الجمعة، 19 رمضان 1445هـ| 2024/03/29م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
الكلمة الثانية: لماذا تأزمت الديمقراطية في عقر دارها؟

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الكلمة الثانية

لماذا تأزمت الديمقراطية في عقر دارها؟

محمود كار

رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية تركيا

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مشاهدينا وضيوفنا؛ إخواننا الكرام!

مرت تمام المائة سنة على يوم هدم دولة الخلافة العثمانية على أيدي الإنجليز وعملائهم المحليين. ومرت خمس وسبعون سنة على احتلال كيان يهود للمسجد الأقصى المبارك. ومر من الزمان أكثر من ثلاثين سنة على انتهاء الحرب الباردة. ويمكننا القول بعد ذلك إن العصر الأمريكي أيضا آذن بزوال من بعد زوال عصر أوروبا الصناعي، لأنه لم يبق بين أيدي الكفار الغربيين ما يقدمونه للإنسانية سوى ديمقراطية عفنة.

 

كانوا يظنون أنهم بديمقراطيتهم سيبقون الإنسانية في سبات سنين مديدة، وكانوا يحلمون بتأسيس حضارات ديمقراطية فوق تراب بلاد الإسلام. وفي الواقع فهم يعلمون يقينا أن أحلامهم هذه غير قابلة لأن تتحقق، لكن لم يبق في أيديهم حيلة. وما بقي لهم في اليد سوى شيء واحد، هو الديمقراطية العفنة. فقاموا باحتلال أفغانستان والعراق وسوريا حاملين وعود الديمقراطية، وقدموا للأنظمة العميلة لهم في تونس ومصر وليبيا، وعود الديمقراطية مادة للبقاء. ولأجل ذلك قاموا بتشجيع جبهة الإنقاذ الإسلامية في الجزائر، وحزب الرفاه في تركيا، والإخوان المسلمين في مصر، وحماس في فلسطين على خوض الانتخابات الديمقراطية، لكنهم لما لم يجدوا ذلك مناسبا لهم في مصر قاموا بالانقلاب على مرسي الفائز بالانتخابات ودعم السيسي الانقلابي ضده.

 

المشاهدين الكرام! هكذا يكون حساب أمريكا والغرب مع الإسلام والمسلمين، حساب كوني دام مائة سنة، وما بقي بين أيدي الكفار من سلاح يستخدمونه في هذه المحاسبة سوى سلاح ثقافي هو سلاح الديمقراطية البالية. لكن من المؤلم أن يوجد بيننا حكام خونة عملاء هم من يستخدمهم الغرب كسلاح ضد المسلمين. هؤلاء الذين رأوا في احتلال أمريكا للعراق استقداما للديمقراطية إلى المنطقة، وكان من هذا الفريق رئيس الجمهورية التركية أردوغان الذي عمل بإخلاص سنين طويلة في رئاسة مجموعة مشروع الشرق الأوسط الكبير. ومن سوء حظهم فقد ذهبت جهودهم تحت مطحنة الربيع العربي أدراج الرياح.

 

وعلى شاكلة أولئك الحكام يوجد علماء حداثيون وأكاديميون يقولون إنه لا يوجد في الإسلام نظام خاص به، وإن الخلافة فكرة طوباوية (خيالية)، مع أن الطوباوية على حقيقتها تتمثل في الديمقراطية، التي هي نظام متخيل لا يتصور تطبيقه. لماذا؟ لأنه لا يمكن لشعب ما أن يمارس الحكم والإدارة، ولا تتمثل إرادة الأغلبية الشعبية في أي واحدة من هذه الأنظمة. وأكثر البلدان المنتحلة للديمقراطية إما أنها تدار بواسطة أقلية أو بحكومات تتكون من تحالفات حزبية. ولذلك فإن القول بأن "البلدان التي تطبق الديمقراطية، تعكس برلماناتها وجهة نظر الأغلبية" إنما هو كذب ومخادعة.

 

وأبرز أمثلة على ذلك نراها شاخصة في الدول الغربية، فإنه مهما يكن رئيس الدولة أو مجلس الشيوخ في أمريكا مثلا يأتيان بناء على انتخابات، فإن المحدد لانتخابهما ليست هي الإرادة الشعبية، وإنما إرادة شركات المال الرأسمالية. وهكذا فإن جميع رؤساء أمريكا وأعضاء مجالس شيوخها المنتخبين هم حتى اليوم ممثلون لإرادة أصحاب شركات النفط والسلاح، وهم الذين يمولون في انتخابهم كل شيء حتى دعاياتهم الانتخابية.

 

والديمقراطية التي قامت أمريكا باستثمارها لتستفيد منها أزمنة طويلة، آخذة بالضمور فالانهيار يوما بعد يوم، ولذلك فقد تم التذرع بذرائع حقوقية من أجل التمويه على الخرافات التي صدرت من الرئيس السابق ترامب لحماية استمراره في الإدارة، والآن يقوم بايدن بالعمل على تنظيف الأنقاض التي تركها ترامب. لكنه مع قيامه بذلك فهو يريد من جهة أخرى الأخذ بالانتقام، وهكذا ستبقى أمريكا منشغلة في دائرة مشاكلها وتخبطاتها الداخلية.

 

لقد وصلت أمريكا إلى حالة لم تعد تستطيع فيها استخدام مقولتها المخادعة السحرية "جئناكم بالديمقراطية" في المحافظة على استعمارها للبلاد الأخرى، ذلك أن الشعوب والناس في سائر البلاد صاروا يقولون: فلتعمل أمريكا على إيجاد الديمقراطية فوق أراضيها أولا، وليطبق الغرب الديمقراطية فوق أراضيه وبين شعوبه أولا.

 

لن يستطيعوا إيجادها ولا تطبيقها، لأن الديمقراطية ليست سوى أكبر كذبة في المائة سنة الأخيرة من كذب الشركات والدول الاستعمارية ليخدعوا بها الشعوب.

 

لقد رأيتم ردة فعل أمريكا على مظاهرات الخامس والعشرين من آذار/مارس 2020 بعد قتل جورج فلويد في مينيسوتا على يد موظف من الشرطة، لقد هدد ترامب باستخدام القوة المدججة بالأسلحة الثقيلة في حال قام المحتجون بمحاولة اجتياز جدران البيت الأبيض، لكن ترامب نفسه عندما أحس بفقدانه الانتخابات، لم يقم بمنع أنصاره من اقتحام مبنى الكونجرس! هل يمكنكم تصور ذلك؟ الشعب في أمريكا التي تنشر الديمقراطية في العالم، يرى الانتخابات غير شرعية، فيقتحم مباني الإدارة في الدولة، ويتمرغ حلم أمريكا بالتراب.

 

ولو كانت الديمقراطية شيئا حقيقيا، لمدت أمريكا يدا إلى شعبها أولا، لكنها لم تفعل، وإنما حولت السلاح إلى صدره.

 

الديمقراطية ليست سوى نظام قبيح باعث على الاشمئزاز، عفن بالٍ، في حقيقة الأمر، فالحريات الديمقراطية آخذة بالإنسانية جمعاء نحو الهلاك. يريد الناس فيها حيازة كل شيء، فإن لم يستطيعوا صاروا في ضيق، ويقولون: إن المال أساس الحياة، مع أن المال في جميع الأنظمة الديمقراطية مجتمِع في أيدي حفنة من الناس في المجتمع، وهذه الأقلية تقوم برهن الإرادة الشعبية لصالحها في واقع الأمر، وتقوم بإعطاء الأنظمة محدداتها.

 

-      يعيش نصف سكان العالم، أي أكثر من ثلاثة مليارات من البشر على أقل من دولارين في اليوم.

-      ويعيش مليار ونصف المليار من الناس على أقل من دولار في اليوم.

-      وهكذا يحوز عشرة بالمائة فقط من سكان العالم سبعين بالمائة من مجمل الدخل العالمي، بغير وجه حق.

-      ويبلغ عدد الذين يعيشون عند خط الفقر المدقع 1,1 مليار إنسان.

-      ويفقد أكثر من 10 ملايين طفل حياتهم كل عام جوعا.

 

ولرؤية مبلغ الفساد في الدول الغربية التي تطبق الديمقراطية، أريد مشاركتكم بعض البيانات الإحصائية الإضافية أيضا:

-         ينتحر شخص في أمريكا كل 11 دقيقة، وفي حزيران الماضي أفيد بأن 40٪ من البالغين في الولايات المتحدة يعانون من اضطراب عقلي أو تعاطي المخدرات.

-      ويقتل في أمريكا أيضا شخص كل 23 دقيقة، وتغتصب امرأة كل دقيقتين، ويتعرض شخص كل 49 ثانية للهجوم.

 

المشاهدين الأعزاء:

إن صحة أو خطأ أي نظام مرتبط تمام الارتباط بصحة قاعدته الفكرية أو خطئها، واليوم يتم تزيين الديمقراطية التاريخية التي جربت في أمريكا وأوروبا وتقديمها بين أيدي المسلمين، ولو نظرنا أدنى نظرة إلى التجربة الإنسانية للديمقراطية، لما رأينا شيئا سوى العفن والفساد. وإذا نظرنا في الجهة الأخرى إلى التجربة السياسية الإسلامية التي استمرت 13 قرنا، لوجدنا الاستنارة والانتشار. لكن الخونة حكام المسلمين للأسف، أفكارهم مليئة بالعقد، وأما علماؤهم فيمموا وجوههم قبل الغرب، وصار نشر الديمقراطية الغربية في بلادنا شغلهم الشاغل، وكأنه لا وجود لمشروع خاص بنا، وكأن الإسلام لم يضع مشروعا للحكم والإدارة!

 

ونحن بعد كل ذلك نقول بملء أفواهنا: نعم! نحن طلاب الخلافة، لأننا نملك مشروعنا الذاتي، لأننا نقول إن الإسلام عقيدة تقتضي شريعتها الكاملة العامة تنظيم جميع مناحي الحياة بغير استثناء. قال الله سبحانه وتعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً﴾.

 

ولهذا نحن نقول أيضا: إن لنا مشروعنا الصحيح، مشروع الخلافة الراشدة. والخلافة الراشدة هي شكل نظام الحكم الذي يمكن به تطبيق الإسلام. وإقامة الخلافة الراشدة هو فرض ظاهر تمام الظهور.

 

وأنهي كلمتي بمشاركتكم فقرة قصيرة من الخطاب الذي وجهه أمير حزب التحرير، عطاء بن خليل أبو الرشتة إلى الأمة في مؤتمر الخلافة الذي أقيم قبل ست سنوات في إسطنبول، بعنوان: "النموذج الرئاسي الديمقراطي، أم نموذج الخلافة الراشدة؟"، حيث قال أميرنا الكريم: "فالخلافةُ الحقة ليست مجهولة... إنها نظامٌ مميز بيّنه رسول الله ﷺ وسار عليه الخلفاء الراشدون من بعده، فليست الخلافةُ امبراطوريةً أو ملكية، ولا جمهوريةً رئاسية أو برلمانية، ولا دكتاتوريةً أو ديمقراطيةً تشرّع من دون الله، ولا أيَّ نوعٍ من الأنظمة الوضعية، ولكنها خلافةُ عدلٍ، وحكامُّها خلفاءُ أئمة، يُتَّقى بهم ويقاتل من ورائهم... إنها خلافةٌ تحمي الدماءَ، وتصونُ الأعراضَ وتحفظُ الأموالَ، وتفي بالذمة... تأخذ البيعةَ بالرضا والاختيار لا بالقهر والإجبار، يهاجرُ لها الناسُ آمنين لا أن يفروا منها مذعورين."

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع