السبت، 11 شوال 1445هـ| 2024/04/20م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

الوعي العام وأثره في عملية التغيير الصحيح

 


مما لا شك فيه أن تغيير المجتمعات عملية ليست سهلة، وهي تحتاج إِلى عمل دؤوب وجهود ضخمة، وهِي كالنحت في الصخور، ولكن معاول العاملين المخلصين قوية ومرهفة. وهذا العمل لا يقدر عليه أفراد، فلا يقدر عليه سوى الحزب المبدئي الذي يصل ليله بنهاره للوصول إلى غايته. ولا يمكن إحداث التغيير الجذري الصحيح دون إحداث الوعي العام على ما يراد إيجاده فِي المجتمع، وهذا الأمر هو مِن أحكام الطريقة في عملية التغيير الشرعية التي لا تجوز مخالفتها أو الحيد عن تفاصيلها؛ لأن الرسول ﷺ قد سار في هذا الطريق في المدينة المنورة في عملية تهيئة الأجواء من أجل توطئة الأرضية لإقامة الدولة الإسلامية، وكانت مرحلة التفاعل لإيجاد الرأي العام المنبثق عن وعي عام من أشد المراحل وأصعبها وأكثرها أهمية، لما لها من أثر في نجاح عملية التغيير وإِقامة الدولة ومن ثم استِمراريتها.


والذي يجب أن يكون واضحا أن طلب النصرة ليس مرحلة مستقلة بذاتها، بل هي تأتي في نهاية مرحلة التفاعل، ولا يمكن أن تتم النصرة إن لم ننجح في إيجاد الوعي العام على أفكار الإسلام، كما يجب أن ندرك أن طلب النصرة ليس هو الانقلاب العسكري حرفيا؛ فقد تتم النصرة بأن يعطيها أهل القوة والمنعة دون الحاجة لانقلاب عسكري، وهذا ما حدث مع رسولنا الكريم ﷺ، فقد أعطاه الأنصار الحكم لأنّهم أهل القوّة والمنعة ولم تكن هناك قوة تستطيع الوقوف في وجه إرادتهم تلك، وقد يحتاج الأمر إلى القيام بانقلاب عسكري، لكن في هذه الحالة لا بد من أن يكون الرأي العام للإِسلام ولعملية التغيير قويا.


ونحن نلحظ عبر تاريخ الرسل الكرام والصالحين من عباد الله تعالى كيف كانت الرغبة في التأثير بخير في الرأي العام والعمل على توعيتهم لهم، ومثال ذلك حرص موسى عليه السلام على أن ينقل معركته من دائرة الحديث إلى فرعون ونخبته إلى الرأي العام فجعل مواجهته مع السحرة أمام الناس وحرص على ذلك بقوله: ﴿قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى﴾ [سورة طه: 59]. وبذا انتشرت الدعوة رغما عن فرعون ونخبته وصولا إلى الجمهور الذي هو أساس الاستهداف. بل إن خطاب الرسل لأقوامهم بأداة النداء: (يا قوم)، يعد دليلا على أنهم يخاطبونهم في حال تجمعهم وهو ما عبر عنه نوح عليه السلام بقوله: ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَاراً * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً * ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً * ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً﴾، ولم تكن دعوة القوم دعوة سرية بل كان فيها أيضا الجهر والعلن وخطاب مجموع الناس أي القوم. ومثل هذا قله في مؤمن آل فرعون ومؤمن سورة يس في حرصهم على التأثير في النخب وفي العامة وتوصيلهم الرسالة واضحة خالية من الشبهات أو التضليل، وفي حرص رسولنا ﷺ على تبليغ الدعوة إلى الله تعالى في التجمعات والمواسم وتوصيلها إلى كل البشر من خلال التأثير في النخب والوصول المباشر للجماهير أيضا وباستخدام كافة الأساليب من خطابة وشعر ومراسلات ووعظ.


