الإثنين، 27 ذو الحجة 1446هـ| 2025/06/23م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

الأعمال السياسية

  • نشر في سياسي
  • قيم الموضوع
    (0 أصوات)
  • قراءة: 843 مرات

 

إن الأعمال السياسية ونخص منها هنا الخارجية؛ لهي من أهم الأعمال التي تقوم بها الدولة، وهي تتعلق بمصيرها وبمصير الأمة وبمصير مبدئها إن كانت مبدئية؛ فبالأعمال السياسية ربما تنهزم الدولة ولو كان لديها قوة عسكرية كافية لردع الخصوم أو الأعداء، وبهذه الأعمال ربما تستطيع أن تحقق الدولة أهدافا أكثر مما تحققه بالقوة العسكرية المجردة وبأقل كلفة وأقل خسارة وأكثر نجاعة. بل إن ما تحققه بالقوة العسكرية لا يدوم إذا لم تصحبها أعمال سياسة، ولا يتركز ما حققته بالقوة العسكرية إلا بالأعمال السياسية. حتى إن الأعمال العسكرية أصبح يقام بها لتحقيق أهداف سياسية أو تكون آخر حل، فلا يقام بها لذاتها، لأن المسألة ليست هي استخدام القوة ولا القتل ولا التدمير، وإنما هي تحقيق الانتصار على الخصم، إما بأن تخضعه الدولة لها مباشرة أي يصبح تحت حكمها، أو غير مباشرة فيصبح تابعا لها، أو يدور في فلكها يؤمن لها مصالحها أو يسهلها، أو تحيده لتتفرغ لمقارعة خصم آخر أو لتحقيق حسابات أخرى من ورائه.


ونحن هنا لا نريد أن نقوم بالتعريفات ولا بوضع النظريات أو شرحها، وإنما نريد أن نهتم بالأعمال أو نقوم بها بالفعل وكأننا على وشك تنفيذها فورا، ولو كنا نخط ذلك على الورق، ولكن ذلك للقيام بالعمل السياسي وللتنفيذ. كالمهندس الذي يرسم مخططا لتطبيقه على أرض الواقع؛ ولذلك كان موضوعنا هو موضوعاً عملياً يتطلب القيام بالعمل.


والدولة الإسلامية تقوم بالأعمال السياسية في الخارج بهدف حمل الدعوة الإسلامية للناس كافة وسيادة مبدئها في العالم وحماية نفسها من الأخطار والمؤامرات، وهي تقتضي نشر الأفكار الإسلامية والقيام بكل الأعمال التي تتطلبها الدعوة الإسلامية، ولهذا فإنها وهي تقوم بالأعمال السياسية تعمل لتحويل الرأي العام العالمي لصالح الإسلام ليحبب الناس بدخول دين الله أفواجا ولتكون الدولة الإسلامية هي المؤثرة عالميا؛ فتنشر الأفكار الإسلامية وتثقف الناس بها على كافة الأصعدة وبكل الوسائل والأساليب، وتجعل مفاهيم الإسلام هي السائدة دوليا وتحولها إلى أعراف دولية، فكل ذلك أعمال سياسية.


والجهاد ابتداء؛ من اتخاذ القرار إلى الإعداد والإشراف على العمليات حتى إعلان الهدن ووقف إطلاق النار والمصالحة وتبادل الأسرى وغير ذلك من الأعمال المتعلقة به، يسير حسب سياسة معينة يشرف عليها السياسيون وعلى رأسهم الخليفة ولا تترك للعسكريين. وقد جُعلت أول خطوة في الجهاد هي دعوة الناس إلى الإسلام قبل بدء القتال معهم، وهذا يشمل العمل السياسي والعمل الفكري الذي يسير حسب سياسة معينة، ويقام بأعمال سياسية وبإشراف من السياسيين على رأسهم الخليفة، وترصد له ميزانية وتحدد الأساليب والوسائل، وتحدد البلاد التي سيجري التركيز عليها أكثر ويرسل السفراء وحملة الدعوة. وقد جُعل القتال آخر خطوة، وقد سبقه عمل سياسي آخر؛ وهو مصالحة القوم لتحويل دارهم إلى دار الإسلام وحكمهم به وهم على دينهم. فجعل القتال آخر خطوة لتنفيذ سياسة معينة وهي سيادة الإسلام والحكم به.


ولذلك جعل الله إعداد ما استطعنا من قوة ليس للقتال في الدرجة الأولى، بل هو لإخافة الأعداء حتى يكفوا أيديهم عن قتالنا بدون قتال، أو أن يستسلموا لنا، أو أن يسهلوا لنا الطريق للوصول إلى عدو آخر، ولتحقيق أمر كبير لنصبح دولة كبرى مهيبة الجانب. فلا يمكن أن تصبح دولة كبرى إذا لم تكن ذات مكانة عالية يقدرها الناس ومرهوبة ومهيبة تستطيع أن تفرض إرادتها على الآخرين. فكان إعداد القوة يصب في خانة العمل السياسي. فهذه الآية التي قال الله سبحانه وتعالى فيها: ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ﴾ [الأنفال: 60] ذكر فيها أعداء الإسلام الظاهرين وهم في الخارج، فالمطلوب هنا إخافة الأعداء الذين هم في الخارج وجعلهم يخضعون أو يستسلمون للدولة أو على الأقل ألا يقوموا بأعمال عدائية ضدنا ولا يتصدوا لنا وأن نصبح قوة مهيبة تتمكن الدولة من فرض إرادتها على الأعداء.

 

وقد ذكر الأعداء الآخرين وهم في الداخل من المنافقين، وهؤلاء لا يحاربون بالسلاح، لأنهم يتظاهرون بالإسلام ويعدون أنفسهم مسلمين، ولكن يتم إخافتهم عندما يرون قوة الدولة فيخشونها فيخنسون ويختبؤون في جحورهم. فكان ذلك عملا يصب في قناة العمل السياسي لتقوية الداخل. والآية التي وردت عقبها تشير إلى أن المسألة ليست هي القتال في الدرجة الأولى وإنما لتصب في قناة العمل السياسي، فقال تعالى: ﴿وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [الأنفال: 61] أي إذا أرادوا المصالحة والاستسلام للدولة الإسلامية من دون قتال يقبل منهم، فيخضعون لسيادة الإسلام لتحكمهم به وتساويهم بالمسلمين في المعاملة وإعطاء الحقوق.


