- الموافق
- كٌن أول من يعلق!

بسم الله الرحمن الرحيم
انقلاب مدغشقر: مسرحية فرنسية أم مسمار جديد في نعش نفوذها؟
الخبر:
أعلن قائد وحدة النخبة في جيش مدغشقر، العقيد مايكل راندريانيرينا، اليوم الثلاثاء، تولي الجيش السلطة في هذه الدولة الجزيرة الواقعة في أفريقيا، وذلك بعد أن صوتت الجمعية الوطنية (البرلمان) على عزل الرئيس أندريه راجولينا بتهمة التخلي عن الواجب. (الجزيرة)
كذلك انتشرت اللافتات المعادية لفرنسا، بحسب ما لاحظ فريق وكالة الصحافة الفرنسية في عاصمة مدغشقر، ومما كُتب فيها: "اخرجي يا فرنسا"، و"يا راجولينا وماكرون، اخرجا". (الجزيرة)
التعليق:
بداية تقع مدغشقر قبالة ساحل شرق أفريقيا، وهي رابع كبرى جزر العالم، ويسكنها تقريباً 26 مليون نسمة أو يزيد، وعاصمتها هي أنتاناناريفو أو "تانا" كما كان يسميها المستعمرون الفرنسيون.
في أواخر القرن التاسع عشر، كان السباق الاستعماري حول جزيرة مدغشقر، والجزر المحيطة بها على أشده بين فرنسا وبريطانيا، فعن طريق المبشرين النصارى والتجار والمهربين، حاولتا بسط نفوذهما على هذه المنطقة الاستراتيجية الواقعة في عرض المحيط الهندي. ثم آلت الأمور لفرنسا التي أعلنت رسمياً استعمارها لمدغشقر يوم 6 آب/أغسطس 1896.
والاستعمار الفرنسي همجي بكل معنى الكلمة، فلا تخلو دولة احتلتها فرنسا من مذابح وإبادة لأهلها، وتاريخها يشهد عليها في القتل والإبادة. فمثلاً، في سنة 1947م ارتكبت قواتها مذبحة ضد أهل مدغشقر، فضلاً عن نهب الثروات بشكل كبير، واستغلال تردي الأوضاع الاقتصادية للدول المستعمَرة، وفقر الشعوب بشكل يفوق التصور، ما أدى إلى نبذها وكراهيتها، وسهّل عملية خروجها أو إخراجها من مستعمراتها. وقد ساعد على ذلك الصراع الدولي وتدهور وضعها الدولي وتراجعها بشكل كبير، خاصة بعد الحرب على أوكرانيا وأزمات فرنسا السياسية والاقتصادية. فقد شهدنا دولاً أفريقية تنبذ فرنسا وتخرجها ذليلة، وإن مالي وبوركينا فاسو والنيجر خير دليل. وقد ركبت فرنسا سكة الأفول الاستعماري مرغمة، نتيجة الضعف والصراع الدولي.
وبالنسبة لموضوع الصراع الدولي: فقد دخلت أمريكا عسكرياً إلى القارة الأفريقية عام 2008 من خلال قوتها العسكرية المخصصة لأفريقيا (أفريكوم)، ثم شرعت بتمويل عمليات تدريب وتسليح الجيوش الأفريقية في المستعمرات الفرنسية تحت ذريعة محاربة الإرهاب. ومنذ دخول أفريكوم إلى أفريقيا، وقعت عدة انقلابات في دول أفريقية عدة على يد قوات عسكرية دربتها أمريكا بشكل خاص.
والذي يبدو من تتبع الأحداث وقراءتها ويغلب على الظن أن الأمر ليس انقلاباً حقيقياً، بل هو حركة استباقية خشية انقلاب حقيقي. وهناك مؤشرات تدل على هذا، منها:
1- بعض وسائل الإعلام نقلت أن الرئيس راجولينا غادر البلاد بطائرة عسكرية فرنسية بعد الاتفاق مع ماكرون. فقد ذكرت جريدة الشرق الأوسط: "وقال مصدر عسكري لرويترز إن راجولينا غادر البلاد على متن طائرة عسكرية فرنسية أمس الأحد. وقالت الإذاعة الفرنسية إنه أبرم اتفاقاً مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون". ما يعني أن خروجه كان قراراً فرنسياً.
2- الوسط السياسي الموجود هو من قام بعزله، وهم جماعة فرنسا. والذي يدل على هذا قرار البرلمانيين بعزله بتلك الأغلبية الساحقة.
3- التصريحات الفرنسية لم تكن مُتَشَنِّجة على تلك الحركة كما في مالي مثلاً، بل الحديث عن قلق فرنسي.
وختاماً: من الثابت والقطعي أن فرنسا دخلت النفق المظلم وسكة الأفول الدولي، بل وتعداها الأمر إلى تفاقم الأزمات السياسية الداخلية والانقسام الداخلي والأزمات الخارجية وأزماتها الاقتصادية، بل ومعها أوروبا التي أظهرت عجزاً وضعفاً كبيرين في حرب أوكرانيا. ولعلها تذوق ذات يوم ما أذاقته للعالم، خاصة أنها ذات تاريخ استعماري قذر (وكل دول الاستعمار كذلك)، وهي التي تتغنى بالحرية والثورة الفرنسية وشعاراتها بالكذب والتضليل.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
حسن حمدان