- الموافق
- كٌن أول من يعلق!

بسم الله الرحمن الرحيم
مناقب ثاني الخلفاء الراشدين عمر بن الخطاب رضي الله عنه
(ح5) عمر رضي الله عنه يطوف بالكعبة متحدياً
الحَمْدُ للهِ مُنْزِلِ الكِتَابْ، وَمُجْرِي السَّحَابْ، وَهَازِمِ الأَحْزَابِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى نَبِيِّنَا محمد، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أُولِي الأَلْبَابْ، وَعَلَى وَزِيرَيهِ: أَبِي بَكْرِ الصِّدِّيقْ، مَنْ لِدَعْوَةِ الحَقِّ استَجَابْ، وَالفَارُوقِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابْ، الحَاكِمِ بِالعَدْلِ، وَالنَّاطِقِ بِالصَّوَابْ، ارزُقنَا الَّلهُمَّ خَلِيفَةً مِثْلَهُ، يَخَافُكَ وَيَتَّقِيكَ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَتَرْضَى عَنْهُ يَوْمَ يَقُومُ الحِسَابْ، وَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ، وَاحْشُرْنَا فِي زُمرَتِهِمْ، بِرَحْمَتِكَ يَا كَرِيمُ يَا وَهَابْ... آمِينَ.
أيها المؤمنون:
مستمعينا الكرام مستمعي إذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير:
السَّلَامُ عَلَيكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وبركاتُه، وَبَعْد: نُواصِلُ مَعَكُمْ حَلْقَاتِ كِتَابِنَا:"مَنَاقِبُ ثَانِي الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه". وَمَعَ الحَلْقَةِ الخَامِسَةِ، وَهِيَ بِعُنْوَانِ: "عُمَرُ رضي الله عنه يَطُوفُ بِالكَعْبَةِ مُتَحَدِّيًا". نَقُولُ وَبِاللهِ التَّوفِيقُ:
لَمْ يَكْتَفِ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رضي الله عنه بِمَا سَبَقَ مِنْ مُقَاتَلَةِ عَشَرَاتِ الرِّجَالِ الَّذِينَ غَاظَهُمْ بِإِسلَامِهِ، وَأَغْضَبَهُمْ بِإيمَانِهِ، فَفِي اليَومِ التَّالِي خَرَجَ إِلَى قَومِهِ بَنِي عَدِيّ، وَقَالَ: "يَا بَنِي عَدِيّ .. اعْلَمُوا أَنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهَ وَأَنَّ محمداً رَسُولُ اللهِ، وَلَا أَقْهَرُكُمْ عَلَى الأَمْرِ مِثْلَمَا قَهَرتُكُمْ عَلَى البَاطِلِ مِنْ قَبْلُ".
ثُمَّ رَجَعَ إِلَى بَيتِهِ، فَجَمَعَ أَولَادَهُ، وَأَخْبَرَهُمْ بِأَمْرِ إِسْلَامِهِ، وَأَمَرَهُمْ بِأَنْ يُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ، وَذَلِكَ امتِثَالًا وَتَطبِيقًا لِقَولِ اللهِ جَلَّ فِي عُلَاهُ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ). (التحريم 6) وقوله جل وعلا: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ). (طه 132) فَإِذَا بِابْنِهِ الأَكْبَرِ عَبدِ اللهِ يَقُولُ لَهُ: يَا أَبَتِ أَنَا مُسْلِمٌ مُنذُ عُمْرٍ، فَاحْمَرَّ وَجْهُ عُمَرَ رضي الله عنه وَقَالَ لَهُ: "وَتَتْركُ أَبَاكَ يَدْخُلُ جَهَنَّمَ .. وَاللهِ لأَوُجعَنَّكَ ضَرْبًا".
وَبِخِلَافِ أَهْلِ بَيتِهِ، وَقَومِهِ بَنِي عَدِيّ اسْتَمَرَّ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رضي الله عنه فِي مُبَادَرَتِهِ بِالموَاجَهَةِ فَقَد كَانَ رضي الله عنه عَزيزًا شُجَاعًا، لَا يَقْبَلُ بِالتَّخَفِّي، فَذَهَبَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ: "يَا رَسُولَ اللهِ .. أَلَسْنَا عَلَى الحَقِّ؟" أَجَابَهُ: بَلَى، فَأَكْمَل عُمَرُ قَائِلًا: أَلَيسُوا عَلَى البَاطِلِ يَا رَسُولَ اللهِ؟ -يَعنِي المشْرِكِينَ- فَأَجَابَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: بَلَى، فَأَكْمَلَ عُمَرُ: فَفِيمَ الخِفْيَةُ؟ وَلِمَ نُعطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا؟ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: فَمَا تَرَى يَا عُمَرُ؟ فَرَدَّ عُمَرُ: نَخْرُجْ، فَنَطُوفَ بِالكَعْبَةِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: نَعَمْ يَا عُمَرُ.
وَهُنَا لَا بُدَّ مِنْ تَوضِيحِ أَمْرٍ مُهِمٍّ، أًلًا وَهُوَ أَنَّ عُمَرَ لَيسَ أَشْجَعَ مِنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ، بَلْ إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ أَشْجَعَ النَّاسِ، وَلَم يَكُنْ لِيَخَافَ مِنْ قُرَيشٍ أَبَدًا، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ: (إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ). (النمل 10) فَقَدْ كَانَ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّى وَحْدَهُ فِي الحَرَمِ، وَلَكِنَّ فِقْهَ المرْحَلَةِ وَكَونَ المسْلِمِينَ فِي مَرْحَلَةِ ضَعْفٍ كَانَ يَتَوَجَّبُ عَلَيهِمْ عَدَمُ الموَاجَهَةِ المبَاشِرَةِ مَعَ المشْرِكِينَ قَبْلَ أَنْ يَمتَلِكُوا وَسَائِلَ التَّمْكِينِ، وَكَانَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رضي الله عنه أَحَدَ تِلْكَ الوَسَائِلِ، فَمَا إِنِ امْتَلَكَهَا المسْلِمُونَ حَتَّى أَذِنَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ بِالظُّهُورِ ..
وَحِينَ أَزِفَتِ السَّاعَةُ، وَوَقَفَتْ مَكَّةُ كُلُّهَا تَشْهَدُ نُقْطَةَ تَحَوُّلٍ جَدِيدٍ فِي التَّارِيخِ، وَهِيَ إِظْهَارُ كُتْلَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَدِ انتَظَمَ المسْلِمُونَ مِنْ أَمَامِ دَارِ الأَرْقَمِ بْنِ أَبِي الأَرقَمِ فِي صَفَّينِ اثنَينِ: عَلَى رَأْسِ الصَّفِ الأَوَّلِ عَمُّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَمْزَةُ بنُ عَبدِ المطَّلِبِ. وَعَلَى رَأْسِ الصَّفِّ الثَّانِي عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رضي الله عنه. وَأَمَامَ الجَمِيعِ آيَةُ اللهِ تَتَهَادَى فِي شَخْصِ رَسُولِهِ محمد بنِ عَبدِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. لَقَدْ خَرَجُوا فِي هَذَا التَّنظِيمِ الدَّقِيقِ الَّذِي لَمْ تَعْهَدْهُ قُرَيشٌ مِنْ قَبْلُ، مُتَوَجِّهِينَ نَحْوَ الكَعْبَةِ المبَارَكَةِ؛ لِيَطُوفُوا عَلَى أَعْيُنِ الملَأ مِنَ المشْرِكِينَ، وَلِيُصَلُّوا عَلَى رُؤُوسِ الأَشْهَادِ، جَمَاعَةً وَاحِدَةً مُؤْتَمَّةً بِنَبِيِّهَا الكَرِيمِ. وَالمشْرِكُونَ وَاقِفُونَ يَرقُبُونَ مَا يَجْرِي تَحْتَ سَمْعِهِمْ وَبَصَرِهِمْ، وَهُمْ لَا يَكَادُونَ يُصَدِّقُونَ مَا يَرَونَ وَيَشْهَدُونَ، فَقَدْ أَثَّرَ فِيهِمْ هَذَا الخُرُوجُ فَأَدْهَشَهُمْ، وَجَعَلَهُمْ يَشْعُرُونَ وَكَأَنَّ الأَرْضَ تَـمِيدُ بِهِمْ، فَلَمْ يَفْعَلُوا شَيئًا، بَلْ ظَلُّوا فِي مَوَاقِعِهِمْ وَاجِمِينَ، دُونَمَا أَدْنَى إِشَارَةٍ إِلَى تَفْرِقَةِ المسْلِمِينَ، أَوْ أَقَلِّ تَحَرُّكٍ لِمَنْعِهِمْ مِمَّا هُمْ عَلَيهِ. وَلَكِنْ سُرعَانَ مَا تَبَدَّلَ الموْقِفُ بِشَكْلٍ مُفَاجِئٍ، وَحَصَلَتْ رَدَّةُ الفِعْلِ بِصُورَةٍ سَرِيعَةٍ، وَفَورِيَّةٍ عِندَمَا انتَهَى المسْلِمُونَ مِنْ صَلَاتِهِمْ. اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلَام بِمِثْلِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه وَأَرضَاهُ!!
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة، مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِمًا، نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ، سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام، وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا، وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه، وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ فِي القَريبِ العَاجِلِ، وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها، إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم، وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.
كتبها لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
الأستاذ: محمد أحمد النادي