وقد رأينا أن الله يبشر المؤمنين بالانتصار بدون قتال في أكثر من واقعة، فقال في آية ﴿وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ﴾ [الأحزاب: 25]؛ وذلك بخصوص واقعة الخندق. وكذلك سماح رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الواقعة لنعيم بن مسعود ليقوم بالإيقاع بين قريش وحلفائها من يهود خيبر فانفرط حلفهم وتفرقوا. وكذلك في فتح مكة حيث قال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ﴾ [الفتح: 24]، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم زعيم قريش "أبا سفيان" يستسلم ومن ثم تركه يذهب إلى قومه ليبلغهم قرار رئيس الدولة الإسلامية بأنهم سيصبحون آمنين إذا دخلوا بيت زعيمهم أو بيت الله الحرام أو بيوتهم، أي ليطلب منهم الاستسلام حتى لا يقاوموا ولا يدخلوا في قتال مع المسلمين، فهذا عمل سياسي عظيم. وكذلك قبل ذلك في العمل السياسي الكبير عندما عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم صلح الحديبية بناء على وحي من الله، فحقق منه أهدافا كبيرة، وقد اعتبره الله فتحا ونصرا للمسلمين من دون قتال، فقال ﴿وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا﴾ [الفتح: 18]، إلى أن قال ﴿وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا﴾ [الفتح: 20]، وكذلك في استسلام يهود بني النضير من دون قتال عندما أدخل في قلوبهم الرعب والخوف من المسلمين وقد قبل الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم منهم الاستسلام، لأنه قد حقق الهدف، ومن ثم أجلاهم عن ديارهم، كما ورد في سورة الحشر: ﴿هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ * وَلَوْلا أَن كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاء لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ﴾ [الحشر: 2-3]. فطبق الرسول صلى الله عليه وسلم سياسة معينة عليهم بجعلهم يستسلمون فيجليهم عن أرضهم ويجعلها وأموالهم فيئا للمسلمين. وكذلك دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم المسلمين لقتال الروم في تبوك رغم قلة الإمكانيات وصعوبة الظروف لاختبار استعدادهم للقتال في أشد الظروف ولفضح المنافقين، ومن ثم التأكيد على استمرار الأعمال من قبل دولة الإسلام من بعده تجاه الروم للقضاء على كيانهم وفتح البلاد التي يسيطرون عليها، وقد انسحبوا من أمام المسلمين رغم قوة الإمكانيات التي لديهم، وربما أدرك الروم أن الدولة الإسلامية تريد أن تشتغل بهم وهذا سيكلفهم الشيء الكثير ويقوي من مكانة هذه الدولة الفتية على حسابهم، ولذلك فضلوا الانسحاب حتى لا يعطوا ذريعة لها في الاستمرار في قتالهم. وكذلك عندما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم رئيس الدولة الإسلامية بعمل سياسي آخر ضمن هذه الحملة على الروم؛ وهو الاتصال بالقبائل المحاذية للروم حيث صالحهم ليكونوا على الحياد كما يقال في هذا العصر، ولئلا يعرقلوا مرور جيوش المسلمين مستقبلا نحو الروم وليحولوا دون عبور الروم نحو دولة الإسلام من خلال تلك القبائل أو بمعاونتها.


والبشرى تحمل معنى المدح، أي أن العمل على تحقيق الانتصار من دون قتال هو المطلوب، وقد أكد في كثير من المواقع، ولا يكون ذلك إلا بالقيام بالأعمال السياسية كما رأينا من أعمال رئيس الدولة الإسلامية رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الوقائع التي بشر الله بها المؤمنين، وأن يعالج الأمر سياسيا، ويستعمل التهديد باستخدام القوة لتنفيذ هذه السياسة، ولا يستخدمها إلا إذا لم تتحقق النتيجة من دونها. وقد قال رسول صلى الله عليه وسلم: «لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية فإذا لقيتموه فاصبروا» (البخاري)، وهنا توجد إشارة للقيام بالأعمال السياسية للانتصار على العدو، لأنه لا يجوز أن نتوقف عن حمل الدعوة الإسلامية للعالم من أجل العافية، وحمل الدعوة الإسلامية يجعل كثيرا من الدول تناصبنا العداء وتتصدى لنا لتحول دون سيادة الإسلام عليها وانتشاره في ربوعها، فتصبح عدوا لنا. فيكون معنى الحديث أن نقوم ونعمل على تحقيق أهدافنا وعلى رأسها سيادة الإسلام في العالم بالأعمال غير القتالية، وعلى رأسها الأعمال السياسية مع الاستعداد للقاء العدو أي للقتال. ولهذا استأنف الرسول صلى الله عليه وسلم قوله بعبارة: «واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف» أي لإظهار الاستعداد للقتال حتى لا يظن العدو أننا غير مستعدين للقتال فنهون في نظره ويتمرد علينا ومن ثم يهاجمنا. ولهذا يجب أن يكون بجانب القيام بالأعمال السياسية إعداد قوة عسكرية تخيف الخصم مع إظهار الاستعداد لاستعمالها وللقتال حتى يهابنا العدو، فذلك يسهّل القيام بالأعمال السياسية وتحقيق الأهداف بها.


وهناك أمثلة كثيرة في سيرة قائد الأمة ومؤسس دولتها وقدوتها الحسنة رسولها الكريم صلى الله عليه وسلم يجب تتبعها ودراستها وتعلمها. وقد رأينا كيف اقتدى به الخلفاء الراشدون من بعده. فقد أصر الخليفة الراشدي الأول أبو بكر على أن يرسل جيش أسامة، فإذا لم يرسله فإن الروم والمنافقين سوف ينظرون إلى المسلمين أنهم قد ضعفوا ولا يقوون على قتال فيطمعون بهم فيبدأون بمهاجمة دولتهم للقضاء عليها وعليهم. ولذلك أرسل هذا الجيش نحو وجهته إلى الروم وجعله يسير بين القبائل التي ارتدت أو التي امتنعت عن أداء الزكاة حتى يظهر قوة الدولة واستعدادها للقتال، في الوقت الذي هيأ جيشا آخر لمحاربة المرتدين ومانعي الزكاة. فهذا عمل سياسي عظيم ونظرة سياسية مستقبلية ثاقبة. وقد لبى الخليفة الراشدي الثاني عمر رضي الله عنه طلب بطريرك نصارى القدس بأن يجيء إليهم من مسافات بعيدة ليستسلموا له مباشرة من دون قتال، مع العلم أن الجيوش الإسلامية كانت قادرة على مدينة القدس واقتحامها عسكريا حيث كانت تحاصرها. وهناك أمثلة كثيرة من تاريخ دولة الإسلام للخلفاء والقادة كيف كانوا يتقنون فن القيام بالأعمال السياسية. وآخرهم كان الخليفة عبد الحميد الثاني عندما رأى تآمر الدول الغربية على الدولة الإسلامية من أول يوم نصب فيه خليفة وقد عقدوا مؤتمر برلين عام 1878 بهذا الخصوص، فصار يعمل على دفعهم عن دولته بجعلهم يتصارعون فيما بينهم، وفي الوقت نفسه يعمل على إنقاذ الدولة وتقويتها بعدما أصابها الهزال والضعف الذي جعل تلك الدول تطمع فيها وتتآمر عليها وتجتمع من أجل تقاسمها بينها في ذلك المؤتمر وتطلق عليها الرجل المريض الذي فقد القوة وأصبح من السهل السيطرة عليه وسلب ممتلكاته ومن ثم القضاء عليه. ولكن عندما وصلت طغمة عسكرية من حزب الاتحاد والترقي إلى الحكم بعدما قامت بالانقلاب على عبد الحميد وبدأت تدير شؤون الدولة، وهي لا تفهم السياسة الدولية ومؤامرات الدول الكبرى ولا أهمية القيام بالأعمال السياسية، ولا تفهم إلا استخدام القوة العسكرية والقتال، عند ذلك استطاعت ألمانيا أن تخدع هذه الطغمة العسكرية الحاكمة وتدخلها بجانبها في أتون الحرب العالمية الأولى، وذلك ما كان يتجنب فعله الخليفة عبد الحميد صاحب العقلية السياسية. فدمرت تلك الطغمة ذات العقلية العسكرية الدولة لحماقتها وعدم إدراكها للخدع السياسية وفن القيام بالعمل السياسي.


ولهذا وجب أن يركز على القيام بالأعمال السياسية بشكل كبير جدا والاهتمام بها اهتماما بالغا. فالدولة لو كانت إمكانياتها قليلة وقدراتها ضعيفة ولكنها تتقن فن القيام بالأعمال السياسية فإنها سوف تحقق الكثير الكثير، أكثر مما تحققه دولة لديها إمكانيات ضخمة وقدرات عسكرية قوية ولكنها لا تتقن فن القيام بالأعمال السياسية. وقد رأينا الدولة الإسلامية وهي دولة ناشئة إمكانياتها قليلة وقدراتها ضعيفة على عهد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم كيف كانت تتقن فن القيام بالأعمال السياسية مع عدم إغفال إعداد القوة واستخدامها عند اللزوم واقتدى به الخلفاء الراشدون من بعده، فحققت انتصارات كبيرة وفتوحات عظيمة بأقل تكلفة وبأقل خسائر في الأرواح والأموال حتى أصبحت دولة كبرى، بل الدولة الأولى في العالم خلال مدة قصيرة، أقل من ثلاثة عقود، وهذا دليل شرعي على وجوب القيام بالأعمال السياسية وإتقانها.


وليس هناك مانع من أن نضرب أمثلة من الدول الكافرة الحاضرة حتى تتضح الصورة، فبريطانيا رغم أن إمكانياتها العسكرية والمادية والبشرية قليلة بالنسبة للصين، ولكنها بفضل قيامها بالأعمال السياسية ومحاولة إتقانها فإنها تتفوق على الصين بالتأثير في الموقف الدولي بسبب أن الأخيرة فهمها السياسي أضعف بكثير من الأولى وهي لا تتقن فن القيام بالأعمال السياسية. وقد استطاعت بريطانيا وهي جزيرة صغيرة أن تصبح دولة كبرى وتسخر أمريكا صاحبة الإمكانيات الضخمة والقدرات الهائلة لسياستها بفضل قيامها بالأعمال السياسية ومحاولة إتقانها إلى أن أدركت أمريكا أعمال بريطانيا السياسية فقررت فصل أعمالها السياسية عنها منذ منتصف القرن الماضي. وقد أصبحت بريطانيا دولة أولى منذ الحرب العالمية الأولى حتى الحرب العالمية الثانية بفضل قيامها بالأعمال السياسية وقد خدعت فرنسا بفكرة نزع السلاح قبل الحرب العالمية وغضت البصر عن تسلح ألمانيا حتى يصبح توازن بين هاتين الدولتين. وهي تسخر الآخرين لتحقيق مآربها بدون أن تشعرهم بذلك، بل تجعل الآخرين يحاربون من أجلها وتحقيق سيادتها ومصالحها. واستطاعت بذلك أيضا أن تسيطر على مناطق كثيرة في العالم حتى سميت بالإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس. وما زالت تعتبر دولة كبرى رغم فقدها للكثير من مناطق نفوذها ولضعف إمكانياتها المادية والعسكرية، إلا أنها بفضل إدراكها للسياسة ولقيمة العمل السياسي واستمرارها بالأعمال السياسية بلا ملل ولا كلل ولا يأس ولا إحباط رغم وجود عوامل ذاتية تتعلق بإمكانياتها وعوامل دولية تجعلها تحبط وتيأس من القيام بتلك الأعمال وتسير في ذيل أمريكا كأغلب الدول الأوروبية، فبفضل ذلك حافظت على نفسها دولة كبرى عالميا لتبقى مؤثرة في الموقف الدولي وتعمل لتعيد غابر أمجادها.


والاتحاد السوفياتي كانت لديه إمكانيات ضخمة وقدرات عسكرية هائلة ولكنه سقط بفضل الأعمال السياسية التي قام بها الآخرون تجاهه، وهو في أوج قوته العسكرية. وقد بدأ ذلك منذ أن جعلته أمريكا يوقع على اتفاقية فينا عام 1961 ويتبع سياسة الوفاق الدولي معها ويتخلى عن مقارعتها مبدئيا ثم يبدأ تدريجيا بالتنازل عن مبدئه في الداخل والخارج، ومن ثم تقوم أمريكا وتخدعه ليوقع معها عدة معاهدات للحد من نشر الصواريخ ذات الرؤوس النووية والأسلحة الاستراتيجية، إلى أن حاكت له خديعة حرب النجوم الخيالية حتى تجعله يخوض معها سباق تسلح ترهقه وتنهك اقتصاده، ومن ثم أوقعته في فخ حرب أفغانستان لتجعل المسلمين يلقنونه درسا قاسيا وهي تمدهم بكافة الأسلحة حتى يضطر للخروج منها مهزوما وتحل محله في هذا البلد. وبجانب ذلك قامت باستخدام شعار حقوق الإنسان والحريات لتحرض الناس عليه، أي على الاتحاد السوفياتي وتؤلب الرأي العام ضده فأحدث ذلك أثرا ليس بسيطا، حتى إن قادته تأثروا بذلك، فصاروا يعملون على الانفتاح وإطلاق الحريات تحت فكرة إعادة البناء فتخلوا عن مبدئهم، وأسقطوه بأيديهم وأسقطوا دولتهم عام 1991.


فالعمل السياسي هو عبارة عن رعاية للشؤون أي القيام بهذه الرعاية فعلا، ونحن هنا نركز على العمل السياسي الذي يتعلق برعاية الشؤون الخارجية للأمة، أي بالسياسة الخارجية للدولة التي تقيم علاقات مع الدول الأخرى لتحقيق مصالح الأمة وأهدافها. وهو ليس تنظيراً وإلقاء دروس نظرية وخطب ومواعظ، وإنما هو عبارة عن تصرفات فعلية وقولية محسوسة ومحسوبة لتحقيق أهداف معينة للدولة في الخارج، فهي ممارسة عملية من قبل رجال يتقنون فنّها. أما العمل السياسي الداخلي فهو عمل يتعلق بتحقيق مصالح الناس وهم رعايا الدولة والقيام بخدمتهم وحل مشاكلهم والعمل على رقيهم ورفع مستواهم، ويتطلب الرأفة بهم والأخذ بمعاذيرهم ومراعاة ظروفهم وما يحصل من تقصير وإهمال منهم. هذا العمل يختلف كثيرا عن العمل السياسي الخارجي الموجه للتعامل مع القوى الخارجية؛ منها التي نحن في حرب فعلية معها، ومنها التي تطمع في غزونا واحتلال بلادنا، أو تعمل على استعمارنا، أو تريد أن تفرض هيمنتها وسيادتها علينا، ومنها التي تتآمر علينا وتكيد لنا للقضاء على كياننا كدولة وكأمة وعلى مبدئنا كما فعلت من قبل وما زالت تفعل. وهذه القوى لا ترحم وهي مستعدة أن تقوم بكل عمل خبيث وأن تكذب وتخدع وتخالف كل القوانين والأعراف. وقد تبنت النفعية أساسا لحياتها ومقياسا لأعمالها، كما تبنت المكيافيلية القائلة بأن الغاية تبرر الوسيلة بجانب البراغماتية أساسا لسياستها التي تركز على تحقيق المصالح فقط، وتعتبر السياسة كلها كذباً وخداعاً ونفاقاً، والدبلوماسية عبارة عن مداهنة ولف ودوران، وهي تقول لا أخلاق في السياسة، ولا تعترف بالناحية الروحية فيها ولا في غيرها، وهي مستعدة أن تغدر بمن عاهدته إذا رأت ذلك ممكنا ويحقق مصالحها. وصدق الله فيهم عندما قال: ﴿كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ﴾ [التوبة: 8] فهم يتقنون الكذب والخداع، ويتفننون في ذلك، ولكن قلوبهم مليئة بالغيظ علينا والكيد لنا، ولذلك حذرنا الله منهم في قاعدة سياسية أخرى قائلا: ﴿وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ﴾ [الأنفال: 58]، أي إذا أحسسنا منهم خيانة فيجب علينا أن نتخذ الإجراء اللازم ونتحرك بسرعة ولا ننتظر مباغتتهم لنا، أي يجب أن نكون يقظين فنقوم بالأعمال التي تكشف مؤامراتهم وتفضح ألاعيبهم وخططهم، ولا يكون ذلك إلا بتتبع الأحداث السياسية وتحليلها وفهمها فهما صحيحا.


وقد أصبحت الأعمال السياسية في العصر الحديث تأخذ الدور الأول في العلاقات الدولية وفي أخذ زمام الأمور وللتأثير في الموقف الدولي ولتبوّء مركز الدولة الكبرى. فصارت الدول الطموحة الواعية تحرص على القيام بالأعمال السياسية وتركز عليها وما يلزم لذلك من أعمال تقتضيها لأنها أدركت قيمتها وما تحققه لها من مكاسب بكلفة قليلة، ويكفي لذلك أن تحسن القيام بها وتتقن صنعتها وما يلزم لإنجاحها.


إن الأعمال السياسية الخارجية كثيرة جدا ومتعددة ومتنوعة فهي تشمل الدبلوماسية والمفاوضات وكيفية إدارتها وكسبها والاتصالات وعقد المؤتمرات والتحالفات والصداقات والتعهدات وعلاقات حسن الجوار وتنظيم الاجتماعات والنقاشات، واستخدام أساليب الإقناع، والمكر مثل الإيقاع بين الأعداء المتحالفين، أو نصب فخ للآخرين أو صرفهم لجهة أخرى، والبحث عن حيلة للخروج من مأزق ما، والمناورة مثل تغيير الاتجاه لخداع الخصم، والقيام بالأعمال مع إخفاء الأهداف، وجمع المعلومات عن الأعداء وكشف أسرارهم ومواطن ضعفهم ومدى تماسك بنيتهم الداخلية والصراعات الموجودة في داخلها والاستفادة من ذلك، وإغراء الأعداء أو تحييد بعضهم والاشتغال بواحد منهم، وإظهار الاهتمام بواحد وعدم الاكتراث بآخر، والعمل على كسب الدول والشعوب الأخرى، وضرب تحالفات الآخرين وفضحهم وإفشال مؤامراتهم ومخططاتهم وإدراك أساليبهم وإسقاطها، وفضح كذبهم ومراوغاتهم وقلبهم للحقائق أو إخفائها أو إظهار أنصافها، ولتسهيل الحصول على النتائج تستخدم وسائل التأثير الفكرية والإعلامية والدعائية وما يسمى بالحرب النفسية للتأثير على معنويات الخصوم وجعلهم يشعرون بالضعف والانهزام، والقيام بالضغوط وأنواع الحصار وتضييق الخناق، وإظهار التفوق، وتقييم ظروف الدول الأخرى وعلاقاتها مع بعضها والتحرك للاستفادة من ذلك، وإيجاد الرأي العام العالمي أو إثارته ضد الآخر، وإثارة الداخل والمشاكل للدولة المستهدفة، واستعمال أنواع التهديد، والتلويح باستخدام القوة، وكذلك استعراضها، وإظهار عظمة الدولة وإنجازاتها وتلميع صورتها والترويج لسياساتها وحنكتها السياسية وحنكة سياسييها، وتشمل معرفة الدولة متى تقوم بالأعمال العسكرية ومتى لا تقوم بها ولأي غرض ستستخدمها.


ولذلك يجب أن يكون السياسيون الذين سيديرون السياسة الخارجية والذين سيساعدون رئيس الدولة أو الخليفة في إدارة هذه السياسة وينفذون الأهداف المحددة والخطط المرسومة، يجب أن يكونوا حقا بمعنى الكلمة سياسيين مبدعين حاذقين، يتحلون بصفات تمكنهم من أن يقوموا بهذه الأعمال الكثيرة والمتنوعة وأن يدركوا أعمال الخصم ويسقطوها. فلا يمكن أن يكونوا من السذج أو من أصحاب النيات أو القلوب الطيبة كما يقال، لأنهم سوف يتعاملون مع أنداد أو نظراء لهم ربما يكونون على درجة عالية من الخبث والدهاء، وخاصة من الدول الاستعمارية، فهم من نوع الثعالب والذئاب لا يرأفون ولا يرحمون، لا يفكرون إلا في كيفية هزيمة خصومهم والسيطرة عليهم، ويبحثون عن كيفية إيقاعهم في الشرك، ولا يعرفون إلا مصالح دولهم. ومن يتابع السياسة ومَن درس التاريخ السياسي يدرك ذلك ويعرف كيف هزمت دول دولا أخرى بألاعيب سياسية انطلت على الآخرين. ولهذا يجب أن يتمتع الساسة بالدهاء السياسي والحنكة السياسية وأن يكونوا أصحاب فكر ثاقب ورؤية بعيدة يرون ما وراء الجدار ويستشرفون المستقبل ويتصورون الأمور وعواقبها، لو فعلوا كذا لكان كذا، ولو فعلوا كذا فماذا تكون النتيجة، وماذا سيستفيدون من ذلك وماذا سيخسرون، وما سيستفيده الخصم أو الطرف الآخر. فهم أصحاب فطنة وحذر وعندهم سرعة البديهة وسرعة الملاحظة فيدركون ماذا يريد الطرف الآخر ويعرفون بماذا سيجيبونه وكيف سيتصرفون تجاهه بأسلوب مناسب، فلديهم الوعي التام فيحذرون من الوقوع في الفخ، وهم لا يتسرعون، ينتبهون إلى تصرفاتهم القولية والفعلية حتى لا يضطروا إلى التراجع فيقعوا في حرج أو يصبح موقفهم ضعيفا، فهم لا يتهورون، ولا يظهرون غضبهم، يضبطون أعصابهم ويكتمون أنفاسهم حتى يصلوا إلى مرادهم إلا إذا لزم إظهار الغضب للتأثير على الخصم واستعمال التهديد، ولكنهم بعيدون عن الحماقة والتهور، يجمعون بين القوة والحكمة، يعرفون كيف يأتون الأمور، فعندهم حسن التأتي وحسن التصرف وبُعد النظر.


والدولة في سياستها الخارجية تقيم الأوضاع وتعمل على استغلال الفرص السانحة وتوظيف الأحداث للأهداف، وأحيانا تقتضي التأني وانتظار الفرص والنظر في الظروف. فتقوم بعمل التقديرات والحسابات السياسية حتى تقلل من أخطائها إلى آخر حد، وتعمل على رسم الخطط واستعمال الأساليب حسب ذلك، وتستخدم كل أوراقها التي بيدها وتحشد كل قواها حتى تحقق أهدافها.


ولا يمكن أن يصبح المرء سياسيا إلا إذا تمتع بحس سياسي، وهذا يتأتى بالتفكير السياسي ومتابعة الأحداث السياسية أولا بأول وبدون انقطاع، وربط ما يتعلق بها ببعضها البعض مع ربطها بالموقف الدولي، فيصبح لدى الإنسان فهم سياسي يدرك الأمور فورا، ويدرك من يقف وراءها وما أهدافه، ويدرك أن هذا ممكن وذاك غير ممكن، أو أن هذا الأمر يسير في هذا الاتجاه أو في ذلك الاتجاه، وعندما يبدأ بالتحليل السياسي يتبلور له ذلك. فالأعمال السياسية تقتضي فهم الأوضاع السياسية والموقف الدولي ومتابعة تقلباته، وذلك يتطلب التحليل السياسي. فيتناول السياسي الحدث ويبدأ بدراسته من كل جوانبه وما يتعلق به وربطه بالموقف الدولي.


وأثناء التحليل يجب التمييز بين من يعمل على توظيف الحدث أو استغلاله وبين من يقف وراء الحدث أو صانعه، فيجب أولا تحليل الخبر بالنظر إلى مجريات الأحداث ومن يقف وراءها وما يهدف منها وربما تحصل النتيجة ليست كما أراد صانع الحدث، أو أن يأتي آخر ويوظفها لصالحه، فمثلا؛ لقد طبخت إنجلترا اتفاقية أوسلو ووادي عربة مع عملائها في السلطة الفلسطينية وفي الأردن، فجاءت أمريكا وخطفت ذلك منها ووظفتها لصالحها. والثورات في البلاد العربية قامت بشكل عفوي فلم تصنعها أية دولة كبرى، ولكن جاءت كل دولة كبرى لتعمل على أن تحتويها أو تحرفها عن مسارها بسبب وجود نفوذ لها في البلد وقوى تابعة لها تعمل على الحفاظ على مكتسباتها وقد ربطت مصيرها بالدول الكبرى وأبت أن تنحاز إلى أمتها. فمثلا؛ لا يقال أن أمريكا كانت من وراء الثورة المصرية، ولكن أمريكا عملت على أن تحتويها وأن تحرفها عن مسارها وتحول دون خروج مصر من قبضتها. وينطبق الأمر على تونس حيث إن لبريطانيا قوى فيها عملت بواسطتها على أن تحتوي الثورة لتفرغها من مضمونها وتحافظ على النظام القديم، وينطبق الأمر على ليبيا وعلى اليمن حيث يجري الصراع بين بريطانيا صاحبة النفوذ فيهما وأمريكا القادمة إليهما، ويتصارع الطرفان عن طريق عملائهم في البلدين وفي المنطقة. وسبب كل ذلك أن الوعي لم يكتمل تماما لدى الناس الثائرين عامة ولدى الذين تصدروا قيادتهم خاصة، وسبب ذلك أيضا تصدّر قيادات لا تتمتع بالإرادة الصادقة للمشهد ولا تعمل على التغيير الجذري فوصلت إلى الحكم وخذلت الناس المطالبين بإسقاط النظام وإحداث التغيير الذي ينتج لهم حياة كريمة وعزّاً وسؤدداً. ولكن أمريكا وغيرها من الدول الكبرى لم تنجح في سوريا حتى الآن بالرغم من تآمرها على ثورتها وعلى شعبها والتضييق عليه من كل الجهات وضربه بحجة وجود المتطرفين والمتشددين والإرهابيين، وجعل بشار أسد وإيران وحزبها في لبنان يمعنون قتلا وذبحا في هذا الشعب على مدى أربع سنوات، وسبب عدم نجاح هذه القوى كلها في حرف الثورة أو القضاء عليها هو أن وعي الثوار والناس في سوريا وصل إلى درجة عالية مع وجود قيادات مخلصة وحزب سياسي مخلص ولفظهم للذين يحاولون أن يتصدروا القيادة من العملاء سواء في الائتلاف الوطني أو في غيره.


فهذا التمييز بين من يوظف الحدث ويستغل الوضع وبين من يصنع الحدث ومن يقف وراءه مهم جدا حتى يدرك الإنسان الأمور على حقيقتها وألا يقع في التضليل، ويعرف كيف يتعامل معها ومع من يقف وراءها. فعندما يدرك المرء أن الثورات في البلاد العربية كانت عفوية والدول الكبرى عملت على حرفها واحتوائها بواسطة عملائها عندئذ يبقى يعمل بين الناس الذين قاموا بالثورة في محاولة جادة لتوعيتهم ولأخذ قيادتهم، لأنهم قاموا بثورتهم من أنفسهم بإخلاص منهم، فهو يؤيد انطلاقتهم ويسير مع الناس الثائرين. ولكن لو قامت الثورات بواسطة عملاء من البداية واستطاعوا أن يتحكموا بها فالتعامل يختلف كليا، لأن الناس لم يتحركوا ذاتيا وإنما ساروا وراء عملاء لدول كبرى متصارعة وسيكونون صرعى غفلة لحسابها، فلا يؤيد سيرها ولا يسير مع الناس السائرين وراء العملاء، ولكنه يعمل على توعية الناس ونصحهم بعدم السير وراء هؤلاء العملاء، فعندئذ سيصطدم الواعون المخلصون وحزبهم بالناس السائرين وراء العملاء بدون وعي. ومثال ذلك المظاهرات والاحتجاجات التي كانت تحدث في الضفة الغربية قبل عام 1967 حيث كان من ورائها عبد الناصر عميل أمريكا لتحقيق مشروعها القاضي بفصل الضفة الغربية عن الأردن ومن ثم إقامة دولة فلسطينية فيها بالإضافة إلى غزة، وهي التي كان عبد الناصر جاعلا لها وضعا خاصا تحت إشرافه ولم يدمجها بمصر وكانت شبه مفصولة عن مصر، ولذلك أسست منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964 وأعلن ما يسمى بالثورة الفلسطينية وانساق الناس وراءها بدون وعي إلى حتفهم رغم المحاولات الدؤوبة والجادة من قبل المخلصين الواعين وحزبهم لتوعية الناس وتوجيههم الوجهة الصحيحة. وكذلك المظاهرات التي حصلت عام 1998 في إندونيسيا وأسقطت سوهارتو حيث كانت أمريكا وأدواتها مثل صندوق النقد الدولي وراءها.


وهكذا يجب الاهتمام بالأعمال السياسية اهتماما بالغا وأن تركز الدولة الطموحة على القيام بها بإتقان وحنكة ودهاء، مع إعداد القوة والاستعداد لاستخدامها والبحث عن كل وسائل التأثير، ويجب عليها أن تعد السياسيين الدهاة لذلك، وكذلك واجب الأحزاب السياسية العقائدية التي تهتم بهذه الأعمال وتحللها وتقدم الفهم الصحيح لها وتخرّج السياسيين الحاذقين المبدعين ليكونوا رجال دولة ورجال حكم.

 


كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أسعد منصور

 

 

إقرأ المزيد...

الجولة الإخبارية 2015-02-05

  • نشر في مع الإعلام
  • قيم الموضوع
    (0 أصوات)
  • قراءة: 1477 مرات


العناوين:


• السيسي يدعو إلى حرب أهلية في مصر
• المعارضة والنظام في مصر يلجآن إلى الأمريكان
• أردوغان ينفذ مشاريع أمريكا مقابل أن تدعمه في تعزيز نفوذه


التفاصيل:


السيسي يدعو إلى حرب أهلية في مصر:


قال قائد الانقلاب والنظام في مصر عبد الفتاح السيسي في 2015/2/1 "لن أكبل أيديكم للثأر لشهداء مصر" وذلك على إثر هجوم شنه مسلحون في 2015/1/30 قتل فيه 45 شخصا وجرح 74 في سيناء أغلبيتهم من العسكريين. ويعني ذلك الدعوة إلى حرب أهلية، فهو يدعو أهل القتلى من الجنود ومؤيديهم إلى القيام بالهجوم على كل من يعارض النظام والانقلاب تحت مسمى جديد وهو الثأر مما سيكون مبررا لقيام الآخرين الذين فقدوا أبناءهم على أيدي النظام من القيام بالثأر فيصبح الناس في دوامة أخذ الثأر. فهذه التصريحات لا تدل على عقلية رجل دولة ولا رجل يتمتع بحنكة سياسية ولا بروح المسؤولية ولا يقدر عواقب الأمور، وإنما يدعو إلى دوامة القتل والفوضى، فكأنه يتعمد إحداث ذلك وهو رجل مخابرات سابق بهدف تبرير القتل والسجن والاعتقال العشوائي لكل من يعارضه وللتغطية على فشله في معالجة مشاكل مصر، وهو يريد أن يلهي أبناء الشعب المسلم في مصر بمقاتلة بعضهم بعضا بدواعي محاربة الإرهاب وأخذ الثأر على نمط العقلية القبلية الجاهلية التي نبذها الإسلام، ولا يهتم بمعالجة مشاكلهم ومشاكل مصر المستعصية التي لن يتمكن نظام السيسي ولا غيره من حلها بسبب الفكر الرأسمالي القائم عليه النظام، ولذلك لم ينجح الحكام من قبله في معالجة هذه المشاكل وهي متفاقمة إلى أبعد الحدود. ولن يحلها سوى النظام الإسلامي العادل الذي سيطبق في ظل خلافة راشدة على منهاج النبوة من قبل حكام مخلصين أقوياء واعين مدركين معنى الحكم ومقدرين لحجم المسؤولية وعظم الأمانة.


--------------


المعارضة والنظام في مصر يلجآن إلى الأمريكان:


نقلت سي إن إن الأمريكية في 2015/2/1 انتقادات الخارجية المصرية التبريرات الأمريكية لاستقبال وفد من جماعة الإخوان المسلمين في وزارة الخارجية الأمريكية معتبرة التصريحات الصادرة لشرح تلك الخطوة غير مفهومة وأنه لا يمكن تفهم التواصل مع عناصر ضالعة في عمليات إرهابية لترويع المصريين. كما نقلت رد الناطقة باسم الخارجية الأمريكية جين بساكي حيث قالت: "إن الوزارة أجرت لقاء مع عدد من البرلمانيين المصريين السابقين، وبينهم بعض الأعضاء السابقين من حزب الحرية والعدالة الذين كانوا بزيارة إلى الولايات المتحدة بدعوة من جامعة جورج تاون" واصفة اللقاء بأنه روتيني كما اعتبرت أن الوفد "لا يمثل جماعة الإخوان المسلمين". فالطرفان النظام والمعارضة يلجآن إلى أمريكا كل يحاول أن يثبت نفسه لها حتى ينال دعمها. وهي أي أمريكا على عادتها وهي تدعم النظام القائم تتصل بالمعارضة وبالذين تبعدهم عن الحكم حتى تبقيهم حتى تحكمها، ولذلك هي تتصل بالإخوان المسلمين وبغيرهم من الحركات والأحزاب التي تقبل العمل ضمن النظام الديمقراطي، وهي تنظر إلى مصالحها وتأكيد نفوذها في مصر بأنها تخوض لعبة مع الجميع. وهي التي دعمت مجيء الإخوان إلى الحكم ودعمت مرسي بعد الثورة ومن ثم انقلبت عليه وعلى جماعته، فأيدت ودعمت وبررت الانقلاب العسكري الذي قام به السيسي على الديمقراطية، وقد أصرت على تطبيقها في مصر، وحرص الجميع على تطبيقها، وخدعت أهل مصر بها. وبررت أمريكا ذلك الانقلاب بأنه كان لإعادة الديمقراطية كما ورد على لسان وزير الخارجية الأمريكية جون كيري. وما زالت مثل هذه التنظيمات والأحزاب والجماعات تتوجه إلى أمريكا لنيل رضاها حتى تساعدهم في وقف الحملة ضدهم والضغط على نظام السيسي لقبولهم في اللعبة السياسية. وهم يكررون أخطاء الماضي حيث عملوا مثل ذلك على عهد المخلوع حسني مبارك عام 2005 ولم ينفعهم ذلك شيئا. وهم يظنون أنهم يحسنون صنعا بهذه التصرفات، ولم يراجعوا أنفسهم ويتراجعوا عن طريقتهم التي تؤدي بهم إلى ارتكاب الأخطاء القاتلة التي تجلب لهم وللأمة الويلات والمصائب العظام، ومن ثم يعودوا إلى رشدهم فيلتزموا طريقة القدوة الحسنة وقائد الأمة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حتى ينصرهم الله.


---------------


أردوغان ينفذ مشاريع أمريكا مقابل أن تدعمه في تعزيز نفوذه:


صرح رئيس الجمهورية التركية رجب طيب أردوغان في 2015/2/1 بأن الانتخابات البرلمانية التي ستجري في حزيران/يونيو القادم يتوقف عليها التعديلات الدستورية التي يريد أن يحدثها في الدستور وخاصة إعلان النظام الرئاسي وهي تعني نقل صلاحيات رئيس الوزراء إلى رئيس الجمهورية، بالإضافة إلى جعل النظام فدراليا لإقامة إقليم كردي من أجل حل المسألة الكردية حسب الخطة الأمريكية على غرار ما حصل في العراق. وهو يدعو الشعب للتصويت على ذلك في تلك الانتخابات القادمة. وتجري التوقعات الحالية بفوز حزب أردوغان بنسبة 40% إلى 48%. ويتحرك حزبه لكسب الأصوات الكردية والأحزاب الكردية الصغيرة بخدعة إقامة إقليم كردي مبتعدا عن الحل الإسلامي الذي لا يقيم الفروق بين الناس بل يصهر الشعوب في بوتقة الإسلام فيجعلهم أمة واحدة في ظل دولة واحدة.


ومن جانب آخر ما زال أردوغان يشن حملته على جماعة غولان وتقوم حكومته بشكل منظم بحملات الاعتقال لرجال الأمن المنتسبين لهذه الجماعة، وقد أغلق أكاديمية الشرطة التي كانوا يسيطرون عليها لأنه لم يستطع أن يملأ الفراغ فيها بسبب أن المسؤولين والمعلمين فيها ينتمون إلى هذه الجماعة. وقد صرح أثناء عودته من الصومال في 2015/1/27 بأن "المؤامرة التي دبرها الكيان الموازي (جماعة غولان) والتي كان يخطط بها للقبض على رئيس المخابرات التركية حقان فيدان في شباط / فبراير 2012 كانت تهدف للقبض عليه هو أيضا بعد رئيس المخابرات". وقال: "إن حكومته كانت تتعامل بحسن نية مع جماعة غولان إلى أن انكشفت مؤامراتها وخططها بعد رئيس جهاز المخابرات مستخدمين رجالهم في الشرطة والقضاء". وأضاف: "نحن نقوم الآن على تطهير مؤسسات الدولة منهم".


فاالرئيس التركي أردوغان يعمل على تعزيز نفوذه وسلطته في الداخل بإجراء التعديلات الدستورية فتدعمه أمريكا في ذلك مقابل أن يسعى في تنفيذ مشروعها المتعلق بالمسألة الكردية، وكذلك بدعمه الحكومة الصومالية التابعة لأمريكا. ولا تعترض عليه أمريكا وهو يضرب كل القوى التي تعارضه، وخاصة جماعة غولان التي تحالفت معه ومن ثم تآمرت عليه والتي أعلنت تأييدها للسياسة الأمريكية وللكيان اليهودي. وكانت هذه الجماعة تريد أن تهيمن على الدولة وتجعل الحكومة تأتمر بأمرها على غرار ما في لبنان حيث يهيمن حزب إيران على الدولة هناك كأسلوب أمريكي في إدارة بعض البلدان، فتجعل البلاد في حالة ضعف وصراع لا تستطيع أن تخرج من قبضتها أو تخالف أوامرها، فيصبح فيها قوى متصارعة ويكون القرار ضعيفا لا يمكن تنفيذه إلا إذا وافقت عليه قوة المجموعة المهيمنة التي تتبعها مباشرة أو تتبع جهة تتبع أمريكا. وقد عبر أردوغان عن ذلك بقوله إن جماعة غولان هي كيان موازٍ للحكومة داخل الدولة بعدما كان يطلق عليها دولة داخل دولة، وأشار إلى أن رئيسها يعيش في بنسلفانيا بأمريكا ليغمز بعلاقتها بها، وقد أصدر أمرا باعتقاله ولم تعترض أمريكا على ذلك ولم تسلمه بعد.

