الأحد، 08 رجب 1447هـ| 2025/12/28م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

سلسلة أجوبة العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة أمير حزب التحرير

على أسئلة رواد صفحته على الفيسبوك "فقهي"

 

جواب سؤال

الرخصة والعزيمة

 

إلى زاهد طالب نعيم

 

السؤال:

 

شيخنا العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

 

أرجو أن يصلك سؤالي هذا وأنت في تمام الصحة والعافية، وأسأل الله أن يعجل لعباده المؤمنين الاستخلاف والتمكين في الأرض، وأن يفرج الكرب عن المسلمين عامة وعن أهلنا في غزة خاصة.

 

ورد في كتاب الشخصية الإسلامية الجزء الثالث صفحة 64: (وذلك أن العمل بالعزيمة، وهو الامتناع عن الأكل، مباح، ولكنه مباح صار يؤدي حتماً إلى الحرام، وهو هلاك النفس، فصار حراماً عملاً بالقاعدة الشرعية "الوسيلة الى الحرام حرام" فعمل العزيمة هنا صار حراماً، فيصبح العمل بالرخصة واجباً، لسبب عارض وهو تحقق الهلاك).

 

فهل ترك الرخصة والعمل بالعزيمة حرام؟ وهل ترك العزيمة والعمل بالرخصة واجب؟ هل هذا يتعارض مع قاعدة الأمر بالشيء ليس نهياً عن ضده والنهي عن الشيء ليس أمراً بضده؟ وهل يوصف الامتناع عن الأكل بالحرام، أم هل هو ترك للواجب؟ وهل يوصف من أكل في هذا الحالة أنه قام بالواجب واجتنب الحرام؟

 

تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال وبارك الله فيكم

23/6/2024 - زاهد طالب نعيم)

 

الجواب:

 

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،

بارك الله فيك على دعائك الطيب، ونحن ندعو لك بخير.

 

إن الموضع الذي تسأل عنه في كتاب الشخصية الإسلامية الجزء الثالث هو في باب (العزيمة والرخصة) وهذا نصه الكامل:

[هذا من حيث حقيقة الرخصة والعزيمة شرعاً. أما من حيث العمل بالرخصة أو بالعزيمة، فإن العمل بأيهما شاء مباح، فله أن يعمل بالرخصة، وله أن يعمل بالعزيمة؛ وذلك لأن نصوص الرخص دالة على ذلك...

 

وقد يقال إن الرسول ﷺ قال: «إِنَّ الَلَّهَ يُحِبُ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ، كَمَا يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى عَزَائِمُهُ» أخرجه ابن حبان. وهذا طلب، وهو دليل على أنه مندوب، والمضطر إذا خاف الهلاك على نفسه، وجب عليه أكل لحم الميتة، ويحرم عليه الامتناع عن أكلها. والغاص الذي لا يجد إلا الخمر، يجب عليه أن يزيل غصته بالخمر إذا خاف الهلاك، ويحرم عليه أن يمتنع ويهلك. والصائم إذا بلغ به الجهد حد الهلاك، يجب عليه أن يفطر، ويحرم عليه أن يظل صائماً ويهلك، وهكذا؛ مما يدل على أن العمل بالرخصة فرض؛ ولذلك قد تكون الرخصة فرضاً، وقد تكون مندوباً، وقد تكون مباحاً. والجواب على ذلك هو أن الكلام في الرخصة من حيث هي رخصة. والرخصة من حيث هي رخصة مباحة قطعاً بدليل الأدلة السابقة. فالرخصة من حيث تشريعها حكمها الإباحة. وأما قول الرسول: «إِنَّ الَلَّهَ يُحِبُ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ» الحديث، فليس في الحديث دلالة على الندب، بل هو يدل على الإباحة؛ لأنه يبين أن الله يحب أن تؤتى الرخص، ويحب أن تؤتى العزائم، وليس طلب أحدهما بأولى من طلب الآخر، فنص الحديث هو: «إِنَّ الَلَّهَ يُحِبُ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ، كَمَا يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى عَزَائِمُهُ» ولذلك لا دلالة في الحديث على أن العمل بالرخصة قد يكون مندوباً. وأما أكل لحم الميتة فلا يعني بالمضطر الذي يتحقق الهلاك، بل مجرد خوف الهلاك يعتبر مضطراً، وهذا يكون له الأكل مباحاً وليس واجباً، ولكن إذا تحقق الهلاك لو لم يأكل، فحينئذ حرم عليه أن يمتنع عن الأكل، ووجب عليه أن يأكل، وهذا ليس لأنه رخصة، بل لأنه صار واجباً، وذلك أن العمل بالعزيمة، وهو الامتناع عن الأكل، مباح، ولكنه مباح صار يؤدي حتماً إلى الحرام، وهو هلاك النفس، فصار حراماً عملاً بالقاعدة الشرعية «الوسيلة إلى الحرام حرام» فعمل العزيمة هنا صار حراماً، فيصبح العمل بالرخصة واجباً، لسبب عارض وهو تحقق الهلاك، وهذا ليس حكم الرخصة من حيث هو، بل حالة من الحالات التي تنطبق عليها قاعدة «الوسيلة إلى الحرام حرام». وهذا ليس خاصاً بالرخصة، بل هو عام لجميع المباحات، ومثل ذلك شرب الغاص للخمر، وإفطار المتحقق للهلاك، وغير ذلك. وعلى هذا، فإن الرخصة من حيث هي، ومن حيث تشريعها رخصة، حكمها أنها مباحة، فإذا أوصل تركها والعمل بالعزيمة إلى حرام، توصيلاً محتماً، صار المباح حراماً.] انتهى.

 

وأنت تسأل:

 

[هل ترك الرخصة والعمل بالعزيمة حرام؟ وهل ترك العزيمة والعمل بالرخصة واجب؟ هل هذا يتعارض مع قاعدة الأمر بالشيء ليس نهياً عن ضده والنهي عن الشيء ليس أمراً بضده؟ وهل يوصف الامتناع عن الأكل بالحرام، أم هل هو ترك للواجب؟ وهل يوصف من أكل في هذه الحالة أنه قام بالواجب واجتنب الحرام؟] انتهى.

 

والجواب على ذلك:

 

1- كما هو مقرر في كتاب الشخصية الإسلامية الجزء الثالث فإن العمل بالرخصة من حيث هي رخصة مباح، فهذا هو الحكم الأصلي للرخصة... وبطبيعة الحال هذا إن لم يرد دليل تفصيلي على كون الرخصة في حالة معينة مندوبة ومفضلة على العزيمة، أو على كون العزيمة في حالة معينة مندوبة ومفضلة على الرخصة... وقد بينا هذه الحالات في كتاب تيسير الوصول إلى الأصول، فقد جاء فيه ص 42-44 ملف الورد:

 

(والرخصة من حيث تشريعها رخصة حكمها الإباحة، فإذا استمر على العمل بالعزيمة له ذلك، وإذا عمل بالرخصة فله ذلك أيضا.

 

أما لماذا تستوي العزيمة والرخصة في حكم الإباحة، فلأن رسول الله يقول: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ، كَمَا يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى عَزَائِمُهُ»، وهذا يبين أنهما سواء في طاعة الله من حيث الأداء.

 

هذا إذا لم يرد نصّ يبين أن الرخصة أو العزيمة في حالة ما يكون أداؤها أكثر حبا إلى الله.

 

مثال: يقول الله تعالى: ﴿أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ [البقرة: 184]، فإنه يفهم منها أن من رخص له بالإفطار لعذر وكان يستطيع الصيام بدون مشقة فإن صيامه أفضل من فطره كمن سافر مسافة الرخصة في طائرة أو سيارة مريحة، فإن له أن يصوم وله أن يفطر وصيامه أفضل في هذه الحالة من دلالة: ﴿وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾.

 

كذلك، صحّ عن رسول الله ﷺ أنه قال: «لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ»، لما رأى رجلا مسافرا وهو صائم وقد أنهكه الصيام، فقد فهم من الحديث أن من كان سفره شاقا يضنيه يكون فطره أفضل.

 

ففي الحالة الأولى فهم من الآية أن الصيام أفضل أي الأخذ بالعزيمة أفضل، وفي الحالة الثانية فهم من الحديث أن الفطر أفضل أي الأخذ بالرخصة أفضل.

 

وأما إن لم يرد نص خاصّ في التفضيل بين العزيمة والرخصة في حالات معينة، فإن الأخذ بالرخصة أو العزيمة يستوي في الإباحة لكليهما استدلالا بحديث رسول الله السابق ذكره في بداية الموضوع.]

 

2- في حالة الرخصة بأكل الحرام أو شربه عند الاضطرار، كما بيناه أعلاه أي: (وأما أكل لحم الميتة فلا يعني بالمضطر الذي يتحقق الهلاك، بل مجرد خوف الهلاك يعتبر مضطراً) فإن حكم الرخصة هو الإباحة مثل سائر الرخص.

 

3- إذا تحقق الهلاك بعدم أكل المحرم أو شربه فهذا يعني:

 

أ- أن الأخذ بالعزيمة (عدم أكل المحرم) في هذه الحالة تنطبق عليه قاعدة (الوسيلة إلى الحرام حرام)، وذلك لأن العزيمة كان حكمها الإباحة بالنسبة للمضطر الذي يخاف الهلاك إن لم يأكل أو يشرب المحرم... ولكن بالنسبة لمن يتحقق الهلاك إن لم يأكل المحرم أو يشربه ففي هذه الحالة تصبح العزيمة المباحة في الأصل حراماً في حقه مثل أي أمر مباح آخر يصبح حراماً إذا انطبقت عليه قاعدة (الوسيلة إلى الحرام حرام) فبحسب هذه القاعدة فإن الأمر المباح الذي يؤدي إلى الحرام يصير حراماً... وهكذا فبمقتضى القاعدة هذه فإن العزيمة التي كانت مباحة قبل انطباق هذه القاعدة تحول حكمها إلى الحرام لأنها صارت وسيلة إلى الحرام وهو إهلاك النفس... وقد وردت الأدلة بتحريم إهلاك النفس..

 

ب- وكذلك الرخصة بالأكل للذي يخاف الهلاك إن لم يأكل أو يشرب المحرم، كان حكمها الإباحة مشياً على الحكم الأصلي للرخص... ولكن إن تحقق الهلاك فيتحول حكمها إلى الوجوب وذلك لأن إنقاذ النفس من الهلاك أمر واجب، ولا يتأتى إنقاذ النفس في حالة تحقق الهلاك إن لم يأكل أو يشرب المحرم إلا بأكله أو شربه، فيكون تحقق الفرض وهو إنقاذ النفس في الحالة المعينة مستلزماً أكل الحرام أو شربه، فلا يتم الواجب وهو إنقاذ النفس إلا بالأكل أو الشرب من الحرام، فيكون فرضاً من باب ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب... وهكذا يكون الأخذ بالرخصة في هذه الحالة المعينة فرضاً.

 

4- المذكور في الأعلى لا يتعارض مع قاعدة: (الأمر بالشيء ليس نهياً عن ضده والنهي عن الشيء ليس أمراً بضده)، فإن القول بحرمة الأخذ بالعزيمة في الحالة المعينة وهي تحقق الهلاك له دليله وهو قاعدة: (الوسيلة إلى الحرام حرام)، والقول بوجوب الأخذ بالرخصة له دليله أيضاً وهو قاعدة: (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب). فالقول بوجوب الأكل أو الشرب من المحرم ليس راجعاً إلى كون الامتناع عن الأكل والشرب حراماً، بل هو راجع إلى قاعدة شرعية هي (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب)، وكذلك القول بحرمة الأخذ بالعزيمة بالامتناع عن الأكل أو الشرب من المحرم ليس راجعاً إلى كون الأخذ بالرخصة فرضاً بل هو راجع إلى قاعدة شرعية هي: (الوسيلة إلى الحرام حرام). فالبحث هنا ليس بحثاً لغوياً في دلالة الأمر والنهي، بل هو بحث عليه أدلة شرعية تتعلق بتفصيلاته، فليس القول بوجوب الأخذ بالرخصة من باب الدلالة اللغوية المأخوذة من النهي عن العزيمة، وكذلك ليس القول بحرمة الأخذ بالعزيمة من باب الدلالة اللغوية من الأمر بالرخصة.

 

آمل أن يكون الأمر قد أصبح الآن واضحاً.

 

أخوكم عطاء بن خليل أبو الرشتة

 

06 رجب 1447هـ

الموافق 26/12/2025م

 

رابط الجواب من صفحة الأمير (حفظه الله) على الفيسبوك:

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع