- الموافق
- كٌن أول من يعلق!

بسم الله الرحمن الرحيم
مناقب ثاني الخلفاء الراشدين عمر بن الخطاب t
(ح13) قصة عمر t مع أبي مسلم الخولاني t
الحَمْدُ للهِ مُنْزِلِ الكِتَابْ، وَمُجْرِي السَّحَابْ، وَهَازِمِ الأَحْزَابِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى نَبِيِّنَا محمد، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أُولِي الأَلْبَابْ، وَعَلَى وَزِيرَيهِ: أَبِي بَكْرِ الصِّدِّيقْ، مَنْ لِدَعْوَةِ الحَقِّ استَجَابْ، وَالفَارُوقِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابْ، الحَاكِمِ بِالعَدْلِ، وَالنَّاطِقِ بِالصَّوَابْ، ارزُقنَا الَّلهُمَّ خَلِيفَةً مِثْلَهُ، يَخَافُكَ وَيَتَّقِيكَ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَتَرْضَى عَنْهُ يَوْمَ يَقُومُ الحِسَابْ، وَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ، وَاحْشُرْنَا فِي زُمرَتِهِمْ، بِرَحْمَتِكَ يَا كَرِيمُ يَا وَهَابْ... آمِينَ.
أيها المؤمنون:
أحبتنا الكرام:
السَّلَامُ عَلَيكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وبركاتُه، وَبَعْد: نُواصِلُ مَعَكُمْ حَلْقَاتِ كِتَابِنَا:"مَنَاقِبُ ثَانِي الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ t". وَمَعَ الحَلْقَةِ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ، وَهِيَ بِعُنْوَانِ: "قصة عُمَرَ t مع أبي مسلم الخولاني t ". نَقُولُ وَبِاللهِ التَّوفِيقُ:
هَلْ تَعرِفُونَ مَنْ البَطَلُ المسْلِمُ الَّذِي ثَبَتَ عَلَى الحَقِّ؛ فَفَعَلَ اللهُ لَهُ مُعْجِزَةً أَذْهَلَتِ النَّاسَ؟
إِنَّهُ ذَلِكَ الرَّجُلُ الَّذِي شَبَّهَهُ سِيِّدُنَا عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ t بِسَيِّدِنَا إِبرَاهِيمَ عَلَيهِ السَّلَامُ! إِنَّهُ رَجُلٌ صَالِحٌ مِنْ أَهْلِ اليَمَنِ اسمُهُ أَبُو مُسْلِمٍ الخُولَانِيُ t ، كَانَ فِي زَمَنِ الكَذَّابِ الأَسْوَدِ العَنْسِيِّ الَّذِي أَخَذَ يُلْزِمُ النَّاسَ إِلْزَامًا بِأَنْ يَشْهَدُوا بِأَنَّهُ نَبِيٌّ مِنْ عِندِ اللهِ، وَمَنْ لَا يَفْعَلْ، فَجَزَاؤُهُ القَتْلُ.. وَلَقَدْ كَانَ أَبُو مُسْلِمٍ الخُولَانِيُّ t مِمَّنْ وَقَعَ تَحْتَ هَذَا الامتِحَانِ الصَّعْبِ، فَاسْتَدْعَاهُ الكَذَّابُ، وَقَالَ لَهُ: أَتَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: أَتَشْهَدُ أَنَّ مُحمَّدًا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولٌ مِنْ عِندِ اللهِ؟!! قَالَ: مَا أَسْمَعُ شَيئًا!! فَرَدَّدَهَا عَلَيهِ، وَأَبُو مُسْلِمٍ الخُولَانِيٌّ t فِي كُلِّ مَرَّةٍ يَقُولُ: مَا أَسْمَعُ شَيْئًا!! فَغَضِبَ الكَذَّابُ غَضَبًا شَدِيدًا، فَجَمَعَ النَّاسَ، وَقَالَ: "أيُّهَا النَّاسُ، إِنْ كَانَ هَذَا عَلَى الحَقِّ؛ فَسَيُنَجِّيهِ الحَقُّ، وَإِنْ كَانَ عَلَى البَاطِلِ، فَسَتَرَونَ مَاذَا يَفْعَلُ اللهُ بِهِ".
