الخميس، 18 رمضان 1445هـ| 2024/03/28م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
  •   الموافق  
  • كٌن أول من يعلق!

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

السياسي بلا خطوط عريضة كالذي يتسلق حبال الهواء

 

 

جرت العادة على أن لكل علم أو ثقافة أو فكر في ناحية من نواحي الحياة خطوطاً من خطوط عريضة أو قواعد معينة تركز فيها ويبنى عليها أبجديات الفهم في هذا العلم أو الثقافة أو الفكر. وبدون ذلك يكون الفهم عرضة للأهواء والرغبات، أو النزعات والعصبيات، ويدخل في الأفهام أمور كثيرة واعتبارات خطيرة لا علاقة لها بالحقائق والوقائع مما يلوث الأفهام فيضللها ويحيد بذلك الإنسان عن طريق الجادة.

 

وإن كان وضع القواعد والخطوط العريضة من الأمور المهمة في كل العلوم والثقافات ومجالات الحياة، كان الأمر أكثر أهمية وأشد وطأة في الأمور السياسية عن غيرها من مجالات الحياة والسبب في ذلك هو ديمومة التضليل والخداع الفكري للحقائق الذي يمارسه المستعمر والرأسمالي من أجل إبقاء مصالحه الاستعمارية مؤمنة وإبقاء فريسته من الدول المستعمرة مكبلة بالمخاوف والأوهام لتبقى تابعة له ومسوقة لرغباته وأطماعه.

 

ولتيسير الفهم نضرب مثالا من خارج السياسة لتوضيح هذه الخطوط العريضة أو القواعد التي هي ببساطة ركائز لترسيخ الأفهام وتيسير العلوم وضبطها..

 

تخيل كيف ستكون اللغة مثلا دون علم القواعد أو الشعر دون العروض... تخيل أن أحدهم يريد أن يتحدث دون أن يلحن مع أنه يجهل حقيقة أن الفاعل مرفوع والمفعول به منصوب والحال منصوب وهكذا، تخيل حجم الأخطاء التي سيرتكبها عند الكلام أو حال إلقاء خطبة أو درس أو حال محاولته فهم نص وخصوصا إذا كانت النصوص متعلقة بالعقيدة أو الفقه أو... تخيل شاعرا يريد أن ينسج شعرا مع أنه يجهل علم العروض، وحتى لو كانت قريحته الشعرية بحراً لا ينضب. في أي قالب سيصب شعره إذا كان يجهل علم العروض الذي هو بمثابة أساسيات وهيكلا للشعر ونسجه وصياغته؟!

 

هذا الأمر يشبه إلى حد بعيد الفهم في أمور السياسة. ففهم السياسة له أصول وقواعد وإلا كان السياسي في تحليله وفهمه يتسلق حبال الهواء ويقود أمته وقومه إلى طريق الهلاك وإلى الهاوية. ذلك أن عمل السياسي له مردود كبير على الجماعة ككل، فعمله خطير متعلق برعاية شؤون أمته سواء مباشرة من ناحية تنفيذية أو محاسبة ومراقبة. فلا يجوز بناء الفهم السياسي والتحاليل ورعاية الشؤون دون خطوط عريضة تكون كحبال النجاة وكدعامات وكركائز وكمحطات للسير لخوض غمار وأخطار وتحديات الحياة التي تعيشها الأمة والشعوب بصورة آمنة ولاتخاذ مواقف حكيمة حال رعاية الشؤون وتحديد الأهداف ورسم الخطط واتخاذ أساليب العمل ووسائله.

 

بدون ذلك ينهار الفهم والعمل السياسي وتسير أمور رعاية الشؤون دون ضابط ودون معايير ويكثر التخبط بالأفهام والتذبذب بالآراء عند كل حدث أو عند سماع كل خبر. وهذا أمر لا يستقيم أبدا وخصوصا في السياسة التي تكاد تطال معظم جوانب الحياة وتتدخل في كافة شؤونها.

