- الموافق
- كٌن أول من يعلق!

بسم الله الرحمن الرحيم
مناقب ثاني الخلفاء الراشدين عمر بن الخطاب رضي الله عنه
(ح29) من أعظم اجتهادات عمر رضي الله عنه إبقاء أراضي الفيء في أيدي أهلها
الحَمْدُ للهِ مُنْزِلِ الكِتَابْ، وَمُجْرِي السَّحَابْ، وَهَازِمِ الأَحْزَابِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى نَبِيِّنَا محمد، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أُولِي الأَلْبَابْ، وَعَلَى وَزِيرَيهِ: أَبِي بَكْرِ الصِّدِّيقْ، مَنْ لِدَعْوَةِ الحَقِّ استَجَابْ، وَالفَارُوقِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابْ، الحَاكِمِ بِالعَدْلِ، وَالنَّاطِقِ بِالصَّوَابْ، ارزُقنَا الَّلهُمَّ خَلِيفَةً مِثْلَهُ، يَخَافُكَ وَيَتَّقِيكَ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَتَرْضَى عَنْهُ يَوْمَ يَقُومُ الحِسَابْ، وَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ، وَاحْشُرْنَا فِي زُمرَتِهِمْ، بِرَحْمَتِكَ يَا كَرِيمُ يَا وَهَابْ... آمِينَ يَا رَبَّ العَالَـمِينَ.
أيها المؤمنون:
أحبتنا الكرام:
السَّلَامُ عَلَيكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وبركاتُه، وَبَعْد: نُواصِلُ مَعَكُمْ حَلْقَاتِ كِتَابِنَا:"مَنَاقِبُ ثَانِي الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ t ". وَمَعَ الحَلْقَةِ التَّاسِعَةِوالعِشْرَينَ، وَهِيَ بِعُنْوَانِ: "مِنْ أَعْظَمِ اجْتِهَادَاتِ عُمَرَ t إِبْقَاءُ أَرَاضِي الفَيءِ فِي أَيْدِي أَهْلِهَا". نَقُولُ وَبِاللهِ التَّوفِيقُ:
يَسْتَطِيعُ البَاحِثُونَ أَنْ يَسْتَخْرِجُوا مِنْ هَذَا الموْقِفِ كَثِيرًا مِنَ الأَحْكَامِ الاقتِصَادِيَّةِ لِلدَّولَةِ الإِسْلَامِيَّةِ:
أولا: نَرىَ فِيهِ أَنَّ عُمَرَ t كَانَ حَرِيصًا كُلَّ الحِرْصِ عَلَى أَنْ لَا يَتَكَدَّسَ المالُ فِي أَيدِي فِئِةٍ مِنَ الأَغْنِيَاءِ، فَإنَّ أَيلُولَةَ وَانتِقَالَ عَشَرَاتِ الملَايِينِ مِنَ الأَفْدِنَةِ أو الفَدَادِينِ مِنَ الأَرَاضِي بِالعِرَاقِ وَالشَّامِ وَفَارِسَ، وَمِصْرَ إِلَى جَمَاعَةِ الغُزَاةِ، وَمَنْ فِي حُكْمِهِمْ يَخُلُقُ فِئَةً مِنَ الأَثْرِيَاءِ يَتَضَخَّمُ فِيهِمُ المالُ، وَيَتَرَكَّزُ تَدَاوُلُهُ فِيمَا بَينَهُمْ، وَلِهَذَا آثَارٌ اجْتِمَاعِيَّةٌ وَخُلُقِيَّةٌ لَا تُحْمَدُ عَاقِبَتُهَا، وَقَدْ حَذَّرَنَا القُرآنُ مِنَ الوُقُوعِ فِيهَا، قَالَ تَعَالَى: (كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ). (الحشر 7)
ثَانِيًا: وَفِيهِ نَرَى أَنَّ عُمَرَ يَنْظُرُ إِلَى المالِ عَلَى أَنَّهُ حَقٌّ لجَمِيعِ أَفْرَادِ الرَّعِيَّةِ، وَيَسُوسُهُ سِيَاسَةً يَرْعَى فِيهَا صَالِحَ الأَجْيَالِ القَادِمَةِ، وَهِيَ نَظْرَةٌ دَقِيقَةٌ عَمِيقَةٌ لَهَا مِنَ القُرآنِ الكَرِيمِ سَنَدٌ أَيُّ سَنَدٍ. قَالَ تَعَالَى: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ). (الحشر10)
ثَالِثًا: وَفِيهِ لَونٌ مِنْ جَعْلِ الأَرَاضِي الَّتِي فُتِحَتْ عَنْوَةً مِلْكًا لِجَمِيعِ أَفْرَادِ الرَّعِيَّةِ فِي الدَّولَةِ الإِسْلَامِيَّةِ، لَا مِلْكًا لِأَفْرَادٍ مَخْصُوصِينَ، إِذْ مَنَعَ جَمَاعَةَ المسْلِمِينَ المعَاصِرِينَ لَهُ أَنْ يَسْتَولُوا عَلَى مَا أَفَاءَ اللهُ عَلَيهِمْ مِنَ الأَرَاضِي، وَلَمْ يَتَحَوَّلْ عَنْ رَأْيِهِ فِي جَعْلِهَا مِلْكًا لِلدَّولَةِ يُنْفِقُ مِنْ إِيرَادِهَا عَلَى الجُنْدِ، وَيُوَاجِهُ بِهَا مَا تَأْتِي بِهِ الأَيَّامُ، وَمَا يَسْتَجِدُّ مِنْ مَطَالِبَ لِلرَّعِيَّةِ.
رابعا: وَفِيهِ غَيرُ ذَلِكَ مِنَ النَّظْرَاتِ المالِيَّةِ، وَالاقتِصَادِيَّةِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى سَعَةِ الأُفُقِ، وَمُرُونَةِ التَّفْكِيرِ لَدَى خَلِيفَةِ المسْلِمِينَ الثَّانِي عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ t ، وَإِحَاطَةِ الإِسْلَامِ الحَنِيفِ بِدَقَائِقِ المسَائِل... هَدَانَا اللهُ إِلى استِخْرَاجِ مَا فِي دِينِنَا مِنْ كُنُوزٍ، وَمَبَادِئَ وَحَقَائِقَ. وَصَلَّى اللهُ عَلَى سَيِّدِنَا محمد وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
المصدر: مجلة المسلمون (بتصرف) ، السنة الثالثة، جمادى الآخرة 1373 العدد 4.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة، مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِمًا، نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ، سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام، وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا، وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه، وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ فِي القَريبِ العَاجِلِ، وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها، إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم، وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.
كتبها لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
الأستاذ: محمد أحمد النادي