نظرة إلى معنى الحكم والإدارة
- نشر في أجهزة الدولة
- قيم الموضوع
- قراءة: 1477 مرات
{ كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُون , يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُون , وَإِذْ يَعِدُكُمْ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ , لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ } (سورة الأنفال: 5 ـ 8).
هذه الآيات الكريمة نزلت في خروج الرسول صلى الله عليه و سلم إلى بدر لعله يغنم تجارة قريش التي كان أبو سفيان عائداً بها إلى مكة من الشام. وعلم أبو سفيان بخروج المسلمين لأخذ العير فغيّر الطريق واستأجر ضمضم بن عمرو الغفاري وبعثه يستنفر قريشاً لحماية أموالهم. ولما وصل الرسول صلى الله عليه و سلم إلى وادي ذَفِران علم أن العير قد أفلتت منه وأن قريشاً قد جاءت بجيشها لقتاله. جاء في تفسير ابن كثير: (عن أبي أيوب الأنصاري بقوله: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ونحن في المدنية «إني أُخبرتُ عن عير أبي سفيان أنها مقبلة فهل لكم أن نخرج قِبَلَ هذه العير لعل اللهَ أن يغنمناها»؟ فقلنا: نعم. فخرج وخرجنا، فلما سرنا يوماً (أو يومين) قال لنا: «ما تروْنَ في قتال القوم فإنهم قد أخبروا بخروجكم»؟ فقلنا: لا والله، ما لنا طاقة بقتال العدو ولكنا أردنا العير. ثم قال: «ما ترون في قتال القوم»؟ فقلنا مثل ذلك. فقال المقداد بن عمرو: إذاً لا نقول لك يا رسول اله كما قال قوم موسى لموسى: { فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاَ إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ } قال: فتمنينا معشر الأنصار أن لو قلنا كما قال المقداد أحب إلينا من أن يكون لنا مال عظيم، قال: فأنزل الله على رسوله صلى الله عليه و سلم: ( كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ).
{ كَمَا } اختلف المفسرون في السبب الجالب لهذه الكاف، والأرجح هو التشبيه بين كره فريق من المؤمنين للقتال كما كرهوا أصلاً الخروج لأخذ العير.
{ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ } الله سبحانه ينسب خروج (إخراج) الرسول ثلى الله الله عليه و سلم من المدينة بقصد أخذ عير قريش لذاته سبحانه. وهكذا نرى أنه يمكن نسبة العمل الاختياري الذي يقوم به الإنسان باختياره والذي يحبه الله، يمكن نسبته إلى الله ويمكن نسبته إلى الإنسان، وفي كلتا الحالتين تكون النسبة حقيقية وليست على سبيل المجاز، وكل نسبة تذهب إلى جانب. وهذا نظير قوله تعالى: { فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى}.
{ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ } أي أن فريقاً من المؤمنين كانوا كارهين الخروج لأخذ العير، والأرجح أنهم كانوا يتوقعون أن أخذ الغير (حتى لو تم أخذها) سيجرّ إلى القتال وهم لا يريدونه.
{ يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ } الحق هنا تعني: القتال. أي: حتى بعد أن تبيّن أن لا مفرّ من القتال بقي فريق من المؤمنين يجادلون رافضين القتال.
{ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ } هذا الفريق من المؤمنين كانوا يظنون أن الغلبة ستكون للكفار وأن المؤمنين سيُهزَمون ويُقتَلون. لأنهم لم يخرجوا بكامل عدتهم للقتال بل خرجوا لأخذ العير.
{ وَإِذْ يَعِدُكُمْ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْل } الطائفتان هما: العير والجيش. وكان الوحي جاء إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم يعده إحدى هاتين الطائفتين أنها ستكون في قبضة المسلمين.
{ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ } العير هي الطائفة غير ذات الشوكة، والجيش هو الطائفة ذات الشوكة، أي القوة والمنعة. وكان المسلمون يميلون إلى كسب العير والنجاة من القتال.
{ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ } أي: في الوقت الذي تريدون أنتم تجنب القتال يريد الله سبحانه حصول القتال. وهذه طبيعة البشر أنهم يكرهون القتال والشدائد ويميلون إلى الدعة والراحة ولكن الاسترسال مع هذا الشعور عواقبه وخيمة. وهذا نظير قوله تعالى: { كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }.
{ لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ } الله سبحانه يحب إحقاق الحق، وينصر أهل الحق حين ينصرونه، ويكره الباطل ويخذل أهله. وهذا يكون بربطنا للأسباب بالمسببات وإعداد العدة، ويكون حسب السنن التي أودعها الله في الكون. هناك شيء اسمه: توفيق الله، وهذا التوفيق رغم أنه يسير حسب سنن الله في خلقه ولكنه يعطي نتائج تشبه المعجزات. والمسلمون الآن يتطلعون إلى توفيق الله ونصر منه يشبه نصر بدرٍ يعز الإسلام وأهله ويذل الكفر وأهله.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِ مُؤْمِنٍ بِشَطْرِ كَلِمَةٍ لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ آيِسٌ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ
جاء في شرحِ سُنَنِ ابْنِ مَاجَةَ للسِّنْدِيِّ
قوله ( بِشَطْرِ كَلِمَة )
قِيلَ هُوَ أَنْ يَقُولَ اق اُقْتُلْ كَمَا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مَنْ فَكَيْف مَنْ أَمَرَ بِهِ أَوْ تَسَبَّبَ فِيهِ
قَوْله ( مَكْتُوب بَيْن عَيْنَيْهِ آيِس مِنْ رَحْمَة اللَّه )
الْجُمْلَة الْآتِيَة حَال بِلَا وَاو وَمَعْنَى كَوْنِهِ آيِسًا يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ فَظَاهِره يُوَافِقُ ظَاهِر قَوْله تَعَالَى { وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا } الْآيَة .
في معمعةِ الأحداثِ التي تُصيبُ الأمةَ، كاحتلالِ العراقِ للكويتِ وقِتالِ دولِ الخليجِ ومعهم أمريكا للعراقِ، او كاقتتالِ أهلِ فلسطينَ فيما بينهم، أو كاقتتالِ أهلِ لبنانَ فيما بينهم، في معمعةِ مِثلِ هذهِ الأحداثِ، قدْ تَغِيْبُ عنِ الذهنِ بعضُ المفاهيمِ الإسلاميةِ الأساسيةِ، وتَحُلُّ مَكَانَهَا أفكارٌ عصبيةٌ عاطفيةٌ ارتجاليةٌ. فَنَسمعُ مَنْ يقولُ إِنَّ تلكَ الدولةَ أو تلكَ الجماعةَ مُخْطِئةٌ في عَمَلِها، وأنَّ قَتْلَ العدوِ الغاشمِ أو قتلَ أعضاءِ الجماعةِ الفلانيةِ العدوةِ أمرٌ لا بُدَّ منه، بلْ ويبدأُ بَعْضُ الناسِ يُبْحِرُ في التحليلِ مبتعداً كُلَّ البعدِ عنِ الأسسِ الإسلاميةِ والتي أحَدُها متمثلٌ في هذا الحديثِ الشريفِ الذيْ بينَ أيديْنا. فأيُّ إِثْمٍ هذا أنْ يُكْتَبَ بينَ عيْنَيْ أحدِنا: آيِسٌ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ؟؟!!
فَلْيَكُنْ معلوماً للجميعِ أنَّ كُلَّ مَنْ سَاهَمَ أوْ تَسَبَّبَ بالقولِ أو بالفعلِ أو بالفتوى على الْحَثِّ على اقتتالِ المسلمينَ فيما بينهم، فَلَهُ كِفْلٌ مِنْ كُلِّ عِرْضٍ اغْتُصِبَ في أرضِ الإسلامِ سيما أرضُ العراقِ وأفغانستانَ، ومُحَاسَبٌ مَعَ مَنْ سَيُحَاسَبُ عنْ كُلِّ جريحٍ أُجْهِزَ عليه وكُلِّ نقطةِ دَمٍ مسلمةٍ أُرِيْقَتْ، وَمُسَاءَلٌ إِزاءَ السَّمَاحِ بتمكينِ مَنْ لا يَرْقُبُوْنَ في مُؤْمِنْ إلاًّ ولا ذِمَّةً مِنْ رِقَابِ المسلمينَ أمامَ مَالِكِ يَوْمِ الدينِ عَنْ كُلِّ مَسْجِدٍ أُبِيْدَ وكُلِّ مَنْزِلٍ دُمِّرَ وكُلِّ قَذيفةٍ سَقَطَتْ وكُلِّ طِفْلٍ يُتِّمَ.
فَلْنَعِ على أقوالِنا وأفعالِنا وَلْنَعِ على مَنْ نأخُذُ منهم الأوامرَ والفتاوَى مُذَكِّرِيْنَ بقولِ رسولِنا الكريمِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِ مُؤْمِنٍ بِشَطْرِ كَلِمَةٍ لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ آيِسٌ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ.
{أَلم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}
فسّر ابن كثير رحمه الله هذه الآية بقوله : وقوله تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ} استفهام إنكار ومعناه أن الله سبحانه وتعالى لا بدّ أن يبتلي عباده المؤمنين بحسب ما عندهم من الإيمان كما جاء في الحديث الصحيح: «أشدّ الناس بلاء الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان في دينه صلابة زيد له في البلاء». وهذه الآية كقوله: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمْ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} ، ومثلها في سورة براءة. وقال في سورة البقرة: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمْ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} ولهذا قال ههنا: { وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ } أي الذين صدقوا في دعوى الإيمان ممن هو كاذب في قوله ودعواه، والله سبحانه وتعالى يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون. وهذا مجمع عليه عند أئمة السنة والجماعة وبهذا يقول ابن عباس وغيره في مثل قوله: {إِلَّا لِنَعْلَمَ} إلاَّ لنرى وذلك لأن الرؤية إنما تتعلق بالوجود والعلم أعم من الرؤية فإنه يتعلق بالمعدوم والموجود.
لذلك اخوة الإيمان، فلا ييأس حَمَلة الدعوة والمجاهدين ولا يركنوا للذين ظلموا فتمسّهم النار. وليعلموا أن ما الأساليب في تعذيبهم وسجنهم والتضييق عليهم في رزقهم إلاَّ فتنة لهم وابتلاء من الله لعبادة المؤمنين المجاهدين في سبيله. فالصبر الصبر واسمعوا قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: فعن خبَّاب بن الأرت قال: قال يا رسول الله ألا تستنصرُ لنا ألا تدعو الله لنا. فقال: «إنَّ من كان قبلكم كان أحدهم يوضع المنشارُ على مفرق رأسه فيخلص إلى قدميه لا يصرفه ذلك عن دينه ويُمشَّط بأمشاط الحديد ما بين لحمه وعظمه لا يصرفه ذلك عن دينه».
ولقد اعتاد الظالمون من الحكام، أن يضطهدوا الذين يخالفونهم في سلوكهم المنحرف، ويناهضونهم في أفكارهم الباطلة، ولا يسايرونهم في أهوائهم، وينزلوا بهم أنواع المحن، بعد أن اعرضوا عن أشكال المنح التي قدمها الحكام إليهم، في ذلة وصغار، ولكن أنّى للنفوس الكريمة، ذات المعدن الطيب أن تغرى بمال، أو يسيل لعابها على فتات الدنيا، أو تستمال بعرض زائل من الحياة.
أما المحن فقد استعدوا لها. وتحملوا نارها بصبر وجلد، وصابروا شدة بأسها بعزم واحتساب لأنهم فقهوا قول الله تعالى: {قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ} وآمنوا بقول الخالق العظيم: {وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ}.
وفقهوا أحاديث الحبيب المصطفى حين يقول: «أفضل الناس مؤمنُ يجاهد بنفسه وماله في سبيل الله» وقوله: «سيد الشهداء حمزة ورجل قام إلى حاكم جائر فنهاه فقتله».