الجمعة، 19 رمضان 1445هـ| 2024/03/29م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
يد طُولى للأنظمة الحاكمة في بلاد المسلمين في إفساد الأسرة وعلمنتها!

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

يد طُولى للأنظمة الحاكمة في بلاد المسلمين في إفساد الأسرة وعلمنتها!


عندما نتحدث عن الأسرة فإننا نتحدث عن النواة التي يتكون منها المجتمع، وبالتالي فإن أي فساد أو خلل يصيب هذه النواة، سينعكس على المجتمع والدولة ككل، فما بالك إذا كان الحديث عن عملية إفساد ممنهجة لهذه النواة، وما بالك إذا كان هذا الإفساد يتم تحت سمع الدولة وبصرها، بل إن لها اليد الطولى في ذلك، وهو أمر ملموس في بلاد المسلمين، فالأنظمة الحاكمة لم تألُ جهداً في علمنة وإفساد الأسرة والمجتمع المسلم إرضاءً لأسيادها من الأمريكان والأوروبيين، فبذلت في سبيل تحقيق ذلك الأموال الطائلة، وعملت على تنفيذه من خلال وسائل وأساليب عدة نذكر منها:


1- سن واستيراد قوانين وتشريعات تخالف أحكام الإسلام في مجال ما يسمى بـ"الأحوال الشخصية": فبعد هدم الخلافة وغياب الإسلام كنظام للحكم، غابت معه كثير من الأحكام من واقع الحياة، ولم يبقَ للمسلمين من تشريعات دينهم مطبقاً إلا النواحي المتعلقة بالعبادات وقوانين "الأحوال الشخصية"، ولكن أعداء الإسلام لم يسمحوا حتى بهذه البقية، فحاولوا أن ينتزعوها من حياة المسلمين، فأوعزوا إلى عملائهم في بلاد المسلمين سن منظومة من القوانين والتشريعات تخالف الإسلام ونظامه الاجتماعي، وتتبنى وجهة النظر الغربية؛ ففي تونس مثلاً سن بورقيبة مجلة الأحوال الشخصية عام 1956، وتنكب فيها عن أحكام الشرع وادعى زورا حينها أنها لا تخالف الشريعة الإسلامية وأنها منبثقة من روحها وأحكامها، مع أنها تستند في معظم قوانينها للقوانين الفرنسية، وفيها مجموعة من القوانين المخالفة لأحكام شرعية قطعية والأمثلة على ذلك كثيرة منها: إهمال اختلاف الدين كمانع من موانع الزواج مراعاة للقانون العالمي المتعلق بحقوق الإنسان الذي نص على أنّ "الرجل والمرأة، متى أدركا سن البلوغ، لهما حق الزواج وتأسيس أسرة، دون أي قيد بسبب العرق أو الجنسية أو الدين"، ومنها مثلاً تحريم تعدد الزوجات وترتيب عقوبة على الزوج المعدِّد حسب الفصل 18، ومنها كذلك مخالفة حكم الإسلام في التبني...


ومن ثم جاء أحفاده من بعده وأكملوا مسيرة الإفساد في الناحية الاجتماعية، وتجرؤوا على أحكام الله، فسنوا قوانين تخالف أحكام الإسلام الصريحة حيث سنت قوانين جديدة في عهد السبسي تسمح بزواج المسلمة من غير المسلم، ومؤخراً أعلنت رئيسة لجنة الحريات الفردية والمساواة لدى رئاسة الجمهورية التونسية، بشرى بلحاج حميدة أن اللجنة بدأت في عرض مقترح قانون يتضمن جعل رئاسة العائلة مشتركة بين الأب والأم، وإلغاء المهر في الزواج، حيث رأت فيه إهانة للمرأة، كما تثار الآن مسألة المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث.


وفي مصر والسعودية يُسعى لتحديد سن معينة للزواج، وفي السعودية أيضاً أجريت تعديلات على نظام "ولاية الرجل" على المرأة، والأمثلة في هذا الإطار كثيرة ولكن لا يتسع المجال لذكرها...


2- الأنشطة والفعاليات الترفيهية (صناعة الترفيه): لقد أصبحت برامج الترفيه من أكثر الأساليب شيوعاً في إدخال العلمنة والفساد إلى الأسر المسلمة، ويأتي ذلك بحجة التخفيف من ضغوطات الحياة، ودعم وتنمية المواهب، إضافة إلى الحديث عن تحقيق عائد اقتصادي وربح مادي يعود على الشعب من هذه البرامج، حيث أصبحت تقام في بلاد المسلمين برامج وأنشطة إفسادية تتصادم مع القيم الإسلامية، ويروج فيها للقيم الغربية، ويسعى من خلالها إلى نشر الرذيلة والفاحشة بين أبناء المسلمين، يحدث فيها اختلاط بين الجنسين، وكشف للعورات وغيرها من المنكرات، تحت ستار الحداثة والانفتاح...


فالسعودية مثلاً والتي تشهد حملة تغريب وعلمنة ممنهجة بتنفيذ مباشر من الدولة إرضاء لأمريكا، قد أعلنت عن خطة في مجال التحول الاقتصادي السعودي، جاء من بين مرتكزاتها قطاع "الثقافة والترفيه" والاستثمار في القطاع السياحي، فوفقا للأرقام المعلنة تستهدف "الرؤية الوطنية" مضاعفة إنفاق الأسر على الثقافة والترفيه داخل المملكة من 2,9% إلى 6%. وفي هذا الإطار استُحدثت "هيئة الترفيه" تماشياً مع "رؤية 2030" التي قدمها محمد بن سلمان، لتضفي الصفة الشرعية والقانونية على كل عمل انحلالي إفسادي في السعودية، فبات الحرام حلالاً عند مشايخ آل سعود، بعد سنوات من الكبت والحرمان خاصة فيما يتعلق بالمرأة، وبات المنكر معروفاً تشرف عليه هيئة الترفيه تحت شعار الانفتاح، فتقوم بتنظيم العروض، والمهرجانات، والحفلات الفنية والموسيقية، وتشرف على إنشاء دور السينما، وافتتاح دار للأوبرا وتنظيم عروض الأزياء النسائية، والسماح بحضور النساء مباريات كرة القدم، وتقيم حفلات غنائية مختلطة...


كما وتنظم في بلاد المسلمين العديد من الفعاليات والبرامج الإفسادية بدعم وموافقة الدولة، وإن لم تنظم بشكل مباشر منها كبرامج المواهب (الرقص والغناء والتمثيل) التي تبثها وسائل الإعلام، وكالنشاطات التي تنظم من الهيئات والمؤسسات غير الحكومية...


3- نظام التعليم ومناهج التدريس: لقد طال مفهوم الأسرة والعلاقة بين أفرادها، ما طال باقي المفاهيم والأفكار من فساد ومحاولة لعلمنتها، في ظل سياسة تعليمية لا تقوم على أساس الإسلام وتسعى لهدم الثقافة الإسلامية في نفوس أبناء المسلمين، ويظهر ذلك بوضوح في التغييرات المستمرة التي تجريها الأنظمة الحاكمة على المناهج التعليمية استجابة لأوامر أسيادها، حيث نرى أن هذه التعديلات تجعل من أبرز محاورها التركيز على مفهومي حقوق المرأة ومساواتها بالرجل، وهو عنوان عريض حمل في طياته حديثاً عن مواضيع فرعية كتحقيق المرأة لذاتها وإثبات نفسها في المجتمع والتخلص من هيمنة الرجل، ونتيجة لذلك أصبح التعليم والحصول على وظيفة أولوية مقدمة على الزواج وتكوين أسرة لدى الكثير من الفتيات، كما حورب الزواج المبكر في هذه التعديلات ضمن هذا الإطار، ومن المواضيع التي تم التطرق إليها أيضاً الصحة الإنجابية للمرأة وضرورة تنظيم النسل وتقليل حجم الأسرة وعدد أفرادها، فنجدهم في هذا الإطار يقسمون الأسر إلى نووية (صغيرة الحجم) وممتدة (كبيرة الحجم)، ويمدحون النووية ويذمون الممتدة، ويجعلون الأسر ذات العدد الكبير هي أسراً "تقليدية" بينما التي عدد أفرادها قليل فهي "عصرية"، ويظهر ذلك في الصور التي يضعونها للأسرة خاصة في الصفوف الابتدائية فيقارنون بين صورتين إحداها قديمة (وهي صورة الأسرة الممتدة) وأخرى حديثة (وهي صورة الأسرة الصغيرة)، ومما يزيد الطين بلة أنهم استبدلوا بصور الأمهات والجدات المحجبات في الصور التي يضعونها للأسرة صورًا أخرى يظهرن فيها غير محجبات ويرتدين ملابس على الطريقة الغربية ويضعن مساحيق التجميل، كما حصل في التغييرات الأخيرة التي أجريت على المناهج المدرسية عام 2016 في الأردن وفلسطين، كما استبدلت أيضاً صور لرجال قد حلقت لحاهم بصور الرجال الملتحين، وبذلك يرتبط في أذهان هؤلاء الأطفال أن الأسرة المثالية هي الأسرة صغيرة الحجم، وأن رؤية المخالفات الشرعية وكشف العورات في أسرهم أمر عادي، بل هو من التحضر! وفي سياق الحديث عن الأبناء يتم التركيز على حقوق الطفل وحريته في اختيار تصرفاته، وأنه حتى لو أراد الوالدان منع أبنائهم من فعل أمر ما، أو أنهم إذا تعرضوا للعنف من قبلهم فيمكنهم اللجوء للشرطة أو المؤسسات الحقوقية، وفي ذلك دعوة للأبناء لعقوق آبائهم، ومحاربة لمفهوم القوامة والرعاية من ناحية شرعية.


4- دعم وتسهيل عمل المنظمات الحقوقية والنسوية المحلية والدولية التي تسعى لإفساد الأسرة المسلمة والتي تقوم بنشاطاتها تحت ستار حقوق المرأة وحقوق الطفل، فتتغلغل في المدارس والجامعات، وتبث أفكارها المسمومة بين طلابها، وتنظم نشاطات وفعاليات هدامة ومفسدة للأسرة والمجتمع، وتدخل إلى البيوت، فتروج لبرامج تنظيم النسل بغية تحديده تحت شعار صحة المرأة وسلامتها، وتحارب تعدد الزوجات والزواج المبكر، وتحارب مفهوم القوامة تحت شعار حقوق المرأة وتحقيقها لذاتها واستقلالية شخصيتها، ومنع سيطرة وتحكم الرجل بها.


5- المصادقة والانضمام إلى الاتفاقيات الدولية التي تستهدف النظام الاجتماعي في الإسلام ومن ضمنه موضوع الزواج والأسرة، كاتفاقية سيداو والتي تدعو في بنودها إلى حرية إقامة العلاقات المحرمة بين الشباب والفتيات تحت ذريعة الحرية الشخصية، كما تطالب بالمساواة المطلقة بين الجنسين، وبإلغاء الزواج بحسب أحكام الشريعة الإسلامية واعتماد الزواج المدني، وتدعو إلى إلغاء ولاية الأب على أبنائه، ولا سيما الإناث، وغيرها من الأمور التي تخالف أحكام الإسلام.


كانت هذه بعض الأساليب والوسائل التي تستخدمها الأنظمة الحاكمة في بلاد المسلمين في إفساد الأسرة المسلمة، في محاولة لعلمنتها، وبالتالي علمنة البلاد الإسلامية ككل، وهو أمر يقتضي وقفة جدية من قبل كل مخلص غيور على دينه وأمته، لإفساد هذه المخططات والمشاريع الإفسادية، ويقتضي منهم العمل الجاد المخلص لإيجاد دولة تحكمنا بكتاب ربنا، وترعى شؤوننا، وتصون مجتمعاتنا وأسرنا، وهذه الدولة هي دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة التي وعدنا بها ربنا سبحانه، وبشرنا بها رسولنا e.

 

كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
براءة مناصرة

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع