السبت، 03 محرّم 1447هـ| 2025/06/28م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

خبر وتعليق وقفة مع أسباب الفوضى وعدم الاستقرار في ليبيا

  • نشر في التعليق
  • قيم الموضوع
    (0 أصوات)
  • قراءة: 882 مرات


الخبر:


تسلط العديد من وسائل الإعلام مؤخرا الضوء على الأوضاع الداخلية في ليبيا والتي تتصف بالفوضى وعدم الاستقرار وصل إلى درجة استباحة الدماء وإزهاق الأرواح في الشوارع من كلا الطرفين، وهو مشهد يتكرر منذ سقوط نظام القذافي في عام 2011، وانهيار الجيش الليبي، حيث تشهد البلاد اضطراباً أمنياً وسياسياً شديداً، خاصة مع سيطرة الجماعات المسلحة، التي كانت تقاتل القذافي على عدد من المناطق، وتكليف الحكومة لبعضها بمهام أمنية؛ ما أظهر تضاربا في الاختصاصات والمهام في بعض الحالات بين الأجهزة الحكومية وبين تلك الجماعات. وتحاول الحكومة الليبية السيطرة على الوضع الأمني المضطرب في البلاد؛ جراء انتشار السلاح وتشكيل ميليشيات تتمتع بالقوة ولا تخضع لأوامر السلطة الجديدة، التي تشكلت في البلاد بعد سقوط نظام القذافي.

 

التعليق:


لم تهدأ الأحوال في ليبيا منذ سقوط الطاغية القذاقي عام 2011، ولذلك عدة أسباب عامة وأخرى خاصة ببعض الأحداث والمناطق والناحية القبلية والولاءات القديمة، ولكن هذه الأسباب الخاصة بسيطة من حيث أثرها مقارنة بما تسببت به الأسباب العامة من اتصاف المشهد الليبي كله بالفوضى وانعدام الاستقرار والدموية.


ومن هذه الأسباب العامة:


1- لقد حرص الغرب الكافر، أمريكا وبريطانيا وفرنسا على وجه الخصوص، على إبقاء البلدان التي حدثت فيها ثورة كتونس ومصر واليمن وليبيا تحت سيطرته ونفوذه حتى إن لزم ذلك تغيير بعض الوجوه أو اقتسام النفوذ فيما بينهم (الغرب)، ولكن المهم كان بالنسبة للغرب هو ألا تخرج البلاد عن تبعيتها لهم، وذلك من خلال الإبقاء على الفكر العلماني الرأسمالي الديمقراطي وعلى الرجالات والتشكيلات الأمنية والوسط السياسي ما أمكنه ذلك. ولذلك نجد أنّ التغيير في هذه البلدان الأربعة لم يتعد الشكليات وبعض الشخصيات والمسميات، في حين أبقى على النظام كفكر وهيكلية، وعلى الكثير من التشكيلات الأمنية والوسط السياسي، لذلك كان طبيعيا ألا يتمخض عن هذا التغيير أي أثر يلمسه المسلمون والثوار على نحو يحقق ولو جزءا يسيرا من طموحاتهم في التغيير والتي كانت جزءا من ثورتهم على الأنظمة.


2- بناء على خصوصية كل بلد من هذه البلدان الأربعة بدأ الثوار في كل واحدة يتعاطون مع الواقع الجديد، فدخلت مصر في نفق مظلم وساحات تحريض واقتتال بين طرفي النزاع اللذين تشكلا مؤخرا (الإخوان والمعسكر القديم)، وتواصلت الأحداث بالغليان في تونس، سياسيا وفكريا وأحيانا عسكريا، وبقيت اليمن على فوهة بركان الاضطرابات والمظاهرات العارمة، وفي ليبيا كان المشهد أكثر دموية لخصوصيتها من حيث بقاء السلاح بيد قسم كبير من الثوار الذين لم يقبلوا التخلي عنه حتى يطمئنوا على تحقيق مطالب الثورة.


3- من الواضح أنّ هناك مؤامرة كبيرة تُدار ضد الثوار والكتائب المسلحة من قبل الحكومة وأسيادها في بريطانيا ومنذ اليوم الأول من إسقاط القذافي، فبريطانيا وأدواتها في ليبيا أدركوا ومنذ الأيام الأول ما بعد سقوط القذافي أنهم وقعوا في مشكلة كبيرة من حيث قدرتهم على احتواء الثوار بعدما تيقن الثوار أنهم أصحاب القوة والقدرة على التغيير، وبعد أن أعلنوها صراحة أنهم لن يسمحوا بأن يحكموا بقذافي جديد ولن يسمحوا أن تضيع دماؤهم هدرا، وكان قد تشكل لدى الكتائب والثوار مشاعر إسلامية استشهادية إبان ثورتهم على الطاغية ساعدهم ذلك على الإصرار والتصميم لتحقيق المطالب، ولأن برنامج الحكومة وأسيادها في بريطانيا ما هو إلا إعادة استنساخ للنظام القديم وقع الصدام، ودخلت الحكومة في صراع مرير لمحاولة فرض السيطرة وإحكام القبضة على الشعب وبطرق متعددة، بالترغيب والوعود ومحاولات الاحتواء تارة، وبالترهيب والوعيد وإراقة الدماء تارة أخرى.


4- ومع عدم انتفاء أن تكون هناك أطماع شخصية لبعض قادة المليشيات والكتائب، إلا أنّ المحرك الأساس والرئيس يبقى هو شعور الناس بعدم حدوث تغيير، ومشاهدتهم وصول حفنة من الرجالات إلى الحكم ليسوا أهلا للتغيير ولا توجد عندهم نية لإحداثه.


والحقيقة أنّ الأمة لن تلمس التغيير الحقيقي ولن تجده إلا إن تمكنت من إسقاط الأنظمة القديمة بكامل مكوناتها، فكرها ورجالاتها وهيكلياتها وولاءاتها، فالتغيير لن يحصل بمجرد الإطاحة بالرؤوس فحسب، أو تغيير بعض الأمور الشكلية، بل يجب أن يتم إسقاط الفكر الديمقراطي العلماني وكل هيكليات الدولة السابقة الأمنية والسياسية، والإطاحة برجالات الوسط السياسي والأمني والفكري السابقين، وكذلك خلع النفوذ الغربي من جذوره من البلاد، ليحل محل كل ذلك نظام الحكم بالإسلام (الخلافة)، بفكر الإسلام وعقيدته وأجهزة الدولة في الإدارة والحكم، ورجال حكم مخلصين أتقياء، وولاء كامل للأمة ودون أدنى سلطان للغرب.

 

 


كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
المهندس باهر صالح
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في فلسطين

إقرأ المزيد...

خبر وتعليق وزيرة الصحة الإندونيسية (مترجم)

  • نشر في التعليق
  • قيم الموضوع
    (0 أصوات)
  • قراءة: 916 مرات


الخبر:


جاكرتا: قال رئيس مجلس الوزراء أنه تم تغطية حوالي 17784 مليون شخص، بمن فيهم الفقراء والمحرومين، في إندونيسيا بنظام التأمين الصحي الاجتماعي 'جامكيس'. وقالت وزيرة الصحة، نفيسة مبوي، في كلمتها المكتوبة التي تلاها يوم الأحد هوجا، رئيس منطقة واكاتوبي، جنوب شرق سوﻻويسي، أنه قد تم توفير خدمات جامكيس في 2186 مستشفى عبر البلاد.


وقالت الوزيرة في الكلمة التي ألقتها في الاحتفال بـ "يوم الأبطال الوطنيين الـ 68"، أنه إلى جانب المستشفيات هناك ما مجموعه 9599 مركزًا للرعاية الصحية العامة. وهناك أيضا قرابة 23225 وحدة فرعية للرعاية الصحية، و54704 مركزًا صحيًّا قرويًّا و276688 مركزًا للخدمات الصحية المتكاملة. وأضافت: "نحن مستمرون في زيادة الخدمات الصحية من وقت لآخر من أجل القضاء على فوارق الخدمات الصحية بين المناطق، وبين الجماعات والفئات الاقتصادية الاجتماعية".


وقالت الوزيرة أن الحكومة قد حققت عددًا من الإنجازات في قطاع الخدمات الصحية مثل القضاء على شلل الأطفال والملاريا والجذام، والتعامل مع مرضى فيروس نقص المناعة/الإيدز، وزيادة كمية التغذية وتسريع الجهود الرامية إلى تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية. (جاكرتا Antaranews.com، 2013/11/17).


التعليق:


بعد بضعة أشهر، أي في الأول من كانون الثاني/يناير 2014، ستقوم الحكومة الإندونيسية بتنفيذ قانون "نظام الضمان الاجتماعي الوطني". ومن خلال التشريع، سيضطر كل مواطن تدريجيًا إلى أن يكون مشاركًا في برنامج التأمين الاجتماعي للرعاية الصحية. وهو آلية لجمع الأموال من المستحقات الإلزامية من أجل توفير الحماية ضد المخاطر الاجتماعية والاقتصادية التي تحل بالمشاركين و / أو أفراد أسرهم. وهذا يشير بوضوح إلى سياسة ترك مسؤولية توفير الخدمات الصحية للشعب.


إن تصريحات وزيرة الصحة تؤكد أن الحكومة تولي الخدمات الصحية للأشخاص القادرين على دفع الأموال، وإلا فإنك لن تحصل على شيء. إنه ينبغي على الناس أن يتساءلوا، ما هي وظيفة هذه المؤسسة التي تسمى الدولة؟ إنها على العكس تماما من وظيفة الدولة التي حددها الإسلام، وبخاصة في توفير الخدمات الصحية لجميع الناس.


إن الإسلام يوجب على الدولة تطبيق القواعد التالية:


أولاً، أن الصحة العامة هي من الاحتياجات الأساسية لكل فرد من أفراد الرعية كائنًا من كان، غنيًا أم فقيرًا، مسلمًا، أم غير مسلم. ويجب على الدولة أن تضمن تطبيقها مباشرة. يقول النبي عليه الصلاة والسلام: «من أصبح آمنًا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها».


ثانيًا، أن على الدولة واجب تحمل المسؤولية الكاملة لضمان جودة الخدمات الصحية المجانية لكل أفراد المجتمع. وذلك لقول رسول الله عليه الصلاة والسلام: «الإمام راع، ومسؤول عن رعيته» [رواه البخاري].


ويحظر على الدولة لعب دور المنظم والميسر فقط.


إن هاتين القاعدتين متفقتان مع المثل العليا لصحة الإنسان التي تقدم الرعاية الصحية لمن يحتاج إليها، دون إعطاء الأولوية للمكاسب المادية.


وقد تم تطبيق هذه القاعدة بشكل دقيق زمن الخلافة الإسلامية. كما هو الحال في مستشفى المنصوري الكبير في القاهرة الذي زوّد بـ 8000 سرير، وجهّز بمسجد للمرضى المسلمين، وكنيسة للمرضى النصارى. وقد تم تجهيز المستشفى بخدمة العلاج بالموسيقى للمرضى الذين يعانون من اضطرابات عقلية، وكان يعالج في اليوم الواحد أكثر من 4000 مريض، وتم توفير الخدمات دون تمييز بين المرضى على أساس العرق أو اللون أو الدين، ودون تحديد لوقت العلاج، فلا يخرج المريض من المستشفى حتى يبرأ من المرض تماما، بالإضافة إلى حصول المرضى على الرعاية والأدوية والطعام مجانا، وإعطاء المريض كسوة للباسه ومصروفا يكفي لنفقاته فور خروجه من المستشفى، وقد استمر المستشفى لأكثر من 7 قرون.


ثالثًا، الإحسان في تنفيذ إدارة الخدمات الصحية، حسب قول رسول الله عليه الصلاة والسلام: «إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القِتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح» [رواه مسلم].


فيقوم الخليفة ومؤسساته في هذه الحالة بتطبيق ثلاث سياسات في الإدارة هي: البساطة في النظام، وسرعة توفير الرعاية الصحية، وتنفيذها من قبل أفراد قادرين ومهنيين.


إن تطبيق هذه القواعد الثلاث يضمن توافر الموارد الصحية البشرية، والبنية الصحية التحتية الكافية، وسهولة الوصول إليها. ويضمن وجود عدد كاف من الأطباء من مختلف التخصصات الطبية والقابلات والممرضات. وكذلك توفير مجموعة كاملة من المعدات الطبية والأدوية والقوى البشرية ما هو ضروري لتوفير الرعاية الصحية مع أفضل معايير الخدمة، وذلك تمشيا مع قواعد الأخلاقيات الطبية في الإسلام.


إن هذه المبادئ حول واجبات الدولة في توفير الخدمات العامة ستصبح حقيقة واقعة عندما تقوم دولة الخلافة قريبا إن شاء الله. فلنكافح إذن من أجل إقامة دولة الخلافة.

 

 


كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
عفة أينور رحمة
الناطقة الرسمية لحزب التحرير في إندونيسيا

إقرأ المزيد...

نفائس الثمرات خير ما وَرَّثَ الرجالُ بنيهمُ

  • نشر في أخرى
  • قيم الموضوع
    (1 تصويت)
  • قراءة: 641 مرات


قال ابن عبد البر: قال الشاعر:

 

خير ما وَرَّثَ الرجالُ بنيهمُ أدبٌ صالحٌ وحسنُ الثناءِ
هو خيرٌ من الدَّنانير والأو راقِ في يوم شدَّةٍ أو رخاءِ
تلك تفنى والدِّينُ والأدب الصَّا لح لا يَفْنَيان حتى اللِّقاءِ
إن تَأَدَّبْتَ يا بنيَّ صَغيراً كنتَ يوماً تُعَدُّ في الكبراء

 

 

 

 

وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إقرأ المزيد...

مع الحديث الشريف من سنَّ سنة حسنة

  • نشر في من السّنة الشريفة
  • قيم الموضوع
    (0 أصوات)
  • قراءة: 440 مرات

 

أيها المسلمون:


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،


جاء في صحيح الإمام مسلم في شرح النووي "بتصرف" في " باب من سن سنة حسنة أو سيئة ومن دعا إلى هدى أو ضلالة"


حدثنا يحيى بن أيوب وقتيبة بن سعيد وابن حجر قالوا: حدثنا إسماعيل يعنون ابن جعفر عن العلاء عن أبيه، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا".


أيها المسلمون:


هذا الحديث فيه حث على الدعوة إلى الهدى والخير، لما فيه من فضل للداعي، وفيه أيضا تحذير من الدعوة إلى الضلال والغي، لما في ذلك من جرم في حق الداعي لها.


والناظر في أحوال المسلمين اليوم، يرى أن أشد الناس جرما وإثما على الإطلاق هم حكامهم، ذلك لأنهم يدعون إلى الضلالة ليل نهار، صباح مساء، فهم أئمة الضلال بلا منازع، يهتدي بهم الفجار من علماء وعامة، فكم من آثام الأمة سيحملون على أوزارهم يوم القيامة؟ وكم سيتحملون؟ فما أصبرهم على النار؟ فهم سيموتون ويتركون وراءهم ما لا ينقطع من أعمال الضلالة؟ فسحقا لهم وهذا ما يستحقون.


وبالمقابل، كم ستكون الصورة مختلفة؟ لو أن للمسلمين خليفة، يحكمهم بكتاب الله وسنة نبيه عليه أفضل الصلاة والسلام، فيفتح أمامهم مشاريع الخير والأجر فتحا، فكم سيسجل في صحيفته من الأجور؟ فهنيئا له ذلك؛ بل أقول لكم -أيها المستمعون- هنيئا لكم أنتم أيضا، إن عملتم مع العاملين لإيجاد هذا الخليفة، فأجره أجركم أيضا، هنيئا لكم أيها العاملون في اقتسام هذا الخير العميم، الذي سيحوزه الخليفة القادم قريبا بإذن الله، فلولا عملكم لما وجد الخليفة، ولولا وجوده لما وجد الأجر.وكفى بهذا الأجر من نعمة. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

إقرأ المزيد...

الأندلس الفردوس المفقود من الفتح إلى السقوط ح29 انقسامات الدولة

  • نشر في أخرى
  • قيم الموضوع
    (0 أصوات)
  • قراءة: 1772 مرات


حياكم الله احبتنا الكرام، ويتجدد لقاؤنا معكم،، وسلسلة حلقات الأندلس الفردوس المفقود من الفتح إلى السقوط


قلنا أن الأندلس كانت تواجه موجة من الصراعات العارمة، مما أدى إلى اجتماع العلماء وعلية القوم من أهل الأندلس، لحل المشكلة وإيقاف الصراعات، فقاموا بإنشاء مجلس الشورى لإدارة البلاد وولوا عليه أبا الخزم والذي لم يستطع السيطرة إلا على قرطبة فقط من بلاد الأندلس، أما بقية البلاد والأقاليم الأخرى فقد ضاعت السيطرة عليها تماما، وبدأت الأندلس بالفعل تقسم بحسب العنصر إلى دويلات مختلفة، وقد سمي ذلك العصر بعهد ملوك الطوائف.


وهو العهد الذي قسمت فيه بلاد الأندلس إلى سبعة أقسام شبه متساوية، كل قسم يضم إما عنصرا من العناصر، أو قبيلة من البربر، أو قبيلة من العرب، أو أهل الأندلس الأصليين، بل إن كل قسم أو منطقة من هذه المناطق كانت مقسمة إلى تقسيمات أخرى داخلية، حتى وصل تعداد الدويلات الإسلامية داخل أراضي الأندلس عامة إلى اثنتين وعشرين دويلة، وذلك رغم وجود ما يقرب من خمس وعشرين بالمئة من مساحة الأندلس في المناطق الشمالية في أيدي النصارى. فتفتت المسلمون في الأندلس تفتتا لم يعهد من قبل في تاريخهم، وفقدوا بذلك عنصرا مهما جدا من عناصر قوتهم وهو الوحدة، فكان الهبوط على أشد ما يكون.


من المعلوم أن الجزية يدفعها أهل الذمة للدولة الإسلامية، ولكن بعد هذا الضعف والتفكك لدولة الأندلس أصبح أمراء الدويلات المقسمة يدفعون الجزية إلى ألفونسو السادس ومن معه، إلا أنه كان هناك رجلا واحدا كان يملك عزة وأنفة، ولم يرض بدفع الجزية، وهو المتوكل بن الأفطس أمير مملكة بطليوس.


فبالرغم من الذل والهوان الذي عم وطم المسلمين هناك، وبالرغم من التشرذم والضعف والهوان إلا أن المتوكل بن الأفطس لم يكن يدفع الجزية للنصارى، وبالطبع فقد كان النصارى ينظرون إلى هذا الرجلِ على أنه مارق وخارج عن الشرعية، تلك التي كانت تحكم البلاد في ذلك الوقت؛ حيث خرج عن المألوف واعتزَّ بإسلامه ولم يقبل الذل كغيره من أبناء جلدته.


وهنا أرسل له ألفونسو السادس رسالة شديدة اللهجة يطلب فيها منه أن يدفع الجزية كما كان يدفعها غيره من المسلمين في الممالك الإسلامية المجاورة، فكان من نبأ المتوكل بن الأفطس أنه أرسل له ردا عجيبا، أرسل إليه برسالة حفظها التاريخ ليعلم قارئيه أن المؤمن وهو في أشد عصور الانحدار والانهيار إذا أراد أن تكون له عزة فلا محالة هي كائنة، يقول المتوكل بن الأفطس في رسالته:


وصل إلينا من عظيم الروم كتاب مدع في المقادير وأحكام العزيز القدير، يرعد ويبرق، ويجمع تارة ثم يفرق، ويهدد بجنوده المتوافرة وأحواله المتظاهرة، ولو علم أن لله جنودا أعز بهم الإسلام وأظهر بهم دين نبيه محمد عليه الصلاة والسلام أعزة على الكافرين، يجاهدون في سبيل الله لا يخافون، بالتقوى يعرفون وبالتوبة يتضرعون، ولأن لمعت من خلف الروم بارقة فبإذن الله وليعلم المؤمنين، وليميز الله الخبيث من الطيب ويعلم المنافقين.


ما تعييرك للمسلمين فيما وهى من أحوالهم فبالذنوب المركومة، ولو اتفقت كلمتنا مع سائرنا من الأملاك لعلمت أي مصاب أذقناك كما كانت آباؤك تتجرعه، وبالأمس كانت قطيعة المنصور على سلفك لما أجبر أجدادك على دفع الجزية حتى أهدى بناته إليه. وكان ملك نافار جد ألفونسو السادس قد أرسل ابنته هدية إلى المنصور حتى يأمن جانبه، وهي أم عبد الرحمن بن المنصور الذي انتهت بحكمه الدولة العامرية كما ذكرنا.


ويضيف المتوكل بن الأفطس قائلا أما نحن إن قلَّتْ أعدادنا وعدم من المخلوقين استمدادنا، فما بيننا وبينك بحر نخوضه ولا صعب نروضه، ليس بيننا وبينك إلا السيوف، تشهد بحدها رقاب قومك، وجلاد تبصره في نهارك وليلك، وبالله تعالى وملائكته المسومين نتقوى عليك ونستعين، ليس لنا سوى الله مطلب، ولا لنا إلى غيره مهرب، وما تتربصون بنا إلا إحدى الحسنيين: نصرا عليكم فيا لها من نعمة ومنة، أو شهادة في سبيل الله فيا لها من جنة، وفي الله العوض مما به هددت، وفرج يفرج بما نددت ويقطع بما أعددت.


فما كان من ألفونسو السادس إلا أن وجم ولم يفكر ولم يستطع أن يرسل له جيشا، فقد غزا كل بلاد المسلمين في الأندلس خلا بطليوس، لم يتجرأ على أن يغزوها، فكان يعلم أن هؤلاء الرجال لا يقدر أهل الأرض جميعهم على مقاومتهم، فأعز الإسلام ورفع من شأن المتوكل بن الأفطس ومن معه من الجنود القليلين حين رجعوا إليه، وبمجرد أن لوحوا بجهاد لا يرضون فيه إلا بإحدى الحسنيين، نصر أو شهادة.


ولكن وللأسف، بعض النفوس البشرية استبدلت العز والفخار بالذل والهوان، كما حصل في الشمال الشرقي للأندلس وبالقرب من فرنسا، وبالتحديد في سرقسطة التي كان يحكمها بنو هود، وكان لحاكم سرقسطة ولدان فأراد أن يستخلف أحدهما للحكم من بعده، ولئلا يظلم أيا منهما كما خيل له فقد قام الأب الحاكم بعمل غريب لم يتكرر في التاريخ؛ حيث قسم الدويلة، الأرض والشعب والجيش، كل شيء إلى نصفين لكل منهما النصف.


يموت الأب وتمر الأيام ويختلف الأخوان على الحدود فيما بينهما، فيقوم أحدهما بالهجوم على أخيه لتحرير حقه وأرضه المسلوبة، ولأنه لم يكن له طاقة بالهجوم لأن الجيش مقسم والكيان ضعيف، فما كان من هذا الأخ إلا أنه استعان بملك نصراني ليحرر له أرضه من أخيه المسلم.


لم يستمع هذا الأخ ما قيل له من أن هذا الملك النصراني سيأخذ هذه الأرض ويضمها إلى أملاكه، فكان اعتقاده أن ملك برشلونة (مملكة أراجون) رئيس دولة صديقة، ويستطيع أن يأخذ له حقه من أخيه، وكان كل همه أن يظل ملكا على دويلته، وملكه لا بد وأن يعود إلى حوزته.


وبالفعل جاء النصارى ودخلوا البلاد، وأحدثوا من المآسي ما يندى له الجبين، ومن أشهر أفعالهم فيها ما عرف في التاريخ بمأساة بربشتر.


بدأ الأمر بالحصار وذلك في جمادى الآخرة سنة ست وخمسين وأربعمئة من الهجرة، وظل مداه طيلة أربعين يوما كاملة والمسلمون في الداخل يستغيثون بكل أمراء المؤمنين في كل أرض الأندلس، ولكن لا حراك، فالقلوب تمتلئ رهبة من النصارى، وأمراء المسلمين يعتقدون بأنهم ليس لهم طاقة بحربهم أو الدفاع عن إخوانهم ضدهم، وفكروا بأن يستعينوا بدولة أخرى غير تلك الدولة الصديقة المعتدية، وظلوا الأربعين يوما يتفاوضون ويتناقشون حتى فتح النصارى بربشتر.


فقتلوا من المسلمين أربعين ألفا، (من رواية ياقوت الحموي، وهناك رواية أخرى تزيدهم إلى مئة ألف) وسبوا سبعة آلاف فتاة بكر منتخبة (أجمل سبعة آلاف فتاة بكر في المدينة) وأعطين هدية لملك القسطنطينية، وأحدثوا من المآسي ما تقشعر منه الأبدان وتنخلع منه القلوب؛ إذ كانوا يعتدون على البكر أمام أبيها وعلى الثيب أمام زوجها، والمسلمون في غمرة ساهون.


ومثل هذه الصورة لا نعدمها عبر التاريخ حتى يومنا هذا ليس في حقل الصراع بين المسلمين والنصارى فحسب، بل إن حكام الرويبضات وزبانيتهم ممن يحسبون زورا وبهتانا على الإسلام وأهله، فعلوا هذه الأفعال وأكثر في المسلمات في سوريا وليبيا وغيرها من البلاد التي انتفضت وقالت للظالم: يا ظالم، الأمة تريد تغيير النظام.


كسنة من سنن الله أيضا في المسلمين فإن السعي للتغيير واستئناف العزة والكرامة للإسلام وأهله لم تعدم ولن تعدم إلى قيام الساعة برغم ما يحدث مما هو في عكس طريقها؛ فقد كانت هناك محاولات إصلاحية في هذا العهد، وأخرى تبدي عدم موافقتها لهذا الوضع المزري في البلاد، لكنها كانت دعوات مكبوتة، لم تستطع أن ترى النور، يقول أحد الشعراء واصفا هذه الفترة


مما يزهدني في أرض أندلس ، ألقاب معتضد فيها ومعتمد


ألقاب مملكة في غير موضعها ، كالهر يحكي انتفاخا صولة الأسد


كان من المصلحين في هذا العهد الفقيه الإسلامي المشهور ابن حزم، وأيضا ابن عبد البر، وكذلك ابن حيان، وأبو الوليد الباجي، وغيرهم الكثير من أبناء الأندلس نفسها، والحق أنهم حاولوا قدر استطاعتهم أن يخرجوا الأمة من هذا الموقف الحرج، ويجمعوا الناس ويوحدوا الصفوف، لكن العمل الفردي لم ولن ينجح أبدا للتغيير الجذري، بل لا بد من وجود تكتل، له فكرة وطريقة معينة ليستطيع إحداث التغيير.


وكم تثور في النفس الآلام والأحزان والتساؤلات إلى هؤلاء الأمراء المنقسمين على أنفسهم: أما سمعتم عن عزة الإسلام والمسلمين زمن عبد الرحمن الناصر في الدولة الإسلامية الموحدة، وكيف كانت؟! لماذا تفرطون في مثل هذه العزة في الدنيا وذاك الثواب العظيم في الآخرة؟! أمن أجل أيام معدودات على مدينة من مدن المسلمين تحكمونها؟! أم من أجل الاستكبار وعدم الرغبة في أن تكونوا تحت إمرة رجل واحد من المسلمين؟! أم من أجل التزلف والاستعباد لملك من ملوك النصارى؟!

 

نكتفي بهذا القدر، ونلتقي وإياكم الأسبوع القادم بإذنه تعالى، نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 


كتبته: أم سدين

إقرأ المزيد...
الاشتراك في هذه خدمة RSS

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع