Logo
طباعة
الرعاية الصحية في الدولة الإسلامية – الحلقة الخامسة

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الرعاية الصحية في الدولة الإسلامية – الحلقة الخامسة

 

 

 

حديثنا في هذه الحلقة سيكون عن الأهداف العامة للرعاية الصحية في الدولة الإسلامية:

 

تناولنا ضمن حديثنا في الحلقات السابقة كيف أن الإسلام اهتم بحفظ صحة النفس وصحة البدن، كـ(هدفين أساسيين) للرعاية الصحية في الدولة الإسلامية وذلك بالمفاهيم المنبثقة عن العقيدة الإسلامية، وكذلك بالتطبيق العملي في المنظومة الصحية، وأن التفريط في رعاية الصّحة الجسدية يؤدي إِلى وقوع الضرر بالرعية، فيأثم ولي الأمر، لقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): "مَنْ ضَارَّ أَضَرَّ اللَّهُ بِهِ"، رواه ابن ماجه.

 

أما الهدف الثالث فهو:- شمولية الرعاية الصحية لكل الرعية: فالأدلة الشرعية التي اعتبرت أن الحفاظ على الصّحة حاجة أساسيّة جاءت أدلة عامة تشمل كل الرعيّة. فالإمام مسؤول عن كل رعيته، مسلمين وأهل ذمّة، قويّهم وضعيفهم، غنيّهم وفقيرهم، مؤمنهم وكافرهم. 


والرعاية الصحيّة الواجب على الدولة توفيرها مباشرة تشمل كل خدمة صحيّة يمكن أن يؤدي عدم توفرِها إلى ضرر، وتسعى قدر المستطاع وحسب توفر الموارد إلى تمكين الرعيّة من الحصول على الخدمات الصحية الكمالية التي لا يؤدي فقدانها إلى ضرر، كتبيِيض الأسنان أو إزالة النّمش وما إلى ذلك.

 

والهدف الرابع هو:- مجانيّة الرِّعاية الصّحية: فتوفر الدولة الرعاية الصحية مجاناً لأفراد الرعية بغضّ النّظر عن كونهم أغنياء يملكون نفقة التطبيب أو فقراء لا يملكونها.

 

وحتى لا يكون الهدف التوفير على الدولة أو الاقتصاد في الموارد، لا ينظر إلى عبء مثل هذه الرعاية الصحية الشاملة والمجانية على خزينة الدولة. فلا يجوز أن تقيّد الرعاية بقيودٍ لم يرد بها الشرع، كتغطية حدٍّ معيّن من النفقات الصحية وتجبر الفرد أن يكمل ما زاد عنها، أو شمول بعض الأدوية والخدمات الضرورية في الرعاية الصحية المجانية دون بعض. بل ينظر إلى المشكلة الصحية كمشكلةٍ إنسانية، لا كمشكلةٍ اقتصادية.


غير أنه وإن كان من الواجب على الدولة توفير الرعاية الصحية مجاناً للجميع، فإنه لا يمنع أحد أن يوفرها لنفسه، لما روى البخاري عن أنس (رضي الله عنه) قال: "دَعا النّبيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم) غُلاماً حَجَّاماً فَحَجَمَهُ، وَأَمَرَ لَهُ بِصَاعٍ أَوْ صَاعَيْنِ، أَوْ مُدٍّ أَوْ مُدَّيْنِ، وَكَلَّمَ فِيهِ فَخُفِّفَ مِنْ ضَرِيبَتِهِ". والحجامة في ذلك الوقت كانت من الأساليب التي يتطبب بها.

 

أما الهدف الخامس والأخير فهو:- التميز والتقدم في علوم الصحة: فالرعاية الصحية حاجة ضرورية يعتبر توفيرها مصلحة من مصالح الأمة الحيوية، ويهدّد فقدانها حياة الأمة. ولذلك لا بد أن تكون الدولة الإسلامية في طليعة الدول من حيث الرعاية الصحية، ولا بد من إِيجاد حشدٍ من الأطباء والعلماء والمختصين المؤهلين علمياً وفعلياً لابتكار الأساليب والوسائل اللازمة للرعاية الصحية، ولا بد من توفير أقصى إمكانيات البحث والابتكار العلمي لهم.

 

والهدف هو أن تمتلك الدولة الإسلامية زمام الأمور في مجال الرعاية الصحية وتحقق الاكتفاء الذاتيّ، حتى لا تقع تحت تأْثير الدول الكافرة رجاء مصلحةٍ من المصالح الصحية، قال سبحانه وتعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} [النساء 141]، والنهي الوارد في الآية هو نهي جازم يفيد التحريم، وهو يشمل بعمومه السّلطان العسكري والثقافي وكذلك الصحي.

 

هذه هي الرعاية الصحية الصحيحة اللازمة للإنسانية جمعاء، وليست الرعاية الصحية في ظل العديد من الدول الرأسمالية والتي تعتبر أن توفير رعاية صحية جيدة بمثابة رفاهية وليست حقا أساسيا لكل مواطن، ويكفي أن نقول إِن في الولايات المتحدة ما يقارب الخمسين مليون مواطن أمريكي بدون أي تأمين صحي، أي أن هؤلاء لا يتلقون من الدولة أي علاج أو رعاية صحية. وكعادة الرأسمالية فالفئات الضعيفة في المجتمع لا مكان لها ولا حقوق سوى الحق في "خدمة" الرأسماليين. فالسود في أمريكا مثلاً تكثر فيهم الأمراض بمقدار ثلاثة أضعاف البيض. وأما مرض الإيدز الذي أنجبته حضارة الرأسمالية، فإن السود هم ضحيته الأولى، ونرى أن من بين كل عشرة آلاف مواطن أمريكي يموت في كل عام 27 من الإيدزِ، بينهم 3 فقط من البيض والباقون من السود.

 

 

 

جمع وإعداد: راضية عبد الله

آخر تعديل علىالأحد, 01 تشرين الثاني/نوفمبر 2020

وسائط

Template Design © Joomla Templates | GavickPro. All rights reserved.