- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
الأهمية الجيوسياسية الاستراتيجية للسودان
(مترجم)
السودان بلد ذو أهمية جيوسياسية بالغة، تشكلت مكانته بفعل مساحته الشاسعة، وموارده الطبيعية الوفيرة، وموقعه الاستراتيجي الذي يضعه في قلب بعضٍ من أهم طرق التجارة والممرات السياسية في العالم. وعلى الرغم من عقود من عدم الاستقرار السياسي، لا يزال السودان محور اهتمام القوى الإقليمية والدولية لما يتمتع به من موقع استراتيجي وإمكانات غير مستغلة. وتكمن أهميته ليس فقط في الوقت الحاضر، بل تمتد جذورها إلى الماضي، لا سيما خلال الحقبة التي كان فيها جزءاً من الخلافة، حيث لعب دوراً محورياً في ربط البلاد الإسلامية وتعزيز وحدتها. وستظل هذه الأهمية قائمة في المستقبل عند عودة الخلافة.
يُعد الموقع الجغرافي للسودان من أعظم أصوله الاستراتيجية. فهو يقع في شمال شرق أفريقيا، وتحدّه سبع دول هي: مصر، ليبيا، تشاد، أفريقيا الوسطى، جنوب السودان، إثيوبيا، وإريتريا. وهذا يجعل السودان حلقة وصل مركزية بين شمال أفريقيا ومنطقة الساحل وجنوب الصحراء. كما يتمتع السودان بساحل مهم على البحر الأحمر، يقابل مباشرة شبه الجزيرة العربية ويقع بالقرب من مضيق باب المندب، أحد أهم الممرات البحرية الحيوية في العالم.
يربط مضيق باب المندب بين البحر الأحمر وخليج عدن وبحر العرب، ما يجعله ممراً حيوياً للتجارة الدولية وشحنات النفط. إذ يمر عبر هذا الممر الضيق نحو 10% من النفط المنقول بحراً في العالم. ويُضفي قرب السودان من هذا الممر أهمية استراتيجية كبيرة، حيث يجعله موقعاً مرغوباً للقوى العالمية الساعية لتعزيز نفوذها على طرق الملاحة البحرية واللوجستيات البحرية. فمن خلال السيطرة على السودان أو إقامة تحالف معه، يمكن تحقيق نفوذ كبير في إدارة أمن البحر الأحمر وتدفق التجارة بين آسيا وأوروبا وأفريقيا.
علاوة على ذلك، يتمتع السودان بثروات طبيعية هائلة تُعزز من قيمته الجيوسياسية بشكل كبير. فهو يُعد من أكبر منتجي الذهب في أفريقيا، وتضم ثرواته المعدنية كلاً من الكروم، والمنغنيز، والزنك، وخام الحديد، واليورانيوم. وعلى الرغم من انفصال جنوب السودان في عام 2011، والذي استحوذ على جزء كبير من حقول النفط، لا يزال السودان يحتفظ باحتياطات كبيرة من النفط والغاز، لا سيما في المناطق الشرقية وعلى طول الحدود.
بالإضافة إلى ذلك، يمتلك السودان مساحات شاسعة من الأراضي الصالحة للزراعة، ويحتضن نهري النيل الأزرق والأبيض، ما يمنحه إمكانات هائلة في مجال الزراعة وإنتاج الغذاء. وقد اعتُبر السودان منذ زمن بعيد مرشحاً ليكون "سلة غذاء" لأفريقيا والعالم العربي. ومع توفر البنية التحتية المناسبة والحكم الرشيد، يمكن للسودان أن يؤدي دوراً محورياً في تحقيق الأمن الغذائي في المنطقة.
تتجاوز الأهمية الاستراتيجية للسودان حدود الجغرافيا والثروات، لتشمل تأثيره الأوسع في الساحتين الأفريقية والعربية. فهو يشكل جسراً ثقافياً واقتصادياً بين شمال أفريقيا العربي والمناطق ذات الأغلبية المسلمة في أفريقيا جنوب الصحراء. ويجعل هذا الموقع من السودان لاعباً أساسياً في الدبلوماسية الإقليمية، وفي المشاريع الكبرى الرامية إلى التكامل الاقتصادي أو الوحدة السياسية.
أبدت القوى العالمية مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا، وكذلك الدول الإقليمية الفاعلة كدول الخليج وتركيا، اهتماماً كبيراً بالسودان، سواء من خلال التعاون العسكري، أو الاستثمارات الاقتصادية، أو التحالفات السياسية. ويشهد ممر البحر الأحمر تزايداً في الطابع العسكري، وغالباً ما يكون السودان في قلب هذا التنافس. إذ توفّر موانئه وأجواؤه وأراضيه فرصاً استراتيجية لبسط النفوذ، خاصة في ظل التحولات الجيوسياسية العالمية وتراجع الهيمنة الغربية في بعض المناطق.
كانت الأهمية الاستراتيجية والاقتصادية للسودان واضحة حتى في الحقبة التي كان فيها جزءاً من الخلافة. فخلال عهد الخلافة العثمانية، شكّل السودان إحدى الجبهات الرئيسية للبلاد الإسلامية. وكانت موانئه على البحر الأحمر ذات أهمية بالغة في حركة التجارة ورحلات الحج بين أفريقيا وشبه الجزيرة العربية، حيث ساهمت في تسهيل طرق الحج والتبادل الاقتصادي داخل أرجاء الأمة الإسلامية.
لقد ساهمت الأراضي الخصبة والثروات المعدنية في السودان في دعم التنمية المحلية وتعزيز التجارة الإقليمية، كما أن اندماجه في الخلافة مكّنه من الاستفادة من النظام الاقتصادي والقانوني الإسلامي والمساهمة فيه. وخلال تلك الفترة، وحّد الحكم الإسلامي مختلف الأعراق والقبائل تحت راية الإسلام، مطبقاً الشريعة الإسلامية ومُعززاً لمفاهيم العدل والاستقرار. وقد مكّن موقع السودان كمنطقة حدودية جنوبية للخلافة من أن يكون نقطة انطلاق لنشر الدعوة الإسلامية في أفريقيا جنوب الصحراء، ما عزز الوحدة الفكرية والروحية للبلاد الإسلامية.
إن جميع الإمكانات الهائلة التي يمتلكها السودان؛ من موقع استراتيجي وثروات طبيعية، لا يمكن توظيفها بشكل صحيح وعادل إلا في ظل دولة إسلامية، ألا وهي دولة الخلافة. فبتطبيق النظام الإسلامي القائم على القرآن والسنة، فقط، يمكن إدارة ثروات السودان وموقعه ونفوذه بما يخدم مصالح أهله والأمة الإسلامية جمعاء. إن ما شهده السودان من عدم استقرار سياسي متكرر، وانهيار اقتصادي، وتدخلات خارجية، وانقسامات داخلية، هو نتيجة مباشرة لغياب دولة الخلافة. فبدون قيادة إسلامية موحدة تحكم بشرع الله، يبقى السودان عرضة للاستغلال من القوى الأجنبية، وتلاعب التيارات العلمانية والقبلية والعقدية. أما الخلافة، فهي التي تكفل حماية سيادة السودان، وتوحيد شعبه تحت عقيدة واحدة، وتوجيه موقعه الاستراتيجي وثرواته الطبيعية نحو نهضة الأمة الإسلامية بأسرها، بعيداً عن الهيمنة الاستعمارية والفوضى الداخلية.
#أزمة_السودان #SudanCrisis
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
سمية بنت خياط