إقرأ المزيد...

نفائس الثمرات الاعتصام بالسنة نجاة

  • نشر في أخرى
  • قيم الموضوع
    (0 أصوات)
  • قراءة: 1288 مرات


قال الزهرى: الاعتصام بالسنة نجاة لأن السنة كما قال مالك: مثل سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها هلك.


وقال سفيان: لا يقبل قول إلا بعمل، ولا يستقيم قول وعمل إلا بنية، ولا يستقيم قول وعمل ونية إلا بمتابعة السنة.


وعن ابن شوذب قال: إن من نعمة الله على الشاب إذا نَسُكَ أن يوفقه الله إلى صاحب سنة يحمله عليها

 

 

فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب _ الجزء الثاني




وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إقرأ المزيد...

خبر وتعليق نساء يبحثن عن حقيبة في ملجأ النساء المشردات في كندا

  • نشر في خبر وتعليق
  • قيم الموضوع
    (0 أصوات)
  • قراءة: 1113 مرات


الخبر:


في اتصال هاتفي مع راديو السي بي سي الكندي، تقدمت إدارة ملجأ النساء بطلب للتبرع بمجموعة حقائب فارغة تعطى للنساء المشردات ليتمكن من تخزين مقتنياتهن البسيطة التي هي كل ما بقي لهن بعد أن خرجن من منازلهن إلى الملجأ بعد معاملة وصفتها إحداهن بأنها كما لو كانت "زبالة"، وجدير بالذكر أن مثل هذا الملجأ يؤوي إلى جانب النساء المشردات، أطفالا شردتهم عائلاتهم وقذفت بهم في سن المراهقة خارج البيوت.

 

التعليق:


تشير الإحصائيات إلى تعرض حوالي أربعة ملايين امرأة في الولايات المتحدة في كل سنة للضرب في بيوتهن كما في دراسة بعنوان: (المرأة والعنف، مرافعة أمام لجنة الحقوق لمجلس الشيوخ الأمريكي في 1990) وفي دراسة أخرى وجدوا أن امرأة تضرب من قبل زوجها كل خمس عشرة ثانية في الولايات المتحدة (تقرير حول الجريمة مقدم للجنة التحقيقات الفيدرالية في 1991) وفي دراسة أخرى وجدوا أن امرأة من كل أربع نساء تتعرض للضرب والعنف في المنزل في حياتها في الولايات المتحدة.


ونتيجة لهذا العنف تتلقى حوالي 2.2 مليون امرأة العلاج نتيجة للاعتداء عليهن، وتقارب تكلفة علاجهن نتيجة هذا العنف مبلغ الستة مليارات دولار سنويا.


تخرج نسبة كبيرة من هؤلاء النسوة من بيوتهن إلى الملاجئ بلا حقيبة، بلا مقتنيات، ويسمح لهن بالبقاء في الملجأ من شهر إلى ثلاثة شهور كحد أقصى، ولكنهن بعد هذا يجدن أنهن لا يستطعن مواجهة المجتمع والحياة، فالدولة لا ترعى شئونهن إلا من خلال برامج لا ترتقي بهن عن مستوى الفقر، ففي دراسة عن واقع النساء في مثل هذه الحالة لمدينة شيكاغو الأمريكية وجدوا أن أكثر من خمسين بالمائة من النساء اللواتي يتلقين المساعدات يبقين تحت مستوى الفقر، بل إنهن لا يجدن مكانا للعيش ضمن إمكاناتهن الضئيلة والمساعدات البسيطة التي تقدم لهن، فلا يستطعن إيجاد مأوى، وتقول الدراسة بأن مثل هؤلاء النساء حتى وإن كان معهن أطفالهن سينتهي بهن المطاف في الشوارع، وقد وجدت دراسة أجريت في العام 2000 أن نصف الحالات التي تسمى بعديمة المأوى، أي المشردين في الشوارع، تعود بسببها للعنف الأسري، فتنتهي النساء في الشوارع بلا مأوى.


وتزداد مآسي النساء في ظل النظام الرأسمالي الأمريكي إذا علمنا أن نسبة كبيرة من هؤلاء ما هن إلا فتيات في سن المراهقة، أصبحن أمهات لديهن أطفال وتشردن بهذه الطريقة البشعة.


هذه هي ثمرة من ثمرات الحضارة الغربية، وهذه هي ثمرة من ثمار المساواة بين المرأة والرجل التي يروج لها العالم الغربي، وهذا مثال صارخ على أن الدول في العالم الرأسمالي ليست دولا رعوية، وإنما هي دول جباية، وهذه هي قيمة الإنسان لديهم.


فواضح هنا أن الرجل الغربي الفارغ من أي قيم وأي مفاهيم عن الحياة أصبح يعتدي على المرأة بأسوأ الأشكال دون أن تمثل هذه مشكلة لديه وممكن أن يرمي فلذة كبده إلى المجهول دون أن يرمش له طرف. وهذه ثمرة عفنة من ثمار الحضارة الغربية الخبيثة.

 

 

 

كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أم مالك سلامة - كندا

إقرأ المزيد...

خبر وتعليق منع بناء المساجد في مقاطعة لومبارديا الإيطالية

  • نشر في خبر وتعليق
  • قيم الموضوع
    (0 أصوات)
  • قراءة: 992 مرات


الخبر:


صوتت سلطات شمال إيطاليا هذا الأسبوع على قرار يمنع بناء المساجد في مقاطعة لومبارديا، التي تعد أكبر الأقاليم الإيطالية وأكثرها ثراء شمال البلاد. رابطة الشمال الإيطالية، التي تحسب على اليمين المتطرف وقريبة كذلك من رئيس الوزراء السابق سيلفيو برلسكوني، كانت وراء مشروع القرار الذي صار حقيقة اليوم، الذي بسببه لن يتمكن المسلمون من بناء المساجد ولا حتى مواصلة أشغال البناء بالنسبة لتلك التي بدأ بناؤها منذ سنوات.


ويشار إلى أن الحرب بين المسلمين ورابطة الشمال في إقليم لومبارديا تعود لنحو 10 سنوات مضت، عندما طلب مسلمو المنطقة من سلطة البلدية رخصة لبناء مسجد يصلون فيه بدل خيمة كبيرة بنيت في ضاحية مدينة ميلانو يأتيها نحو ألف مصل كل جمعة، أو أقبية العمارات التي يلجأ إليها عشرات المسلمين لأداء الصلاة فرفضت الرابطة بناء مساجد بالمنطقة واستعملت جميع الوسائل القانونية للضغط على السلطات المسؤولة لمنع حدوث ذلك. (فرانس 24)

 

التعليق:


إن هذا الخبر يكشف زيف القيم والشعارات التي تتشدق بها الدول الغربية الديمقراطية، وعلى رأسها حريتا التعبير والعقيدة وفكرة قبول الآخر، فهي تتذرع بحقوق الإنسان وحرية التعبير وحرية الاعتقاد وهلم جرا عندما يتعلق الأمر بمصالحها، بينما عندما يتعلق الأمر بممارسة المسلمين لحقوقهم وشعائرهم الدينية، تدوس الحكومات الغربية قيمها في سبيل النيل من الإسلام والمسلمين والحيلولة دون انعتاقهم من التبعية، فقد رأينا سلوك تلك الدول فيما اعتبرته تهديداً لحضارتها الرأسمالية العفنة، فقد جرّمت لبس الحجاب "النقاب" واعتبرته طعناً في حضارتها وخطراً عليها، وحظرت بناء المساجد والمآذن، وقامت بالإساءة للرسول صلى الله عليه وسلم عبر رسوم كاريكاتورية، وقامت بحرق نسخ من القرآن، فهي تستنفر قواها في سبيل الدفاع عما تراه مساساً بحضارتها وهويتها، ولا تقبل "الآخر" كما هو - كما تنص عليه فكرة قبول الآخر - بل تعيد تشكيله حتى يندمج في فكرها وحضارتها بحيث لا يبقى طرف وطرف آخر بل يصبح كلاهما واحدا، فالغرب لا يقبل بالتعددية إذا كانت تهدد حضارته وفكرته ولا يقبل بالآخر إذا كان ينادي بأفكار تخالف مبدأه وتكشف فساده وما جره على العالم من ويلات.


كما أنه يكشف إدراك الدول الغربية لأهمية المسجد في الإسلام، حيث تساءل ماسيمليانو روميو، مسؤول في رابطة الشمال بالبرلمان المحلي خلال مقابلة صحفية تناقلتها وسائل إعلام إيطالية "ماذا يفعل المسلمون في المساجد؟ يصلون... ويقومون بالسياسة"، فهم يدركون إذاً أن المسجد ليس مكاناً لأداء الصلاة والعبادة فقط، وأن له دوراً محورياً في حياة الأمة، فهو المكان الذي كان يجتمع فيه المسلمون للتشاور في أمورهم، وإدارة شؤون الدولة، وإعداد الخطط العسكرية للمعارك، وهو المكان الذي كانت تنطلق منه الجيوش الإسلامية للفتوحات، وهو المكان الذي يتعلم فيه المسلمون أحكام دينهم، وتبين لهم المخططات والمكائد التي تحاك ضدهم، ولذلك يقومون بمنع بناء المساجد وينظمون دورات تدريبية للأئمة ليعلموهم كيف يضللون الناس وكيف يروجون لأفكارهم.


لقد أخبرنا الله سبحانه وتعالى عن مدى الحقد والعداء الذي تحمله الدول الغربية للإسلام والمسلمين فقال في كتابه العزيز: ﴿قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ﴾، وأنها تريد من المسلمين أن لا تربطهم بقيم الإسلام أية رابطة وأن لا يبقى لهم أية صلة بالإسلام، وصدق الله عز وجل إذ يقول: ﴿وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ﴾، ولذلك يسعون بشتى الطرق والوسائل للقضاء على الإسلام، وتشويه صورته وإلصاق تهم الإرهاب والتطرف به، فيبررون أعمالهم الإجرامية بحق المسلمين بأنها لمحاربة "الإرهاب"، ويبررون منع بناء المساجد بأنها أماكن لـ"لتفريخ الإرهابيين والمتطرفين" وبث الكراهية والعنف في مجتمعاتهم.


وإننا على يقين بأن جميع جهودهم للنيل من الإسلام والمسلمين ستبوء بالفشل، وأن جذوة الإسلام ستبقى متقدة في قلوب وعقول المسلمين قال تعالى: ﴿يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾، وإننا على ثقة بأن الله سينصرنا عليهم، وسيحقق لنا وعده بالاستخلاف والتمكين في الأرض، قال تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾، ونسأل الله أن يكون ذلك قريباً.

 

 



كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أختكم براءة مناصرة - فلسطين

إقرأ المزيد...

خبر وتعليق القناص الأمريكي يكشف الجانب الخفي في أخلاقيات الغرب (مترجم)

  • نشر في خبر وتعليق
  • قيم الموضوع
    (0 أصوات)
  • قراءة: 661 مرات


الخبر:


كتب جاري يونغ من صحيفة الجارديان: من خليج غوانتنامو إلى الملك عبد الله، ومن خلال تشدّقنا بالدفاع عن القيم الحضارية، تختبئ قمة النفاق.


قل ما شئت عن فيلم "القناص الأمريكي"، وقد فعل ذلك الناس، ولكنك يجب أن تُعجب بوضوحه. إنه يتحدث عن القتل. لا يوجد غطاء أخلاقي، ليست هناك أية مشكلة في القتل سواء أكان القتلى أبرياء أم مذنبين أو هل عملية القتل ضرورية. "أنا مستعد للقاء خالقي وأن أجيب عن كل نفس قتلتها". قال برادلي كوبر، الذي يمثل شخصية كرس كايل أمهر القتلة في سلاح البحرية الأمريكي عبر التاريخ. لا توجد بالتأكيد أية صعوبة منطقية في كون الحرب العراقية، التي تدور حولها عمليات القتل، شرعية أو مبررة. "لا أحفل على الإطلاق بالعراقيين" كتب كايل في مذكراته، كما أنه أشار إليهم "بالمتوحشين".


يُمجّد الفيلم رجلاً تكمن براعته في قتل الناس من الخلف ويستمتع بذلك. "الصعوبة تكمن في عملية القتل الأولى ثم يصبح الأمر سهلاً" كتب كايل. "لا يجب أن أحضر نفسي نفسياً ولا غيره، فقط أنظر من المنظار، أحدد الهدف وأقتل عدوي قبل أن يقتل أحداً من قومي".


التعليق:


شنّ جاري يونغ ملاحظات غير خفية تجاه الأمة الإسلامية. عندما نتذكر أن العراق لم تكن له علاقة البتّة في أحداث الحادي عشر من أيلول ولم يمتلك أية أسلحة للدمار الشامل، فإنه من المخيف جدا أن مشاهدي الفيلم لم يُبدوا أي شعور بالندم لتدمير العراق وحضارته.


لقد شاهدنا النفاق الغربي المتكرر في رد فعل العالم المتحضر، مع شارلي إيبدو، ولو كان مدبرا نوعا ما. لم نرَ أي رد فعل مماثل عندما قام رجل منهم "أندرياس بريفيك" بحربه الدينية الصليبية بنغمات ضد الإسلام.


إن الأمة الإسلامية ترى الصورة بوضوح، لا يوجد إرهاب عندما يُذبح المسلمون. إنه تمجيد لحرية التعبير عن الرأي عندما يُستهزأ بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ولكن الويل والثبور لمن يهمس بكلمة أو يلمح تلميحا بصحة المحرقة اليهودية من عدمها.


يحب الغرب أن يفخر بأنه مجتمع قائم على أساس المنطق والمعرفة، وأن أهله يتمتعون بنزاهة وفضول فكري. ولكن عندما تقاد حضارته من قِبل المنحازين والحاقدين ويفشل في الوقوف في وجه الإسلام الحقيقي، فإنه يتستر بالنفاق والخوف وبمواجهة حتمية بيننا وبينهم. ممكن للأمة الإسلامية أن ترى أن بلادنا، وشرفنا، وثرواتنا، ودماءنا ليست بأمان في عالم يسيطر عليه الغرب. تروّج الديمقراطية والرأسمالية للكفر والطاغوت. لن يكون الغرب موضوعيا في التعامل معنا، سواء أكان جيدا أم سيئا، خطأ أم صوابا، فإن الغرب سيتبنّى حتما رؤيته العلمانية الضيقة.


الحياة الوحيدة التي يجب أن نحياها في أمن وأمان وحسب نهج سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، هي فقط بالاستجابة لأمر الله عز وجل ورسوله الكريم بإقامة دولة الإسلام الخلافة الراشدة على منهاج النبوة. لقد أمر الله سبحانه وتعالى نبيه الكريم قائلا ﴿قُلْ هذِهِ سَبيلِي أَدْعُوا إِلى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَبَعَنِي وَسُبْحانَ الله وَمَا أَنَا مِنَ المُشرِكِينْ﴾ [يوسف: 108].

 

 


كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
محمد حمزة

إقرأ المزيد...
الاشتراك في هذه خدمة RSS

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع