الخميس، 18 رمضان 1445هـ| 2024/03/28م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
  •   الموافق  
  • كٌن أول من يعلق!

بسم الله الرحمن الرحيم

 

شبهات حول فهم الموقف الدولي

 

يتساءل بعض الناس حول ما إذا حصل تغيير في الموقف الدولي؟ ألم تخسر أمريكا استراتيجيا؟ ألم تضعف اقتصاديا وثقافيا؟ ألم تتنازل عن فكرة التحكم في العالم بعدما عجزت عن تطبيقها زمن المحافظين الجدد؟

 

للإجابة على هذه التساؤلات لا بد من التركيز على جانب مهم في تعريف الموقف الدولي؛ ذلك أن الموقف الدولي يعني مزاحمة الدول الكبرى للدولة الأولى على مركزها أي على مركز الدولة الأولى في العالم.

 

إذا أمعنا النظر في هذا المعنى فهمنا نقاطاً معينة مهمة منها:

 

1- لا بد من معرفة الدولة الأولى في العالم لأن باقي الدول الكبرى ستزاحمها، والتي هي أمريكا الآن. ومركز الدولة الأولى في العالم ليس جديداً، فإنه موجود منذ القدم؛ فمصر في التاريخ القديم كانت الدولة الأولى، وكانت آشور في العراق تزاحمها على هذا المركز. ودولة الروم كانت الدولة الأولى، وكانت دولة فارس تزاحمها على هذا المركز. والدولة الإسلامية منذ عهد الخلفاء الراشدين حتى الحـروب الصـليبية كانت الدولة الأولى، ولم يكن لها مزاحم على هذا المركز. والدولة العثمانية، بوصفها دولة الخلافة الإسلامية، كانت الدولة الأولى مدة تقرب من ثلاثة قرون، ولم يكن لها مزاحم على هذا المركز، حتى منتصف القرن الثامن عشر المـيلادي. وقبـل الحرب العالمية الأولى كانت ألمانيا هي الدولة الأولى، وكانت إنجلتـرا وفرنسـا تزاحمانها على هذا المركز. وبعد الحرب العالمية الأولى كانت إنجلترا هي الدولـة الأولى، وكانت فرنسا تزاحمها على هذا المركز. ثم قبيل الحرب العالميـة الثانيـة كانت بريطانيا الدولة الأولى، وكانت ألمانيا تزاحمها على هذا المركز، حتى كادت أن تكون الدولة الأولى، إلى أن كانت الحرب العالمية الثانية، واشتركت أمريكا في الحرب، وانتهت الحرب بأن أصبحت أمريكا هي الدولة الأولى في رسم السياسة الدولية والموقف الدولي، حيث كانت أقدر الدول على جعل السياسة الدوليـة بجانبها، وظلت تسيطر على الموقف الدولي، لا تقـع ولا تنفـذ إلا الأحـداث السياسية التي تريدها. ومع ذلك فقد استمر الاتحاد السوفياتي حينها، وبريطانيا، وفرنسا، تحاول مزاحمتها، وكانت تشاركها التأثير في السياسة العالمية بقدر مـا، حسب قوة هذه الدول، وبخاصة الاتحاد السوفياتي بشكل قـوي، ثم بريطانيـا بشكل أضعف.

 

2- أن الموقف الدولي يتغير ببطء، يعني ربما في القرن الواحد قد يتغير مرة أو مرتين أو ثلاثة أو أكثر أو أقل. ولذا يجب متابعة الموقف الدولي وملاحظة المعطيات الجديدة الطارئة عليه لمحاولة التنبؤ السياسي بالموقف الدولي القادم لأن عدم ملاحظة ذلك يجعل الدولة والسياسيين بعيدين كل البعد عن فهم العالم والتأثير فيه.

 

3- أن الموقف الدولي قد يطرأ عليه بعض المعطيات الجديدة التي تشعر المتابع بأن الموقف الدولي سيتغير مع السنين القادمة سواء خمس سنين أو عشر سنين أو غير ذلك ولكن التغيير قادم لا محالة، ولكن المبهم وقته بالضبط. ومع ذلك فقبل أن تحدث إزاحة الدولة الأولى عن موقعها كدولة أولى وحلول دولة أخرى محلها لا يقال إن الموقف الدولي تغير؛ لأن الدولة الأولى بقيت هي الأولى ولم يحل محلها أحد بعد. وهنا يقال تزعزع وضع الدولة الأولى أو ضعفت سيطرة الدولة الأولى أو سيتغير الموقف الدولي حتما ولكن متى بالضبط لا أحد يعلم. وهنا يقال أن الموقف الدولي لم يتغير بعد لأن الدولة الأولى في العالم ما زالت هي الدولة الأولى عالميا ولم يحل محلها أحد بعد رغم ما حل بها من ضعف وتراجع في تفردها، ولذا هناك فرق كبير بين تغير الموقف الدولي وبين تزعزع وضع الدولة الأولى عالميا.

 

والذي يزعزع وضع الدولة الأولى في العالم أمور كثيرة منها: ظهور تحالفات سياسية أو اقتصادية أو منظمات تجمع كل أو بعض الدول الكبرى التي تزاحم الدولة الأولى في العالم، كمنظمة شنغهاي للتعاون، والاتحاد الأوروبي مثلا. كما أن وجود عملة جديدة منافسة لعملة الدولة الأولى هو علامة لافتة للنظر وعامل جديد من عوامل المزاحمة الفعالة كاليورو مثلا. أو عندما تضعف الدولة الأولى في العالم اقتصاديا وثقافيا بسبب ممارسات اقتصادية وسياسية خاطئة كأمريكا اليوم بعد بناء أسواقها على الوهم ودون وجود مخزون حقيقي لهذه الأسواق الوهمية. أو عند تقدم دولة في مجال معين على الدولة الأولى كتفوق الصين على أمريكا في بعض المجالات التقنية وتحل محلها في ذلك المجال كتكنولوجيا 5G أو غيرها. كل هذه الأمثلة تعتبر معطيات جديدة ومهمة دالة دلالة واضحة على أن الموقف الدولي سيتغير في المستقبل القريب لأن موقف الدولة الأولى قد تزعزع وفي حالة تراجع وتقهقر.

 

ويبقى السؤال لصالح من سيتغير الموقف الدولي؟ إن هذا يعتمد على قوة وفعالية الدول المنافسة والمزاحمة للدولة الأولى ومدى جاهزية وقدرة دولة كبرى ما على التقدم عن باقي الدول في معظم المجالات في إزاحة الدولة الأولى عن موقعها والحلول مكانها.

 

ولهذا لا يقال الآن إن الموقف الدولي قد تغير، لأن أمريكا ما زالت هي الدولة الأولى في العالم، ولكن يمكن أن يقال تزعزع وضع أمريكا في العالم بسبب ضعفها لأسباب كثيرة وفي اتجاهات عديدة. ويقال إن الموقف الدولي سيتغير حتما ولكن يحتاج بعض الوقت، فإن جاءت دولة وقوت نفسها مقابل الضعف الأمريكي أو وجد تحالف جدي سياسي بين الدول الكبرى فإن إزاحة أمريكا عن موقعها كدولة كبرى وارد، وعند إزالتها فقط يقال تغير الموقف الدولي.

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

الدكتور فرج ممدوح

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع