- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
نساءُ سومطرة: لسن مجرد ضحايا للفيضانات
(مترجم)
الخبر:
أسفرت كارثة الفيضانات في جزيرة سومطرة عن وفاة 1071 شخصاً حتى 19 كانون الأول/ديسمبر، وفقاً لعبد المهاري، رئيس مركز بيانات الكوارث والمعلومات والاتصالات في الوكالة الوطنية لإدارة الكوارث في إندونيسيا. في الكوارث، غالباً ما تقع النساء والأطفال ضحايا مضاعفة بسبب مواطن الضّعف الهيكلية، بما في ذلك إهمال احتياجات الصّحة الإنجابية للمرأة. وقد أكدّ معهد باندا آتشيه للمساعدة القانونية أنّ النساء هنّ دائماً الفئة الأكثر تضرراً والأقل ظهوراً في كل كارثة، وهو نمط يتكرر في الأزمة الحالية. وفي خضمّ جهود الاستجابة الطارئة، قدم المعهد المساعدة في قضية تحرّش جنسي لطالبة جامعية كانت تبحث عن مأوى، ما يسلط الضوء على كيفية تفاقم العنف القائم على النوع الاجتماعي أثناء حالات الطوارئ.
إلى جانب كونهن ضحايا الفيضانات، تتعرّض نساء سومطرة أيضاً للاستغلال من قبل جشع الرأسمالية، لا سيما في صناعة زيت النخيل الضخمة. فاعتباراً من تموز/يوليو 2025، بلغ عدد العاملين في قطاع زيت النخيل في إندونيسيا حوالي 16.2 مليون عامل، وتساهم النساء في جميع مراحل سلسلة التوريد، من الإنتاج الأولي إلى عمليات التكرير والتوزيع. على مدى أكثر من ثلاثة عقود، عملت حوالي 4.9 مليون امرأة كعاملات يوميات غير منتظمات، حيث يقمن بأعمال شاقة كالتسميد ورش المبيدات والزراعة وإزالة الأعشاب الضارة. وهذه الأعمال تُعرّض النساء لمخاطر صحية وأمنية جسيمة، فضلاً عن خطر العنف الجنسي، لا سيما في ظل الطبيعة النائية والمعزولة لمزارع زيت النخيل.
يُعدّ قطاع زيت النخيل المحرك الرئيسي لإزالة الغابات في سومطرة، حيث من المتوقع أن تتجاوز مساحة الغابات المفقودة 7 ملايين هكتار بحلول عام 2023. لا يُفاقم هذا التدمير البيئي مخاطر الكوارث الهيدروميتورولوجية فحسب، بل يُؤدي أيضاً إلى أزمة اجتماعية عميقة من خلال استغلال ملايين النساء. فقد أظهر تحليلٌ أجراه فريق صحافة البيانات في صحيفة كومباس أن مساحة الغابات في آتشيه وشمال سومطرة وغربها قد تقلّصت بمقدار 1.2 مليون هكتار على مدى السنوات الأربع والثلاثين الماضية، أي ما يقارب 100 هكتار يومياً على مدى ثلاثة عقود. وخلال الفترة نفسها، تحمّلت ملايين النساء السومطريات تبعات هذا التدمير من خلال استغلالهن في صناعة زيت النخيل.
التعليق:
صدرت تحذيرات عديدة بشأن المخاطر المزدوجة للخطاب السامّ لـ"تمكين المرأة في ظلّ الرأسمالية"، والذي لا يخدم في نهاية المطاف سوى مصالح الأوليغارشية الرأسمالية. وقد كشفت فيضانات سومطرة في أوائل كانون الأول/ديسمبر 2025 للعالم أن نساء سومطرة هن ضحايا مزدوجات للاستغلال الرأسمالي الصناعي، على المديين القريب والبعيد.
أصبحت سومطرة موقعاً رئيسياً للرأسمالية الحدودية، وهي حدود جديدة تتوسع فيها الرأسمالية لتراكم الأرباح من خلال استخراج الموارد الطبيعية، وتحويل عمل المرأة وجسدها ومساحاتها الاجتماعية إلى سلع واستغلالها، وتغيير جوانب متعدّدة من حياتها. يشير كريستيان لوند، في كتابه "تسعة أعشار القانون"، إلى شمال سومطرة وآتشيه كمثالين كلاسيكيين على المناطق الحدودية التي يُعاد تشكيلها باستمرار بفعل التوسع العالمي في السلع، بدءاً من مزارع وغابات الحقبة الاستعمارية وصولاً إلى البنية التحتية المعاصرة لزيت النخيل والطاقة. وعلى مدى العقدين الماضيين، بلغت هذه الحدود أقصى درجات عدوانيتها من خلال التوسع السريع لصناعة زيت النخيل. فقد أُزيلت ملايين الهكتارات من الغابات، وجُففت الأراضي الخصبة، وحُوّلت مناطق تجميع المياه الحيوية.
لذا، فإن وعود الرفاهية لنساء سومطرة - التي تُصاغ من خلال تشجيعهن على العمل كوسيلة للحدّ من الفقر وتمكينهن - ليست زائفة فحسب، بل هي تلاعبٌ مُحكم. إنّ سردية الرخاء هذه وهمية، إذ تُخفي حقيقة أن النظام الاقتصادي الرأسمالي الجشع الذي يستغل غابات سومطرة هو نفسه مُحرك رئيسي للفقر والتهميش الممنهج للمرأة، محلياً وعالمياً.
وفي ظلّ هذا النظام والسياسات التي تدعمه، ستستمر ملايين النساء في سومطرة في مُعاناة ضائقة اقتصادية شديدة، سواء شاركن في العمل بأجر أم لا. فهنّ ضحايا مُضاعفة لجشع رأس المال. وكما قال الله تعالى: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
د. فيكا قمارة
عضو المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير