العقدة الكبرى والعقد الصغرى ح17
- نشر في ثقافية
- قيم الموضوع
- قراءة: 341 مرات
لله در أقوام هجروا لذيذ المنام وتنصلوا لما نصبوا له الأقدام وانتصبوا للنصب في الظلام يطلبون نصيباً من الإنعام إِذا جنّ الليل سهروا وإذا جاء النهار اعتبروا وإذا نظروا في عيوبهم استغفروا وإذا تفكروا في ذنوبهم بكوا وانكسروا.قال عليه الصلاة والسلام: (عليكم بقيام الليل فإِنه دأب الصالحين قبلكم وإنه قربة إلى ربكم ومغفرة للسيئات ومنهاة عن الإثم)
المواعظ
لابن الجوزي
وَصَلِّ اللَّهُمَّ عَلَىْ سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وَعَلَىْ آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ
وَالسَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ
نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
جاء في فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني " بتصرف" في " باب صوم يوم الفطر"
حدثنا عبدُ اللهِ بنُ يُوسُفَ أخبرنا مالكُ عن ابنِ شِهابٍ، عن أبي عُبَيدٍ مَوْلَى ابْنِ أَزْهَرَ قال: شَهِدتُ العيدُ مع عمرَ بنِ الخطابِ رضيَ الله عنه فقال: "هذانِ يومانِ نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامِهِما، يومُ فِطْرِكُم من صِيامِكُمْ، واليومُ الآخَرُ تأكلونَ فيه من نُسُكِكُمْ".
أيها الإخوة الكرام:
اتفق الفقهاءُ والعلماءُ على حرمةِ صومِ يومَيِ الفِطرِ والأضحى، وهذا الحديثُ فيه نَهْيٌ واضحٌ عن صيامِهما، إلاّ أنَّ النهيَ هنا مجردُ نَهْيٍ لا يُفيدُ الْجَزْمَ؛ بل يُفيدُ الكراهةَ، ولكنْ في الحديثِ الآخَرِ الذي أورده أبو سعيدٍ الْخُدْرِيُّ حيثُ قال: سمعت رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:"لا يَصْلُحُ الصيامُ في يومَيْنِ، يومِ الأضحى ويومِ الفطرِ من رمضان". ففي هذا الحديث وردت عِبارةُ (لا يَصْلُحُ)، الدالةُ على أن النهيَ هنا نهيٌ جازمٌ وأنه للتحريمِ. وهذا يُشبهُ قولَ الرسول - صلى الله عليه وسلم- في الصلاةِ، حيث قال: " إنَّ هذه الصلاةَ لا يَصْلُحُ فيها شيءٌ من كلامِ الناس،..." أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
ويؤكّدُ الحديثُ أيضاَ أن العباداتِ توقيفيةٌ، نعبدُ اللهَ سبحانه وتعالى بحسبِ ما أمرَ وما أرادَ، وليس بحسب ما تراه عقولُنا، أو تميلُ إليه نفوسُنا، يَدلُّ الحديثُ أننا نعبدُ اللهَ بتناول الطعامِ والشرابِ في هذينِ اليومينِ، لأنّ اللهَ تعالى حرّمَ علينا صيامَ هذينِ اليومين، فلا يجوزُ لمسلمٍ أن يقولَ أريدُ عبادةَ الله بالصيامِ في هذا اليوم، لأنه سبحانه شرعَ لنا أن نعبدَه بالأكل والشرب، شاكرينَ نعمتَه بالفطرِ بعد شهرِ الصيام، وشاكرينَ نعمتَه على بهيمةِ الأنعامِ في الأضحى، فله الحمدُ سبحانه كما يحبُّ ويرضى.
أيها الإخوة الكرام، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أيها المؤمنون:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:
أيها المؤمنون: عرفنا من خلال الآيات الكريمة التي تعرضنا إليها في الحلقة السابقة أن من صفات المهتدين: الإيمان, والطاعة, والأمانة, والصدق, والعدل. تعالوا بنا نتناول هذه الصفات بشيء من التفصيل:
أولا : الإيمان: الإيمان ضد الكفر, ومعناه التصديق الجازم, فالمهتدي يصدق تصديقـا جازما أي قاطعـا بوجود الله تبارك وتعالى. وذلك بالتفكر في مخلوقاته سبحانه, ويؤمن أيضا بالملائكة عليهم السلام لأن الله تعالى أخبرنا عنهم, ويؤمن كذلك بكتب الله التي أنزلها على رسله, والتي آخرها القرآن الكريم, ويؤمن أيضا برسل الله سبحانه, ويؤمن باليوم الآخر, وبالقضاء والقدر خيرهما وشرهما من الله تعالى. والإيمان هو سبب الهداية قال تعالى: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم). (يونس9) وقال تعالى:(وإن اللـه لهاد الذين آمنوا إلى صراط مستقيم). (الحج54)
ثانيا: الطاعة: الطاعة ضد المعصية, وهي ضرورية لصلاح الأمة, قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : "لا إسلام إلا بجماعة, ولا جماعة إلا بإمارة, ولا إمارة إلا بطاعة". فإذا ضاعت الطاعة ضاعت الإمارة, وإذا ضاعت الإمارة ضاعت الجماعة, فأصبحت الأمة أفرادا دون إمارة تجمعهم, ودون دولة ترعاهم. وروى البخاري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه سمع أبا هريرة يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من أطاعني فقد أطاع الله, ومن عصاني فقد عصـى الله, ومن أطاع أميري فقد أطاعني, ومن عصـى أميري فقد عصاني". هذا وإن طاعة النبي صلى الله عليه وسلم توصل إلى طريق الهداية قال تعالى: (وإن تطيعوه تهتدوا ). (النور 54)
ثالثـا:الأمانة: الأمانة لغة ضد الخيانة, فالذي اختار الهداية ينبغي أن يكون أمينـا, حافظـا للأمانة كما كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حتى عرف بين قومه بأنه الصادق الأمين, وأداء الأمانة واجب ينبغي القيام به امتثالا لأمر الله القائل: (إن اللـه يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها). (النساء 58) والأمانة حملها ثقيل, تنوء به السموات والأرض والجبال. قال تعالى: (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا). (الأحزاب 72) هذا وإن أصح الأقوال كما يقول علماء التفسير في معنى الأمانة التي حملها الإنسان أنها تعني التكاليف الشرعية. فالإنسان له عقل, والعقل مناط التكليف, فهو مكلف بحمل الأمانة, أي بأداء التكاليف الشـرعية التي أمره الله بها, والسموات والأرض والجبال لا عقل لها, فهي غير مكلفة, أي غير حاملة للأمانة. ولكنها تطيع أمر ربها فيما سخرها له, قال تعالى: (قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين). (فصلت11)
رابعـا: الصدق: الصدق ضد الكذب, وهو مطابقة الواقع في الأقوال والأفعال, ولا يكون المرء مهتديـا إلا إذا كان صادقـا, لأنه بالصدق مع الله يهتدي, ويهدي الله على يديه آخرين. والمسلم يلتزم بالصدق لأن الله تعالى أمر بالصدق, قال تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللـه وكونوا مع الصادقين). (التوبة 119) والصدق في الأقوال والأفعال يتطلب نوعا من الهداية, قال تعالى: (وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد). (الحج 24)
خامسا: العدل: العدل ضد الظلم والجور, وهو يعني الإنصاف والمساواة, فالذي اختار طريق الهداية لا يحكم إلا بالعدل وذلك امتثالا لقوله تعالى: (إن اللـه يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون) (النحل90) وقوله: (إن اللـه يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل). (النساء 58) هذا وإن العدل أساس الملك كما يقولون. والظلم مؤذن بخراب العمران أي بزوال الملك كما يقول ابن خلدون في مقدمته.
نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى, فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.