الجمعة، 17 شوال 1445هـ| 2024/04/26م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 (سلسلة أجوبة العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة أمير حزب التحرير على أسئلة رواد صفحته على الفيسبوك "فكري")

جواب سؤال

الأثر المادي للدعاء

إلى ابو عبدالله خلف

 

 

 


السؤال:


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته شيخي العزيز، بعد التحية، أود أن تساعدني في أن أجد ضالتي في مسألة الدعاء... فقد ورد في القران الكريم أن الله مجيب الداعي إذا دعاه. وقد بينت لنا السنة أن استجابة الدعاء قد تكون عاجلا أو آجلا أو بما هو أفضل منه في الدنيا أو في الآخرة. والحزب يبين في كتاب مفاهيم حزب التحرير أن الدعاء يحقق قيمة روحية ولكن أثره ونتائجه غير محسوسة أي الثواب. وسؤالي هو كيف يمكن أن تحصر آثار الدعاء في الثواب فقط مع أن الله قد يستجيب الدعاء في الدنيا؟ وبوركت

 

 

الجواب:

 


(وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

 


يبدو أنك تشير إلى ما ورد في المفاهيم في صفحتي 57، 58، وأن الموضوع قد التبس عليك، والمسألة كما يلي:

 


إن الذي ورد عن الدعاء فيهما وأنه يحقق نتائج غير محسوسة "الثواب" كان في سياق حالة معينة وهي أن تكون النصوص الشرعية قد بيّنت طريقة لتنفيذ مسألة ما، فلا نستعملها بل نكتفي بالدعاء وحده، وضرب الكتاب مثلاً بالجهاد والدعاء تجاه فتح حصن أو قتال عدو...

 


وأما في غير هذه الحالة فالدعاء قد ينتج عنه نتائج محسوسة بإذن الله، بالإضافة إلى الثواب كما جاء في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الوارد في السؤال.

 


وحتى يكون الأمر واضحاً، فسأستعرض ما ورد في صفحتي 57، 58، من المفاهيم:

 


1- جاء في أوائل صفحة 57: (والمدقق في هذه الأعمال التي دلت عليها الأحكام الشرعية المتعلقة بالطريقة يجد أنّها أعمال مادية تحقق نتائج محسوسة وليست هي أعمالاً تحقق نتائج غير محسوسة...) انتهى.

 


وهذا صحيح، فباستقراء الأدلة تبيّن أن أعمال الطريقة تحقق نتائج محسوسة.

 


2- ثم قارن الكتاب بعد النص السابق بين الدعاء والجهاد في حالة فتح حصن أو مدينة أو قتل العدو، فرأى أن الدعاء وحده ليس من الطريقة، وأن الجهاد هو الطريقة في هذه الحالة، وذلك وفق الأدلة الواردة...

 


جاء في المفاهيم: (...فمثلاً الدعاء عمل يحقق قيمة روحية، والجهاد عمل مادي يحقق قيمة روحية، لكن الدعاء وإن كان عملاً مادياً فإنه يحقق نتيجة غير محسوسة وهي الثواب، وإن كان قصد القائم بالدعاء تحقيق قيمة روحية، بخلاف الجهاد فإنه قتال الأعداء وهو عمل مادي يحقق نتيجة محسوسة وهي فتح الحصن أو المدينة أو قتل العدو وما شاكل ذلك، وإن كان قصد المجاهد هو تحقيق القيمة الروحية...)


فالمقارنة هنا هي بين الدعاء والجهاد عند قتال الأعداء أو فتح حصن...:

 


فإذا عُمل بالدعاء وحده فهو يحقق نتيجة غير محسوسة وهي الثواب، وذلك لأن الطريقة التي وردت في هذه الحالة هي الجهاد وليست الدعاء، فالموضوع هو مقارنة بين الدعاء إذا استعمل وحده في مسألة دون استعمال الطريقة التي بُيِّنت لهذه المسألة.

 


ولا يجوز تعميم هذه الحالة بجعل الدعاء في حالات أخرى لا أثر له في النتائج المحسوسة وإنما يحقق فقط الثواب! لأن الوارد في الفقرة السابقة يتعلق بمسألة لها طريقة عملية في الشرع لم تُؤخذ، وإنما أُخِذ بدلها الدعاء وحده، فكان للدعاء نتيجة غير محسوسة وهي الثواب.

 


ويبدو أن الالتباس جاء من جملة وردت في المثال الذي ضرب، فقد ورد "لكن الدعاء وإن كان عملاً مادياً فإنه يحقق نتيجة غير محسوسة وهي الثواب..."، فصارت الجملة كأنها مظنة العموم، أي أن الدعاء في جميع حالاته لا يحقق إلا نتائج غير محسوسة "الثواب"، في حين أن سياق المثل هو في حالة معينة، وهي استعمال الدعاء وحده في فتح حصن أو هزيمة عدو دون الأخذ بالطريقة التي وردت بها النصوص "الجهاد".

 


3- أما الدعاء مع الأخذ بالأسباب، فله أثر في النتائج، وهو ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، وما كان عليه صحابته رضوان الله عليهم، فالرسول صلى الله عليه وسلم يُعدّ الجيش ويدخل العريش يدعو، والمسلمون في القادسية يعدون العدة لاقتحام النهر وسعد رضي الله عنه يُقبل على الله يدعو... وهكذا المؤمنون الصادقون يعدون العدة ويشرعون في الدعاء، فالساعي لطلب الرزق يجدُّ ويكدُّ وهو يدعو، والطالب يدرس ويجتهد وهو يدعو الله سبحانه بالنجاح، ويكون لذلك أثر في النتائج بإذن الله.

 


جاء في المفاهيم في آخر صفحة 58: (إلاّ أنه يجب أن يعلم أنه وإن كان العمل الذي دلت عليه الطريقة عملاً مادياً له نتائج محسوسة، لكن لا بد أن يسيّر هذا العمل بأوامر الله ونواهيه، وأن يقصد من تسييره بأوامر الله ونواهيه رضوان الله. كما أنه لا بد أن يسيطر على المسلم إدراكه لصلته بالله تعالى فيتقرب إليه بالصلاة والدعاء وتلاوة القرآن ونحوها، ويجب أن يعتقد المسلم أن النصر من عند الله. ولذلك كان لا بد من التقوى المتركزة في الصدور لتنفيذ أحكام الله، وكان لا بد من الدعاء ولا بد من ذكر الله، ولا بد من دوام الصلة بالله عند القيام بجميع الأعمال.). وواضح منه أهمية أن يقترن الدعاء بالأخذ بالأسباب في جميع أعمال المؤمن، وزاد هذه الأهمية تكرار كلمة "لا بد" للدلالة على بالغ الأهمية بأن تقترن جميع الأعمال بالدعاء ودوام الصلة بالله...

 


4- إن استعمال الدعاء مع الأخذ بالأسباب هو، كما قلنا، الذي كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه رضي الله عنهم والمؤمنون، وهما إذا اقترنا كان لهما أثر في النتائج بإذن الله، واستعمالهما معاً لا يخالف طريقة الإسلام، بل ما يخالفها هو الاقتصار على الدعاء وحده دون الطريقة التي بينتها النصوص لتنفيذ الفكرة الإسلامية.

 


جاء في المفاهيم في آخر صفحة 57 وأول صفحة 58: (ولذلك ينكر كل الإنكار أن تكون جميع الأعمال التي يراد بها تنفيذ فكرة الإسلام أعمالاً تحقق نتيجة غير محسوسة ويعتبر ذلك مخالفاً لطريقة الإسلام...).

 


أي أن المخالف لطريقة الإسلام هو "أن تكون جميع الأعمال التي يراد بها تنفيذ فكرة الإسلام أعمالاً تحقق نتائج غير محسوسة"، أما أن يكون بعضها يحقق نتائج غير محسوسة "الدعاء في حالات معينة" مع أعمال تحقق نتائج محسوسة "الإعداد المادي"، فهذا أمر وارد ومهم، وهو غير مخالف لطريقة الإسلام.

 


5- وهكذا فإنّ ما جاء في المفاهيم عن الدعاء هو في حالتين:

 


الأولى: أن يرد وحده في تنفيذ فكرةٍ ليس هو من طريقة تنفيذها، وإنما نصت النصوص على طريقة أخرى لتنفيذها، كالدعاء وحده في حالات قتال العدو، بأن نقف أمام حصن لنفتحه دون إعداد جيش للقتال، بل بالدعاء وحده، ففي هذه الحالة لا يحقق الدعاء سوى نتائج غير محسوسة "الثواب".

