- الموافق
- كٌن أول من يعلق!

بسم الله الرحمن الرحيم
مناقب ثاني الخلفاء الراشدين عمر بن الخطاب رضي الله عنه
(ح3) عمر رضي الله عنه يشهد شهادة الحق
الحَمْدُ للهِ مُنْزِلِ الكِتَابْ، وَمُجْرِي السَّحَابْ، وَهَازِمِ الأَحْزَابِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى نَبِيِّنَا محمد، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أُولِي الأَلْبَابْ، وَعَلَى وَزِيرَيهِ: أَبِي بَكْرِ الصِّدِّيقْ، مَنْ لِدَعْوَةِ الحَقِّ استَجَابْ، وَالفَارُوقِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابْ، الحَاكِمِ بِالعَدْلِ، وَالنَّاطِقِ بِالصَّوَابْ، ارزُقنَا الَّلهُمَّ خَلِيفَةً مِثْلَهُ، يَخَافُكَ وَيَتَّقِيكَ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَتَرْضَى عَنْهُ يَوْمَ يَقُومُ الحِسَابْ، وَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ، وَاحْشُرْنَا فِي زُمرَتِهِمْ، بِرَحْمَتِكَ يَا كَرِيمُ يَا وَهَابْ... آمِينَ.
أيها المؤمنون:
أحبتنا الكرام:
السَّلَامُ عَلَيكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وبركاتُه، وَبَعْد: نُواصِلُ مَعَكُمْ حَلْقَاتِ كِتَابِنَا:"مَنَاقِبُ ثَانِي الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ t". وَمَعَ الحَلْقَةِ الثَّالِثَةِ، وَهِيَ بِعُنْوَانِ: "عُمَرُ رضي الله عنه يَشْهَدُ شَهَادَةَ الحَقِّ". نَقُولُ وَبِاللهِ التَّوفِيقُ:
فَمَا إِنْ وَصَلَ سَعِيدٌ، وعُمَرُ بنُ الخَطَّابِ إِلَى دَارِ الأَرقَمِ بنِ أَبي الأَرقَمِ، حَتَّى طَرَقَ عُمَرُ نَفْسُهُ البَابَ، بَعْدَ أَنِ استَأْذَنَ رَفِيقَ دَربِهِ، فَذَهَبَ الصَّحَابِيُّ بِلَالُ بنُ رَبَاحٍ، فَنَظَرَ بَينَ شُقُوقِ البَابِ، فَإِذَا هُوَ عُمَرُ مُتَوَشِّحًا سَيفَهُ، فَفَزِعِ مَنْ فِي الدَّارِ مِنْ مَقْدَمِهِ، وَاختَبَأَ ضِعَافُ المسلِمِينَ فِي أَحَدِ أرَكاَنِ الدَّارِ، فَقَالَ لَهُمْ حَمْزَةُ بنُ عَبْدِ المطَّلِبِ: لَقَدْ جَاءَنَا هَذَا الرَّجُلُ سَعْيًا عَلَى قَدَمَيهِ. لَا عَلَيكُمْ .. افْتَحُوا لَهُ؛ فَإِنْ كَانَ يُرِيدُ خَيرًا بَذَلْنَا لَهُ، وَإِنْ كَانَ يُرِيدُ شَرًّا رَدَدْنَاهُ عَلَيهِ، وَقَتَلْنَاهُ بِسَيفِهِ!!
مَا سَبَقَ مِنْ قَوْلٍ يُظْهِرُ قِيمَةَ عُمَرَ، وَقُوَّتَهُ، وَمَهَابَتَهُ، حَيثُ أَنَّهُ كَانَ مِنَ الصَّعْبِ أَنْ يُقْتَلَ عُمَرُ فِي مُوَاجَهَةٍ مُنْفَرِدَةٍ .. وَقَائِلُ تِلْكَ العِبَارَةِ هُوَ أَسَدُ اللهِ حَمْزَةَ الَّذِي ضَرَبَ أَبَا جَهْلٍ بِالقَوسِ عَلَى رَأْسِهِ وَسَطَ عَشِيرَتِهِ بَنِي مَخزُومٍ، وَلَم يَجرُؤْ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلَى مُوَاجَهَتِهِ ..
أَمَرَ النَّبِيُّ r بِفَتْحِ البَابِ، وَلَـمَّا فَتَحُوا لَهُ دَخَلَ عُمَرُ مُتَوَجّهًا بِبُطْءٍ صَوبَ رَسُولِ اللهِ r ، فَأَمْسَكَ بِهِ حَمْزَةُ مِنَ الخَلْفِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ r :«اتركْهُ يَا حَمْزَةُ»، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيهِ، وَتَقَدَّمَ يَتَصَدَّى لِهَذَا العَدُوِّ الَّلدُودِ، وَهُوَ يَأخُذُ بِمَجْمَعِ رِدَائِهِ، وَيَجْذِبُهُ جَذْبَةً قَوِيَّةً، وَيَهُزُّهُ هَزَّةً شَدِيدَةً، ثُمَّ يَأْخُذُ بِتَعنِيفِهِ عَمَّا يَحْمِلُهُ عَلَى أَنْ يَفْعَلَ مَا يَفْعَلُ بِحَقِّ المسْلِمِينَ، وَكَيفَ يَتَجَرَّأُ عَلَى المجِيءِ مُتَقَلِّدًا سَيفَهُ .. إِلَى أَنْ يَقُولَ: «مَا جَاءَ بِكَ يَا بنَ الخَطَّابِ .. فَوَ اللهِ مَا أَرَى أَنْ تَنتَهِيَ حَتَّى يُنْزِلَ اللهُ بِكَ قَارِعَةً .. مَا أَنْتَ بِمُنتَهٍ يَا عُمَرُ حَتَّى يُنزِلَ اللهُ بِكَ مَا أَنْزَلَ بِالوَلِيدِ بنِ الـمُغِيرَةِ».
فَلَمْ يَتَمَالَكْ عُمَرُ نَفْسَهُ فَسَقَطَ عَلَى رُكْبَتَيهِ أَمَامَ رَسُولِ اللهِ r ..فَأَكْمَلَ r قَائِلًا: «أَمَا آنَ الأَوَانَ يَا بنَ الخَطَّابِ؟ .. أَمَا آنَ لَكَ أَنْ تُسْلِمَ؟». فَرَدَّ عُمَرُ t بِصَوتٍ خَفِيضٍ: يَا رَسُولَ اللهِ .. جِئْتُ لأُؤمِنَ بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ، وَبِمَا جَاءَ مِنْ عِندِ اللهِ .. وَإِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ محمداً رَسُولُ اللهِ، فَمَا إِنْ نَطَقَهَا حَتَّى تَهَلَّلَ وَجْهُ رَسُولِ اللهِ ﷺ، وَكَبَّرَ المسْلِمُونَ فِي اللَّحْظَةِ نَفْسِهَا، فَسُمِعَ دَوِيُّ التَّكْبِيرَةِ فِي طُرُقَاتِ مَكَّةَ .. لِمَ لَا؟ وَهُوَ مَنْ هُوَ، الفَارُوقُ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ الَّذِي بِهِ فَرَّقَ اللهُ بَينَ الحَقِّ وَالبَاطِلِ، وَكُلُّ مَنْ فِي مَكَّةَ يَعْلَمُ مِنْزِلَتَهُ؟ وَأَيُّ استِفَادَةٍ سَيَجْنِيهَا الإِسْلَامُ بِدُخُولِ عُمَرَ فِيهِ؟ لَقَدْ كَانَ عُمَرُ رضي الله عنه حَاسِمًا صَرِيحًا بِأْن أَعْلَنَ أَنَّهُ جَاءَ لِيُؤْمِنَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ، وَيَشْهَدَ شَهَادَةَ الحَقِّ.
كُلُّ مَنْ أَسْلَمَ تَقْرِيبًا كَانَ يُخْفِي أَمْرَ إِسْلَامِهِ إِلَّا عُمَرَ وَنَفَرًا قَلِيلًا، وَحَتَّى مَنْ أَعْلَنَ إِسْلَامَهُ لَمْ يُعْلِنْهُ فِي صُورَةِ الـمُوَاجَهَةِ مَعَ سَادَةِ قُرَيشٍ .. إِلَّا عُمَرَ .. فَمَا إِنْ أَسْلَمَ إِلَّا وَكَانَتْ تَجْتَاحُهُ رَغْبَةٌ فِي تَعْوِيضِ مَا قَامَ بِهِ فِي جَاهِلِيَّتِهِ، فَانتَظَر حَتَّى يُصْبِحَ الصَّبَاحُ، ثُمَّ خَرَجَ أَولًا إِلَى بَيتِ أَبِي جَهْلٍ، فَلَمَّا فَتَحَ لَهُ أَبُو جَهْلٍ البَابَ، فَمَا إِنْ أَطَلَّ حَتَّى رَأَى عَلَى وَجُهِ صَاحِبِهِ مَا يُنْبِئُ بِنَذِيرِ شُؤْمٍ حَتَّى اكْفَهَرَّ وَجْهُهُ مِنَ العُبُوسِ، إِلَّا أَنَّهُ غَالَبَ مَشَاعِرَهُ، وقَالَ لَهُ: مَرْحبًا بِابنِ أُخْتِي- حَيثُ إِنَّ وَالِدَةَ عُمَرَ مِنْ بَنِي مَخزُومٍ- مَا الَّذِي أَتَى بِكَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ؟ فَمَا كَانَ مِنْ عُمَرَ إِلَّا أَنِ ابتَدَرَهُ بِالرَّفْضِ.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة، مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِمًا، نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ، سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام، وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا، وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه، وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ فِي القَريبِ العَاجِلِ، وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها، إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم، وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.
كتبها لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير الأستاذ: محمد أحمد النادي