Logo
طباعة
  •   الموافق  
  • كٌن أول من يعلق!

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

كيف أصبحت غينيا بيساو عقدة أمنية عالمية؟

 

 

تجسد غينيا بيساو نموذجا كلاسيكيا لدولة صغيرة ذات تاريخ سياسي مضطرب، حيث تداخل إرث الحرب الأهلية، وضعف المؤسسات، وتغلغل الجريمة المنظمة. وحتى نفهم واقعها نعود قليلا إلى الوراء مع فهم واقع غينيا بيساو الجغرافي؛ فهي تقع غرب القارة الأفريقية على ساحل المحيط الأطلسي، وتحدها من الشمال السنغال، ومن الشرق والجنوب غينيا، وفيها امتداد كبير لجزر تابعة لها.

 

فهي كانت سابقا مستعمرة برتغالية وكانت جزءا من غينيا البرتغالية، وقد نشأت الحركة الرئيسية من أجل الاستقلال باسم الحزب الأفريقي لاستقلال غينيا والرأس الأخضر، وكان قائدها أميلكار كابرال، حيث انطلق الكفاح المسلح في الستينات من القرن الماضي، ونالت استقلالها عن البرتغال في 24/9/1973م، وقد مرت هذه البلاد بصعوبات جمة وحالات انقلابية كثيرة.

 

أول انقلاب عسكري مهم كان عام 1980، وتمت الإطاحة بلويس كابرال، وهو أول رئيس بعد الاستقلال، وهو الأخ غير الشقيق لأميلكار كابرال، وتتالت الانقلابات والتحولات بشكل كبير، مثل انقلاب عام 2003، ومن ذلك الحين حتى اليوم تعيش غينيا بيساو ديمقراطية هشة، وانتخابات حكومية، وانقلابات عسكرية، وإسقاط حكومات، ودائما تعاني من فشل حكومي.

 

وكانت تحكم بدستور نظام شبه رئاسي منذ عام 1993، حيث اعتمدت فصل السلطات التنفيذية والتشريعية، وكانت التدخلات العسكرية هي الظاهرة الدائمة فيها، ما أنتج بيئة غير مستقرة.

 

وقبل الانقلاب الأخير في 26/11/2025، برز صراع قوي حول جداول الانتخابات والتشكيك في نزاهتها... وقبل التكلم عما بعد الانقلاب الأخير، نسأل: لماذا هي دائما غير مستقرة؟ ونجيب فنقول إن ذلك يعود إلى الأسباب التالية:

 

1- الإرث الاستعماري ولّد انقسامات سياسية كبيرة جدا.

2- اعتماد السياسة على الجيش وضعف المؤسسات المدنية وعدم استقرارها.

3- وجود مناخ قلق ومتوتر دائما لعدم الثقة بين النخب السياسية والعسكرية والمدنية.

4- اقتصاد هش وموارد محدودة وتنمية منعدمة.

 

وبعد الانقلاب أعلنت مجموعة من العسكريين تحت قيادة دينيس نكانها السيطرة على كامل البلاد، واعتقال الرئيس الحالي عمروا سيسوكو إمبالو داخل القصر، وتم تعليق جميع مؤسسات الدولة وإلغاء الانتخابات مع قرار إغلاق الحدود.

إن موقع غينيا بيساو يعتبر بوابة عبور بين أمريكا اللاتينية وأوروبا، وفيها أجواء مناسبة لعبور شبكات التهريب عبر جزرها وممراتها البحرية، وهي طريق لتهريب المخدرات، وخصوصا الكوكايين، ويعبر تجار السلاح وشبكات الجريمة المنظمة من أمريكا الجنوبية إلى أوروبا عبر المحيط الأطلسي وغرب أفريقيا، مستفيدين من ضعف الدولة ومؤسساتها، ومع الأسف فإن النخب السياسية والعسكرية متورطة في ذلك.

 

وتعد غينيا بيساو الدولة الوحيدة ضمن عضوية إيكواس حيث المخدرات لا تشكل أزمة صحية فقط، بل تهدد بقاء الدولة، وأصبح هناك اقتصاد مواز قوي من مهربي المخدرات يدعم أحيانا قادة نافذين، ويستخدم كوسيلة لحماية مصالح غير رسمية.

 

وهنا يظهر الصراع وكأنه صراع نفوذ بين عصابات وجماعات دولية ومصالح عسكرية، ما يجعل مصيرها مهما لأمن واستقرار غرب أفريقيا، ولا يعتبر الانقلاب مفاجأة بالكامل، بل هو نتيجة طبيعية لواقعها غير المستقر سياسيا وضعفها الاقتصادي والجريمة المنظمة التي ترعرعت هناك.

 

ولهذا تعتبر غينيا بيساو مهمة على أكثر من مستوى؛ أمني وجغرافي وبحري وتهريبي واستقرار إقليمي، وقد لا نستطيع تأكيد التدخل الخارجي، ولكن المؤكد هو أن الفراغ السياسي سوف يفتح الباب على مصراعيه لمزيد من التدخلات الخارجية الرسمية وغير الرسمية.

 

رغم صغر حجمها وقلة مواردها، اكتسبت غينيا بيساو أهمية تتجاوز وزنها الطبيعي، ومع هذا الانقلاب تبرز هذه الدولة كنموذج لتعقيدات غرب أفريقيا، ويستمر الصراع بين شعب يرغب في بناء مؤسسات مستقرة وبين واقع إقليمي دولي تتشابك فيه مصالح الجريمة المنظمة.

 

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

نبيل عبد الكريم

 

 

Template Design © Joomla Templates | GavickPro. All rights reserved.