 


الثانية: اقتران الدعاء بالأسباب، وهذا أمر لا بد منه، وفي هذه الحالة يشتركان "هو والأخذ بالأسباب" بالتأثير في النتائج بإذن الله.

 


ولم يرد في "المفاهيم" عن الدعاء شيءٌ في حالات أخرى، بل تلك يشملها الحديث العام الذي أخرجه أحمد في مسنده: عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ، وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ، إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ: إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا» قَالُوا: إِذًا نُكْثِرُ، قَالَ: «اللَّهُ أَكْثَرُ»، أي يستجيب الله سبحانه للداعي بإحدى ثلاث، ومن بينها «إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ». وهي نتيجة محسوسة.


6- وعليه فإن هناك نتائج محسوسة ممكنة للدعاء في غير الحالة التي ذكرت في المفاهيم، حيث ذكر الحديث إحدى الثلاث «أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ» وهذه نتيجة محسوسة... وقد منَّ الله على عباده في آياته بأنه سبحانه يجيب دعوة المضطر إذا دعاه، وجعل هذه الإجابة في موقع البرهان على أن لا إله إلا الله، وواضح من كل ذلك أن إجابة المضطر هنا هي في الدنيا، فكلمة مضطر هي وصف مفهم بطلب حاجة في الدنيا، فالإجابة تكون محسوسة بإذن الله، يقول سبحانه: ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ﴾.

 


وقد أمرنا الله سبحانه بالدعاء ووعدنا بالإجابة ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾، وقد فسّر رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الاستجابة بأنها «إِحْدَى ثَلَاثٍ» ومن بينها النتيجة المحسوسة، وبطبيعة الحال فإن تحقيق النتائج، سواء أكانت محسوسة أم غير محسوسة، فكل ذلك بإذن الله سبحانه.


والخلاصة:


* ما ورد في المفاهيم هو:

 


أ- الطريقة أعمال تحقق نتائج محسوسة.

 


ب- مقارنة بين الدعاء وحده والجهاد في موضوع فتح حصن أو قتال عدو... فالدعاء لا يؤدي هنا نتيجة محسوسة، بل فقط الثواب، فهو وحده ليس من طريقة فتح الحصن أو قتال العدو...

 


ج- لا يصح أن تكون جميع الأعمال التي يراد بها تنفيذ فكرة الإسلام أعمالاً تؤدي نتائج غير محسوسة، بل يمكن أن تكون مزيجاً من أعمال تحقق نتائح محسوسة مع أعمال تحقق نتائج غير محسوسة كإعداد الجيش للقتال مع الدعاء لله سبحانه بالنصر.

 


د- الدعاء أمر ضروري للمسلم خلال قيامه بأعمال الطريقة... كما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم.

 


* هذا هو ما جاء في المفاهيم عن حالة الدعاء التي لا تتعدى الثواب، أي في حالة استعمال الدعاء وحده لمسألة ما كفتح حصن...، وعدم الأخذ بالطريقة التي بينتها النصوص الشرعية لتلك المسألة وهي هنا الجهاد.

 


وأما حالات الدعاء الأخرى فهي واقعة تحت الحديث العام للرسول صلى الله عليه وسلم «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ، وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ، إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ: إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا» قَالُوا: إِذًا نُكْثِرُ، قَالَ: «اللَّهُ أَكْثَرُ» أخرجه أحمد في مسنده.

 


ومنه يتبيّن أن الله سبحانه قد يحقق حاجة الداعي في الدنيا، وهي محسوسة، أو يصرف عن الداعي من السوء مثلها في الدنيا، وهي محسوسة، أو يدخرها له يوم القيامة وهو الثواب الذي هو نتيجة غير محسوسة.

 


والله سبحانه ذو الفضل العظيم، فهو الرحمن الرحيم يكرم عبده بثواب الدعاء حتى وإن أجاب دعوته في الدنيا، فالحمد لله رب العالمين.

 

 

 

 

أخوكم عطاء بن خليل أبو الرشتة



رابط الجواب من صفحة الأمير على الفيسبوك

 

رابط الجواب من موقع الأمير


رابط الجواب من صفحة الأمير على الغوغل بلس

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع