الخميس، 18 رمضان 1445هـ| 2024/03/28م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

هل من معتبر؟!

 

 

إننا عندما نتابع ما جرى في الأقطار التي نجحت في إسقاط الطغاة ثم نحاكم ما انتهى إليه الأمر في كلٍّ من هذه الأقطار، فإننا نستطيع القول إن الأمة قد أدركت أن إسقاط هؤلاء الطواغيت دون إسقاط الأنظمة التي من خلالها كانوا يحكمون، يجعل حركة الثورات تلك تراوح مكانها. فما العبرة من إسقاط هؤلاء الخونة العملاء دون إسقاط أنظمتهم التي كانت وما زالت ركيزة الكافر المستعمر، وأس البلاء ومكمن الداء الذي تعاني منه الأمة منذ هدم دولتها ونظامها الحقيقي المتمثل في دولة الخلافة؟!

 

ولعل ما تعاني منه الأمة بعد فشل حراكها الثوري، ربما يكون أشد وأنكى من معاناتها قبل ذلك الحراك، فالذين ركبوا الحكم بعد حرف الثورات أو إجهاضها تجبروا أكثر ممن كانوا قبلهم وازداد بطشهم وكأنهم أرادوا أن يكبلوا الأمة بسرابيل الخوف مرة ثانية بعد أن تحررت منها أو كادت. نعم لقد فاق التنكيل بكل صوت معارض لتلك الأنظمة كل حد، وزاد دعم الغرب الكافر للأنظمة الديكتاتورية مخافة تكرار ما حدث مع الثورات التي هبت جوالة في بلاد المسلمين. فما كان للغرب أن يحب أن يرى هذا المشهد البطولي للأمة يتكرر، ولهذا فقد عمد إلى عملائه الجدد فدعمهم دعما سياسيا وماليا وعسكريا بشكل غير مسبوق، واختفت من على ألسنة ساسته أكذوبة حق الشعوب في الحرية والوقوف في وجه الديكتاتوريات. كما وعمد إلى دعم عملائه الذين ما زالوا في الحكم ولكن أركان كراسيهم المعوجة كادت أن تميد بهم، فبعد أن ظلت أمريكا لسنوات تدعي أنها ضد نظام الأسد بينما هي في الواقع تدعمه وتدفع الإيرانيين والروس للوقوف بجانبه، إذا بها اليوم تعلن بكل وقاحة ووضوح بأنها مع النظام الذي أهلك الحرث والنسل وشرد شعبه وفرقهم في أصقاع الأرض.

 

ثمة أمر يجب أن يدركه الجميع خصوصا الذين يبحثون عن مخرج حقيقي لما تعانيه الأمة من تفرق وتشرذم وضياع ونهب لخيراتها وثرواتها، ولما صار عليه الأمر من عودة شرسة للنظام القديم، إذ لا بد من إدراك الأثر العميق لهيمنة الثقافة الغربية المضللة على عقول الناس في بلادنا التي ابتُليت بالاستعمار منذ أواسط القرن التاسع عشر الميلادي، فقد سيطرت هذه الدول المستعمرة على بلادنا وتقاسمت النفوذ فيها وكان لبريطانيا وفرنسا نصيب الأسد. وهما الدولتان اللتان مزَّقتا هذه البلاد في اتفاقية الذلّ "سايكس بيكو". فما كان من الممكن أن يتم تغيير الوضع القائم دون قطع كل صلة للأمة بأفكار الغرب التي سممت أفكار المسلمين وأبعدتهم عن دينهم.

 

 

لقد كانت السيطرة الاستعمارية في البداية عسكرية، أي كانت احتلالاً، وكأنها حملة صليبية جديدة على بلادنا، كما يراها أعداؤنا الذين استعمرونا، حيث قال الجنرال البريطاني اللنبي حينما دخل القدس: (الآن انتهت الحروب الصليبية)، وقال الجنرال الفرنسي غورو وهو يقف على قبر الناصر صلاح الدين في الشام: (ها قد عدنا يا صلاح الدين).

 

وارتبطت بسيطرة هذه الدول المستعمرة سيطرة ثقافية، إذ راحت تعبث في مناهج التعليم، وتنشر ثقافتها المضلّلة المنبثقة عن عقيدتها الفاسدة، عقيدة النظام الرأسمالي البغيض، فبدأت الحياة تتغير في هذه الأقطار، حيث كانت الفرصة مُواتية لثقافة الغرب أن تنتشر في ظل واقع متخلف في بلادنا نتج عن تنحية الإسلام في الحكم والسياسة، وعن فقد الثقة به بين عوام الناس، لتصبح الحياة في هذه البلاد حياةً ذات طابع غربي لا يمتّ لثقافتنا ولا لعقيدتنا بصلة، وصارت المعايير التي يحتكم إليها الناس هي المعايير التي فرضتها الثقافة الغربية المضلّلة.

 

وقد اتسع نطاق هذه الهيمنة مع بروز إمبراطورية الشرّ المستعمرة (الولايات المتحدة) وبسط سلطانها على هذه البلاد بعد أن تمكنت من سحب البساط من تحت أقدام المستعمرين الأوروبيين (الإنجليز والفرنسيين والإيطاليين)، فكانت الآمر الناهي منذ النصف الثاني من القرن العشرين المنصرم.

 

وفي ظل كابوس ثقافة الغرب المضلّلة ترسخ مفهوم الدولة القُطرية ذات الحدود التي تعزلها عن أمتها والدستور العلماني والعَلَم المفَرِّق، وكانت جامعة الدول العربية التي ساهم في إنشائها حكام عملاء نصبهم الغرب الكافر على رقابنا لتكون بديلاً لوحدة البلاد ومرسخاً للفُرْقة والتقسيم، فأكد ميثاقها على الحفاظ على هذه القُطرية واحترامها، واعتراف كل دولة فيها باستقلالية الدولة الأخرى، وتعهدها بعدم التدخل في شؤون غيرها من دول الجامعة، وهكذا ترسّخ لدى الأجيال مفهوم الوطنية والوحدة الوطنية والانتماء للوطن ولدستور الوطن ولعلم الوطن. وأُلفت الأناشيد في تقديس هذه المفاهيم، وهي في واقعها لا تمتُّ لآمال الأمة ولا لأمانيها بأي صلة.

 

وفي ضوء ما سبق ركَّزت القيادات التي تسلَّمت زمام الأمور في أَقطار الربيع العربي على هذه المفاهيم، وكأننا نراوح مكاننا، وغابت عن الساحة الثورية شعارات (الوحدة) و(إلغاء الحدود) وغيرها من الشعارات المرتبطة بعقيدة الأمة وتراثها وتاريخها. كما ترسخت تحت كابوس الثقافة الغربية المضلّلة مفاهيم غريبة في أُمتنا.

 

لقد نجح الغرب في تفتيت الأمة وشرذمتها ومن ثم تمكن من الانفراد بها واحدة واحدة، والمشكلة ليست هنا، بل المشكلة في سكوت الأمة عما يحدث لها، فما يحدث في اليمن لا يحرك أبناء الأمة في بلاد الحجاز مثلا، بل وعندما يتحرك النظام السعودي فإنه لا يتحرك نصرة لأهل اليمن بل تكون حركته لغير صالح الأمة ولتنفيذ أجندة أمريكا في اليمن؛ تلك الدولة المجرمة التي تكيد لنا صباح مساء. وإذا أكل الصراع الدولي الأخضر واليابس في ليبيا ونال أهلنا هناك ما نال إخوتهم في اليمن وسوريا، صمتت الأمة وكأن ما يحدث هناك لا يعنيها في شيء، بل نرى من يهلل ويطبل لتدخل السيسي في ليبيا وكأنه ذاهب لتحريرها من الاستعمار، وما هي إلا خطة خبيثة لفرض الإرادة الأمريكية عل كل القطر الليبي، والذي يدفع الثمن من دمائهم وأرواحهم وأموالهم هم أبناء الأمة.

 

لقد صار الرضا بالواقع والتسليم بالهيمنة الغربية على مقدراتنا أهم ما يجب على الأمة التخلص منه، وصار لا بد من رفض النظام الجمهوري والنظام الملكي، وكل نظام يخالف نظام الإسلام، وعدم الحديث عن الدولة المدنية والتعدّدية والديمقراطية، لتعلن الأمة بكل وضوح أن وجهتها هي الإسلام فقط وأن النظام الذي ترتضيه الأمة هو النظام الذي رضيه لها رب العالمين وهو نظام الخلافة الذي أرسى بنيانه رسول الله ﷺ وسار عليه خلفاؤه الراشدون من بعده. وبالتالي لا بد من الكف عن تكرار القول بـ(ديمقراطية الإسلام) كما قال من سبقهم من المضبوعين بكل غريب (اشتراكية الإسلام). فإذا كان هذا حال الإسلاميين فما بال الأمة وكيف تكون؟! فالأحرى بحملة الدعوة أن يكونوا في أول الصفوف وأن يكونوا حملة لواء الإسلام بحق وليلفظوا من قواميسهم أي أثر للفكر الغربي في ثقافتهم. وما كان لمثلهم أن يكونوا غير مدركين حقيقة أنَّ هذا الغرب هو الذي جرَّ علينا المصائب والويلات، وهو سبب تخلفنا، وهو الذي مزَّق أُمتنا وأزال هيبتها واحتل الكثير من بقاعها، وأقام عدوَّ الأمة الأول كيان يهود على بقعة مباركة من أقدس بقاعنا!!

 

إن التغيير الذي تبتغيه الأمة يجب أن يكون جذريّاً يعيدُ لها موقعها الريّاديّ في كل المجالات في عالمنا المعاصر ونحن نراها ممزَّقة الأوصال، شديدة التخلف، محرومة من كل مظاهر العزَّة والكرامة. إنه تغيير جذريّ ليس لواقع الأقطار العربية صاحبة ثورات الربيع العربيّ وحدها، وليس لسائر أَقطار هذه الأمة فحسب، ولكنه التغيير الذي يشمل العالم المعاصر كلُّه: شرقه وغربه، وشماله وجنوبه.

 

إن العالَم كله اليوم يشهد فساداً يشمل كل شؤون حياة البشر، قال الله تعالى: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [الروم: 41]. لقد أزال الإسلام هذا الفساد في البر والبحر ببعثة الرسول الكريم ﷺ، وهو قادر اليوم على إزالة الفساد الحالي المهيمن على العالم بأسره من خلال أمة الخير الأمة الإسلامية إذ هي بحق خير أمة أخرجت للناس.

 

لقد صار لزاماً علينا إذا أردنا التغيير الصحيح أن يكون تغييراً جذرياً للأفكار المسمومة التي زرعها عدوّنا المستعمر، بإحلال ثقافتنا الأصيلة مكانها وجعلها المهيمنة على حياتنا، وهو الأمر الذي يؤدي إلى التغيير الحقيقي الذي يُسعدنا ويهيّئ لنا الحياة الكريمة العزيزة، ويتم هذا بمحاربة الغرب وثقافته، والتوعية على ثقافتنا الإسلامية بصورتها الصحيحة، وهذه العملية التغييرية لا يمكن أن يقوم بها من لا تزال آثار الثقافة الغربية المضللة بارزة في أقواله وأفعاله. ومن هنا فلا معنى للحديث عن النظام الجمهوري في هذه الأقطار، فللأمة نظامها المتميز وهو الخلافة. ولا معنى للحديث عن الوطن والوطنية ورفع علمٍ من الأعلام التي صنعتها اتفاقية سايكس بيكو المشؤومة، فللأمة انتماؤها العقدي الذي يسمو فوق الأرض ولا يلتصق بالتراب، ولها علمها المميز راية ولواء رسول الله ﷺ. ولا معنى لمصطلحات الديمقراطية والدولة المدنية وحكومة الوفاق الوطني والتحالف الليبرالي الإسلامي، إذ الإسلام يعلو ولا يعلى عليه. ولا معنى لاحترام اتفاقيات الذل ومعاهدات السلام، إذ الحكم الشرعي هو واجب الاحترام والاتباع. ولا معنى لإعلاء سيادة الشعب، إذ السيادة في الإسلام هي لشرع الله، وشرع الله فقط. فهل من معتبر؟!

 

إن القادم من الأيام مبشر بالخير العميم على هذه الأمة الكريمة، وإن غرباء الأمة الذين دأبت الأنظمة وأبواق إعلامها على تجاهلهم والتعتيم عليهم؛ لأنهم لم يتخلوا عن شيء من إسلامهم، ستنتهي غربتهم عما قريب، عندما يتوسدون الأمر ويكون لدينهم ولدولتهم الخلافة على منهاج النبوة الكلمة الفصل في كل قضايا العالم. فحينها لن تكون هناك غربة لهؤلاء الرجال، فهم وأمتهم سيكونون أصحاب الكلمة العليا واليد الطولى، وسيظهر دينهم العظيم على الدين كله، بما فيه دين الرأسمالية الجديد الذي ما أنزل الله به من سلطان، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله.

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

حامد عبد العزيز

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع