وكذلك الاستفادة من الأهمية الاستراتيجية الجيوسياسية للبلاد. فالسودان غني بالموارد الطبيعية مثل الذهب والنفط والغاز الطبيعي واليورانيوم والكروميت وخام الحديد، بالإضافة إلى الأراضي الزراعية الخصبة. ويوفّر موقعه على طول نهر النيل وقربه من البحر الأحمر، وهو ممر رئيسي للتجارة الدولية يربط بين آسيا وأوروبا، يوفر مزايا استراتيجية حاسمة للتجارة والنقل. وتشير التقديرات إلى أنّ ما يقرب من 12-15٪ من التجارة البحرية العالمية، التي تقدر قيمتها بأكثر من تريليون دولار، تمرّ عبر البحر الأحمر سنوياً.

 

ومن ثم أصبح السودان ساحة معركة لمختلف الدول التي تتنافس على النفوذ في البلاد، حيث تبحث دول مثل السعودية والإمارات وتركيا وأمريكا وبريطانيا والصين وروسيا عن قطعة مهيمنة من الكعكة. فعلى سبيل المثال، تدعم السعودية الجيش عبر مصر، بينما تدعم الإمارات قوات الدعم السريع، بعد أن استفادت من صادرات الذهب بقيمة 16 مليار دولار والتي تأتي بشكل رئيسي من المناطق التي يسيطر عليها حميدتي. وفي الوقت نفسه، لطالما عُرفت أمريكا بأنها الداعم لمختلف الفصائل العسكرية في السودان، حيث انخرطت في مناورات خفية مختلفة لمنع حكومة مدنية من تولي السلطة في البلاد، وخاصةً في شكل قوى الحرية والتغيير، بعد الإطاحة بعمر البشير، والتي تدعمها بريطانيا وأوروبا الذين يرغبون أيضاً في الحصول على موطئ قدم في السودان. هذه الحكومات المختلفة، مدفوعة بقيمها الرأسمالية المادية وجوعها الذي لا يشبع لاكتساب الثروة، ليس لديها أي تحفظات بشأن التحريض على الحروب أو تأجيجها من أجل الربح ولا يكترثون بعدد القتلى المروع، أو حجم المعاناة الإنسانية، أو الكارثة الإنسانية الناتجة ما دامت مصالحهم السياسية والاقتصادية مضمونة.

 

لن ينتهي حكم القيادات المحلية المتعطشة للسلطة، والألاعيب السياسية التي تمارسها القوى الخارجية داخل السودان وفي أرجاء البلاد الإسلامية، إلا بقيادة ونظام مستقلين بحق، يعتبرون أنفسهم الوصي والحامي لأمتهم وأرضهم ومواردهم. وهذا لا يتحقق إلا بالخلافة على منهاج النبوة، التي ستقتلع الاستعمار، فالسيادة فيها لشرع الله سبحانه وليس لإملاءات البشر. وسوف تعيد مواردها الطبيعية إلى الملكية العامة، وبعيداً عن سيطرة الأفراد الأثرياء والأقوياء أو النخبة، بحيث يستفيد الناس بشكل عام من موارد وثروات البلاد، وفقاً لحديث النبي ﷺ: «الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ: فِي الْمَاءِ وَالْكَلَأِ وَالنَّارِ، وَثَمَنُهُ حَرَامٌ». لقد رأينا على سبيل المثال، كيف تمكّن تطبيق النظام الاقتصادي الإسلامي من اقتلاع الفقر من شمال أفريقيا خلال حكم الخليفة عمر بن عبد العزيز في القرن الثامن، بحيث لم يكن أحد مستحقا للزكاة، لأنّ الناس قد استغنوا بسبب التوزيع الفعال للثروة في ظلّ الحكم الإسلامي. والخلافة هي التي ستوحد بين مختلف القبائل والأعراق، إذ إنها ملزمة برعاية احتياجات جميع رعاياها على قدم المساواة دون تمييز، وضمان تمتعهم جميعاً بحياة كريمة وحقوق الرعوية نفسها، بما في ذلك حماية حياتهم وأعراضهم وممتلكاتهم ومعتقداتهم. لذا، فإنّ إقامة هذه الدولة على وجه السرعة هي وحدها الكفيلة بإنهاء الصراعات الداخلية والكوارث الإنسانية والفقر المدقع الذي ينخر في البلاد الإسلامية حالياً.

 

 

كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

أسماء صديق

عضو المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

 

وسائط

Template Design © Joomla Templates | GavickPro. All rights reserved.