 

ولذلك لا بد للسياسي من اتخاذ خطوط عريضة تكون سر صنعته وأساس أفهامه وركنه الحصين أثناء شروعه في تحليل وبناء وفهم القضايا والأمور. هذه الخطوط العريضة يرجع إليها دائما ليستطيع أن يخرج بفهم دقيق واضح من بين كل أنواع التضليل والمغالطات التي يمارسها المستعمر والرأسمالي في الصحف والمجلات والتلفزيون والفضائيات ووسائل التواصل الإلكتروني وعن طريق أجهزة المخابرات وأوساط الفكر... إلخ. وبذلك تجد السياسي يعرف خفايا الأمور لا ظاهرها فقط ويستطيع أن يجمع المعلومات المفيدة واللازمة التي تعينه على الفهم الصحيح ونسج التحاليل السياسية السليمة وبالتالي رسم وكشف الخطط.

 

وينبغي ملاحظة فرق مهم جدا عند رسم الخطوط العريضة في السياسة: إن قسما كبيرا من هذه الخطوط العريضة يبنى على معلومات الواقع وفهم الآن، أي لفترة من الفترات فهي ليست قواعد صالحة لأي وقت وأي زمان، أما في العلوم الأخرى ونواحي الحياة الأخرى فهي على الأغلب ثابتة صالحة لمعظم الأوقات. أما الخطوط العريضة في السياسة فتتشكل لدى السياسي بسبب مواقف الدول وعلاقاتها سواء دوليا أو إقليميا أو محليا، وهذه المواقف والعلاقات دائمية التغير والتبدل ولذلك كان على السياسي دوام المتابعة والمراقبة لاستبدال الخطوط العريضة وحتى لا يبقى على قديمه وحتى لا تنهار أسس فهم الأحداث والقضايا لديه. فالعالم في تغير وتبدل والدول تبنى وتنهار والحكومات والولاءات تتغير وتتبدل، والأحلاف والتكتلات تتجدد وتتفكك وتضعف وتقوى، والصداقات والعداوات ليست دائمية ومستمرة، والمصالح تتغير وتتجدد، والموقف الدولي والصراع فيه متغير وإن كان ببطء، ولذلك كانت مداومة تجديد الخطوط العريضة في السياسة أمرا فائق الأهمية وبدون ذلك يصعب على السياسي دوام كيل الأمور بمكيالها الصحيح. وهذا عمل السياسي الرائد الذي لا يكذب أهله ولا يخدعهم بل يرعاهم حق الرعاية.

 

ومثال على الخطوط العريضة وكيفية فهم الأخبار المتضاربة حول حدث ما بواسطة هذه الخطوط العريضة العلاقة بين إيران وأمريكا.

 

إذا تابعنا معظم الأخبار في العالم عموما وفِي الشرق الأوسط خصوصا المتعلقة بإيران تجدها أطناناً من الأخبار المغلوطة والمضللة تدور حول إحدى هذه المواضيع:

 

١- أن العلاقة بين إيران وأمريكا هي علاقة عداء

 

٢- وأن الحرب قد تنشب بين الطرفين في أي لحظة وأن إيران مستعدة لخوض غمار هذه الحرب الضروس

 

٣- وأن إيران تقوم بالتمدد والتوسع في المنطقة استجابة للمذهب الشيعي الجعفري وأن إيران لها مشروع ورسالة في المنطقة

 

4- أخبار متعلقة بالبرنامج النووي الذي تهدد فيه إيران أعداءها من دول الخليج وكيان يهود

 

5- والعقوبات المفروضة على إيران

 

6- وأخبار متعلقة بحالة العداء بين إيران (وحزبها في لبنان) وكيان يهود

 

ولمحاولة رسم خط عريض بالنسبة لعلاقة إيران بأمريكا علينا أن نذكر بعض النقاط المهمة:

 

إن دور أمريكا في الثورة الإيرانية كان واضحاً منذ بداياتها، فخلال وجود الخميني في فرنسا في "توغل لوشاتو" زاره موفدون من البيت الأبيض وتم الاتفاق على تعاون الخميني مع أمريكا، وقد تحدثت يومئذ الصحف الأمريكية عن ذلك وعن الاجتماعات التي حصلت هناك... وقد كشف ذلك مؤخراً أول رئيس لإيران أبو الحسن بني صدر في تاريخ متأخر وبالضبط في 2000/12/1 مع قناة الجزيرة بأن موفدين من البيت الأبيض جاءوا إلى "توغل لوشاتو" في فرنسا حيث يقيم الخميني واستقبلهم يزدي وبازركان وموسوي وأرديبيلي... وكانت هناك لقاءات كثيرة بين الطرفين وأشهرها لقاء أكتوبر الذي جرى في ضواحي باريس ووقعت فيه اتفاقات بين جماعة ريغان وبوش وجماعة الخميني. حيث صرح الخميني بأنه على استعداد أن يتعاون مع أمريكا بشرط ألا تتدخل في شؤون إيران الداخلية". بعد ذلك عاد الخميني في 1979/2/1 على متن طائرة فرنسية ليحط في طهران، فضغطت أمريكا على شاهبور باختيار ليسلم الحكم للخميني وهددت قادة الجيش الإيراني إذا اعترضوا سبيل الخميني، ومن ثم أصبح الخميني هو المرشد وهو الحاكم، وتم إعداد دستور مثل الدساتير الموجودة في البلاد الإسلامية الأخرى وفق الأنظمة الغربية الرأسمالية، فدستور إيران فيه محاكاة للدساتير الغربية.

 

وأما مسألة المذهب الذي حددته كمذهب رسمي للنظام فلم تحدده كرسالة ومشروع تحمله، وهي لم تؤسس نظامها على هذا المذهب، ولم تضع دستورها على أساسه، وليست مواده مأخوذة منه، بل إن المواد الأساسية التي تتعلق بنظام الحكم والسياسة الخارجية وما يتعلق بالجيش والأمن مأخوذة من النظام الرأسمالي، فهي تشبه النظام السعودي الذي يستغل المذهب المنتشر في بلاد الحجاز "المذهب الحنبلي" ونجد لتحقيق مصالح النظام. غير أن إيران تستغل الناحية المذهبية لكسب الأتباع والمؤيدين لها أو المستعدين للعمل معها، وتثار لديهم النعرة العصبية المذهبية وبذلك يسهل استخدامهم لمصالحها الوطنية وليس لخدمة المذهب الجعفري أو خدمة الشيعة بدليل أنها لا تنصر الشيعة أو المذهب الجعفري إلا حيث المصالح الوطنية الإيرانية، وإذا كانت العلمانية تخدمها فتضع الإسلام والشيعة والمذهب وراء ظهرها،

 

ولا تهتم إيران بالناحية المذهبية إذا تعارض ذلك مع مصالحها الوطنية، فأذربيجان منذ أرادت أن تتحرر من قبضة الاتحاد السوفياتي في نهاية عام 1989 وقام الناس بكسر الحدود مع إيران للوحدة معها، وجرت لهم مذابح في بداية عام 1990 من قبل المهاجمين الروس الذين دخلوا باكو لمنع إقامة نظام غير تابع لهم هناك والإتيان بعملائهم من الشيوعيين القدامى إلى الحكم، ومع ذلك فلم تقم إيران بمساعدة أهل أذربيجان في وجه هذه الهجمة الروسية التي تنتهك حقوق المسلمين الذين أرادوا التحرر من النير الروسي ومن براثن الشيوعيين، مع العلم أن أغلبية سكان أذربيجان مسلمون من أتباع المذهب الرسمي لإيران. ولم تساعد أذربيجان في وجه الأرمن الذين ساندهم الروس في احتلال حوالي 20% من أذربيجان عام 1994 وهجروا أكثر من مليون أذاري من أراضيهم وما زال هذا الوضع المأساوي قائما هناك. بل إن إيران طورت علاقاتها مع أرمينا على حساب أذربيجان! ولم تكتف إيران بذلك بل دعمت تيارات ليست لها علاقة بالإسلام مثل تيار ميشيل عون أو حركات علمانية كحركة نبيه بري وغيرهما في لبنان من السائرين في ركاب أمريكا.

 

وأما مسألة البرنامج النووي فهي تراوح مكانها منذ سنين رغم أن كيان يهود بدعم وتشجيع أوروبي هدد أكثر من مرة عبر هذه السنين بضرب هذا البرنامج، إلا أن أمريكا وقفت في وجه كيان يهود ومنعته من تحقيق ذلك. وبالرجوع إلى الخلف قليلاً نجد أن واقع المحادثات النووية منذ بدايتها في عام 2003م هو أنّ أمريكا كانت تركز على العقوبات دون اتخاذ أي إجراء فعلي ضد المنشآت النووية، وأحبطت الاتحاد الأوروبي وأغضبت دولة يهود، وفي كل مرة يتم إجراء المحادثات تعرض أمريكا العقوبات الإضافية كحل للمسألة دون أي إجراء عسكري. وقد تدخلت أمريكا مراراً لتهدئة مخاوف يهود، فأمريكا تريد النظام الإيراني قائماً، وأن تبقى القضية النووية مثارة بحيث لا تصل إلى القنبلة النووية وفي الوقت نفسه لا تحسم نهائياً، بل تبقى كما قلنا بُعبعاً يخيف دول الخليج توطئة لاستمرار قوات أمريكا العسكرية في الخليج، بالإضافة إلى استغلال أمريكا لها في نصب الدرع الصاروخي في تركيا، وفي أوروبا الوسطى بحجة ردع السلاح النووي الإيراني والحماية منه! هذا فضلاً عن تبرير زيادة ميزانية وزارة الدفاع.

 

وإن ضرب إيران لأرامكو بنفسها أو عن طريق الحوثيين، ثم قيام أمريكا بفرض عقوبات الجديدة القديمة عليها يري بوضوح مدى أهمية إيران في لعب دور الفزاعة والبعبع لدول الخليج وأن أمريكا لا تستغني عنها لتنفيذ سياساتها في المنطقة.

 

أما بالنسبة لما يظهر من عداء على السطح بين أمريكا وإيران فيمكن أن يفهم كما يلي:

 

كانت الأجواء مشحونة، والرأي العام محشوداً ضد أمريكا قبل الثورة وبعدها، واعتبرت هي المسؤولة عن مآسي الشعب واتهمت بدعمها للشاه ولمظالمه ووصفت بأنها الشيطان الأكبر، ولذلك لم يستطع حكام إيران أن يعلنوا عن استئناف المحادثات بين الطرفين بشكل مباشر ومن ثم استئناف العلاقات الدبلوماسية، وبخاصة وأن اتصالات أمريكا بالخميني في باريس، وضغط أمريكا على الجيش الإيراني لكي لا يتدخل ضد ثورة الخميني... كل ذلك لم يكن سراً، ولهذا كان النظام الإيراني بحاجة إلى أحداث ساخنة مع أمريكا لإيجاد مبررات الجلوس معهم، فكانت حادثة الرهائن في السفارة الأمريكية في 1979/10/4 ما ترتب عليها قطع العلاقات الدبلوماسية بين إيران وأمريكا لتقوي من موقف الخميني وتضرب معارضيه وتغطي على حقيقة العلاقات بين الطرفين، وقد ذكرت فيما بعد مصادر أمريكية بأنها كانت مسرحية أمريكية مرتبة، وكذلك ذكر الحسن بني صدر في مقابلته مع الجزيرة المشار إليها أعلاه بأن "ذلك كان اتفاقا مع الأمريكيين ومن تخطيطهم وأنه قَبِل ذلك بعدما أقنعه الخميني به". وقد وقع الطرفان على ما عرف باتفاق الجزائر في 1981/1/20 وأفرج بموجبه عن الرهائن، وحصل ذلك في اليوم الذي تولى فيه الرئيس الأمريكي ريغان مقاليد الحكم في أمريكا، وقد اعترفت أمريكا ضمنيا بالنظام الجديد بقيادة الخميني عندما نص هذا الاتفاق على إلزام الطرفين بالاحترام المتبادل وعدم التدخل في شؤون كل طرف والحفاظ على مصالح البلدين من خلال تعيين وتوكيل طرف ثالث ومن ثم إعادة 12 مليار من الدولارات التي طالب بها النظام الجديد من الأرصدة المجمدة لإيران..

 

وقد عمل الحكام في إيران منذ زمن على تهيئة الأجواء لاستئناف هذه العلاقات، مع أن الاتصالات السرية جارية بينهما والتعاون جار بينهما كما كشف المسئولون الإيرانيون أنفسهم، واستمروا على ذلك... وكأنَّ الإبقاء على هذا الوضع بين البلدين يفيدهما؛ حيث تظهر إيران كأنها معادية لأمريكا فتغطي على تعاملها وعلى سيرها معها ضمن مشاريعها الاستعمارية، وتكون عاملا مساعدا لتنفيذ تلك المشاريع، وتظهر أمريكا كأنها معادية لإيران وتعمل ضدها فتضبط الأوروبيين ويهود، وتخدع الرأي العام المعادي لإيران في أمريكا والغرب لتحقيق مصالحها في المنطقة. وقد اتُّهِم بعض الحكام الذين تولوا المناصب على أثر إعلان الجمهورية من قبل الإيرانيين بالعمالة لأمريكا مثل رئيس الجمهورية بني صدر فأُسقِط بسبب وجود تيار قوي معارض يومئذ للعلاقة مع أمريكا فعمل على إسقاطه. ولكن رئيس الجمهورية رفسنجاني وقد تكشفت حقائق عن علاقته بأمريكا مثل إيران غيت وإيران كونترا، ولكنه لم يسقط لأنه لم يعد مثل هذا التيار آنئذ موجودا. وقد تعاقب رؤساء جمهورية عديدون يوصفون أحيانا بالإصلاحيين والمعتدلين، وأحيانا بالمحافظين والمتشددين ولكن لم يشاهد تغير في السياسة الإيرانية رغم تشدد الخطاب أحيانا ولينه أحيانا أخرى، ويبقى عبارة عن أقوال لا تتبعها أفعال ولا تنطبق على الوقائع. وكذلك الموقف الأمريكي تجاه إيران لم يتبدل رغم تشدد الخطاب أحيانا من قبل الجمهوريين ووضعها في قائمة دول محور الشر أو لينها من قبل الديمقراطيين، ولكن لم تتخذ أمريكا تجاه إيران أية خطوات حاسمة وجادة. وعندما شكّل الرئيس الإيراني الجديد روحاني الحكومة قال: "إن حكومته ستتبنى في سياستها الخارجية منع التهديد والقضاء على التوترات" (رويترز 2013/8/12). واختار "محمد جواد ظريف لمنصب وزير الخارجية وهو سفير سابق بالأمم المتحدة تلقى تعليمه في الولايات المتحدة وكان مشاركا بشكل أساسي في جولات عدة من المفاوضات السرية لمحاولة التغلب على تدني العلاقات بين واشنطن وطهران" (رويترز 2013/8/12). وقد صرح روحاني بعد انتخابه بشكل أكثر صراحة عندما قال: "نحن لا نريد رؤية المزيد من التوتر بين إيران والولايات المتحدة. تخبرنا الحكمة أن كلا البلدين يحتاج لأن يفكر أكثر في المستقبل وأن يحاول الجلوس لإيجاد حلول لقضايا سابقة وإعادة تصحيح الأمر" (رويترز 2013/6/17). فرد عليه الرئيس الأمريكي أوباما قائلا: "تبقى الولايات المتحدة مستعدة للانخراط في محادثات مباشرة مع الحكومة الإيرانية بهدف التوصل إلى حل دبلوماسي يتعامل بشكل كامل مع قلق المجتمع الدولي حول برنامج إيران النووي" (المصدر نفسه)، ما يعني أن إيران تريد أن تنهي مرحلة سيرها السري مع أمريكا، وتبدأ بمرحلة السير العلني معها، ولكن بأشكال مختلفة حيث تظهر كأنها دولة مؤثرة إقليميا يجب إشراكها في قضايا المنطقة.

 

بالتالي تكون الخطوط العريضة بالنسبة لعلاقة إيران مع أمريكا كما يلي:

 

إن مسألة المذهب الذي حددته إيران كمذهب رسمي للنظام فلم تحدده كرسالة ومشروع تحمله، وهي لم تؤسس نظامها على هذا المذهب، ولم تضع دستورها على أساسه، وليست مواده مأخوذة منه، بل إن المواد الأساسية التي تتعلق بنظام الحكم والسياسة الخارجية وما يتعلق بالجيش والأمن مأخوذة من النظام الرأسمالي، فهي تشبه النظام السعودي الذي يستغل المذهب المنتشر في بلاد الحجاز "المذهب الحنبلي" ونجد لتحقيق مصالح النظام. وأما السياسة الخارجية لإيران فهي منسجمة مع المصالح الأمريكية في المنطقة، وكذلك في الشرق الأوسط الكبير والبلدان الإسلامية، فمثلاً قامت طهران بمساعدة واشنطن في تحقيق الاستقرار للاحتلال الأمريكي في العراق وأفغانستان على مدار العقد الماضي أو نحو ذلك، وقامت أيضاً عن طريق حزبها في لبنان لرسم المشهد السياسي في لبنان، وفي الآونة الأخيرة تعاونت للحفاظ على الهيمنة الأمريكية في سوريا من خلال دعم الأسد. وبالتالي، فإنّ إيران تعمل في أفغانستان وسوريا ولبنان والعراق لخدمة المصالح الأمريكية. أما خارج المنطقة فيمكن القول بأنّ أمريكا نجحت في استغلال سلوك إيران في الترويج لبرنامج الدرع الصاروخي الخاص بها وربط دول مجلس التعاون الخليجي في اتفاقات أمنية غير متوازنة، وكذلك بيع دول الخليج أسلحة بمليارات من الدولارات خوفا من إيران!

 

فإيران تسير مع أمريكا وهي تدرك معنى سيرها هذا وتعرف حدودها، فلا تتجاوزها ولو رفعت من نبرة الخطاب للتضليل أو للتغطية على الحقيقة كما حصل في فترة نجاد التي شهدت خدمة كبيرة لأمريكا في أفغانستان والعراق وسوريا، ولذلك فإن أمريكا ترى النظام في إيران خادماً لمصالحها بدرجة كبيرة حتى إن دوائر صناعة القرار في أمريكا لا ترى من داع للعمل على تغيير النظام، وهذا ما صرح به في 12 كانون الأول/ديسمبر 2008م، روبرت غيتس في مؤتمر

 

أمني دولي في البحرين حول العلاقات بين أمريكا وإيران وما يجب أن تكون عليه، وقال: "لا أحد يسعى إلى تغيير النظام في إيران... وما نحن بصدده هو إحداث تغيير في السياسات والسلوك، بحيث تصبح إيران جارة جيدة للدول في المنطقة، بدلاً من أن تكون مصدراً لعدم الاستقرار والعنف".

 

وإذا أضفنا أن إيران هي دولة تدور بالفلك وهي دولة ليست تابعة ولا مستقلة، نكون بذلك أحكمنا رسم الخط العريض لإيران وعلاقتها بأمريكا بصورة واضحة أنه لا يوجد علاقة عداء حقيقي بين إيران وأمريكا وإنما أن إيران تدور في فلك أمريكا ولا تستطيع أن تنفك عنه بأصغر القضايا في السياسة الخارجية الإيرانية وتنسق تنسيقا تاما معها وحتى لو كان على حساب إيران في بعض القضايا ويحرص الطرفان على إظهار حالة العداء إعلاميا فقط ليتمكنوا من تنفيذ مصالح أمريكا ولكسب ولاء الشارع الإيراني المسلم الذي يكره أمريكا، ومع أن هذا الأمر في تغير في محاولة من حكام إيران لإظهار العلاقة بين البلدين من السر للعلن لتغير الظروف (وأظن أنه قد لا يوجد بوادر للتغيير في هذه الخط العريض على المدى القريب).

 

هذا الخط العريض هو الذي يجعلك تفهم كل الأخبار المضللة والمغلوطة وتختار السمين منها والذي هو قليل جدا ويجعلك تطرح الغث منها الذي هو أطنان من الأخبار التي هي للاستهلاك الإعلامي والتضليل والمغالطة فقط. والأمثلة على الخطوط العريضة كثيرة ولكن كان مثال إيران لكثرة ما يدور حولها من أسئلة وأخبار وأطروحات ولإبراز أهمية الخطوط العريضة وأن السياسي بلا خطوط عريضة كالذي يتسلق حبال الهواء، فلا ركيزة ولا سند لما يقدمه من أفهام وتحاليل.

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

الدكتور فرج ممدوح

 

 

مراجع: جواب سؤال: واقع إيران بالنسبة للسياسة الأمريكية

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع