- الموافق
- كٌن أول من يعلق!

بسم الله الرحمن الرحيم
الحرب على المواد النادرة
الخبر:
أعاد إعلان الصين عن قيود واسعة على صادرات المعادن النادرة إشعال الحرب التجارية مع الولايات المتحدة وأثار قلق الأسواق العالمية، وفقاً لتقرير نشرته هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)...
الوثيقة التي حملت عنوان "الإعلان رقم 62 لعام 2025" والصادرة عن وزارة التجارة الصينية، تضمنت شروطاً صارمة على تصدير المعادن النادرة، بحيث أصبح لزاماً على الشركات الأجنبية الحصول على موافقة حكومية مسبقة وتوضيح الغرض من الاستخدام حتى في حال احتواء المنتج على كميات ضئيلة جداً من هذه المعادن. (الجزيرة نت)
التعليق:
تعيش البشرية اليوم حرباً جديدة لا تُشبه الحروب التقليدية التي تُخاض بالسلاح، بل حرباً من نوعٍ مختلف، تدور رحاها في الأسواق والمناجم والمختبرات، وتُدار من غرف التخطيط الاستراتيجي. إنها الحرب على المواد النادرة، تلك العناصر التي أصبحت عصب الصناعة الحديثة، ومفتاح القوة الاقتصادية والعسكرية في القرن الواحد والعشرين.
هذه المواد من مثل الليثيوم والكوبالت والنيكل والعناصر الأرضية النادرة، تُستخدم في صناعة كل ما يشكّل حاضرنا ومستقبلنا من الهواتف الذكية والسيارات الكهربائية، إلى الصواريخ والأقمار الصناعية. ولهذا تحوّلت إلى سلاحٍ خفي تتنافس عليه القوى الكبرى، ووسيلةٍ للهيمنة الاقتصادية والسياسية.
منذ عقود، أدرك الغرب وعلى رأسه أمريكا ودول أوروبا، أن السيطرة على مصادر الطاقة لم تعد كافية للهيمنة على العالم، وأن المستقبل سيكون لمن يملك مفاتيح التكنولوجيا ومواردها النادرة. ولهذا بدأت في إعادة رسم خريطة النفوذ العالمي، ليس على أساس النفط والغاز، بل على أساس المناجم والمعادن.
وفي المقابل، جاءت الصين لتُربك هذا التوازن، إذ استطاعت أن تهيمن على أكثر من 60% من إنتاج المواد النادرة في العالم، وأن تُمسك بخيوط سلاسل التوريد الصناعية، الأمر الذي أقلق الغرب وأشعل التنافس الاقتصادي والسياسي بين الشرق والغرب.
أما البلاد الإسلامية، فرغم اتساع أراضيها وغناها بالموارد الطبيعية، فإنها ما زالت تقف على هامش هذه الحرب. فالكثير منها تملك في باطن أراضيها ثرواتٍ هائلة من المعادن النادرة - من أفريقيا إلى آسيا - لكن غياب الرؤية الاستراتيجية، وارتهان القرار السياسي للاقتصاد الغربي، جعلاها مجرد موردٍ خامٍ لا أكثر.
تُستخرج هذه المواد من أراضي المسلمين، ثم تُصدر بأثمانٍ بخسة، لتعود إليهم مصنّعة بأضعاف السعر. وهكذا يستمر نزيف الثروات، في ظل غياب مشاريع إسلامية تستثمر هذه الكنوز لصالح الأمة.
إن البلاد الإسلامية قادرة، لو وُجدت الإرادة السياسية والوحدة الاقتصادية، أن تتحوّل من تابعٍ إلى مؤثرٍ في معادلة القوى العالمية. فالبلاد الإسلامية تملك المساحة الجغرافية، والموقع الاستراتيجي، والموارد الطبيعية، والقدرة البشرية الهائلة، لكنها تحتاج إلى مشروعٍ جامعٍ يوحّد إرادتها، ويحرّر قرارها الاقتصادي من الهيمنة الخارجية.
إن الحرب على المواد النادرة ليست حرباً اقتصادية فحسب، بل هي حربٌ على الوعي، على الاستقلال، وعلى من يملك حق القرار في المستقبل.
وما لم تنهض الأمة الإسلامية لتعيد صياغة موقعها في هذه المعادلة، فستبقى ثرواتها في خدمة غيرها، وستظل تدور في فلك من يُخطط لمصيرها دونها.
إننا اليوم أمام مفترق طرقٍ خطير: إما أن نبقى مستهلكين خاضعين، نبيع ثرواتنا ونشتري منتجاتنا، وإما أن نُدرك أن هذه الحرب الاقتصادية هي فرصة لاستعادة دورنا الحضاري والقيادي، وما ذلك على الأمة بعزيز، إن هي رجعت إلى ربها، ووحّدت صفوفها، ورفعت رايتها الموحدة راية الإسلام.
﴿وَللهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
عبد العظيم الهشلمون