المكتب الإعــلامي
ولاية مصر
التاريخ الهجري | 28 من ذي القعدة 1446هـ | رقم الإصدار: 1446 / 34 |
التاريخ الميلادي | الإثنين, 26 أيار/مايو 2025 م |
بيان صحفي
التعاون المصري الأمريكي... تبعية وارتهان للمستعمر ليس لمصر ولا الأمة فيه ناقة أو جمل!
في 25 أيار/مايو 2025، انعقد في القاهرة ما سُمِّي بـ"منتدى قادة السياسات بين مصر والولايات المتحدة"، بحضور رئيس مجلس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، وسفيرة أمريكا هيرو مصطفى غارج، وممثلين عن أكثر من 60 شركة أمريكية، إلى جانب وزراء مصريين من القطاعات السيادية والاقتصادية. وقد صُوِّر المنتدى على أنه فرصة استراتيجية لتعزيز التعاون بين مصر وأمريكا، ودُعِّم بخطاب رسمي يُثني على القطاع الخاص الأمريكي ودوره في "تنمية مصر"، مع وعود وتسهيلات جمّة للاستثمار الأجنبي.
لكن الحقيقة الساطعة التي لا يجوز أن تختفي خلف غبار الشعارات الدبلوماسية هي أن هذا المنتدى لا يُمثّل تعاوناً بين ندّين، بل هو تعبير عن واقع تبعية سياسية واقتصادية مذلّة، تُكرّس ارتهان مصر لقوى الاستعمار وعلى رأسها أمريكا، وتُؤسس لعقود جديدة من استنزاف ثروات الأمة، وتقييد قرارها السيادي، وخنق إمكانياتها للنهوض الحقيقي.
إن تصوير أمريكا على أنها شريك اقتصادي لمصر، يُمثّل قلباً للحقائق وتزويراً للوعي السياسي. فأمريكا لم تكن يوماً صديقةً للأمة الإسلامية، بل هي رأس الأفعى الاستعمارية التي تُشعل الحروب، وتدعم الأنظمة القمعية، وتنهب الثروات، وتديم التبعية السياسية والاقتصادية لدول المنطقة.
أمريكا هي من يحمي كيان يهود ويدعمه بالسلاح والمال، وهي من فرضت كامب ديفيد، وتُشرف على ترتيبات الأمن الإقليمي لضمان تفوق يهود، وتثبيت الأنظمة التابعة، ومن بينها النظام المصري. فهل يعقل بعد كل هذا أن تُعرض هذه الدولة كمجرد شريك اقتصادي استراتيجي؟!
إن الذي يرى في أمريكا شريكاً هو إما جاهل بحقائق السياسة، أو مُستأجر الإرادة فاقد الكرامة، أو عميلٌ يُنفّذ خططها بوصفه جزءاً من أدوات نفوذها.
هذا المنتدى لم يكن مجرد لقاء اقتصادي؛ بل هو منصة سياسية لشرعنة تدخل أمريكا المباشر في رسم السياسات الاقتصادية لمصر. فباسم "تحسين مناخ الاستثمار" و"دعم القطاع الخاص"، سُلّمت مفاتيح الاقتصاد المصري للشركات الأمريكية العابرة للسيادة، عبر امتيازات ضخمة تشمل:
- إلغاء اشتراطات المواصفات المصرية على السيارات الأمريكية.
- إعفاء منتجات الألبان الأمريكية من شهادات الحلال.
- تسريع إجراءات "الرخصة الذهبية" للمستثمرين الأجانب.
- توقيع اتفاقيات جمركية تقضي على ما تبقى من الحواجز الحمائية.
وكل هذا يجري تحت ذريعة جذب الاستثمار، بينما النتيجة الحقيقية هي: فتح أسواق مصر أمام الاستيراد الأمريكي، وتصفية ما تبقى من الصناعة المحلية، وربط الاقتصاد المصري عضوياً بالعجلة الرأسمالية الأمريكية. فهل يُعقل أن تكون الشركات الأمريكية - وهي أدوات سياسية واقتصادية للهيمنة - هي من يُعهد إليها بإنقاذ مصر؟! هذا استخفاف بالعقول، وتحايل على الواقع الشرعي والسياسي.
من المؤسف أن نرى وزراء مصريين يتنافسون في تقديم التسهيلات، وتخفيض الشروط، وفتح المجال أمام شركات أمريكا، وكأنهم وكلاء تجاريون لها، والأدهى أن مدبولي صرّح بأن مصر ستقلّص دور الدولة في الاقتصاد لحساب القطاع الخاص، وهو حقيقة ليس سوى تغطية لتسليم المفاصل الحيوية للنفوذ الأجنبي.
فقطاع الطاقة، والبنية التحتية، والنقل، والاتصالات، والصناعة، والتعليم... كلها تُطرح اليوم على موائد الخصخصة أمام الشركات الأجنبية، وعلى رأسها الأمريكية. وهذا هو نموذج الاستعمار الاقتصادي الحديث: الاستحواذ على مفاصل الإنتاج والخدمات، دون الحاجة إلى احتلال عسكري. والأدهى من ذلك أن النظام يُسوّق هذا التفريط على أنه إصلاح هيكلي، بينما هو في حقيقته تمكين للمستعمر من رقاب الناس ومعاشهم ومصائرهم.
إن ما يقوم به النظام من توطيد العلاقة الاقتصادية مع أمريكا، وتمكينها من موارد البلاد، هو حرام بيّن، مخالف لأحكام الإسلام جملةً وتفصيلاً، وذلك من وجوه عديدة: فلا يجوز شرعاً التقرّب من الكفار المحاربين فعلاً للمسلمين كأمريكا، التي تحتل بلادهم وتدعم الكيان الغاصب لأرضهم، وتناصب الإسلام العداء. قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ﴾، وأمريكا هي رأس هؤلاء، وأشدهم عداوة للإسلام والمسلمين. ولا يجوز أن يكون للكفار المستعمرين أي سلطة على بلاد المسلمين، وكل تمكين اقتصادي أو سياسي أو عسكري لهم هو حرام صريح. كما أن بيع ثروات الأمة وتمكين الشركات الأجنبية من مفاصل الاقتصاد، هو خيانة للأمانة، وانتهاك لحق الرعية في الثروة، وإفساد للأرض.
إن الحل للأزمات والعلاج الناجع للمشكلات لا يكون بمزيد من التبعية لأمريكا ولا بشراكات مع العدو، بل يكون في تحرير الإرادة السياسية والاقتصادية من كل وصاية غربية، وإقامة دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، التي تُعيد السيادة للشرع، وتقطع العلاقة مع الدول المستعمرة، وتُعيد بناء الاقتصاد الإسلامي على أسس قوية من الصناعة والزراعة والتجارة وفق أحكام الإسلام. فدولة الخلافة هي وحدها التي تمنع الشركات الاستعمارية من دخول البلاد، فتُعيد الثروات سيرتها الطبيعية الشرعية بوصفها ملكية عامة حقاً للرعية يجب أن تمكّن من استغلالها والانتفاع بها. وتعيد النظام النقدي الحقيقي القائم على الذهب والفضة، والذي يقضي على التضخم بكل صوره وأشكاله ويحفظ على الناس جهودهم ومدخراتهم، وتمنع الربا، وتُنهي التبعية، وتقطع كل خيوط النفوذ الأجنبي.
إن المنتدى الاقتصادي المصري الأمريكي ليس إنجازاً يُفتخر به، بل هو فضيحة سياسية تُظهر مدى انكشاف النظام الحاكم في مصر، وتبعيته للعدو الأمريكي. وما تصريحاته حول "الشراكة الاستراتيجية" سوى غطاء لفظي لواقع مرّ من التبعية والخضوع للمستعمر.
والواجب على المسلمين أن يرفضوا هذا المسار، ويُدركوا أن الخلاص لا يكون عبر أبواب البيت الأبيض، بل عبر العودة إلى الإسلام، وتحكيمه في السياسة والاقتصاد، في ظل الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، التي تُعيد الأمة إلى مكانتها، وتطرد المستعمر من بلادها، وتقيم العدل الحقيقي.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾
المكتب الإعلامي لحزب التحرير
في ولاية مصر
المكتب الإعلامي لحزب التحرير ولاية مصر |
عنوان المراسلة و عنوان الزيارة تلفون: www.hizb.net |
E-Mail: info@hizb.net |