الجمعة، 10 شوال 1445هـ| 2024/04/19م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

هل توقع مصر على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع اليونان؟!

 

بعد أن وقع وزير الخارجية اليوناني ونظيره الإيطالي لويجي دي مايو، الثلاثاء 16 حزيران/يونيو، على اتفاق حول الحدود البحرية لتعيين حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة بين البلدين، إذا به يصل القاهرة الخميس 18 حزيران/يونيو ليلتقي بنظيره المصري سامح شكري لبحث قضايا إقليمية، في مقدمتها ترسيم الحدود البحرية. وفي حال رسمت اليونان حدودها مع مصر تكون بذلك قد قطعت الطريق على تركيا في أن يكون لها موضع قدم في شرق المتوسط، إذ تعني الاتفاقية اعتراف الطرفين ضمنياً بحقوق الجزر اليونانية في حدودها البحرية، وهذا ما تحرص عليه اليونان وقبرص وحتى كيان يهود، وهو ولا شك يصب في صالحهم جميعا، بينما المتضرر ليس تركيا فحسب بل ومعها مصر أيضا.

 

فمثل هذا الاتفاق سيؤدي إلى محاصرة الاتفاق التركي الليبي، لأنه سيكون متمما لاتفاق اليونان وإيطاليا الأخير، بالإضافة إلى اتفاق مصر وقبرص 2003، ولبنان وقبرص 2007، وكيان يهود وقبرص 2010، وبهذا تكون عملية التوافق حول ترسيم الحدود البحرية كبيرة بين غالبية دول حوض شرق المتوسط، مما يجعل الاتفاق التركي الليبي يغرد منفردا خارج السرب. والهدف الكبير الذي تحرص عليه اليونان وقبرص ومعهم كيان يهود وأوروبا كلها هو إنشاء خط غاز East Med في المياه العميقة للبحر المتوسط؛ والذي سينقل الغاز من كيان يهود وقبرص إلى اليونان ومنه إلى أوروبا ليصبح أحد أهم البدائل التي تسعى إليها أوروبا في محاولة لتقليل اعتمادها على الغاز الروسي الذي يسيطر على أكثر من ثلث واردات الغاز لأوروبا.

 

وكان الاتفاق التركي الليبي لترسيم الحدود بينهما في تشرين الثاني/نوفمبر 2019، يهدف بالأساس لقطع الطريق على خط East Med، فهو لا يهدد روسيا فحسب، بل يهدد تركيا أيضا إذ يتجاوزها إلى أوروبا مباشرة، وتريد تركيا أن يتم نقل الغاز من خلالها أو على الأقل تتمكن من أخذ رسوم على هذا الخط إذ إنه ومن خلال الاتفاقية مع ليبيا سيمر هذا الخط في جزء من المياه الاقتصادية التركية.

 

إشكالية الموافقة المصرية على ترسيم الحدود البحرية مع اليونان إذا تمت، فإنها ستكون مجرد مناكفة مصرية للنظام التركي، قد يبررها النظام المصري بأنها تتم في إطار معاهدة الأمم المتحدة لقانون البحار 1982م، وأن مصر لا يهمها إن وقع ضرر على تركيا أو لم يقع، فمصلحة مصر هي الأهم، ولكن الواقع يكذب هذا الادعاء. فإنه فضلا عن أن مصر سوف تخسر من خلال هذا الترسيم مع اليونان مساحات ليست بالقليلة من المناطق الاقتصادية الخالصة، فضلا عن ذلك سوف تخسر مصر أيضا مكانتها كمنصة إقليمية مهمة لنقل الغاز إلى أوروبا بسبب التأثير السلبي للخط على تموضع مصر كمنصة لتصدير الغاز الطبيعي إلى أوروبا، باعتبار الخط الجديد سيكون مصدراً لنقل الغاز الطبيعي مباشرة إلى الأسواق الأوروبية بسرعة أكبر وبتكلفة أقل من تكلفة الغاز القادم من مصر الذي يحتاج إلى إسالته قبل شحنه من خلال الناقلات إلى الأسواق الأوروبية ثم إعادته للحالة الغازية مرة أخرى.

 

برغم رفض النظام المصري اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين تركيا وليبيا، إلا أنها قد وضعت خريطة جديدة لشرق المتوسط تتحقق فيها مصالح مباشرة لمصر. وكما أسلفنا ليس من مصلحة مصر بأي حال من الأحوال إنشاء وإنجاز خط East Med، وبالتالي فإن الاتفاقية التركية الليبية تقطع الطريق على الخط وتعيق إنشاء هذا المشروع الذي يضر بشكل مباشر بالمصلحة المصرية، فهي تمكنها من تحقيق حلمها بأن تصبح مصر المنصة الرئيسية في شرق المتوسط لنقل وتصدير الغاز المسال إلى أوروبا. كما مثلت الاتفاقية التركية الليبية مصلحة لمصر في عدم خسارتها مساحات كبيرة من المناطق الاقتصادية الخاصة. والخلاصة أن الاتفاق التركي الليبي يتطابق مع المصالح المصرية بغض النظر عن الموقف السياسي المعلن من مصر تجاه الاتفاقية.

 

وأخيرا هل يكرر النظام ما قام به من قبل مع قبرص ويقوم بترسيم الحدود مع اليونان استنادا إلى قانون البحار دون النظر في أبعاد هذا الاتفاق السياسية والتاريخية والضرر الذي يمكن أن يلحق بمصر؟ فليس مطلوبا من مصر أثناء الخلاف التركي اليوناني أن تتنازل عن مساحات كبيرة من المناطق الاقتصادية الخالصة لصالح اليونان لمجرد تنفيذ قانون هو مسار خلاف في مناطق معقدة كثيرة في العالم، فقد رفضته الكثير من الدول. فقد أسفر الترسيم مع قبرص من قبلُ عن تنازل مصر عن مساحة كبيرة من مياهها الاقتصادية، حيث إن حقل ليفياثان في كيان يهود وإفروديت القبرصي يقعان ضمن المياه الاقتصادية المصرية الخالصة. كما أسفر ذلك التنازل عن منح اليونان منطقة اقتصادية خالصة لجزيرة كاستلوريزو (المتنازع عليها مع تركيا)، فتحقق بذلك تلامس حدود اليونان مع قبرص، وأدى هذا الإجراء لتلاصق الحدود البحرية لكل من كيان يهود وقبرص واليونان، بما يسمح بتمرير أنبوب للغاز من كيان يهود وقبرص لأوروبا دون أن تدفع قبرص أو كيان يهود أي رسوم لمصر.

 

إذا حصل هذا سيكون تكراراً للتفريط في مقدرات مصر الاقتصادية التي دأب عليها النظام، والذي يجب أن يقابل من المخلصين من أبناء الكنانة بوقفة حازمة تحاسب المفرطين فتأخذ على أيديهم وتأطرهم على الحق أطرا، قال ﷺ: «كَلاَّ وَاللَّهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنْ الْمُنْكَرِ وَلَتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدَيْ الظَّالِمِ وَلَتَأْطُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْراً وَلَتَقْصُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ قَصْراً، أَوْ لَيَضْرِبَنَّ اللَّهُ بِقُلُوبِ بَعْضِكُمْ عَلَى بَعْضٍ ثُمَّ لَيَلْعَنَنَّكُمْ كَمَا لَعَنَهُمْ» (رواه أَبُو داود والترمذي وَقالَ: حديثٌ حسنٌ. هَذَا لفظ أَبي داود).

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

حامد عبد العزيز

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع