Logo
طباعة
  •   الموافق  
  • كٌن أول من يعلق!

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

أزمة الديمقراطية الأمريكية تضع بايدن أمام تحديات كبيرة

 


بعد الهجمات العنيفة على مبنى الكابيتول هيل في واشنطن، نمت الدعوات إلى إقالة ترامب أو استقالته في جميع أنحاء أمريكا. ومنعت شركات التكنولوجيا مثل تويتر وفيسبوك، ترامب من نشر كتاباته، بينما دعت رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي إلى تجريد ترامب من شيفرات إطلاق الأسلحة النووية ومنعه من إعلان الحروب. وحاول ترامب تبرئة نفسه من الهجوم على مبنى الكونغرس من خلال إدانة المتظاهرين، ولكن رفض خصومه تصرفاته الغريبة باعتبارها محاولة لتجنب اتهامه بالقيام بانقلاب ناعم.


لم تؤد أحداث الأسبوع الماضي فقط إلى تآكل مكانة أمريكا في الخارج وإفساد أوراق اعتمادها الديمقراطية، ولكن أثارت أيضا في الداخل أسئلة عميقة حول الجمهوريين الذين يدعمون جهود ترامب المثيرة للشفقة للتمسك بالسلطة. وأثناء عملية التصديق على الانتخابات الرسمية في الكونغرس، اعترض 121 عضو كونغرس جمهورياً على فرز أصوات ولاية أريزونا، واعترض 138 على نتائج ولاية بنسلفانيا. وتعطلت عملية التصديق بسبب أعمال العنف التي قام بها المؤيدون لترامب، والتي خلّفت خمسة قتلى. وعززت الصور التلفزيونية التي تم بثها في جميع أنحاء العالم، صورة أمريكا على أنها إحدى جمهوريات الموز، حيث عرضت ترامب على أنه رجل مجنون يحاول التمسك بالسلطة.


مفاجأة أخرى كانت عن المعاملة الودية مع المتظاهرين من قوات الشرطة في واشنطن، فلو كان المتظاهرون من السود أو المسلمين من الذين يطالبون بحقوقهم المدنية، فلا شك في أن القوات الأمنية كانت ستقتلهم بالرصاص. ولكن بدلاً من ذلك، تم منح أنصار ترامب حرية المرور للتسبب في الهرج والمرج والفوضى في أروقة رمز القوة الأمريكية. لذلك يجب أن يشعر الحلفاء الذين يعتمدون على الأمن الأمريكي بقلق بالغ بشأن الدولة التي تنفق سنوياً 718.69 مليار دولار على الدفاع، ولكنها تفقد السيطرة على عاصمتها في غضون ساعات!


لقد ألقت أحداث الأسابيع القليلة الماضية الضوء أيضاً على التحديات الهائلة التي تواجهها إدارة بايدن في التغلب على مجتمع شديد الانقسام وتحدي التواصل مع الحلفاء منهم. لقد صوّت 74 مليون شخص لصالح ترامب، وهو ثاني أعلى عدد من الأصوات في تاريخ الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وحصل بايدن على 81 مليوناً. ويحافظ ترامب على نسبة تأييد تبلغ 87٪ من بين الناخبين الجمهوريين و6٪ من بين الديمقراطيين. وبالإضافة إلى ذلك، يعتقد 85٪ من الجمهوريين أن الانتخابات مسروقة وأن بايدن غير شرعي. وهذه هي المرة الأولى في تاريخ أمريكا التي يعارض فيها حوالي 50٪ من الناخبين رئيسهم الجديد.


لقد أصبح الحزب الجمهوري الآن رسمياً حزب ترامب، وسوف يلقي هو ومؤيدوه بظلالهم على السياسة الأمريكية في المستقبل المنظور، وهذا يعني أيضاً أنه سيتعين على السياسيين الجمهوريين أن يتبنوا بشكل متزايد خطاب وسياسات ترامب للحصول على ترشيح الحزب لهم، للحصول على الدعم المالي المطلوب للنجاح. وهذا هو السبب الذي جعل الكثير من الجمهوريين يتماشون مع ترامب للطعن في نتيجة الانتخابات وهم يعلمون جيداً أنه من الوهم قلب نتيجة الانتخابات، وهذا ما سيُترجم إلى تشكيل مجتمع أكثر انقساماً في أمريكا.


وعلى الرغم من امتلاكه لأغلبية في الكونغرس وأغلبية فنية في مجلس الشيوخ (وهو منقسم حالياً بنسبة 50:50 وتصويت نائب الرئيس يمنح الديمقراطيين أغلبية ضئيلة)، سيجد بايدن صعوبة في تمرير أجندته الرئيسية للإصلاح المحلي. وتتطلب معظم التشريعات في الكونغرس فعلياً 60 صوتاً في مجلس الشيوخ. وعلاوة على ذلك، يجب أن تطأ مشاريع قوانين المصالحة مجموعة من المتطلبات المعقدة المعروفة باسم "قاعدة بيرد". وهذا يعني أن بايدن سيجد صعوبة في تنفيذ إصلاحات هيكلية فيما يتعلق بتعهداته الانتخابية الرئيسية بشأن الصحة والتعليم والوعود الأخرى. والأسوأ من ذلك، أن أي تحرك ضد الجمهوريين المحبوبين يمكن أن يؤدي إلى طعون أمام المحكمة العليا، حيث يفوق عدد القضاة المحافظين 6 إلى 3، أو من المحتمل جداً أن يواجه بايدن احتجاجات شوارع عنيفة ضخمة، حيث فتح ترامب البوابات أمامها، وبالتالي شل أي تحرك نحو الإصلاحات الهيكلية.


وعلى الجبهة الدولية، قد يتردد الحلفاء والجهات الفاعلة الدولية الأخرى في الدخول في أي اتفاقيات جديدة. فقد تؤدي احتمالات قدوم أمثال ترامب بعد أربع سنوات من الآن إلى قلب أي شيء يلتزم به بايدن. وهذا بالضبط ما فعله ترامب في إنجازات أوباما الدولية. حيث جعل انسحاب ترامب من خطة العمل الشاملة المشتركة للحد من طموحات إيران النووية، وإلغاء اتفاقيات باريس بشأن تغير المناخ، جعل العديد من الحلفاء يتساءلون عن مدى استمرار الضمانات الأمريكية بشأن الاتفاقات متعددة الأطراف. وإذا واجه بايدن مشاكل داخلية، وتحولت المشاعر تجاه الحزب الجمهوري، فسيكون الحلفاء أقل ميلاً لعقد صفقات طويلة الأمد مع رئيس ديمقراطي لولاية واحدة.


ومن الغريب أن الوضع الحالي في أمريكا قد دعا إلى كتابة عدد كبير من المقالات حول التراجع الأمريكي. وفي الماضي، ربط الكتاب زوال أمريكا بأحداث تاريخية مهمة مثل نجاح سبوتنيك 1 الروسي، وأزمة النفط في السبعينات، وصعود اليابان والاتحاد الأوروبي، والحروب في أفغانستان والعراق، والركود الكبير في عام 2008. ويضاف إلى نوبات التراجع هذه موجة أخرى ناجمة عن أزمة الفيروس التاجي وانقلاب ترامب الناعم. وسواء أكان انهيار أمريكا وشيكاً أم لا، فإن هناك شيئا واحداً مؤكداً وهو أن أمريكا لم تعد القوة العظمى كما كانت في السابق. ويشهد العالم زوالاً متسارعاً للسياسة الأمريكية والديمقراطية.


قال تعالى: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ﴾.

 

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
عبد المجيد بهاتي

 

وسائط

Template Design © Joomla Templates | GavickPro. All rights reserved.