ويتم ترسيخ وصناعة الرأي العام باستمرار من خلال توضيح الدعوة وتبليغها بكل السبل مع المزاوجة بين الدعوة كلاما والدعوة تطبيقا، ونشر ذلك ليكون البلاغ على بصيرة ويشهدهم على ذلك: «أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟».


أما تحقيق هذا الوعي العام فإنه يكون بوضوح أفكار الإِسلام الرئيسة المراد إِيجاد التغيير على أساسها فِي أذهان الناس؛ عقيدة وأحكاما، عند عامة الناس في المجتمع؛ أي حصول الوعي على عموم أفكار الإِسلام عند عامة المجتمع، وهذِهِ الأفكار العامّة مثل وحدانية اللّه عز وجل، وأنه هو المشرع فقط، ولا يجوز أخذ تشريع من غيره، وأن التشريع من غير اللّه كفر لا يُقبل أبدا، والوعي أيضا أن الأمة الإسلامية أمة واحدة مِن دون الناس، تسودها أخوة الإسلام، وتربطها عقيدة الدين فوق العرقيات والإقليميات، وأن الدولة الإِسلامية هِي عنوان هذه الوحدة، وعنوان قوة المسلمين، وأنها فرض على الأمة الإسلامية وقضية مصيرية من قضاياها، والأمة بدونها ضائعة ضعيفة، عدا عن وقوعها في دائرة الغضب الإِلهي، والوعي العام أن الكفار أعداء للأمة لا يريدون لها الخير وأنهم يحرصون على عدم عودة الإِسلام بعودة الوحدة إِلى الأمة، أي بعودة دولة الإِسلام، وأنهم يسهرون على منعها، ويعملون بِكل ما أوتوا من قوّة وبأس، والوعي أنّ طريقة نهضة الأمة الإِسلامية هي بفكرها ومبدئها، وليس عن طريق أفكار الغرب ولا عن طريق الحركات أو الأحزاب العميلة المرتبطة بالغرب، حتّى وإن كانت إسلامية.


ومن هنا يجِب علينا السعي لتشكيل الرأي العام في القضايا الأساسية التي تهم الأمة والتي تتطلب تآزرا حولها، ودعمِ الرأي العام الذي سبق تشكيله في موضوع ما حتى لا يتراخى المجتمع عن رأيه الذي تكوّن لأن الرأي العام قد يتراخى بنسيان الناس له وعند عدم تجدد ما قد يثير اهتمامهم حول هذا الموضوع أو انشغالهم بغيره، إنه في حقيقة أمره معدن ساخن يجب طرقه لِيتشكل، فطبيعة الرأي العام طبيعة وقتية وديناميكيّة قد تفتر أو تهمد إن لم يستفد منها أو تنمى، ولذا فهي يمكن تضليلها بعض الوقت إن لم يُكتشف ذلك التضليل.


إِنّ حراك الأمة لن يتوقف وسيحطّم بِإذن اللّه كل القيود والسدود التي أقامها الحكام لعدم وصول الأمة إِلى درجة الوعي العام الصحيح على دينها وواقعها وعلى الأحزاب المخلصة التي تريد نهضتها وتغيير واقعها. لقد انفضح الحكام وانكشفت أفكارهم الهزيلة أمام شعوبهم وتبين أنها أوهى مِن بيت العنكبوت، وستصل الشعوب عما قريبٍ في خضم هذه الأحداث المتعاقبة والمتسارعة إِلى قناعةٍ تامة أنّ خلاصهم ليس بالأفكارِ الغربية الواهية المزيفة كالديمقراطية والحرية، وإنما في فكر الإِسلام العالي الراقي.


لذلك كان على حملة الدعوة الإسلامية أن يستمروا في توعية جماهير المسلمين بأفكار الإسلام وأحكامه لزيادة الوعي العام عند الأمة على أحكام الإسلام وأنظمته، حتى تتمكن الأمة من جعل الإسلام مطبقاً في واقع الحياة والمجتمع والدولة، لأن هذه هي قضية الأمة المصيرية.

 


كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
حامد عبد العزيز

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع