Logo
طباعة
  •   الموافق  
  • كٌن أول من يعلق!

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

العراق بين مطرقة النفوذ الأمريكي وسندان التبعية الإقليمية

 

 

 

منذ عام 2003 وجد العراق نفسه في قلب مشروع دولي يُراد من خلاله إعادة تشكيله وفق مقاسات لا تشبه تاريخه. لقد أعادت أمريكا رسم خارطة السلطة، فصار العراق بلداً بلا سيادة، يتحرك قراره الاستراتيجي ضمن أطر صُنعت سلفاً في غرف السياسة الأمريكية، حتى أصبحت الملفات الخارجية والتحالفات ومفاصل القرار محكومة بسقف لا يمكن تجاوزه دون موافقة واشنطن.

 

وسط هذه المعادلة المعقدة وُلدت قوى سياسية وعسكرية كانت جزءاً من منظومة ما بعد الاحتلال، رُسمت داخل المسار الذي هندسته أمريكا نفسها. وكان "حزب الله" أحد مكونات هذا النظام، يتحرك داخل الإطار الذي رُسم للدولة وللنظام السياسي الجديد. لكن المفارقة أن الجهة التي أسست قواعد اللعبة تسعى اليوم إلى تحجيم أحد اللاعبين الذين سمحت بوجودهم، وكأنها تريد إعادة كتابة قواعد النظام وفق ميزان مصالحها المستجدّة.

 

فهي تُطلق العقوبات كما تشاء، وتفرض القرارات بمعزل عن النظام الدولي، وتتحرك في المشهد العراقي لا كدولة بين الدول، بل كقوة تعتبر نفسها فوق النظام الدولي، تُصاغ القرارات على مقاسها، وتمنح الشرعية لمن تشاء، وتنتزعها ممن تشاء. في مشهد أصبح أقرب إلى حكمٍ أحاديٍّ لا يعترف إلا بمصالحه. هذه الازدواجية جعلت من العراق ساحةً مفتوحةً للتجارب، ودولةً تُختبر فيها السياسات الدولية كأنه مختبر جيوسياسي، ليبقى شعبه يدفع الثمن الباهظ من استقراره وثرواته ومستقبله.

 

إن أخطر ما يواجه العراق اليوم ليس صراعات الأحزاب ولا اختلاف المكونات، بل استمرار عقلية التبعية التي تأسس عليها المشهد بعد عام 2003، والتي تتجدد كلما بقي القرار مرتهناً للضغوط الخارجية أو محاصراً بمعادلات مفروضة.

 

لذلك لا يمكن لبلد أن ينهض ما لم يخرج من عباءة التبعية التي جعلت قراره مرتهناً بالخارج. إن الشعوب وحدها تملك القدرة على تغيير هذا الواقع إذا ما أرادت التغيير؛ فهي وحدها من يدفع الثمن، وهي من تستطيع حمل مشروع التحرر الحقيقي والخروج من التبعية القذرة.

 

لقد آن لهذه الشعوب أن تخرج من عزلتها، وأن تفكر خارج الصندوق، لتقول: لا للتبعية، لا للقيود، لا للقرار المستورد. آن لها أن تستعيد دورها، وتفرض إرادتها، وتستعيد وعيها المغيَّب لتصنع سيادة من الداخل لا من الخارج.

 

لقد حولت أمريكا العراق إلى بلد منزوع السيادة، بلد أثقلته الأزمات، وجعلت منه ساحة نفوذ لا دولة تملك قرارها. وقد فرض الغرب قيوداً ثقيلة على رقاب الشعوب التي ابتُليت بالتبعية والحكام الخونة، ليضمن السيطرة ويجعل السيادة حلماً مؤجلاً.

 

لكن الشعوب الحية لا تستسلم لقرارات حكامٍ نصّبهم الغرب نواطير لحماية مصالحه. وقد آن الأوان أن تستعيد هذه الشعوب مجدها المسلوب: مجد الرشيد والمعتصم، مجد السيادة التي لا تُمنح بل تُنتزع. اليوم نحن بحاجة إلى أن نستعيد روح الرشيد، وعزّة المعتصم، وهيبة من صنعوا تاريخ الأمة؛ أن نستعيد مجدنا المسلوب، وأن نرفض قيود التبعية الغربية التي تسلّطت على رقاب الشعوب ظلماً وعدواناً.

 

فالمجد ليس شعاراً، بل عهد ينتظر من يجدده، والسيادة ليست قولاً بل فعل تصنعه الشعوب. وهذا الرائد الذي لا يكذب أهله، قد نذر نفسه للعمل من أجل استعادة هذا المجد المسلوب، فهلمّ نركب سفينة النجاة التي بها تستعيدون كرامتكم الضائعة، ولنَهتفْ مكبرين: نحن أبناء الرشيد، نحن أبناء المعتصم، ولن نكون تبعاً لأحد.

 

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

مؤنس حميد – ولاية العراق

 

 

 

وسائط

Template Design © Joomla Templates | GavickPro. All rights reserved.