الأربعاء، 19 جمادى الثانية 1447هـ| 2025/12/10م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
  •   الموافق  
  • كٌن أول من يعلق!

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

Al Raya sahafa

 

2025-12-10

 

جريدة الراية: الخريطة الأمريكية للبنان

 

 

بعد مرور سنتين على عملية طوفان الأقصى التي حصلت في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023م، ثم ما أُسمي بحرب الإسناد من لبنان في الثامن من الشهر نفسه، ومتابعة المسلك الأمريكي حتى وقف إطلاق النار في لبنان في 27/11/2024م، ثم وقف إطلاق النار في غزة في 9 تشرين الأول/أكتوبر 2025م، ومتابعة حركة المبعوثين الأمريكيين إلى لبنان وفلسطين سواءٌ أكان ستيف ويتكوف أو توم برّاك أو مورغان أورتاغوس، لا سيما حركة برّاك وتصريحاته الفاقعة والفجة التي تكاد تكون خاليةً من الدبلوماسية في التعاطي مع الشأن اللبناني عبر تهديد لبنان بشكل واضح: إما السير في ملف نزع السلاح وصولاً للتفاوض غير المباشر ثم المباشر مع كيان يهود سيراً على خط التطبيع والاستسلام، أو توسيع ضربات كيان يهود للبنان.

 

وهو ما بات حاصلاً اليوم وبخاصةٍ بعد ضربة مخيم عين الحلوة التي قتل فيها ثلاثة عشر شاباً وجُرح العشرات، ثم ضربة الضاحية الجنوبية التي قتل فيها قائد أركان حزب إيران في لبنان هيثم علي الطبطبائي ومرافقوه، وإعلان يهود أنهم أعلموا أمريكا بقيامهم بضربة لبيروت من باب استئذانها بسبب المنع الذي تضعه أمريكا على ضرب العاصمة بيروت منذ وقف إطلاق النار! سواء أعلمت أمريكا قبل وقوع الضربة أو بموازاتها لهدف كبير مشترك بين يهود وأمريكا في العاصمة، فالمؤدى واحد؛ وجود خطة أو خريطة تسير بها أمريكا مُلزمةً كل الأطراف بتوجهاتها السياسية، ومن ذلك إصرارها الواضح على عدم فتح حرب غزة من جديد، واستصدار قرار من مجلس الأمن رقم 2803 بتشكيل وصاية واستعمار عليها تحت مسميات مجلس السلام، وإدارة الحكم الانتقالية، وقوة الاستقرار الدولية المؤقتة.

 

ولوحظ كذلك ذهاب حزب إيران في نعيه لقتلاه في غارة الضاحية إلى إطلاق مسمى جديد وهو (فداءً عن لبنان وشعبه)، بدل الذي استخدمه في نعي كل قتلاه سابقاً وهو (على طريق القدس)! ما قد يشير إلى إدراكه للمرحلة - بعد أن تركته إيران وحيداً - أنها مرحلة التطبيع والاستسلام، تاركاً الأمر للسلطة اللبنانية تديره رغم حجم القتل والإصابات في أعلى صفوف قيادييه بعد وقف إطلاق النار التي وصلت إلى ما يزيد على ألف بين قتيل وجريح! ومعلوم أن حزب إيران قد وافق على أن يُشرك في وفود التفاوض مع كيان يهود شخصيات مدنية، على أن يبقى التفاوض الحالي غير مباشر. ولعل ذلك يشير إلى محاولة تطويع البيئة الداخلية للحزب، وواضح أن السلطة اللبنانية بطلب أمريكي غير راغبة بالسير باتجاه الصدام العسكري مع أي جهة داخل لبنان، واستمرار ضغوط يهود العسكرية وضغوط أمريكا السياسية، وإطالة ذراع السلطة اللبنانية الضارب داخلياً ولعل أبرزها إنهاء قضية نوح زعيتر، الملف الأعقد أمنياً الذي كان يغطيه النظام السوري الفار وحزب إيران معه.

 

إنّ معالم الخريطة الأمريكية لم تبدأ فقط مع عملية طوفان الأقصى وما تبعها، بل منذ سنة 2019م كانت أمريكا تسير ببناء أكبر سفارة لها في المنطقة، وفي لبنان تحديداً بإمكانيات عسكرية ولوجستية ضخمة، رغم ظهور تهالك لبنان بنظامه وسلطته في تلك المرحلة إبان الثورة التي انطلقت في الساحات في شهر تشرين الأول/أكتوبر 2019م، وصولاً لأزمة كورونا، لكن على العكس فإن أمريكا يبدو أنها كانت تراه منصةً تُشرف منها على الإدارة السياسية للبنان والمنطقة، وعلى إدارة الثروات في شرق المتوسط وأهمها الغاز الطبيعي المتوافر بكميات كبيرة في المنطقة!

 

بعد هذه السردية العامة يمكن تأطيرها تحت عناوين أكثر اختصاراً وشموليةً لمعالم الخطة الأمريكية:

 

-    إعادة تشكيل البيئة الأمنية وضبط حدود لبنان - فلسطين.

 

-    تحويل لبنان إلى منطقة استقرار خاضعة للنفوذ الأمريكي المباشر.

 

-    ضبط سلاح حزب إيران اللبناني دون صدام شامل.

 

-    صياغة تسوية سياسية اقتصادية.

 

-    استثمار الغاز شرق المتوسط وإبعاد أي نفوذ منافس.

 

يصاحب ذلك داخلياً في لبنان:

 

-    دور فاعل للرئيس (قائد الجيش السابق) وعلاقته بالسياسة الأمريكية.

 

-    إمكانية قيام أمريكا بتغيير قائد الجيش الحالي لصالح من يكون أكثر ولاءً لتنفيذ سياستها في لبنان.

 

-    تأثير مصرف لبنان وسياسة الدولار على تحقيق أهداف أمريكا، حيث رأينا ثبات سعر الصرف بشكل غريب دون أية مقومات اقتصادية مستجدة، حتى خلال حرب يهود على لبنان خلال حربهم على غزة!

 

-    علاقة النخب الاقتصادية والإعلامية بالمشاريع الغربية، ونلاحظ ذلك في تصاعد الإعلام والسياسيين المروجين للعلاقة مع يهود.

 

-    دور الكنائس والطوائف المستفيدة في مشروع الإبراهيمية.

 

لكن هل تنجح أمريكا في ذلك؟! إنّ أمريكا ما زالت حتى اللحظة تُشكل القوة العظمى الأولى عالميا، تدير ملفات كبرى من مثل قضية المنطقة وإعادة صياغتها وفق رؤية التطبيع، وقضية أوكرانيا وروسيا وفق نظرتها لتحجيم دور أوروبا وجعله متكئاً عليها لا يستغني عنها وعن حلف الناتو، وكذلك إضعاف العلاقة الروسية الصينية على إثر حرب أوكرانيا، وإدارة ملف الصين التي ترى فيها خطراً تريد منع تناميه عبر الضغط عليها في محيطها الإقليمي وخطوط تجارتها القديمة أو الجديدة.

 

لكن أمريكا أخفقت أن تكون القطب الأوحد كما أرادها بوش الأب ثم الابن، بل عادت لما يشبه سياسة كلينتون سنة 1992م، المتمثلة بمشاركة القوى الكبرى الأخرى، ونظامها المالي مخفقٌ بشكل واضح لكنه يقف على أرجل نفوذ أمريكا في العالم، لكن ما قد لا يُظهر إخفاقها بشكل كامل، ولعله هو الأهم، عدم وجود قوة أخرى تدفعها عن منصب ومركز الدولة الأولى، التي هي سنة الله عز وجل في كونه ﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾، وهذه القوة بإذن الله عز وجل، ثم بعمل العاملين، لن تكون إلا الخلافة الثانية على منهاج النبوة التي يعمل لها حزب التحرير واصلاً ليله بنهاره.

 

إنّ هذه الخريطة الأمريكية يجب مواجهتها وكفاحها سياسياً، وكفاح كل من يُمثلها في لبنان والمنطقة، سواء أكان نموذج من يحمله سياسياً أو اقتصادياً أو دينياً، ويكون ذلك بالثبات على الفكرة والطريقة الـمُشكِّلتين للمبدأ الذي نحمله، وهذا هو المسار السياسي الواضح الذي يجب استمرار إبرازه مع التركيز على توضيح معالمه بوصفه بديلاً سياسياً عملياً ووحيداً.

 

إنّ هذه المواجهة ليست مواجهةً موسميةً بل هي مواجهةٌ استراتيجيةٌ ولا يهولنا بإذن الله عز وجل كثرة الخبيث ﴿قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ.

 

 

بقلم: المهندس مجدي علي

 

 

المصدر: جريدة الراية

 

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع