Logo
طباعة
زوال كيان يهود يكون بأعمال تقضي عليه  وليس بحسابات مبتدعة أو تنبّؤات متوهَّمة

بسم الله الرحمن الرحيم

 

زوال كيان يهود يكون بأعمال تقضي عليه

وليس بحسابات مبتدعة أو تنبّؤات متوهَّمة

 

 

 

الخبر:

 

ظهرت منذ ثلاثة عقود توقعات مبنية على ما يُسمّى حساب الجُمَّل، مفادها زوال كيان يهود في فلسطين عام 2022، وهي تعتمد على تطبيق هذا الحساب على آيات من القرآن الكريم، وعلى كلمات وجمل يصيغها من يأخذ بهذا الحساب ويعتمده. ومع اقتراب هذا التاريخ ازداد الحديث عن هذا التنبؤ وأنه سيكون في حزيران 2022. وقد مرّ هذا التاريخ ولم يزُلْ كيان يهود، بل إن اعتداءاته استمرت، وعلاقاته بدول المنطقة أصبحت علنية.

 

التعليق:

 

ثمة أمران في هذا الموضوع أو التوقع، الأول إيجابي مفيد والثاني سلبي وضار.

 

أما الأول فهو أن هذا التأكيد على حتمية زوال كيان يهود والاهتمام لمعرفة متى يحصل، وإثبات زواله وموعده بأدلة من القرآن، يدل على ثقة بحصوله، وعلى ترقبه بشوق كبير. وانتشار هذه القناعة عند المسلمين أمر إيجابي وواعد لأنه يدل على استعدادهم بل اندفاعهم لإنجاز هذا الهدف فور تمكنهم من ذلك.

 

أما الأمر الثاني وهو السلبي والضار، فهو انتظار تحقيق هذا الهدف بغير عمل يحققه، أو سعي صحيحٍ إليه، بل ببذل الجهود وتضييع الوقت بأعمال أو أبحاث لا تحقق شيئاً من ذلك ولا تقدِّم خطوةً باتجاه الهدف. ولقد بذل المسلمون عموماً وأهل فلسطين خصوصاً جهوداً كبيرة، وقدموا تضحيات كبيرة تحت عنوان تحرير فلسطين والقضاء على كيان يهود، ولكن من غير طائل. بل كانت النتائج عكسية، فتكرس وجود هذا الكيان وزُرع اليأس في نفوس كثيرين من قرب زواله. وهذا من أخطر الطروحات التي تستهلك التضحيات بغير طائل.

 

وتوقعات زوال كيان يهود بناءً على حساب الجُمَّل فيها خطآن بل خطران كبيران؛ أولهما استعمال القرآن والنصوص الشرعية في استدلالات غير شرعية، إذ لا أصل لهذه الحسابات في الإسلام، ولا دليل على صحتها، ولا اعتبار لها، بل هي منافية لطريقة الاستدلال الشرعي بالنصوص، وهي اعتبار الدلالات اللغوية للألفاظ والتراكيب بحسب اللغة العربية وقواعدها. وعلى ذلك، فإن الاستدلال بهذه الحسابات أمرٌ خطِرٌ لما فيه من إضفاء شرعية على مزاعم أو أوهام ترجع إلى الأهواء والميول فقط، وهذا مضادٌّ للشريعة، ولِما فيه من بدعة اتباع نهج وضعي أو اصطلاحي بشري وتطبيقه على النصوص الشرعية، وهذا أيضاً أمرٌ مضادٌّ للشريعة. إضافةً إلى أن من يعتمد هذا المنهج يضع عبارات يختارها حسبما يحب، ويحسبها بطريقة حساب الجُمَّل، ثم يعدِّل كلماتها وحروفها إلى أن يتوافق حسابها مع ما يريد إثباته، وهذا كله تلاعب وتحريف، وإن كان بغير قصد التحريف.

 

وهذا فضلاً عن أن النتائج المزعومة لهذه الحسابات غير صحيحة. والنتائج التي يزعمونها لتظهر بشكل لافت، أو كأنها أمر معجز وفيها قصد شرعي، الصحيحُ منها قليل جداً. ومن ذلك أن زاعمي هذه الحسابات أحياناً يهملون بعض الحروف في القرآن فلا يعتبرونها في الحساب، وأحيانا يعتبرونها ويحسبونها، كالألِف التي لا تُكتب أحياناً كما في قوله تعالى: ﴿ذلِكَ الْكِتب﴾، أو الياء كما في قوله تعالى: ﴿وَلِيَ دِينِي﴾، والتي تُكتب في بعض النسخ ﴿وَلِيَ دِينْ﴾. وأحياناً يعدِلون عن قراءة إلى غيرها لتتغير الحروف فيحصلون على العدد الذي يناسبهم. وعلى ذلك، فإنّ هناك تضليلاً في هذه الحسابات، وإن كان بغير قصد التضليل. وإذا اتفق أن صحت الحسابات في حالة معينة، فذلك أمر عرضي، ليس له أي قيمة شرعية.

 

والخطأ الثاني، هو خطر كبير أيضاً، لِما فيه من إضرار بالمسلمين، وبخاصة المتحفزين للتغيير، فهو أن هذا المنهج يزرع مفهوم القدرية الغيبية - وإن لم يقصد أصحابُه ذلك - ويجعل من يعمل به أو يصدقه يقعد ليراقب وينتظر، وبهذا يُقضى على العمل الهادف. وفي موضوع زوال كيان يهود، تصديق هذه الحسابات والأخذ بها يؤدي إلى القعود عن العمل للقضاء عليه، وعن التفكير الهادف في كيفية ذلك وسبُله العملية. ولقد ابتليت الأمة بهذا المرض المُهلك، وهو القصد إلى تحقيق الأهداف بأعمال ليس من شأنها تحقيقها، كالدعاء لتحقيق النصر أو الرزق أو النجاح. وكالعبادات أو أعمال البر لتغيير أنظمة الكفر. وإن كان ثمة فرق بين هذه الأمثلة وحسابات الجُمَّل لزوال كيان يهود، فالنتيجة في الحالتين واحدة، وهي صرف الفكر عن البحث العملي لتحقيق الهدف، وترك ميادين العمل التغييري المنتج إلى ميادين أخرى لا علاقة لها بالتغيير ولا بأسبابه ومستلزماته.

 

إن إزالة كيان يهود هي قضية شرعية، وتقتضي أعمالاً على الأرض تُحدث تغييرات كبيرة. هذه التغييرات لها وقائع ينبغي تصورها، وهي هدم وقتل، ودحرٌ وطرد، وحروب ونيران، وهذه تحتاج للأخذ بالأسباب والقيام بالمقدمات التي تؤدي إلى نتائجها. كإعداد قوى تقوم بهذا كله على الأرض، بغية القضاء على سلطة أو نظام، وإيجاد سلطة أو نظام. هذا هو طريق إزالة كيان يهود، وهذا هو طريق تحقيق أي هدف مادي على الأرض. وهذا النهج لا يتم إلا بعد نظر وتفكير فيه، بهدف تذليل كل العقبات التي تحول دونه، والقضاء على كل موانعه. هذا النهج يلزمه تفكيرٌ ينتج أعمالاً مادية تُحدث تغييراً في الوقائع. وهذا هو التفكير السياسي بشؤون المسلمين وقضاياهم، أي التفكير العملي الذي يؤدّي إلى أعمال، ويُنتج تغييراً مقصوداً. وليس هو التفكير أو البحث في مسائل تصرف عن التفكير المنتج، ولا هو التضليل والخداع لبذل جهود وتضحيات لا تُجدي. ولا هو ما يشغل الفكر بأوهام أو طروحات لا تصلح لشيء سوى تضييع الوقت في ترف ذهني كحساب الجُمَّل، حتى ولو كان مخلصاً.

 

قال تعالى: ﴿إنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ [سورة الرعد: 11]

 

 

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

محمود عبد الهادي

وسائط

Template Design © Joomla Templates | GavickPro. All rights reserved.