ثُمَّ أَمَرَالكَذَّابُ بِنَارٍ عَظِيمَةٍ، فَأُوقِدَتْ، ثُمَّ رَبَّطَ أَبَا مُسْلِمٍ الخُولَانِيَّ t بِالأَربِطَةِ، فَأَرَادُوا أَنْ يَقْذِفُوهُ فِي النَّارِ، فَلَمْ يَسْتَطِيعُوا أَنْ يَقْتَرِبُوا مِنْهَا مِنْ هَولِهَا، وَحَرِّهَا، فَجَعَلُوهُ عَلَى المِنْجَنِيقِ، ثُمَّ قُذِفَ بِهِ عَنْ بُعْدٍ فَوَقَعَ فِي النَّارِ!! فَظَنَّ النَّاسُ أَنَّهُ تَفَحَّمَ، وَأَكَلَتْهُ النَّارُ، وَلَم تُبْقِ مِنهُ شَيْئًا، وَلَكِنْ مَا هِيَ إِلَّا لَحْظَاتٌ حَتَّى وَجَدُوا أَبَا مُسْلِمٍ الخُولَانِيَّ t يَخرُجُ مِنهَا يَمشِي عَلَى رِجْلَيهِ، وَمَا أَصَابَتْهُ النَّارُ بِأَذَى! فَجُنَّ جُنُونُ الكَذَّابِ، ثُمَّ صَاحَ بَهِ أنِ اخْرُجْ مِنَ اليَمَنِ.
فَانْطَلَقَ أَبُو مُسْلِمٍ الخُولَانِيٌّ t مُسَافرًا إِلَى مَدِينَةِ رَسُولِ اللهِ r ، ثُمَّ دَخَلَ يُصَلِّي صَلَاةً لَمْ يُرَ أَحْسَنَ مِنْهَا، فَأَخَذَ النَّاسُ يَتَحَدَّثُونَ عَنْ رَجُلٍ فِي المسْجِدِ يُصَلِّي صَلَاةً فِي غَايَةِ الخُشُوعِ، فَسَمِعَ عُمَرُ t بِذَلِكَ، وَأَتَى لِيَرَى مَنْ هَذَا الَّذِي يَتَحَدَّثُ النَّاسُ عَنْهُ، فَوَجَدَهُ يُصَلِّي، فَلَمَّا خَرَجَ مِنَ الصَّلَاةِ قَالَ لَهُ: مَنِ الرَّجُلُ؟ قَالَ: مِنْ أَهْلِ اليَمَنِ. فَقَالَ عُمَرُ t : "مَا خَبَرُ صَاحِبِنَا الَّذِي أَرَادَ الكَذَّابُ أَنْ يُحَرِّقَهُ؟ قَالَ: بِخَيرِ حَالٍ. فَقَالَ عُمَرُ: أَسْأَلُكَ بِاللهِ أَأَنْتَ هُوَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ. فَقَبَّلَهُ عُمَرُ t بَينَ عَينَيهِ، وَأَخَذَهُ إِلَى خَلِيفَةِ المسْلِمِينَ الأَوَّلِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ t ، وَأَجْلَسَهُ بَينَهُمَا، وَقَالَ: "الحَمْدُ للهِ الَّذِي لَمْ يـُمِتْنِي حَتَّى أَرَانِي مِثْلَ خَلِيلِهِ إِبرَاهِيمَ عَلَيهِ السَّلَامُ". وَهَكَذَا إِذَا ثَبَتَ المسْلِمُ عَلَى الحَقِّ، وَصَمَدَ أَمَامَ الفِتَنِ جَعَلَهُ اللهُ فِي عِنَايَتِهِ، وَرِعَايَتِهِ، وَسَخَّرَ لَهُ الكَونَ بِأَكْمَلِهِ، وَجَعَلَ لَهُ مِنَ المعْجِزَاتِ مَا تَذْهَلُ مِنْهُ عُقُولُ البَشَرِ!
المصادر: البداية والنهاية - تاريخ مدينة دمشق - الاستيعاب في معرفة الأصحاب.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة، مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِمًا،نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ، سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام، وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا، وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه، وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ فِي القَريبِ العَاجِلِ، وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها، إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم ، وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.
كتبها لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
الأستاذ: محمد أحمد النادي